بكر صدقيصفحات سورية

الغارة التركية على سنجار وكراتشوك: هل من جديد؟/ بكر صدقي

 

 

 

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريحات أدلى بها إلى وكالة رويترز للأنباء إنه تم إعلام الأمريكيين والروس وحكومة إقليم كردستان، مسبقاً، بالضربات الجوية التي نفذها الطيران التركي ضد مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق وسوريا (سنجار وكراتشوك على التوالي)، وقتل فيها 70 من مقاتلي الحزب وامتداداته الإقليمية، وفقاً لبيان قيادة أركان الجيش التركي.

أما الناطق باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر فقد أكد أن بلاده لم توافق على العملية الجوية التركية، وأنها تشعر بالقلق من تداعياتها.

على رغم التباين في صيغتي التصريحين، بين «الإعلام المسبق» و»عدم الموافقة» المترافقة مع «القلق»، فالمرجح أن تواطؤاً من نوع ما بين الطرفين أدى إلى هذا الاختراق الجديد لـ»قواعد الاشتباك» كما يقال، في تلك المنطقة الحساسة من زاويتي نظر «الحرب الدولية على داعش» و»متطلبات الأمن القومي التركي». حكومة إقليم كردستان في شمال العراق ـ الحليفة المقربة من أنقرة، شجبت بدورها العملية العسكرية التركية التي راح ضحيتها خمسة مقاتلين من البيشمركة التابعة لحكومة الإقليم، وطالبت حزب العمال الكردستاني، بالمقابل، بسحب مقاتليه من منطقة سنجار.

مجموع هذه المواقف يعني ما يلي: استمرار الإدارة الأمريكية الجديدة في سياسة إمساك العصا من الوسط بين الحليفين التركي والكردي، كما كانت الحال في عهد إدارة أوباما؛ واستمرار أردوغان في سياسة الأرض المحروقة في حربه على الكردستاني، بعد فوزه في الاستفتاء على تحول تركيا إلى النظام الرئاسي، كما كانت الحال قبل ذلك.

متسلحاً ـ ربما – بتحديد موعد للقائه المرتقب بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعدما أقلقه تأخر الموافقة الأمريكية على اللقاء؛ متنمراً على المعارضة الداخلية التي «انتصر» عليها في معركة الاستفتاء؛ ومقدماً رشوة جاذبة إلى فلول حزب الحركة القومية الذي بات مهدداً بالتفكك بسبب تحالف قيادته مع «العدالة والتنمية» في الاستفتاء بالإيجاب على تسليم الدولة التركية لـ»نظام الرجل الواحد» وفقاً لتوصيف المعارضة… ضرب «الطيب» ضربته الموعودة منذ أشهر في جبل سنجار، ومعه جبل كراتشوك على الجانب السوري من الحدود، في إطار حربه المتصلة على الكيان الكردي المفترض في شمال سوريا، امتداداً لحربه الداخلية على المناطق الكردية داخل تركيا نفسها.

بعيداً عن التبريرات المعهودة التي تحاول تجزئة الهدف وتفكيك الرواية، أثبتت ضربات 25/4/2017 في سنجار وكراتشوك، المترافقة بأخبار الحرب التركية الداخلية التي لم تنته، وحدة الهدف لدى «الدولة التركية العميقة» التي باتت متطابقة مع الدولة الظاهرة منذ قضاء أردوغان على وصاية الجيش على الحياة السياسية، وخصوصاً منذ الانقلاب العسكري الفاشل، في 15 تموز 2016، وتداعياته المستمرة. وحدة الهدف قائمة هنا على الحساسية التركية الثابتة ضد المسألة الكردية، منذ قيام الجمهورية التركية إلى اليوم، بصرف النظر عن تبدل الأحوال في تركيا وجوارها. حين صعد حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، على أكتاف شعبية كاسحة، في العام 2002، ولدت آمال كبيرة بتغيير أحوال تركيا إلى الأمام. ومنذ العام 2004، شملت تلك الآمال المسألة الكردية أيضاً، حين انتقلت الدولة التركية من الإنكار المنهجي لوجود الهوية الكردية إلى الاعتراف بوجود قضية مظلومية كردية تجب معالجتها. وتلت ذلك الاعتراف خطوات إلى الأمام، مهما كانت مترددة وخجولة، وصولاً إلى المفاوضات المباشرة مع حزب العمال الكردستاني، وإلى إعلان عبد الله أوجالان عن «نهاية الكفاح المسلح» في آذار 2013.

كان ذلك المسار السلمي يعني إنهاء الحرب الداخلية المستمرة في تركيا منذ العام 1984، وإدماج الكرد في السياسة الوطنية من خلال مؤسسات الدولة. والحال أن كل شيء انقلب إلى ضده، منذ تمكن الحزب السياسي الكردي من دخول البرلمان للمرة الأولى بقوائمه الخاصة، متحدياً حاجز الـ10 في المئة الذي وضعه انقلابيو الجنرال كنعان إيفرين في العام 1983. فلم يمض شهران على ذلك الحدث التاريخي بالنسبة لتركيا وكردها، سواء بسواء، حتى اندلعت الحرب من جديد، بعد هدنة امتدت سنوات، وبأشرس من الجولات السابقة. اتهمت الحكومة حزب العمال الكردستاني بإطلاق تلك الحرب، واتهم الحزب السياسي الكردي (الشعوب الديموقراطي) الحكومة بافتعال ذريعة للحرب المبيتة، بهدف إلغاء نتائج انتخابات 7 حزيران 2015.

وإذا كان صحيحاً أن جناح جميل بايك المقرب من إيران قد افتعل ذريعة للعودة إلى أجواء الحرب، في إطار الحسابات الاستراتيجية لطهران بشأن سوريا والإقليم، فقد كان بوسع الحكومة التركية أن تعزل التنظيم المسلح، من خلال جذب قاعدته الاجتماعية (الكردية) لمصلحة الحل السياسي، لا العسكري ـ الأمني، لمشكلة لا يمكن حلها بالمدافع والطائرات، على ما أثبت التاريخ الطويل من الصراع الدموي الذي كلف الطرفين عشرات آلاف القتلى. وهذه هي، أصلاً، مهمة الدولة: عزل ما تسميه بـ»الإرهاب» وإدماج القاعدة الاجتماعية. إن لم تكن هذه هي السياسة، فماذا تكون؟

خبران ترافقا زمنياً مع الغارات الجوية التركية على سنجار وكراتشوك: الأول قرار المجلس البرلماني للاتحاد الأوروبي بوضع تركيا مجدداً تحت المراقبة، فيما يتعلق بمدى التزامها بمعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان. والثاني التقرير السنوي لمنظمة مراسلون بلا حدود الذي أشار إلى تراجع ترتيب تركيا أربع درجات في تصنيف الدول من حيث حرية العمل الصحافي، بالقياس إلى العام الماضي، ليصبح ترتيبها 155 بين 180 دولة مشمولة بالتصنيف.

فإذا أضفنا أن كل ما سبق قد تقاطع مع ذكرى التهجير الأرمني في العام 1915، وما يرافق هذا التاريخ المشؤوم كل عام من مواقف دولية تزيد من عزلة تركيا وإظهارها في موقع المذنب المعرَّض للتوبيخ، أمكننا القول إن تركيا ليست بخير. وهي بأمس الحاجة إلى إعادة النظر في السكة التي تمضي عليها نحو المجهول.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى