صفحات الناس

المدرسة لم تعد كابوسا مزعجاً للأطفال السوريين في أوروبا/ نسرين أنابلي

 

 

غازي عنتاب ـ «القدس العربي»: مستقبل الأطفال وضمان حقهم في الحصول على التعليم الجيد بكافة مراحله هو أحد الأسباب الأساسية التي تدفع السوريين لتحمل مخاطر طريق الوصول إلى الفردوس الأوروبي، إضافةً للسبب الأساسي ألا وهو البحث عن الأمان والاستقرار.

كثير من الأطفال السوريين حققوا نجاحا سريعا وملحوظا في تعلم اللغة والانخراط في الفصول الدراسية في البلد الأوروبي الذي يقيمون فيه؛ ولكن ما الذي وفرته المدارس الأوروبية لأطفال سوريا لترغيبهم بالتعليم ومحو الرتابة والنفور الذي كان الطلاب يشعرون به تجاه المدارس والآلية التعليمية في سوريا؟

تعليم ممزوج باللعب والمرح

رشا محمد والدة الطفل ياسر (12سنة) يقيمان في السويد منذ عامين تقريبا تحدثت عن مخاوفها سابقا من ألا يستطيع ياسر تقبل فكرة العودة إلى الدراسة مجددا لاسيما أنه انقطع عنها ثلاث سنوات بسبب الحرب.

تقول رشا لـ «القدس العربي»، «نحن نعلم أن أي إنسان بجميع المراحل العمرية غالبا عندما ينقطع عن ممارسة شيء لمدة طويلة يصعب عليه مواصلته مجددا؛ لكن بالنسبة لياسر لمست فيه الرغبة في الانخراط مع الطلبة في المدرسة وتعلم لغتهم وهذا بسبب طبيعة الروتين المدرسي المختلف عن روتين مدارسنا المضجّر للطلاب».

تتابع قائلة «في نظام التعليم السوري يركزون على حشو رأس الأطفال بالمعلومات دون إعطاء أهمية أنهم أطفال بالأساس وبحاجة لأن تعطيهم فسحة من المرح خلال الدوام المدرسي، وهذا يخلق حالة من النفور لديهم يواجهونها بالتشتت الذهني وعدم رغبتهم بالإنصات لما يُملى عليهم من معلومات، أما في المدارس السويدية فهم يخصصون أوقاتا لكل شيء، للعب والأنشطة الرياضية والتعلم، الأمر الذي يجعل الطالب لا يمل من الدوام الدراسي بل على العكس يجده مسليا ومفيدا في الوقت نفسه».

ينوّه رائف الأغا، وهو لاجئ سوري في السويد أيضا، إلى أهمية تركيز المدارس السويدية على تعليم الأطفال الأنشطة الرياضية والفنية وغيرها إذ لابد حسب قوله أن يجد الطفل متسعا من الوقت لكي يكتشف ميوله وهواياته المفضلة، الامر الذي سينعكس إيجابا على نفسيته وتكوين شخصيته تدريجياً خلال المراحل العمرية اللاحقة.

ويضيف «أذكر في المدارس السورية أن حصة الرياضة والموسيقا هي وقت مستقطع للهو الأطفال بشكل عبثي دون تعلم أي شيئ مفيد، وغالبا لم يكن يوجد أساتذة لهاتين المادتين، لا يوجد عندنا أي اهتمام لميول الأطفال ومواهبهم وهذا الأمر كفيل بالقضاء على الجانب الإبداعي في شخصياتهم».

التشاركية والنقد

يؤكد ناشطون أن من درس في المدارس السورية يستطيع أن يدرك تماما حجم ما يتعرض له الطلاب من خضوع وسيطرة من قبل الكادر التدريسي والإداري، حيث تتسم العلاقة بين الطالب والإدارة بالخوف والتبعية هرباً من العنف الجسدي والمعنوي، فالمدارس في سوريا كانت أشبه بثكنات عسكرية يتعرض فيها الطلاب لعقوبات شتى ولأسباب تافهة، وهذا من شأنه أن يلغي ذاتية الطالب وشخصيته المستقلة وتحلّيه بروح المبادرة، لأنه يذوب في بوتقة الإدارة وينصاع لتوجيهاتها دونما أي تفكير أو قدرة على التعبير، وهذا كله يجعل من المدرسة كابوساً يحلم الطلاب دائما بالخلاص منه.

في حين تعتمد الدنمارك مثلا نظاماً تعليميا يعمل على تعزيز وبناء شخصية الطفل وقدرته على الحوار والنقاش مع الأساتذة سواء في الأمور العامة أو الخاصة بهم وحقه في تبني وجهة نظر خاصة به، حتى أن الطلاب بإمكانهم تشكيل لجنة أو مجموعة بين الحين والآخر لمناقشة إدارة المدرسة في القرارات التي تتخذها.

لدى الطالب في الدنمارك حق مناقشة أستاذه إذا كان شرحه للمادة غير مفهوم بالنسبة له على عكس ماكان في المدارس السورية فنقد أسلوب المعلم في الشرح يعتبر قلة أدب وعدم تهذيب يستوجب العقوبة.

يسعى نظام التعليم في الدنمارك لتنمية مفهوم التشارك مع الآخر بأدق وأبسط التفاصيل لاسيما للأطفال دون سن العاشرة.

جيداء سرديني معلمة سورية سابقا ولاجئة في الدنمارك منذ سنتين تقريبا تتحدث عن تجربة ابنتها ذات الأعوام الخمسة في ارتياد الحضانة أو ما يسميه الدنماركيون بالصفوف التحضيرية. حيث استطاعت أن تلمس بعض التغييرات في شخصية ابنتها خلال تعاملها مع بقية الأطفال «من المهم جدا أن يتعلم الطفل مشاركة أقرانه في كل شيء، في ألعابه وطعامه فمثلا عندما أرى ابنتي وهي تجلس مع بقية الأطفال حول مائدة الإفطار في الحضانة وتتشارك الطعام مع أصدقائها وهي تبتسم أشعر بالسعادة، فالمدارس السورية تكرس ثقافة الفصل في كل شيء، يفصلون الطلاب المتفوقين عن زملائهم الأقل مستوى منهم، ويهتمون بأطفال الطبقة الغنية أكثر من أطفال الطبقة المتوسطة والفقيرة».

وتضيف «ومن ناحية أخرى وبصفتي معلمة استطيع أن أقدّر تماما ما معنى أن يتناول جميع الأطفال الطعام معاً، هذا الأمر يجعلهم يشعرون بأنهم متساوون بالمقدار نفسه من العناية والاهتمام، عندما كنت أدرّس في سوريا كنت ألاحظ – وهذا بسبب تفاوت المستويات المادية- أن الأطفال الأكثر فقرا ينظرون بحسرة لهؤلاء الذين يأتون للمدرسة وحقيبتهم مليئة بالشوكولا والسكاكر أو الفاكهة، أما في الدنمارك لا ينتاب الطفل أي إحساس بالدونيّة تجاه الآخرين لأنهم يجلسون على المائدة نفسها ويأكلون الوجبة ذاتها ، وهذا أمر مهم جدا من الناحية النفسية برأيي وليس فقط الغذائية».

ليس من الضروري أن يكون الجميع أطباء ومهندسين

عندما نتجول في شوارع سوريا قبل الحرب سنجد كمّاً كبيرا من عيادات الأطباء ومكاتب الهندسة. ويرجع ذلك لنظرة المجتمع التي تمنح الأطباء والمهندسين التقدير والاحترام في محيطهم الاجتماعي أكثر من باقي التخصصات لاسيما العمّال والحرفيين، إضافة لعدم أهلية المعاهد المهنية والصناعية واعتمادها على الدراسة النظرية فقط الأمر الذي يؤدي لتخريج طلاب لا يتقنون المهن التي من المفترض أنهم تعلموها في المعهد، حتى أن الكثير منهم يفضلون عدم ارتياد هذه المعاهد لأنها دون فائدة، في حين تُولي ألمانيا على سبيل المثال أهمية كبيرة للتعليم المهني الذي يعتبر من أهم نظم التعليم المهنية على مستوى العالم، ويدخل التعليم المهني في النظام التعليمي للطلاب منذ المرحلة الأساسية التي تشمل الإعدادية والثانوية، حيث تُخصص ساعات خلال الاسبوع لتعليم الطلاب النجارة والكهرباء وصيانة الالكترونيات والتطريز والخياطة وغيرها الكثير، وإلزامية الطلاب بتعلّم هذه الأمور من شأنها أن تُنشئ جيلا يحترم المهن اليدوية ولا ينظر لأصحابها نظرة دونية لأنه من غير المنطقي أن يكون جميع أفراد المجتمع أطباء أو مهندسين أو أساتذة مدرسة وجامعات.

مجانية التعليم التي يتفاخر بها النظام السوري دائما ليست هي الشيء الوحيد القادر على النهوض بالمستوى العلمي للأطفال والشباب، فقبل كل هذا هم بحاجة لمن يستوعب فكرهم ويتبنى إبداعهم ورغباتهم، وأن «يكون الطالب هو من يقرر مصيره وليس جدول الأرقام في مفاضلة القبول الجامعي أو العلامات الإضافية التي تُمنح له لأنه حزبي»، حسب ما يقوله ناشطون.

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى