صفحات الثقافة

الوزنُ الزائد من علامات الحُب/ وداد نبي

 

 

(1) أمشي في شــــارعٍ ٍ من شوارع برلــــين، على كلا طرفيه مقاهٍ قـــــديمة محاطة بطـــــاولاتٍ خشبية توحي بحميمـــــية المكان في مدينة يركضُ فيها الجميع ساحقين تحت خطـــــواتهم العجلى الهيـــئة القديمة لمعنى مفردة «الحميمية».

الشمس غير المبالية بالركض السريع للبشر تلعبُ «لعبة الغميضة» فوق رأسي مع الغيمات الصغيرات، وأنا أدندن بخفةٍ «أغار عليها من فمي المتكلم.. أغار عليها من أبيها وأمها إذا حدثاها بالكلام المغمغم.. واصحبوها لتربتي فعظامي – تشتهي أن تدوسها قدماها» كانت كلمات الأغنية تتكرر في مسمعي حتى شعرتُ بأنني خسرتُ كل الوزن الذي لدي، وأنني أمشي بخفةِ الغبار الذي على طاولات المقاهي المحيطة بي، وذلك حين اصطدمت دون أن أنتبه بلائحةِ إعلانٍ طرقــــية مكتوب عليها بالألمانية «تريـــــدين تخفيض وزنك.. الحل لدينا.. للتسجيل في النادي اتصلي بالرقم..»….» ابتسمت للوحــــة الإعلانية، المساكين يركضون وراء خسارة كيلوغرامـــات من الوزن بحثاً عن قنطار واحدٍ من السعادة والحُب، هم لا يعرفون أن الوزن الزائد من علاماتِ الحب.

(2)

الميزان يشير للوزن الذي خسرته خلال الأشهر الماضية، إذن لم أعد عاشقة، أنا الآن هالة حزنٍ يمكن أن تطيِّرها أي خيبة على وجه أي كائن عابر، لون بشرة سوداء كانت لامعة مختفية الآن تحت طلاء من مساحيق التجميل. كلمة وداعاً حفظتها البشرية عن ظهر قلبٍ.

أنا الآن.. رقم الوزن الذي فقدتهُ في الركضٍ وراء الحب

(3)

حافظت على إيقاع الحياة هادئاً في صدري، منذ فقدت وزني الزائد: «كيلوغرامين» فقط لاغير، رغمها أنا الآن أكتفي بتنهيدة صغيرة على كل ما يحدث من أسى في هذا العالم، أطلق تنهيدتي الصغيرة في الهواء فتحلِّق بجناحين من الأسى كأنها تمشي على تراب قبر الشاعر الذي كتب القصيدة «أغار عليها « الأسى الذي نفهمهُ جيداً بعد أن نفقد الوزن الزائد الذي اكتسبناهُ من حب مضى.

(4)

كمن به مسٌّ من الحُب.. أكتبُ اسمكَ كاملاً

بإيقاعهِ الموسيقي في محرك البحث غوغل فتظهر لي صوركَ.. كتاباتكَ.. تاريخ ميلادك.. صوتكَ.. مسقطُ رأسك.

وحدهُ الوزن الزائد الذي اكتسبته في الحُب لا يظهر.

(5)

 

في الحُلم

شاهدت «أنا كارنينا» بعد أن تماثلت للشفاء من موتها تحت عجلات القطار، الذي هرس عظامها والحب الذي سكنها. في الحلم كانت آنا كارنينا بوزن زائد واضح

وكانت الابتسامة على وجهها مضيئة كنجمةٍ وتردد في أذن بائع التذاكر البدين في محطة القطار، «الوزن الزائد من علامات الحُب والسعادة».

(6)

الفقدان سهل.. حيث كل شيء يتلاشى سريعاً ككلمة: وداعاً

كبضع كيلو غرامات من الوزن اكتسبناها في الحب وخسرناها في الغياب

كجبلٍ من الذكريات صنعناها في سنوات ونسيناها في لحظةِ قسوة لها رائحة المعدن الذي تدار به الحروب في العالم.

(7)

لن تفهم الأمر في البداية

ستُحيلُه لخلل في الهرمونات

رغبتكَ هذه

بمشاهدة شخص واحد في هذا العالم

وهو يقوم بأتفهِ وأبسط الأشياء

وهو يقوم بطحنِ حبات الهال في المطبخ

وهو يدهن الزبدة والمربى على الخبز

الطريقة التي يغسل بها أسنانه في الحمام

أو أن تقع في حب تلك الكيلوغرامات الزائدة التي يكتسبها في الوزن

ستعتقدُ لسنوات ٍ أن الأمر هو خلل في الهرمونات

فقط حين تعيشُ الخفة القديمة التي عرفتها مرة وأنت تخلطُ النبيذ الأحمر مع النبيذ الأبيض

حينها ستدركُ أن الحب قد مسكَ مرة أخرى

وما الوزن الزائد الذي اكتسبتهُ إلا علامة من علاماته الكثيرة.

 

٭ شاعرة سورية

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى