صفحات الناس

بعد تهديد أردوغان بإغراق أوروبا باللاجئين «القدس العربي» ترصد استعدادات المهاجرين من تركيا براً وبحراً/ سماعيل جمال

 

 

اسطنبول ـ «القدس العربي»: تنتعش آمال الشاب الفلسطيني (محمد.ر) من قطاع غزة والمتواجد في اسطنبول في إمكانية قرب نجاح مساعيه للوصول من تركيا إلى بلغاريا براً بعد 9 محاولات فاشلة خلال الأسابيع الماضية نتيجة الإجراءات الأمنية المشددة التي تفرضها السلطات التركية بناءاً على اتفاق اللاجئين مع الاتحاد الأوروبي.

هذه الآمال أنعشتها الأنباء المتسارعة عن دخول العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي مرحلة جديدة من التصعيد غير المسبوق والذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى نسف تركيا لاتفاق اللاجئين مع الاتحاد وفتح الأبواب أمام اللاجئين للدخول إلى أوروبا، بحسب ما هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشكل صريح، قبل أيام.

يقول محمد لـ»القدس العربي»: «خرجت من قطاع غزة إلى تركيا بسبب انعدام مقومات الحياة هناك، أعمل منذ أسابيع للوصول إلى بلغاريا للتوجه من هناك إلى بلجيكا، أصدقائي سبقوني إلى هناك، لكن الإجراءات الأمنية التركية منعتني من ذلك، وأنتظر أن تطبق تركيا تهديداتها بفتح الحدود لكي أتمكن من الوصول إلى هدفي».

وعلى طريقة محمد، يواصل الشاب العراقي (أوس.ج) محاولات العبور من تركيا إلى بلغاريا برفقة والدته وشقيقيه. ورغم قيامه بثلاث محاولات فاشلة، يقول لـ»القدس العربي»: «لا توجد أمامي خيارات، سأبقى أحاول حتى نتمكن من الدخول إلى أوروبا، أقربائي هناك يعيشون حياة كريمة بينما نحن هربنا من الموت في العراق ولن نعود إلى هناك.. دفعنا كل ما نملك للمهربين».

محمد وأوس عينة من عشرات آلاف يعيشون في تركيا على أهبة الاستعداد من أجل استغلال اللحظة المناسبة للعبور إلى أوروبا، حيث يصل إلى اسطنبول أعداد كبيرة من السوريين والعراقيين والفلسطينيين والأفغان وآخرين من جنسيات مختلفة للحصول على فرصة مناسبة للوصول إلى أوروبا إما براً من خلال بلغاريا أو بحراً من خلال اليونان.

الشاب السوري (هاون.ح) أكد « أنه عازم على الذهاب إلى أوروبا بكل الطرق الممكنة، لكنه قال: «أنتظر الوقت المناسب، الآن نحن في فصل الشتاء والأجواء ما زالت صعبة، والأمن التركي شدد إجراءاته، أملنا كبير أن يتغير الموقف التركي ونحن نتابع يومياً الأنباء عن احتمال انهيار الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي».

وارتفعت بشكل كبير جداً أعداد الأفغان الذين يصلون إلى تركيا بهدف الهجرة إلى أوروبا، يضافون إلى أعداد هائلة من بين 3 ملايين لاجئ سوري في تركيا يسعون للهجرة، وفي حين يتوقع زيادة أعداد العراقيين الفارين من تصاعد المعارك في بلادهم، وعلمت «القدس العربي» أن مئات الشبان الفلسطينيين من قطاع غزة وصلوا مؤخراً من خلال معبر رفح إلى تركيا بعد حصولهم على تأشيرات دخول بحجة الدراسة أو السياحة بهدف الهجرة لأوروبا.

الهجرة بحراً عبر اليونان

وطول السنوات الماضية، ضلت اليونان الطريق الأسهل والأقصر والأرخص للاجئين للوصول من تركيا إلى أوروبا، لكن اتفاق اللاجئين بين أنقرة وبروكسل أدى إلى تراجع كبير جداً في أعداد المهاجرين من خلال هذا الطريق، حيث شددت السلطات التركية وخفر السواحل إجراءاهم الأمنية طوال الأشهر الماضية، كما أن ارتفاع المخاطر في فصل الشتاء يؤدي بالعادة إلى قلت رحلات الهجرة من السواحل التركية إلى الجزر اليونانية.

ويقول (إ.غ) أحد المهربين الذين يشرفون على تسيير الرحلات من سواحل تركيا لليونان لـ»القدس العربي»: «نُسير عدد قليل جداً من الرحلات في الأسابيع الأخيرة، فالإجراءات الأمنية من قبل خفر السواحل التركي مشددة جداً، لكن الطلبات تنهال علينا بغزارة، الآلاف يريدون العبور من تركيا لأوروبا رغم مخاطر الشتاء كل ذلك على أمل انهيار الاتفاق بين تركيا والاتحاد وتراجع إجراءات الأمن التركي إلى ما كان عليه الأمر قبيل الاتفاق (اتفاق إعادة قبول المهاجرين)». ويقول مهربون إن العامل الأهم في ضعف الهجرة عبر البحر هو أن اتفاقية إعادة القبول جعلت من ركوب البحر مقامرة خاسرة، فمن يصل سالماً إلى الجزر اليونانية ستتم إعادته إلى تركيا، معتبرين أن الوصول ممكن بكل الطرق وفي حال وقف تركيا لاتفاقية «إعادة القبول» فإن أعدادا كبيرة سوف تركب البحر إلى الجزر اليونانية.

الهجرة براً عبر بلغاريا

في المقابل، أدى اتفاق اللاجئين وتشديد الإجراءات الأمنية على الرحلات البحرية إلى انتعاش عمليات الهجرة من خلال البر، وهو الطريق الذي شهد خلال الأسابيع الأخيرة زخماً غير مسبوق رغم أنه أصعب ويتضمن تكاليف مادية أكبر بكثير من الرحلات البحرية.

فبعد وصول المهاجرين إلى مدينة اسطنبول، يتوجهون بالحافلات إلى مدينة أدرنه التركية على الحدود مع بلغاريا، وهناك يلتقي المهاجرون بالمهربين الذين يحصلون على متوسط (1400 يورو) مقابل مساعدتهم في اجتياز الحدود وصولاً إلى بلغاريا، ومن ثم يعقدون اتفاقاً آخر مع مهربين جدد للوصول براً أو جواً إلى دولة أوروبية أخرى بطرق مختلفة.

وفي مؤشر على رغبة تركيا في إبقاء ورقة اللاجئين، لا تقوم بأي إجراءات قانونية أو عقابية بحق من يتم منعهم من الهجرة، فبعد توقيفهم لساعات تتم إعادتهم إلى المدن التركية وإطلاق سراحهم.

وفي أيلول/سبتمبر من العام الماضي، شهدت ولاية أدرنه التركية المتاخمة للحدود البلغارية، مجيء آلاف السوريين الراغبين في العبور إلى أوروبا، لكن قوات الأمن التركية تمكنت من إعادة أكثر من عشرة آلاف لاجئ تكدسوا على البوابة الحدودية إلى داخل المحافظات التركية.

وحسب أرقام خفر السواحل التركي، فقد منعت فرقها من عبور 142 ألفًا و750 لاجئًا إلى أوروبا عبر السواحل على مدى نحو 3 سنوات، وتقول تركيا إن أعداد المهاجرين غير الشرعيين انخفض بمعدل 90٪ عقب اتفاق الاتحاد الأوروبي وتركيا، في آذار/مارس الماضي.

الهجرة عبر المطارات

لكن تشديد الإجراءات الأمنية براً وبحراً دفع المهربين إلى ابتكار أساليب جديدة لإيصال الراغبين بالوصول إلى أوروبا لأهدافهم، أبرز هذه الأساليب التي تعتبر الأكثر أمنا والأعلى تكلفةً هو منح المهاجر جواز سفر أوروبيا مزورا أو «شبيها» للعبور من خلاله إلى أوروبا عبر المطارات الرسمية.

وبموجب هذه الطريقة التي تحتاج إلى ما لا يقل عن خمسة آلاف يورو حسب ما قال لـ»القدس العربي» أحد الذين نجحوا بالوصول إلى بلجيكا من خلالها، يتم تجهيز جواز سفر حقيقي لشخص أوروبي متوفى أو شخص باع جواز سفره للمهربين وادعى أنه مفقود، أو جواز سفر مزور بطريقة احترافية، ومن ثم إيصاله إلى الراغب بالهجرة إلى الدولة التي يتواجد فيها للسفر من خلاله رسمياً عبر المطارات.

ويقول أحد المطلعين على هذه الطريقة لـ»القدس العربي»: «يمكن السفر بهذا الجواز من خلال اسطنبول أو أي مطار أوروبي، لكن السفر من اسطنبول صعب جداً ونسبة فشل العملية مرتفعة كونها دولة غير عضو في «شنغن» وبالتالي يفضل أغلب المهاجرين السفر بهذه الطريقة من خلال إحدى الدول الأوروبية والتي تكون اليونان على الأغلب».

ويضيف: «يتوجه المهاجر إلى تركيا ومن ثم بحراً إلى اليونان أو براً إلى بلغاريا ثم يتوجه إلى المطار للسفر إلى الدولة الأوروبية التي يختارها مثل كندا والسويد أو النرويج أو أي دولة أخرى، فالسفر من اليونان سهل جداً كونها دولة أوروبية ولا يتم التدقيق في إجراءات السفر لحاملي الجواز الأوروبي».

تهديدات تركية

وبينما صوت البرلمان الأوروبي قبل نحو أسبوعين لصالح تجميد مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد، هدد أردوغان بشكل صريح بفتح الحدود أمام اللاجئين، وقال: «لا أنا ولا شعبي نفهم تهديداتكم الجوفاء، وإذا تماديتم أكثر ضد تركيا فإن معابرنا الحدودية ستُفتح أمام اللاجئين».

وأضاف: «لم تلتزموا بتعهداتكم، عندما احتشد 50 ألف لاجئ عند معبر قابي كولة (بين تركيا وبلغاريا) وتعالت أصواتكم… عجباً ماذا ستفعلون عندما تفتح تركيا المعابر الحدودية؟ إذا تماديتم في إجراءاتكم ضد بلادنا، فإن البوابات الحدودية ستُفتح، عليكم أن تعلموا ذلك».

وفي تهديد آخر قال نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش، إن بلاده ستتخلى عن اتفاق «إعادة قبول المهاجرين» في حال عدم التزام الأخير باتفاقية «رفع التأشيرة» لدخول المواطنين الأتراك إلى دوله، وقال: «لنرى كيف ستتعامل أوروبا مع هؤلاء اللاجئين، وفي حال رفضت اتفاقية رفع التأشيرة، فإن تركيا لن تلتزم بواجباتها حول منع اللاجئين».

وكان من المتفق عليه أن تلغي أوروبا تأشيرة السفر عن المواطنين الأتراك بموجب اتفاق اللاجئين، لكن رفض تركيا تعديل قانون الإرهاب أدى إلى عرقلة الاتفاق وتصاعد غضب أنقرة.

مخاوف أوروبية

فرنسا من جهتها دعت إلى عدم «تصعيد» ما سمته «الجدال والنقاش» حيال قرار البرلمان الأوروبي التجميد المؤقت لمفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد. وردت ألمانيا مؤكدة أن «تهديد» الاتفاق الأوروبي التركي حول الهجرة «لا يؤدي إلى نتيجة». وسارعت اليونان إلى التعبير عن قلقها، وقال نائب وزير الدفاع ديمتريس فيتساس إن استخدام اللاجئين كأداة يعتبر «عملا عدوانيا». كما أكد الناطق باسم المفوضية الأوروبية، مارغريتس شيناس، التزامهم باتفاق «إعادة القبول» والعمل من أجل إنجاحه.

فيما أعرب وزير العمل الصربي ألكسندر فولين، عن استعداد بلاده حماية حدودها في حال إلغاء اتفاق الهجرة، وقال: «في حال تم إلغاء الاتفاق، فإن حدودنا من المحتمل أن تشهد تدفقًا جديدًا للاجئين. سنتخذ الإجراءات القانونية اللازمة ونحن مستعدون لحماية حدودنا أمام موجة تدفق كبيرة محتملة للاجئين».

وأعربت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، عن ثقتها في استمرار تطبيق تركيا والاتحاد الأوروبي لاتفاقية إعادة قبول اللاجئين، وقالت: «على الاتحاد الأوروبي الإيفاء بالتزاماته المنبثقة عن الاتفاقية، كما أننا نتحرك من موقع أن تركيا هي الأخرى ستلتزم أيضًا بمسؤولياتها تجاه هذا الموضوع». فيما أكد رئيس وزراء مالطا، أن الانسحاب من الاتفاق ليس لصالح أحد.

كما قال وزير الخارجية الإيطالي، باولو جينتيلوني إن «مصلحة الاتحاد الأوروبي تكمن في إبقاء الباب مفتوحا أو على الأقل موارباً أمام تركيا». وقال مسؤول شؤون الداخلية والهجرة والمواطنة في المفوضية الأوروبية، ديميتريس أفراموبولوس، «يجب أن نستنفر كل ما لدينا من أجل استمرار العمل في الاتفاق التركي الأوروبي بشأن اللاجئين».

ووصل أكثر من 171 ألف مهاجر إلى اليونان منذ بداية 2016، مقابل نحو 740 ألفا في الفترة ذاتها من 2015، حسب المنظمة الدولية للهجرة. وفي وقت سابق من الأسبوع الماضي، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة، أن عدد اللاجئين الذين وصلوا إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط خلال العام الحالي، تجاوز 345 ألف شخص. في حين لقي 6155 لاجئا مصرعهم خلال العام الجاري في أنحاء العالم.

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى