صفحات العالم

خسائر النظام السوري: هل حان وقت تخلي الجمهورية الإسلامية عن حليفها الأسد؟/ إبراهيم درويش

 

 

مرة أخرى يخسرالرئيس السوري بشار الأسد المعركة الميدانية بشكل يجعل مراقبي الأزمة السورية يعودون للعبة التخمين. كم بقي للرئيس الأسد من أيام في السلطة بعد خسائره المتتالية في بصرى الشام ومعبر نصيب وإدلب وجسر الشغور وسهل الغاب؟ أسئلة من الصعب الجواب عليها في الوقت الحالي ولكنها تظل رهنا بمقبل الأيام مع تغير ميزان المعركة في الحرب الأهلية السورية ولأول مرة منذ سنوات لصالح تحالف من القوى السورية المعتدلة والمتشددة والناتجة عن تعاون بين قوى إقليمية لم تعد تهتم برأي أمريكا ومندفعة بحماس قرار السعودية لضرب المتمردين الحوثيين في اليمن. وقال أحد مهربي الأسلحة على الحدود السورية لصحيفة «الغارديان» إن السر هو الصواريخ المضادة للطائرات. وكما أكد أحد أعضاء المعارضة السورية فقد نحت السعودية وتركيا وقطر خلافاتها جانبا، وأقنعت الرياض كل الأطراف المشاركة في الحرب أن العدو الراهن اليوم هو إيران. وتؤكد عجلة التغييرات التي أجراها الملك سلمان في مرسوم ملكي صدر يوم الأربعاء 29/4/2015 هذا التوجه. فقد انتصر على ما يبدو توجه مواصلة الحرب على الإرهاب ممثلا في الأمير محمد بن نايف الذي رفع لمنصب ولي للعهد، وتيار التدخل لضرب إيران الممثل في الأميرمحمد بن سلمان وزير الدفاع.

حرب استنزاف

ولكن الضغوط الإقليمية هي جزء من التحديات التي يواجهها النظام السوري بعد حرب استنزاف دخلت عامها الخامس. وكما أشار روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق في دمشق (2010-2014) والذي نشط في الآونة الأخيرة من خلال مقالاته التي يكتبها على موقع «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» والندوات التي يشارك فيها في المعهد الأطلنطي، فالنظام السوري الذي يمثل طائفة، يواجه مصيره خاصة وأن حروب الإستنزاف لا تمنح حياة طويلة لنظام الطائفة. وعلينا الآن كما قال صحافي سعودي النظر إلى اليوم التالي للنظام الذي اقترب على ما يبدو. ولكن مسؤولا أمريكيا نقلت عنه صحيفة «نيويورك تايمز» وإن أكد على أزمة النظام الذي قال إن وضعه «سيء ويسوء أكثر» إلا أنه لم يصل بعد «لنقطة الغليان» (الإنهيار). وهنا مكمن المشكلة، فالنظام يتعرض لضغوط داخلية على شكل خلافات رشحت وكان أكثرها ظهورا وفاة مدير الأمن السياسي رستم غزالة الغامضة وعزل رفيق شحادة، مدير الأمن العسكري، وتنحية عدد من أقارب الرئيس السوري من مناصبهم واعتقال بعضهم مثل منذر الأسد. كل هذه الأحداث تؤشر إلى أزمة داخلية بدأت تؤثر على بنية النظام المتماسكة. والأهم من كل هذا عدم قدرة الجيش السوري على تعويض خسائره من الجنود. وكما قال أحد المحللين الذين نقلت عنهم صحيفة «واشنطن بوست» فالخسائر بين الجنود مدمرة معنويا وماديا.

الأقليات خائفة

وحتى القواعد التقليدية من الأقليات الخائفة من صعود الجماعات المتشددة مثل تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة بدأت تغير من مواقفها. ففي السويداء معقل الدروز والأشوريين في الشمال والإسماعليين في مناطق حماة يقول أبناء الأقليات إنهم بدأوا في تهريب أبنائهم للخارج حماية لهم من التجنيد أو الحفاظ عليهم في القرى للدفاع عنها. ويشعر أبناء الأقليات أن التطوع في الجيش حماقة إن لم يكن مخاطرة «فعندما يذهب النظام سيتحول جيراننا لأعداء لنا» كما قال درزي لـ «نيويورك تايمز». ونتيجة لقلة المتطوعين حتى من القاعدة التقليدية التي أمنت بقاء النظام خلال السنوات الماضية، أصبح الجيش السوري أكثر اعتمادا على إيران التي تعتبر الداعم الرئيسي للنظام وأرسلت وحدات ومستشارين من الحرس الثوري ودفعت وكيلها حزب الله اللبناني لنشر قوات له في سوريا، كما دفعت وحتى وقت قريب بالميليشيات الشيعية العراقية والمتطوعين الإيرانيين ومن الهزارة الأفغان للسفر إلى سوريا وأسهمت في تدريب وتشكيل قوات الدفاع الوطني (80.000 عنصر). وأثر اعتماد الجيش السوري على القوى الأجنبية على طبيعته فتحول هو نفسه إلى ميليشيا ولم يعد «الجيش العربي السوري» الذي يدافع عن قلب العروبة النابض وهو شعار البعث. وتظهر ذلك الدراسة التي أعدها فيليب سميث «الجهاد الشيعي في سوريا وآثاره الإقليمية».

حنق

وتشير صحيفة «نيويورك تايمز» (28/4/2015) إلى معضلة الجيش السوري وحنق قادة فيه على الطغيان الإيراني وحزب الله. ونقلت الصحيفة عبارة دالة عن أحد الجنود الذين قاتلوا في جبهة الجنوب التي انهارت الشهر الماضي قوله إن أي مقاتل في حزب الله «أكثر أهمية من جنرال سوري» كما يشعر الجنود بالغبن لأن مقاتلي حزب الله يدفع لهم بالدولار، أما الجنود السوريون فيتلقون رواتبهم بالليرة التي تتراجع قيمتها كل يوم أمام الدولار. وقال الجندي واسمه علي إن مقاتلي حزب الله يستخدمون سيارات جديدة ويأكلون الأرز واللحم. بينما يعتمد الجنود السوريون على سيارات روسية قديمة ويأكلون الخبز المتعفن.

ماذا ستفعل إيران؟

ومن هنا فمصير الأسد، جيشا ونظاما بات في يد إيران، والتطورات الأخيرة رهينة كما تقول صحيفة «واشنطن بوست»

(27/4/2015) بالرد الإيراني. وفي الوقت الحالي لا يبدو أن طهران التي استثمرت المليارات في النظام السوري مستعدة للتخلي عن الخيار العسكري كما يقول نيكولاس بلانفورد في «كريستيان ساينس مونتيور» (27/4/2015) فقد أنفقت إيران 35 مليار دولار في العام من أجل دعم النظام السوري، جاء هذا في حديث خاص للمبعوث الدولي الخاص ستيفان دي ميستورا في واشنطن. وتنظر طهران إلى سوريا على أنها بمثابة بوابتها للمنطقة. وتقول رندا سليم الباحثة في «معهد دراسات الشرق الأوسط» إن تغيرا على الاستراتيجية الإيرانية في سوريا لم يطرأ. فيما يقول كريم سجادبور الباحث في مركز «كارنيغي للسلام العالمي» إن «إيران ليست ملتزمة بحماية الأسد شخصيا.. إنهم أي الإيرانيون مهتمون بحماية مصالحهم في سوريا. ومع ذلك فقد استثمرت طهران الكثير في سوريا وليس أمامها أي خيار سوى مضاعفة جهودها لمساعدة حليفها المحاصر». وترد أحيانا تصريحات مبالغة من رجال الدين المتشددين الذين يرون سوريا أهم من أي ولاية إيران كخوزستان، كما جاء في تصريحات مهدي تائب والذي قال «لو احتفظنا بسوريا فسنحتفظ بخوزستان ولكن لو خسرنا سوريا فلن نستطيع الحفاظ على طهران». لكن أهمية سوريا لإيران تظل في النهاية مرتبطة بتأمين دعم حزب الله. ولهذا قد لا تعني الخسائر الأخيرة للنظام الكثير لها طالما ظل الممر الذي يربط دمشق مع ميناء طرطوس الذي يمر قرب الحدود اللبنانية سالكا. فسيطرة النظام على كامل سوريا ليست أولوية إيرانية طالما ظل الدعم الإيراني يتدفق عبر سوريا إلى حزب الله. ومهما يكن الأمر فالإلتزامات الإيرانية ستكون محلا للفحص حال وقعت الجمهورية الإسلامية اتفاقا مع مجموعة 5+1 حول ملفها النووي في نهاية حزيران/يونيو المقبل. ويقول ديفيد غاردنر، في صحيفة «فايننشال تايمز» (30/4/2015) أن آل الأسد بدوا راضين عن أنفسهم وآمنين داخل دولتهم المهلهلة التي تمتد من دمشق إلى شمال- غرب ساحل البحر المتوسط. فهذه الدولة تعتمد على نظامها الأمني المتوتر والطائفة العلوية وجزء قليل من الجيش النظامي. ويعترف الكاتب بالدور الذي لعبته إيران وحزب الله لملء الفراغ. واستطاع النظام من خلال احتكاره للجو واستخدامه للقوة المفرطة من البراميل البدائية المتفجرة إلى الصواريخ الباليستية النجاة طوال الإنتفاضة التي اندلعت عام 2011. ويشير غاردنر إلى التحرك الذي يشوب الأجواء الحالية في الميدان، فالمعارضة التي لم تتلق الدعم الذي تريده من أمريكا أو حلفائها الإقليميين- السعودية وتركيا فتحت الباب أمام صعود تنظيم الدولة الذي ملأ الفراغ وانتشر بدون أي منغصات. ومن هنا فالتحالف الذي بني حول جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة بدأ يثمر، وهناك تقارير تقول إن قطر ربطت دعمها للجبهة بفك الأخيرة ارتباطها مع أيمن الظواهري.

3 أسباب

ويعتقد غاردنر أن التغير في ميزان الحرب مرتبط بثلاثة عوامل حدثت بهدوء وخلال الحملة التي سيطر فيها تنظيم الدولة الإسلامية على مناطق في العراق وهو ما دفع النظام للإفتراض ان يحول الغرب موقفه النابذ لنظامه ويتعاون معه. العامل الأول هو حل كل من السعودية والأردن خلافاتهما مع قطر وتركيا اللتان دعمتا الإخوان المسلمين في كل المنطقة. ولكن قرار إيران دعم الحوثيين في اليمن وحد القوى السنية وهو ما أثر بالضرورة على بنية وتماسك القوى السورية المعارضة لنظام الأسد. وهو ما يقود للعامل الثاني حيث ترجم تماسك المعارضة على شكل دعم عسكري عبر الأردن في الجنوب وتركيا في الشمال وجاء قبل بدء برنامج الولايات المتحدة خططها لتدريب وتسليح قوات من المعارضة لقتال تنظيم الدولة. ولا يمكن فصل نجاحات المعارضة السورية الأخيرة عن الأسلحة الحديثة والمتقدمة التي حصلت عليها وتضم صواريخ مضادة للدبابات والتي قدمتها كما يقول مسؤولون غربيون السعودية. أما العامل الثالث فمتعلق بتراجع الضغط عليها من النظام أو تنظيم الدولة. فقد خسر النظام مع تقدم قوات الجهاديين في العراق أعدادا من المتطوعين الشيعة الذين عادوا لمواجهة تنظيم الدولة هناك. وفي الوقت نفسه تجبر الخسائر التي يتعرض لها الجهاديون في العراق التنظيم على تركيز كل جهوده هناك وليس في سوريا.

هل تتخلى عنه؟

ويرى غاردنر إن تداعيات الأحداث الحالية في سوريا قد تؤثر على موقع الأسد. ففي العام الماضي عندما اجتاح الجهاديون الموصل قررت طهران التخلي عن نوري المالكي الذي همشت سياساته الطائفية كلا من الأكراد والسنة. وفي السياق نفسه قد تتوصل طهران للنتيجة نفسها وتعيد تقييم علاقاتها مع الأسد وتقرر أن الوقت قد حان للتخلي عن حليف يكلفها الكثير. وفي النهاية يعتمد الوضع الميداني على قدرة على المعارضة تعزيز ما اكتسبته. ويرى جيفري وايت الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أن التطورات الحالية هي فرصة لممارسة الضغط على الأسد للتوصل إلى تسوية سياسية أو نقل السلطة وإلا واجه الهزيمة العسكرية. ويعتقد الكاتبان أن العملية العسكرية الأخيرة للمعارضة تعتبر الأوسع في الحرب الأهلية وقد تؤدي لتغيير ملامح اللعبة. وفي حالة عززت المعارضة سيطرتها على المناطق الجديدة فستكون في وضع لتوسيع العمليات العسكرية وتنشيط الجبهات العسكرية الأخرى. وأهم ما تكشف عنه النكسات الأخيرة للنظام هي انه يواجه وضعا صعبا. ويشير الوضع العسكري العام إلى تراجع في قدرات النظام العسكرية بعد أربعة أعوام من حرب الإستنزاف.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى