رياض معسعسصفحات سورية

شعارات النظام الأسدي ودلالاتها/ رياض معسعس

 

 

لا شك أن لكل نظام سياسي شعاراته التي تفصح عن طبيعته، وماهية نظرية حكمه، منها من يلتزم بها، ومنها من يجعل منها سراباً بعيداً يظن الناظر إليها أنها ماء. فالثورة الفرنسية مثلاً حين قامت اتخذت شعار «حرية، مساواة، أخوة » الشعارات الثلاثية ذات جذور فرعونية، إزيزيس، اوزوريس، حورس، ويعتقد أن فرنسا التي وضعت هذا الشعار الثلاثي استندت ايضاً إلى ثلاثي ديني: الأب والابن والروح القدس ـ ووضعت الحرية كأولوية تقوم عليها الجمهورية الوليدة بعد سقوط الملكية، لأنها الركيزة الأساسية في الأنظمة الديمقراطية.

وقد تبنى ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث هذه الثلاثية في الشعار، فوضع شعار الحزب من ثلاثية: «وحدة، حرية، اشتراكية» فأولى الأولية لوحدة الشعب قبل أن ينال حريته، ووضعه على طريق الاشتراكية التي كانت «موضة العصر آنذاك». وقد ألحق هذا الشعار بشعار آخر اكثر عمومية: «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة» ويعني به أن العرب أمة واحدة من المحيط إلى الخليج، وأنهم حاملون لرسالة الإسلام الخالدة.

وهذا الشعار القومي بامتياز أغفل كل القوميات الأخرى التي تعج بها البلاد العربية، من أكراد وتركمان وشركس وأمازيغ،… ودينياً هناك إغفال ايضاً للديانات الاخرى، المسيحية واليهودية وسواهما.

ومنذ الانقلاب البعثي في سوريا في العام 1963 ولغاية انقلاب حافظ الأسد في العام 1970 لم ينعم الشعب السوري بتطبيق أي من هذين الشعارين، حافظ الأسد الذي ورث الحزب وجد فيه خير مطية لتركيز دعائم حكمه فظل الشعاران سراباً، ففي عهده بدأ تطويف الجيش السوري وكل مرافق الدولة بسياسة طائفية «علوية» تفرز وتستبعد السنة، وتتقرب من بعض المكونات الأخرى للوقوف في وجه اكثرية مسلمة، فتحولت إلى بناء سجون ومعتقلات في كل انحاء سوريا، وارتكاب المجازر بحق المساجين (مجزرة سجن تدمر في العام 1980) وإنشاء اجهزة ومراكز أمنية وجيش من الشبيحة والمخبرين يتتبعون كل شاردة وواردة، حتى بات الأخ يشك في أخيه. وارتكاب مجازر جماعية ترقى الى مستوى جرائم حرب (حماة 1982) السيطرة التامة على وسائل الاعلام والتعبير التي لا تبث سوى خطاب السلطة، وما يخص الاشتراكية فكانت مجرد كلمة تخفي وراءها عمليات فساد لم تشهدها سوريا من قبل (عائدات النفط السوري مثلاً لم تكن تدخل في الميزانية السورية ولا أحد يعلم أين تذهب هذه الأموال ولا يتجرأ ان يسأل حتى وزير الاقتصاد نفسه).

أما فيما يخص الشعار الثاني فإن نظام الأسد الأب جعل من سوريا دولة تعادي معظم الدول العربية، دفع بالجيش السوري إلى لبنان في العام 1976 (بتفويض من الجامعة العربية، وكان هذا خطأ جسيماً من الجامعة التي أدخلت الدب إلى الكرم ثم لم تتمكن من إخراجه حتى تبنت الأمم المتحدة القرار 1559 بعد ثلاثين عاماً وطرد الجيش السوري ذليلاً من لبنان) بحجة طرد الجيش الاسرائيلي من لبنان، وضرب حزب الكتائب، وتطبيع الوجود الفلسطيني، وإنهاء الحرب اللبنانية، فإذا بالجيش السوري يتعامل مع اللبنانيين كمحتل، ويضرب الفلسطينيين في تل الزعتر، ويُتهم باغتيال كمال جنبلاط الى جانب سلسلة طويلة اخرى من الاغتيالات السياسية، ويفقر البلد اقتصادياً بعد استغلالها، ثم يقف في وجه مصر بعد كامب ديفيد في ما سمي بجبهة الصمود والتصدي، والوقوف فيما بعد الى جانب ايران ضد العراق في حرب الثمانينات، والى جانب امريكا ضده في عاصفة الصحراء.

شعار آخر أطلقه الأسد كي يحافظ على قانون الطوارئ المطبق في سوريا منذ العام 1963 هو شعار «التوازن الاستراتيجي مع اسرائيل» ففي ظاهره أن سوريا تحضر نفسها عسكريًا لتكون موازية في القوة لإسرائيل لتكون قوة رادعة لأي اعتداء، وربما التحضير لهجوم لاستعادة الجولان على أقل تقديرـ وليس تحرير فلسطين من الماء الى الماء كما كان يوهم البعض ـ فإذا بالجبهة السورية تتحول الى الجبهة الأكثر أماناً منذ أكثر من اربعة عقود، واتضح ان اتفاقاً ضمنياً بين الطرفين بالحفاظ على النظام مقابل عدم فتح جبهة الجولان (وهذا ما نوه إليه رامي مخلوف في قوله إن أمن سوريا من أمن إسرائيل في بداية الثورة السورية).

ثم طالعنا الأسد الكبير بشعار آخر: «الأسد إلى الأبد» واعتقد السوريون على خطأ أن ما يعنيه هو حكم الأسد مدى الحياة، ومنوا النفس بأن يتخلصوا خلال أقصر مدة ممكنة من حكم ديكتاتوري طائفي يعد عليهم أنفاسهم، لكنهم اكتشفوا أن الآخر يتعلق بعهد أسدي أي تأسيس جمهورية توارثية على الطريقة الكورية الشمالية، ووجدوا أن «بابا حافظ» يحضر ابنه باسل لخلافته، لكن القدر كانت له حسابات أخرى، وبعد موت حافظ تم اختيار «الدكتور» بشار الذي تفاءل الشعب السوري به خيراً وانطلقت حملات «منحبك» وانبرى «المحبكجية» بترويج هذا الشعار الجديد بالصورة الضاحكة لجزار سوريا المستقبل، مع اندلاع الثورة السورية في العام 2011 ورغم زج الجيش والشبيحة، والمخابرات، والمأجورين، في حرب همجية ضد المتظاهرين العزل فشل بشار في قمع الثورة، وشعر أن نظامه بدأ يهتز، فخرج في خطاب أمام برلمان المصفقين المنافقين بشعار جديد: «الأرض لمن يدافع عنها وليس لساكنيها» حتى أن أحد النواب الحاضرين قال له ممتناً ومعجباً بهذه الشخصية الفذة التي لم تلدها امرأة: «سيادة الرئيس يجب أن تحكم العالم فسوريا صغيرة عليك» وتبين أن هذا الشعار لم يقل عن عبث بل أن هناك مخططاً لجلب المرتزقة بجميع أصنافهم مع الروس والايرانيين كي يطردوا سكان المدن المنتفضة وإحلال سكان من جاؤوا من وراء الحدود ليحتلوا أراضيهم ومنازلهم ويهجروا ويصبحوا لاجئين في كل انحاء العالم، ورافق هذا الشعار شعار آخر: «الأسد أو نحرق البلد» وهذا القول لم يكن تهديداً بل كان واقعاً فقد أحرق البلد، وشرد أهلها، وخنق أطفالها بالكيميائي، وشنق المعتقلين وقتلهم تحت التعذيب، ولم يُبقِ في سوريا حجراً يستند على حجر، كي يبقى وفياً لشعار بابا حافظ «الأسد إلى الأبد».

كاتب سوري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى