مراجعات كتب

في كتابه «خواطر الصباح: 1999-2007»: عبد الله العروي يضع الحروف على يوميات السياسة في المغرب/ أم أيمن بودشار

 

 

عودنا المؤرخ والمفكر المغربي عبد الله العروي، صاحب «الأيديولوجيا العربية المعاصرة» و «أزمة المثقفين العرب» على مؤلفات قيمة بمضمونها الفكري والتي اهتمت بالتاريخ والفلسفة والفكر والرواية، وشكلت بصمة معرفية مهمة في الفكر العربي. لكنه يعود بعنوان مختلف هذه المرة وهو (خواطر الصباح 2007-1999: المغرب المستحب أو مغرب الأماني). وهو عبارة عن يوميات أو خواطر شخصية والذي يمثل الجزء الرابع من سلسلة خواطر الصباح للكاتب. وصدر عن المركز الثقافي العربي.

يتناول الكتاب من خلال معطياته الفكرية والسياسية القيمة، والمكتوبة بلغة بسيطة، فترة قريبة في تاريخ السياسة المغربية. كما يقدم قراءات تحليلية دقيقة لأحداث سياسية عربية ودولية خلال الفترة الممتدة بين عام 1999و2007 ليقدم لنا تأويلات سياسية مختزلة وعميقة. كما يسلط الضوء من خلال المذكرات على قضايا وطنية تعرف في وقتنا الراهن جدلا ونقاشات قوية، كمسألة التعليم، قضية المرأة والأمازيغية، الإسلام وقضايا أخرى.

وتنطلق الخواطر من قراءة تحليلية في السياسة الداخلية للمغرب في عهد الراحل الملك الحسن الثاني. فيقر الكاتب بعدم استيعابه للخطوة التي قام بها هذا الملك عام 1998 بإسناد الحكومة إلى ورثة اليسار باختيار الكاتب العام للاتحاد الاشتراكي عبد الرحمان اليوسفي عوض الأمين العام لحزب الاستقلال محمد بوستة. مشيرا إلى أنها قد تكون استعدادا لتمثيل مسرحية حكومة  1960 والتي شهدت إقالة حكومة عبد الله إبراهيم بدعوى أنها لم تف بوعودها بخصوص الملفات الاقتصادية والاجتماعية. هذا ولم تعمر حكومة عبد الله إبراهيم سوى عام وخمسة أشهر وجاءت سنوات قليلة بعد استقلال المغرب سنة 1956، وبإسقاطها كانت البداية الحقيقية للقطيعة بين حزب الاستقلال والنظام الملكي والاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي سينبثق عنه كل تيارات اليسار تقريبا باستثناء الشيوعيين.

كما أن الفترة التي عين فيها عبد الرحمان اليوسفي اتسمت بتعقيدات كبيرة، أبرزها الوضع السياسي آنذاك الذي كان محملا بآمال عريضة منها تصفية خروقات حقوق الإنسان التي وقعت في الماضي وعقلنة الاقتصاد بالتخلي عن اقتصاد الريع.

وكان المجتمع المغربي يتطلع من خلال تجربة التناوب إلى فتح أبواب البلاد أمام مسيرة البناء الديمقراطي والإصلاح المؤسساتي والانتعاش الاقتصادي. غير أن هذه التجربة أجهضت عام 2002 بتعيين ادريس جطو وزيرا أول بدل اليوسفي وهي أيضا فترة اتسمت بانقسام الأحزاب السياسية في المغرب. وفي هذا الصدد، يقول العروي: «الحكومة تناوبية بالاسم مع أنها سلطانية في الواقع». مشيرا إلى أن تجربة التناوب، تركت على حالها حتى تبرهن على محدوديتها ثم تعود الأمور إلى مجراها الطبيعي.

وفي خصوص إقالة الملك الجديد وقتها محمد السادس لوزير الداخلية، ادريس البصري، الرجل القوي في نظام الحسن الثاني سنة 1999 يقول الكاتب: «لو كانت هناك إرادة تجديد حقا لاتبعت مسطرة أخرى. مثلا مطالبة اليوسفي بتقديم استقالة الحكومة في مناسبة وفاة الحسن الثاني وتكليفه بعد حين بتكوين حكومة جديدة لا يشارك فيها البصري. يكون في ذلك عودة إلى ظروف تأسيس حكومة التناوب وإشارة إلى ان التناوب له من الآن أساس دستوري».

وفيما يتعلق بوضعية الأحزاب المغربية أنذاك، يقول العروي: «ان المخزن (السلطة التقليدية) يرى في هذه الأحزاب خزان كفاءات، فنبتعد أكثر فأكثر عن النظام البرلماني، بل نعود إلى مفهوم الوزارة التقليدي».

ويخلص إلى أن الوضع السياسي في المغرب بالرغم من تمزقه الظاهر فهو يتشكل حسب ثلاثة أقطاب: قطب محافظ ذو مرجعية إسلامية، يريد الإصلاح ولكن في حدود واضحة، في الاقتصاد أو الحياة الاجتماعية أو التعليم. وقطب ثاني موال للحكم، لا يبادر في الإصلاح في أي مجال، ويقبله متى أشاد به الحكم. وأخيرا قطب إصلاحي وهم يمثلون أقلية.

كما يخصص جزءا مهما من خواطره للحديث عن مجموعة من القضايا الوطنية، كقضية التعليم، المرأة والأمازيغية، الإسلام وبعض التقاليد البروتوكولية.

وينطلق العروي من مسألة التعليم في المغرب، مؤكدا أن «إرادة الإصلاح في مجال التعليم غير متوفرة عند السلطة، بكيفية أوضح، عند المعارضة». وكمتتبع لوضعية التعليم في المغرب يخلص المفكر إلى أنه «لا أحد يود فعلا أن تنجح التجربة فهو يرى ان الإصلاح سيتم تنظيميا دون ان يمس المحتوى».

ومن جهة أخرى، فان ما خلص إليه العروي بخصوص غياب إرادة حقيقية لإصلاح التعليم هو ما أدى إلى الوضع المأساوي الذي تعيشه المؤسسة التعليمية المغربية، وذلك بعدما فشلت كل المخططات والمشاريع الإصلاحية، ما أدى إلى تراجع جودة التعليم وهو ما تؤكده نتائج تقارير دولية، كالتقرير الأخير لمنظمة التعاون والاقتصاد والتنمية حول جودة التعليم في المغرب والذي وضع هذا الأخير في مرتبة متأخرة جدا، وهي المرتبة 73 من ضمن 76 دولة عربية شملها التصنيف.

وبالإضافة إلى غياب إرادة حقيقية لإصلاح التعليم والتي عبر عنها الكاتب، يجب أن نعترف بأن مسألة التعليم في المغرب هي مشكلة سياسية في الأساس، بحيث تطرح في إطار السياسات العمومية، وليس في إطار يعنى بالدرجة الأولى، بتحسين المستويات ورفع الكفاءات وتشجيع البحث العلمي.

ومن جهة أخرى، تطفو على السطح في الآونة الأخيرة قضايا ذات صلة بمسألة التعليم، كاعتماد الدارجة للتدريس وهو ما يعتبره مفكرون وباحثون، ومنهم العروي، عملية انتحارية وستؤدي إلى استمرار افشال المؤسسة التعليمية. وأيضا التصريحات الأخيرة لرئيس الحكومة عبد الاله بن كيران والذي اقترح اعتماد النموذج الأنكلوسكسوني في التعليم وخاصة الجامعي بإلغاء مجانية التعليم وهو ما يستحيل تطبيقه في بيئة تغيب فيها الشفافية والمحاسبة. وأيضا فضيحة تسريب أسئلة امتحانات البكالوريا والتي كشفت عن أزمة تعليم، أزمة في العلاقة بين التلميذ والإدارة والمؤسسة، بل أكثر من ذلك أزمة قيم داخل المجتمع برمته.

والكاتب يثير الانتباه إلى مسألة تقبيل يد الملك، بحيث يعتبر أنه قد يكون من مصلحة الجميع الغاء عادة التقبيل، صراحة أو ايماء. متسائلا: «لماذا تصلح مديرية البروتوكول؟».

وتعرف مسألة تقبيل اليد وأيضا الركوع في حفل الولاء والبيعة (ذكرى تولي الملك مقاليد الحكم) جدلا واسعا بين مؤيد ومعارض، فالمعارضون يدعون للقطع مع هذه الطقوس، معتبرين أن العلاقة بين القائد السياسي والمواطن والمسؤولين يجب ان تبنى على قيم عقلانية ومبادئ بحيث لا يشعر المواطن أو أي مسؤول أنه موضوع اذلال أو اخضاع أو إهانة. في حين يعتبر المؤيدون أنها مسألة تمثل رمزا للربط بين المسؤولين والأفراد والملكية.

وقد سبق للعروي في احدى محاضراته السابقة، أن انتقد بشدة طقوس الحكم في المغرب، خاصة المتعلقة منها بحفل الولاء السنوي. حيث وصف المشاركين في هذا الحفل بأنهم «موالون وليسوا مواطنين».

وفي خصوص الإسلام وتحدياته، يتحدث الكاتب عن غياب الإسلام دينا وحضارة من اعتبار دارسي الأديان أو الفلسفة أو الأخلاق أو العلوم الإنسانية وأنه يذكر كموضوع وكمادة للدراسة. والغياب الذي يشير إليه المفكر يهم البنية الذهنية للمحاضرين أنفسهم. وفي هذا السياق يقول العروي: «يتضح المشكل عندما نسمع ما يقال عن الفلسفة الكونفوشية أو البوذية مقارنة بالفلسفة اليونانية أو الفكر اليهودي كأساس للفكر المسيحي، عندها نعي أن الإسلام منزوع نزعا عن شجرة تطور الإنسانية كما لو كان وجوده لا ينفع وغيابه لا يضر».

وبخصوص قضية المرأة والأمازيغية، يقول الكاتب بأن النهج المتعلق باعتماد سند خارجي سواء لجنة أو حزب للضغط على الداخل في سبيل خدمة قضية وطنية ما، هو نهج سلبي ولا يخدم هاتين القضيتين. معتبرا أن قضية المرأة والأمازيغية تلقى معارضة داخلية حقيقية وبالتالي فهذه المعارضة قد تتقوى بما تراه ابتزازا مبنيا على ضغوط أجنبية، فتقل حظوظ فتح نقاش هادئ وجدي. وفي السياق نفسه يوكد الكاتب على أن الاستقواء بالخارج ينفع في البداية دون أن يضمن التجذر والاستمرارية.

وتعد قضية الأمازيغية في المغرب من أبرز القضايا الشائكة على المستوى الفكري والخلفيات الأيديولوجية بالرغم من اعتراف الدستور المغربي لعام 2011 بها كلغة رسمية في البلاد.

ودوليا، يركز الكاتب على أحداث عالمية بارزة طبعت السنوات التسع التي دون فيها مذكراته. فيتحدث العروي بإسهاب عن تفجيرات 11 سبتمبر، اذ يقول، إنه بعد التفجيرات ظهرت أمريكا على حقيقتها، غير محمية من الأخطاء الخارجية، يسيرها أناس لا خبرة لهم بالسياسة العالمية، اهتمامهم مقصور على حوادث الداخل ووقعها على الرأي العام من خلال تعليقات الصحافة.

ويستمر الكاتب في توجيه انتقادات قوية للغرب وسياسته تجاه باقي الدول. مستنكرا الحملة العسكرية ضد أفغانستان. معتبرا أنها تبدو كما لو كانت مبرمجة من قبل واستغلت عملية 11 سبتمبر لتسريع تنفيذها رغم معارضة باكستان.

كما يقف المفكر عند حدث غزو العراق عام 2003، اذ يقول: «بغزو العراق تم توسيع الهوة بين أمريكا والغرب والإسلام كحضارة، بحيث تم تخصيص العرب كحاملي لواء الإسلام والعراق كمثال للدول العربية المعاندة وتحطيمها لتكون عبرة لغيرها».

وفي نهاية هذه الخواطر يعترف الكاتب بأنه ليس نادما على شيء مما كتب، اذ غالبا ما كتبها ضدا لنفسه، ليعبر عما يعتبره حقيقة التاريخ.

«عبد الله العروي: «خواطر الصباح 1999-2007: المغرب المستحب أو مغرب الأماني

المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2015.

144 صفحة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى