صفحات الناس

قبل الموت: الأزواج يكتبون رسائلهم في خواطر… فماذا يكتب السوريون في رسائلهم الأخيرة؟/ نور ملاح

 

 

غازي عنتاب ـ «القدس العربي»: الإعلامي السعودي أحمد الشقيري في برنامجه (خواطر)، قام في حلقة «تكتيكات زوجية» بعمل تدريب خاص للأزواج والزوجات بغرض تحسين العلاقة الزوجية، يعتمد على أن يتخيل أحد الزوجين أن زوجه على فراش الموت، ويكتب له رسالة تحتوي أهم كلمات يريد قولها له للمرة الأخيرة في حياته.

خلال الحلقة أجهشت إحدى الزوجات بالبكاء لمجرد طرح فكرة وفاة زوجها أمامها، زوجة ثانية كانت الدموع تقطر من عينيها على الورقة التي تكتب عليها رسالتها الأخيرة، وحين طلب المذيع الشقيري منها أن تقرأ ما كتبت عجزت عن قراءته، بالرغم من أن زوجها موجود وحاضر أمامها.

حضور الشريك، ذلك الامتياز الذي حرم منه مئات الآلاف من الأزواج والزوجات السوريين، الذين فرق بينهم الموت، والقتل، والتهجير، واللجوء بعد أن فرضت على عامة الشعب السوري منذ أربع سنوات في بداية ثورة الشعب السوري، ولكن إذا أتيحت للأزواج السوريين أن يكتبوا رسالة أخيرة كتلك الرسالة التي اقترحها الشقيري في برنامجه «خواطر» لأزواجهم الذين فرقتهم الأقدار عنهم فعلا وليس افتراضا، ترى ماذا كانوا سيكتبون في رسالتهم الأخيرة لشريك الحياة؟

ألمى أرملة من مدينة حلب تقيم وأطفالها في إحدى دور الأيتام في غازي عنتاب التركية، أصيب زوجها في إحدى الجبهات في مدينة حلب، وقضى فترة مصابا في منزله ثم استشهد، تقول ألمى «صحيح أنه كان مصابا، وكان يتقطع قلبي لرؤيته يتألم، ولا أستطيع دفع الألم عنه، ولكنه كان هنا، في بيتنا، حسه ونفسه كان ما يزال يتردد في منزلنا، أطفالنا رغم حزنهم الشديد لإصابته كانوا يتلفون حوله، يتحسسون وجهه، ويضمونه إليهم، فيبتسم ابتسامة المتألم، المودع الذي يريد أن يملأ عينيه منهم قبل أن ينتقل إلى جوار ربه، أما الآن فقد رحل أحمد، وانتهى كل شيء، لم يعد هناك فرح، ولا طعم للوجود، لم يعد هناك منزل وسكن، كل ما تبقى لي أطفالنا الذين أرى في وجوههم وطباعهم قطعة منه».

تتابع ألمى، سأقول له في رسالتي الأخيرة «اشتقت لك كثيرا يا أحمد، الدنيا موحشة ومريرة جدا وقاسية وأنا بعيدة عنك، لو كنت أستطيع يا أحمد للحقت بك إلى عالمك الآن، ولكنني أجاهد لأحمل الأمانة الثقيلة التي تركتها لي، وأربي أبناءنا ليكونوا أبطالا كأبيهم، يدافعون عن الحق ويهبون لنصرة المظلوم، وهناك في مستقر رحمة الله سيكون لقاؤنا إن شاء الله، اصبر يا أحمد وسأصبر على الفراق، فإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب».

محمد رجل في الأربعينات من عمره من مدينة حلب، قتلت زوجته في قصف النظام السوري على الأحياء المعارضة لحكمه، يقول محمد لـ»القدس العربي» والدموع تنهمر من عينيه: «لُمت نفسي كثيرا وجدا، وعشت شهورا طويلة من عذاب الضمير بعد استشهاد زوجتي، لأنني لم أكن أقول لها أنني أحبها، يا ليتها كانت الآن على قيد الحياة لأقول لها كم أحبها، وكم الحياة قبيحة وقاسية دونها».

لو كنت سأكتب لها رسالة قبل موتها لقلت «أنا آسف يا ليلى لأنني كنت أختلف معك على أشياء تافهة وأغضب، أنا آسف يا ليلى لأنني كنت ممتلئا بعقد الرجل الشرقي الذي يحبس مشاعره تجاه زوجته، أنا آسف لأنني لم أقل لك كم أحبك، وكم كنت كل حياتي».

أم أحمد سيدة في الثلاثينات من عمرها، عاشت مع زوجها ويلات الحرب في مدينة حمص، وما زالت موجودة فيها حتى الآن مع زوجها، تحافظ أم أحمد على تماسكها وتقول: «عشنا معا أربع سنوات من الحرب المريرة، واختبرنا فيها كل أنواع الأسلحة، وكل أنواع النقص في الماء والكهرباء والغذاء، بت أحيانا أنسى وجهك، فانقطاع الكهرباء يغطي أغلب ساعات اليوم، لقد تغيرت كثيرا وتغيرت تقاسيم وجهك، لم تعد الشخص الذي عرفت، تغيرت أنت وتغير البلد وتغير كل شيء، أنت لم تعد أنت، وهذه الأرض لم تعد لنا بل للغرباء، لقد أصبح كل شيء قاسياَ ومريراَ، عشت رعب فقدك كل يوم ألف مرة، ومت رعبا كل يوم مئة مرة، ولكن ربما يكون الموت راحة لنا جميعا، أرجوك لا ترحل وحدك، دعنا نذهب معا، فالحياة على هذه الأرض أصبحت مستحيلة».

يارا شابة دمشقية مقيمة في مرسين التركية، كانت وزوجها من أوائل الناشطين في الحراك الثوري في مدينة حلب، ولكن شبح الاعتقال الذي هدد زوجها، والتضييق على النشطاء من بعض الكتائب المتشددة دفعه إلى مغادرة سوريا لطلب اللجوء في الدنمارك، تجهش يارا بالبكاء لمجرد تخيلها أنها لن تتمكن من رؤية زوجها مرة أخرى وتقول: لا يمكن أن أتخيل حياتي يوما واحدا دونه، كل يوم يمر علي في غيابه بألف يوم، قاومت كثيرا فكرة أن أعيش حياتي بعيدا عنه، ولكنه قدر قاس فرض علينا جميعا، تحت سمع وبصر العالم أجمع، سأقول لمروان أنني أحبه، وأحبه، أحبه، ولو عادت بي الأقدار إلى الوراء ما اخترت غيره شريكا لحياتي، وسأنتظره ولو مئة عام أخرى، ولو استطعت أن أفتديه بروحي، وقلبي، وكبدي لفعلت دون أدنى تردد.

القدس العربي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى