صفحات العالم

10 سنوات من لقاء بشار


عبد الرحمن الراشد

قبيل وفاة الرئيس حافظ الأسد بنحو خمسة أيام زرت نجله الدكتور بشار في منزله في العاصمة دمشق، كانت المرة الأولى التي ألتقيه مع أنني كنت أعلم جيدا أنه كان طرفا أساسيا في الحكم في آخر سنتين في عهد والده. كان يحضر بعض اجتماعات والده مع الزعماء، خاصة في أشهر مرضه الأخيرة، لكن لم تر له صورة واحدة ولم يرد اسمه على لسان أحد، وفي فترات أخيرة كان يحكم كل سوريا من خلف الستار. نم لي ذلك عن شخصية منضبطة وغامضة، وحتى في تلك المقابلة الأولى كان حريصا على تكرار أن كل ما يقوله لنا مجرد رأي شخصي، وأنه لا دور له. بالنسبة لنا مثل ترتيب اللقاء جزءا من العلاقات العامة لابن في طور التجهيز للرئاسة، في وقت راجت فيه شائعات بتدهور صحة الأب واحتمال أن يخلفه بشار. مستقبل حكم سوريا كان غامضا للجميع ربما باستثنائه شخصيا.

وبعد عودتي إلى لندن، وقبيل نشر المقابلة توفي حافظ الأسد، فنشرتها في اليوم الثاني مما أربك السفارة السورية في لندن، قالوا يخشون أن تفسر بأن الابن يعطي أحاديث صحافية في وقت لا تزال فيه جثة والدة حارة، طلبت منهم أن يقرأوا مقدمتها حيث كنت أمينا بالإشارة إلى أنها أجريت قبل وفاة الرئيس.

التقيت بشار عدة مرات لاحقا، قبل وبعد أن صار رئيسا، مع الزميل والصديق إبراهيم عوض، حتى وقع اغتيال رفيق الحريري. بعدها انقطعت الاتصالات معه، اعتبرني طرفا شرسا في حملة معادية ضده، ومن جانبي صرت أشعر أن التعامل معه أصبح بالغ الحساسية وصار النظام بالغ الخطورة معنا، أيضا. استمرت القطيعة حتى مطلع هذا العام، حيث التقيته وحتى خلال هذا اللقاء كان من الواضح أن الثقة قد فقدت رغم المجاملات في اللقاء الوحيد.

رغم طول اللقاءات، وجميعها كانت تتجاوز ثلاث ساعات في كل مرة، هناك القليل يمكن أن يحكى عن حقيقة الرئيس السوري في ما يفكر فيه ويفعله. فرغم دفئه الشخصي وأدبه الجم، كان غامضا واستمر غامضا إلى اليوم. حافظ على صورته التي قابلته بها قبل أن يكون رئيسا. أظنه إلى اليوم يقابل الناس في مجلس صغير، في منزله في أعلى التلة، وكل شيء يوحي بأنه بيت مهجور، اللهم إلا من خادم ومساعد، في وقت تتوقع فيه أن منزل رئيس الدولة يعج بالعاملين والزائرين. على مدى سنوات الزيارات لم نر أحدا إلا بالصدفة عندما مرق أحد العسكر راكضا يحمل إبريق شاي أمام سيارتنا وهي داخلة، حينها تأكدنا أنه لا بد من كتيبة عسكرية ما، مختبئة في الأحراش المحيطة بمنزله القديم الذي ظل يستخدمه بعد توليه الرئاسة. ذلك البيت الموحش الغامض يمثل شخصية بشار إلى اليوم.

مرت عشر سنوات على أول لقاء به، والأهم مر عقد على حكمه لسوريا، وأعترف أنني ما زلت عاجزا وحائرا عن فهمه رغم الزمن الطويل نسبيا وما أعرفه عنه وأسمعه. أتساءل لماذا فشل في إدارة بلده وهو الذي وضع لنفسه برنامجا تطويريا سياسيا واضحا في ما عرف بخطاب القسم. لماذا قال كل ما قاله لنا سواء ما كان للنشر أو خاصا، ولم يفعله؟ على مدى سنوات كان الانطباع العام أن بشار في داخل دائرة الحكم لكنه لا يحكم، وأن هناك داخل العائلة ومحيطها من يقرر. هذه القناعة تولدت عند كثيرين بسبب الفارق الواضح بين ما كان يقول ويحدث. وهذا التناقض دفعني إلى سؤاله عن عدم التنفيذ أكثر من مرة لماذا؟ وكنت أسمع إجابات توحي بأنه صاحب القرار، مرة بحجة أنه اكتشف شيئا مختلفا، ومرة لأنه يريد تقليد نموذج الصين لا روسيا، حتى بت مقتنعا أنه إن لم يكن صاحب القرار الأول فهو قطعا صاحب القرار الأخير.

غدا، سأراجع قصة الإصلاحات التي وعد بها.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى