صفحات الرأي

ما الذي يلهم الشباب والمجتمعات/ إبراهيم غرايبة

 

 

لا يمكن للأحزاب والحركات الاجتماعية العمل والتأثير من غير قواعد اجتماعية تحمل برامجها وأفكارها وتعمل لأجلها… وأظنها معضلة العمل السياسي والاجتماعي في بلادنا اليوم. البرامج والأفكار التي تضعها الأحزاب والجماعات والنقابات للإصلاح والعمل الوطني لا تجتذب كتلة اجتماعية قادرة على التأثير في اتجاهات الانتخابات والتشريع والسياسة العامة والرأي العام، ويتجمع الشباب والجمهور وراء قضايا ومطالب وأفكار منفصلة عن جوهر الحياة السياسية والاجتماعية والعامة. وفي ذلك تترك الانتخابات النيابية التي يفترض أنها تحدد وجهة السلطات التنفيذية والتشريعية والسياسات والموارد لتجمعات قرابية أو دينية لا يربط تجمعها وغاياتها شيء بوجهة السياسة العامة والتشريع، ويفرّغ مجلس النواب من محتواه.

في معظم أنحاء العالم الغنية أو الفقيرة، يتشكل المواطنون وراء مصالحهم وأفكارهم، فيمضي المناضلون لأجل تحسين حياة مجتمعاتهم ومواجهة الاحتكار والهيمنة على النفوذ والموارد في رحلة طويلة، لكنهم يعرفون طريقهم ويمضون فيها بدأب ووعي، ولكنّ أحداّ لا يعرف وجهة للنضال والعمل السياسي والتقدم للانتخابات النيابية والنقابية والبلدية في بلادنا، لم تساعدنا الأحزاب السياسية ولا نسبة التعليم المرتفعة ولا تكرار الانتخابات ولا التحديات الواضحة ولا الصحافة وشبكات الانترنت والتواصل الاجتماعي في التشكل والعمل وراء الفكرة الجوهرية للانتخابات. فما زلنا نبحث عن طريقنا ولم نتقدم نحو أهدافنا خطوة واحدة إلا بالمصادفة (تقريباً).

ثمة قواعد أساسية تحكم العمل العام يغلب عليها النسبية وعدم اليقين… وأسوأ من ذلك القسوة والملل، ولكن رغم ذلك لا يمكن تجاوزها ودون أخذها في الاعتبار نعمل في الوقت الضائع. ويبدو أن العمل في الوقت الضائع تحول إلى أصل ولن يغير من وصفه كذلك طول الأمد؛ فالانتخابات العامة المفترض أن تؤدي في محصلتها إلى الإصلاح في السياسة والموارد والتشريعات والمؤسسات ليست سوى صراع سلمي بين المصالح والطبقات والاتجاهات والأفكار. هي مباراة غير حماسية، وبطبيعة الحال فإنها مثل أي مباراة تعمل لمصلحة الأكثر تنظيماً والأكثر مالاً والأكثر قدرة وتأثيراً ونفوذاً، ويمكن بناء على ذلك أن نقدر فرص فوز الإصلاحيين، هي فرصة قائمة ومتاحة نظرياً للتنافس في حرية وعدالة، لكنها متاحة بمقدار فرصة فريق كرة القدم في قريتي سبيرا للفوز على برشلونة.

وبعبارة غير مغلفة، فإن الإصلاح بما هو يسلك طريق الانتخابات ليس سوى عمل اجتماعي يعكس تحالفات عملية واقعية مع النخب، والحال أنه لا فرصة للإصلاح إلا أن يكون مصلحة للطبقات والنخب المؤثرة والمنظمة، ثم نحول هذه «الانتهازية» الى تشكل اجتماعي وثقافي، تجمعات شبابية وجماهيرية تلهمها أفكار جميلة عن الحريات والعدالة، وتدفعها الى العمل والمشاركة، ولكنها تدرك (يجب أن تدرك) أنها تتحقق نسبياً في تحالفات براغماتية. وفي المقابل، فمشكلتنا في كل قضايانا العامة والنضالية الصغرى والكبرى هي الانتهازية المقلوبة. فالنخب التي تحكي «إصلاحاً ونضالاً» تتحالف واقعياً مع الاوليغارشيا ضد المجتمعات.

ويمكن النظر الى التجمعات السياسية والاجتماعية القائمة اليوم على أساس تركيبتها العمرية، فجديتها وقدرتها على الاجتذاب والإلهام يمكن الإشارة إليها بالتوزيع العمري لأعضائها وناشطيها، إذ يجب أن يكون نصف إلى ثلثي أعضائها من الشبان المتطوعين المتحمسين بين 18 و25 سنة، وإذا كانت نسبة الشبان بين 25 و40 سنة في العمل الجماهيري تزيد على 25 في المئة ولا تؤدي دوراً قيادياً وتنظيمياً ولكنهم لا يختلفون عن الفئة العمرية 18-25 سنة، فالظاهرة تعكس بطالة وفشلاً، وعندما تزيد أعمار المنتسبين ممن هم فوق الـ40 سنة على 15 في المئة ولا تعكس في وجودها القيادة والإلهام والتأثير في المجتمع والمصالح والنقابات والمدن، فإنها تعكس تنافساً داخلياً غير واقعي على الفرص الاجتماعية والسياسية.

* كاتب أردني

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى