صفحات مميزة

عن معركة الرقة ومعارك الشمال السوري –مقالات مختارة-

خصوم «داعش»: كلّ يغنّي على ليلاه!/ صبحي حديدي

ما خلا أنصار «الخليفة» البغدادي، لن يحزن الكثيرون إذا انتُزعت بلدة منبج من سيطرة «داعش»؛ وهذه خلاصة قد تسري، وإنْ بدرجات متفاوتة من الحماس الشعبي والإشكالية السياسية ـ العسكرية، على كلّ المناطق التي يحتلها تنظيم «الدولة». فإلى جانب ممارسات «التوحش» التي باتت سمة كبرى لصيقة في علاقة التنظيم مع الأهالي، مقترنة كذلك بفرض طراز غليظ شائه مشوّه من تأويل أحكام «الشريعة»؛ فإنّ سكان مناطق «داعش» باتوا ضحايا تقاطع النيران من كلّ حدب وصوب، وصار تحريرهم من احتلال التنظيم يرقى إلى سمة أولى جوهرية، هي الخلاص من أحد مصادر النار ومسببات الدمار، أياً كانت هوية «المحرر».

بيد أن هذه الخلاصة، الصحيحة من حيث المبدأ، لا تكفي في ذاتها لتغطية واقع الحال على الأرض، بمعنى ذرائعي أوّل يقول بأن إسقاط «داعش» في مناطق سيطرتها غاية جديرة بتبرير كلّ التعقيدات الأخرى، اللاحقة، التي لن تكون أقلّ من عواقب سياسية واجتماعية، والبعض يتحدث عن عوامل اقتصادية أيضاً، تصيب حياة السكان أكثر من إصابة «داعش» ومقاتليها وأنصارها. في صدر تلك العواقب تأتي حقيقة الاشتباك المحلي، السياسي والإثني والأخلاقي بادئ ذي بدء، بين القوى التي تقاتل «داعش»: «قوات سوريا الديمقراطية»، بتركيبها الديمغرافي الغائم بين الكرد والعرب، والذي يعبّر عن التنافر والتنافس أكثر من الانسجام والوئام؛ ثمّ وحدات «الجيش السوري الحرّ»، التي تُركت في العراء شهوراً طويلة حتى استفاقت واشنطن على ضرورة مدّها، جوّاً، ببعض الذخائر؛ ثمّ ما تبقى من جيش النظام السوري في محيط الرقة وحلب، ومقــاتلي «حزب الله» والميليشيات المختلفة ذات الانتماء المذهبي.

وليس أقلّ عاقبة ذلك الاشتباك الآخر، الجيو ـ سياسي، الإقليمي والدولي هذه المرّة؛ الذي يزجّ بالولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا، فضلاً عن عمليات التحالف الدولي الجوية، والعمليات البرية التي تقوم بها وحدات خاصة بريطانية؛ في أتون سلسلة من معارك الكرّ والفرّ مع «داعش»، لا يلوح البتة أنّ مقوّمات حسمها قد اكتملت أصلاً. هذا إذا وضع المرء جانباً حقيقة أنّ ثلاث قوى على الأقلّ، من أطراف هذا الاشتباك، تخوض معارك مماثلة مع تنظيم «الدولة» في العراق؛ حيث يكون امتداد الجغرافيا العراقية ـ السورية عاملاً حاسماً في وصل خطوط قتال، وإمداد، «داعش»، إلى جانب ما ينطوي عليه من اعتبارات التكتيك العسكري الميداني الصرف.

الأهمّ، مع ذلك، هو أنّ خصوم «داعش» متفقون على خصومتها، بالطبع، وهذه هي الغاية المعلَنة؛ أمّا ما يختصمون فيه، بين بعضهم البعض، فهو ليس كثيراً أصلاً، ويتزايد مع الأيام، فحسب؛ بل هو خزّان تطورات ميدانية مرشحة لتفريق الصفوف، أو حتى وضع صفّ في مواجهة صفّ آخر، أو كتلة صفوف متحالفة. لا نعرف، على سبيل المثال، متى ستدخل تركيا بقوّة أشدّ ضدّ الكرد، و«قوات سوريا الديمقراطية» ذاتها، سواء عن طريق الارتقاء بتسليح حلفائها في فصائل «الجيش الحرّ»، أو حتى بتنفيذ عمليات توغل ميدانية غرب نهر الفرات. وإذا كنّا نعرف مقدار حساسية العرب، ولا تُستثنى منهم شرائح واسعة من البدو وأبناء العشائر في محيط الرقة؛ فليس جلياً، بعد، آفاق انقلاب تلك الحساسية إلى حروب مناطقية شعواء. كذلك الأمر بالنسبة إلى واشنطن وموسكو، ما دام التعاقد بينهما على عمل مشترك في سوريا لم يكتمل بعد، وما دامت احتمالات النجاح الراهنة واهنة وبطيئة.

وبذلك فإنّ الخلاصة الأخرى تشير إلى أنّ خصوم «داعش» كُثُر، ولكن كلّ منهم يغنّي على ليلاه، وكلهم يدّعي وصلاً بالشعب السوري، ضحية الاشتباك الأولى.

القدس العربي

 

 

 

 

بين الرقة ومنبج/ علي العبدالله

ما إن بدأت العمليات العسكرية، التي أطلقتها الولايات المتحدة، ضد قوات “داعش” في ريف الرقة الشمالي، بالاعتماد على “قوات سوريا الديمقراطية”، للعمليات البرية، وعلى الطيران الاميركي للمؤازرة والدعم الجوي، حتى تراجعت اخبار القتال هناك وانتقل التركيز الى ريف حلب الشمالي، الى منبج بالتحديد.

لم، وما الهدف من ذلك؟.

أنطوى الاعتماد على “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تغلب عليها “وحدات حماية الشعب” الكردية، بالقيام بمحاربة “داعش” في الرقة، على فرص ومخاطر في آن، فـقد أثبتت هذه “القوات” جدارتها في مواجهة “داعش” في أكثر من موقع ومعركة، ليست معركة تحرير عين العرب/كوباني إلا نموذجها الأبرز، ومعارك رأس العين وتل حميس وجنوب الرد والهول واليعربية والحسكة وتل أبيض والشدادي وسد تشرين شاهدة على استعداداتها وقدراتها.

غير أن استعداداتها وقدراتها ليست سببا كافيا لاختيارها للمهمة، خاصة وانها تسعى لفرض مشروع سياسي لا يحظى باجماع وطني، وان سجلها السياسي والحقوقي يشي بممارسات عنيفة وغير قانونية ضد المواطنين العرب، ما أثار هواجس ومخاوف من تكرار هذه الممارسات في الرقة وسكانها العرب، وهذا طرح علامات استفهام حول منطقية الاختيار الأميركي وبراءته، وذلك لاعتبارات تتعلق بعوامل عديدة لعل أولها إن القوات الكردية لا تبدو، رغم الضجة الاعلامية حول العملية، سمتها معركة تحرير الرقة، والتي ارادت بها ابراز مكانتها في المعادلة الدولية، متحمسة لمعركة الرقة من منطلق تمسكها بأولوية تحرير منبج وجرابلس وربط عفرين بكوباني، وثانيها عدم وجود حاضنة شعبية لهذه “القوات” في الرقة، حيث اغلبية السكان من العرب ولهم هواجس ومخاوف من دخول القوات الكردية الى المدينة، وهي المتهمة بتنفيذ جرائم تطهير عرقي ضد العرب في مناطق كثيرة سبق ودخلتها، تل ابيض وتل حميس والهول … الخ، وقد وظف “التنظيم” الموضوع ونجح في تجييش مشاعر العداء لهذه “القوات” بين عرب المحافظة. وثالثها الحساسيات والتباينات بين الفصائل المنضوية في “قوات سورية الديموقراطية” حول الدور الذي ستلعبه هذه الفصائل في القتال وفي الرقة بعد تحريرها. ورابعها رمزية المدينة بالنسبة لـ “داعش” الذي قام بتحصينها وتجهيز حقول الألغام والمفخخات والانتحاريين وتحصين مواقعه في الجهة الشمالية للمدينة(خاصة “السجن المركزي” ومحيط “الفرقة 17″ و”مطحنة الرشيد”)، نقاط تمركز أساسية للدفاع عن المدينة، وقام بحفر الخنادق حولها، كما قام بنشر حواجز طيارة على مدخلها الجنوبي، وعند جسر الصوامع شمالها، والتدقيق في هويات المارة. وقد زاد إعلان ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي في كردستان العراق الأستاذ غريب حسو في تصريح له نقلته وكالة “نوفوستي” الروسية عن ضم الرقة بعد تحريرها الى الفدرالية (التي كان “تجمع سوريا الديمقراطية” قد أعلن عن تبنيها في مؤتمر رميلان يوم 17/3/2016) الطين بلة، لم تثمر محاولة الأستاذ صالح مسلم في مقابلة له مع وكالة الأنباء الألمانية احتواء رد الفعل العربي بالقول: “بعد التحرير سيكون هناك مجالس إدارة مدنية ومحلية هي من تقرر أمر الرقة وشؤونها، مثلما صار في تل أبيض وغيرها من المناطق التي تم تحريرها. وأهل الرقة سيكونون أحرارا في اختيار من يريدون أن يحكمهم”، بل اعطت نتائج عكسية، لان ما تم في تل ابيض عمليا هو الحاق المنطقة بـ “الادارة الذاتية” عبر تشكيل مجلس محلي مُسيطر عليه.

حاولت قيادة “قوات سوريا الديمقراطية” تخفيف الهواجس والمخاوف بالإعلان أن قوات “وحدات حماية الشعب” لن تدخل الى المدينة وإنها ستحميها من الخارج، كما بذلت جهدا كبيرا لإبراز دور المكون العربي في عملية تحرير الرقة بحيث تتجنب الحساسيات القومية المتصاعدة بين ابناء المنطقة، لكن المحاولة لم تثمر فقد أعلن مجلس شورى قبيلة شمر المعارِض عن “رفضه القاطع لمشروع الفدرالية”، وشدد في بيان له على “وقوفه ضد طروحات التقسيم التي تهدد وحدة التراب الوطني”، كما  صدر بيان عن ممثلي عدد من العشائر العربية يؤكد عدم وجود عناصر تنتمي إلى عشائرهم ضمن صفوف “القوات” التي تخوض معركة الرقة، بالاضافة الى ما اعلنته جهات مطلعة عن انضمام الآلاف من أهالي الرقة إلى تنظيم “داعش” خلال الأيام الماضية بسبب تخوفهم من الحملة الكردية.

وقد كشفت المواجهات الاولى صعوبة المعركة وقسوتها وتراجعت آمال القادة الميدانيين بتحقيق انتصار سريع في ضوء مشاركة قوات خاصة اميركية بتوجيه المقاتلين وقيام الطيران الاميركي بقصف مواقع “داعش” لتدمير خطوط دفاعه وقتل مقاتليه، ما اضطر واشنطن للموافقة على السماح لها بالعبور الى الضفة الغربية لنهر الفرات باتجاه منبج، رغم الاعتراض التركي الواضح، فالعبور يخدم هدف المعركة: مشاغلة قوات “داعش” ومنعها من تحريك قواتها الى العراق وفتح جبهات اضافية فيه لافشال عملية تحرير الفلوجة التي اعلنها رئيس الوزراء حيد العبادي، ويضرب خطوط امداد التنظيم ويقطع طرق اتصاله بالعالم الخارجي، ويعطي مبررا لشن عملية عسكرية على “داعش” في ريف الرقة الشمالي تقدمه قيادة قوات سوريا الديمقراطية لقاعدتها الشعبية.

قد تنجح “قوات سوريا الديمقراطية” في تحرير مساحات جديدة من “داعش”، وتقدم دعما غير مباشر لمعركة العبادي ضد “التنظيم” في الفلوجة، لكنها لن تستطيع القضاء على “داعش” دون قبول ومشاركة العرب، وهذا يستدعي من هذه “القوات” ورعاتها الاميركيين اقناع البيئة العربية، بالملموس وليس بالكلام، انها لن تضام وان الرقة ستبقى لاهلها شكلا ومضمونا، وان التحرير لن يتم على انقاض مصالحهم وحقوقهم. كما يستدعي اقناع الدول الداعمة للمعارضة بان لا تأتي عملية التحرير على حساب مصالحها ومصالح حلفائها من فصائل المعارضة المسلحة، بدء من وقف هجمات ” قوات سوريا الديمقراطية” عليها، مرورا برفع الحظر عن دعمها بالسلاح النوعي والذخائر، من أجل تمكينها من الدفاع عن مناطق سيطرتها ضد “داعش” والنظام في آن، وصولا الى اشراكها في معركة عزل الرقة وتشتيت قوات “داعش” ودعمها واسنادها خلال المواجهة بالاسلحة والذخائر والمعلومات الاستخبارية والقصف بالطائرات.

ليست المعركة المفتوحة ضد “داعش” في ريفي الرقة وحلب المعركة الاخيرة لكنها ستحدد صورة الموقفين العسكري والسياسي وتوازنات القوى، وترسم تخوم نفوذ القوى المحلية والاقليمية والدولية على الارض السورية، تمهيدا لتوظيفها على طاولة التفاوض وبازار المساومات.

المدن

 

 

 

 

أميركا الكردية/ غسان الإمام 

لا تستطيع أن تشتري الأكراد. لكن تستطيع أن تستأجر ميليشيا كردية. وتخوض بها حربًا في العراق وسوريا. وحروب اليوم هي حروب بالواسطة، كما يقول علي شمخاني عن خبرة. فالرجل هو أحد خبراء الحرب والضرب في العسكريتاريا الفارسية.

راهن «الإخوان» الحاكمون في أميركا، منذ (الآغا) بوش الأصغر، إلى (الآغا) أوباما الأول والثاني على محاباة الكرد. والرهان عليهم في المنطقة العربية. سهّلت الحماقة «الداعشية» على أميركا الكردية تكليف أكراد برزاني وطالباني استعادة الموصل من «داعش» في العراق. وتكليف أكراد سوريا وتركيا بتحرير الرقة ودير الزور من النير «الداعشي» في سوريا.

أكراد العراق وسوريا هم الرابح الأكبر من الحروب التي شنتها وتشنها أميركا. وروسيا. وإيران، على عرب المشرق. توازع الكرد الأدوار: في الحرب العراقية/ الإيرانية (1980/ 1988)، تحالف أكراد إيران مع صدام. فاغتالت مخابرات الخميني زعيمهم الآغا عبد الرحمن شبقلو مع أفراد شلته، وهم يتناولون الطعام في مطعم ألماني.

وتحالف أكراد العراق (وبالذات طالباني) مع إيران الخميني. فكافأتهم النخبة (الكردية) الحاكمة في أميركا، بحكم ذاتي بالشراكة مع أكراد برزاني، في كردستان العراق. تناحر الاثنان. فقتل وجرح ألوف الأكراد، وهم في انتظار «غودو» الانفصال التام.

ما من شعب تعايش. وتزاوج. واستعرب مع العرب (وبالذات مع السوريين)، كما فعل إخواننا الأكراد. كان صلاح الدين الأيوبي رجلاً حكيمًا. حرر القدس بجيش مصري. سوري موحد. واستكمل السوريون والمصريون تحرير أنفسهم من الصليبيين بعده.

ناضل الزعماء الأكراد تحت راية العروبة، لتحرير سوريا من الاستعمار الأوروبي الجديد. ثم كان حسني الزعيم بالمصادفة الكردي الذي قاد أول انقلاب عسكري، بعد الاستقلال (1949). وكان رئيس وزرائه محسن البرازي كرديًا أيضًا. فقتلهما اللواء سامي الحناوي قائد الانقلاب الثاني. فاغتاله شاب كردي في بيروت (مصطفى حمشو البرازي). وكان قائد الانقلاب الثالث أديب الشيشكلي من أسرة كردية. حموية. مستعربة. وكان خالد بكداش الزعيم التاريخي للحزب الشيوعي السوري كرديًا من جبل الأكراد في دمشق.

وفي المنطق الطائفي والعنصري السائد، فقد قاد رئيس الأركان العراقي (الكردي) بكر صدقي انقلابًا عسكريًا (1936/ 1937). وقتل وزير الدفاع (الشيعي) جعفر العسكري. فقتله الضباط (السنة) العرب انتقامًا لعروبة العسكري.

وكان أكراد مصطفى البرزاني يتمردون، كلما وقع النظام العربي في بغداد بأزمة مع الدولة المستعمرة (بريطانيا). ثم ترأس الآغا مصطفى جمهورية مهرباد الكردية التي أقامها ستالين على أرض إيرانية/ روسية. ثم استغنى عنه. فتبنته أميركا (الآغا) ريتشارد نيكسون، وتابعه (الآغا) هنري كيسنجر، ليحارب صدام حليفًا لشاه إيران. ومات الآغا مصطفى منفيًا في أميركا (1978)، بعدما تصالح الشاه وصدام (1975).

الأقليات صداع عالمي كبير. تضخمت الأقليات. فتمردت على الدولة القومية المستقلة. في القرون الوسطى، استكمل السلاطين الأتراك العثمانيون استدارة هضبة الأناضول، بانتزاع رقعتها الجنوبية الشرقية (الكردية) من الفرس. فباتت المنطقة في النصف الثاني من القرن العشرين «كعب أخيل» التركي.

تذاكى حافظ الأسد. فاهتبل فرصة تمرد أكراد تركيا. فاستضاف زعيمهم الكردي (العلوي) عبد الله أوكالان. ودرب عشيرته الكردية (العلوية) على العنف في معسكرات «حزب الله» بلبنان. فقتل 44 ألف كردي وتركي في الثمانينات والتسعينات. هددت تركيا الكمالية نظام الأسد. فأقنع بشار أباه بطرد أوكالان إلى مجاهل أفريقيا. وسلم عنوانه السري إلى المخابرات الأميركية والتركية. فبات أوكالان حبيس الأتراك في جزيرة ببحر إيجة.

في غمرة الصمت العربي، فالخطير والمؤلم أن تكلف أميركا ميليشيات الـ«بيش ميرغا» الكردية احتلال الموصل وريفها. والرقة. ودير الزور. وريف حلب الشمالي والشرقي (وكلها تحتلها «داعش» حاليًا)، من دون أن تنتزع من القادة الأكراد تعهدًا علنيًا بالانسحاب منها!

هل يكتفي عرب الجامعة بالفرجة على المعركة الإعلامية بين السعودية و«أغوات» إدارة أوباما وجون كيري. فلا نسمع مسؤولاً عربيًا يطالب أميركا بالكف عن ممارسة اللعب بالأقليات العنصرية (الكردية) في المشرق العربي التي تحاكي لعبة إيران بالأقليات الدينية والطائفية في المنطقة ذاتها؟!

كشفت معركة الفلوجة التي تشارك فيها ميليشيات «الحشد الشعبي» بقيادة الفارسي قاسم سليماني. ومعركة الرقة والطبقة التي يشارك فيها عساكر أميركيون يحملون على صدورهم شارات الـ«بيش ميرغا»، التنسيق العسكري الميداني الواضح بين أميركا. وإيران. و… الأكراد. والنظام السوري.

ها هي قوات بشار تهرع مع فلول مرتزقة إيران («حزب الله» وميليشيات إيران العراقية. والأفغانية) من غرب البادية السورية إلى شرقها، للمشاركة في معركة الطبقة الموقع الاستراتيجي المائي والنفطي المتحكم جغرافيًا بشمال سوريا وشرقها، بما فيها أرياف المدن وقرى الحدود مع تركيا (810 كيلومترات).

هدف التنسيق الثلاثي إغلاق الحدود السورية، لمنع تركيا من دعم وإسناد تنظيمات المعارضة السورية التي أخفقت في وعي الخطر المحدق بها، فلم تستطع إلى الآن إقامة تنسيق ميداني حقيقي بينها! وينتهز الطيران الروسي. والسوري. والأميركي الفرصة. فيجري دكّ المناطق المدنية (وخاصة في حلب) بقنابل الأعماق والبراميل المتفجرة، على مرأى ومسمع من أوروبا والعالم كله.

أين الإعلام العربي؟ ظاهرة التعليق السياسي المؤدب والمحايد تتحدى ما بقي من شعور قومي. ووعي وطني بالقلق على الحاضر والمصير. تغييب المعارضات السورية للهوية العربية، تذللاً. ومسايرة لأوروبا. وأميركا. وروسيا، هو الذي أطلق حرية الحركة لميليشيات الأكراد السوريين الخاضعين لتوجيهات حزب العمال الكردي في تركيا. والمدرج – للطرافة – على لائحة الإرهاب الأميركية!

أميركا الكردية، بتمكينها أكراد تركيا وسوريا من احتلال سوريا الشمالية، تهيئ المشرق العربي لنزاع مسلح طويل الأمد بين العرب. والأكراد. والفرس. والتركمان. والكلدان. والآشوريين.

في غياب قرار دولي وإنساني، تتوسل هيئة أمم هاجوج. وماجوج. وبان كيمون. وفرسان الدول الكبرى في مجلس الأمن، وتتذلل للنظامين السوري والإيراني، للسماح بتزويد ملايين المدنيين السوريين والعراقيين بسلة غذاء من الجو، لتستولي عليها ميليشيات المعارضة المحاصرة التي لا تقاتل. ولا تنسحب.

«داعش» و«النصرة» وهْم «سني» كبير. لو أرادت أميركا لقضت عليهما. لكنها تتذرع بهما ريثما تتوصل إلى اتفاق مع روسيا. وإيران. و…الأكراد، لإعادة رسم خريطة جديدة لمشرق مجرد من هويته التاريخية، بموافقة النظامين الطائفيين في سوريا والعراق. والمعارضات المسلحة والسياسية التي تخلت عن هويتها، لتزعم أنها تتمسك بدينها!

ها هو (الآغا) أوباما يدعو العرب وإيران لمحو الهوية العربية، بتقاسم الهيمنة على المشرق! ثم يحشر الأكراد بين الجانبين، للاستيلاء على ما تيسر من أرض عربية. هذه الأرض ملك لعشائر عربية أخطأت الأنظمة السورية المتعاقبة بإهمال رعايتها وتطويرها. فاضطرت إلى الهجرة إلى الخليج، حيث لقيت من أشقائها وأصولها الملاذ. والعمل. وكرامة المعاملة.

الشرق الأوسط

 

 

 

الهدف تركيا لا منبج/ عبد القادر عبد اللي

تتوالى المفاجآت في الشمال السوري، وإذا كان عدم الرد التركي على عبور قوات حزب “الإتحاد الديموقراطي” إلى غرب الفرات غير مفاجئ، فإن كل ما حدث غيره كان مفاجئاً.

فقد أعلنت الولايات المتحدة الأميركية وجود قوات لها “مستشارين” مع “قوات سوريا الديموقراطية”، وهذا ما وضعها في موقع لا يمكن لأي قوة أخرى أن تتدخل ضدها، لأن التدخل يعني القتال ضد الولايات المتحدة، وهذا ما كبّل تركيا، بل شلّها. وكانت الولايات المتحدة قد حددت لتركيا معسكرين لحزب “العمال الكردستاني” في شمال العراق، و”أمرتها” بعدم قصفهما لوجود قوات أميركية فيهما.

في الوقت ذاته أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو أن الولايات المتحدة قدمت لتركيا ضمانات بعدم بقاء قوات  “الاتحاد الديموقراطي” غربي الفرات بعد تحرير منبج. وأعاد هذا التصريح أكثر من مرة. ولكن الولايات المتحدة لم تعلن شيئاً بهذا الخصوص حتى الآن، وهذا له معنيان في حقل التوقعات: الأول، ليس هناك ضمانات، ولا تريد الولايات المتحدة إحراج الطرف التركي الذي مازال حتى الآن يُسمى بالنسبة إليها حليفاً. والثاني، هناك ضمانات، ولا تريد أميركا إحراج الحليف الكردي الجديد.

أما في حقل الواقع، فالمؤكد أن الولايات المتحدة لا تعطي شيئاً من دون أن تأخذ، ويجب أن يكون ما تأخذه أكبر بكثير مما تعطيه. وهذا ما يؤدي إلى طرح السؤالين التاليين: إذا كانت الولايات المتحدة قد أعطت ضمانات، فما هو الثمن الذي قبضته؟ وما الذي تملكه تركيا، وتريده الولايات المتحدة، ولا تستطيع الحصول عليه؟

الوقائع على الأرض لا تعطي شيئاً من هذا القبيل. هذا يعني أن الضمانات إن وجدت فهي بروتوكولية، يمكن للولايات المتحدة التنصل منها ببساطة، ولعل هذا أفضل تفسير لصمتها حول الموضوع. ولكي تريح الأتراك (معنوياً) سمحت للإيطاليين بإرسال صواريخ باتريوت لتوضع على الحدود السورية في إطار قوات “حلف شمال الأطلسي”.

يبدو أن الخيار وقع على الشمال السوري ليكون محور التغيرات الاستراتيجية في المنطقة، فتوجهت الجيوش العاملة على الأرض السورية كافة إلى الشمال، وبدأ تنظيم “الدولة الإسلامية”، “داعش”، بإجراء انسحابات كبرى أمام “قوات سوريا الديموقراطية”، واتجه غرباً ليحارب المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا. وقد حقق بعض النجاحات ضدها في البداية، ولكن تلك المعارضة سرعان ما استردت عافيتها، وبدأت بصد التنظيم، وتحقيق بعض النجاحات ضده. ومن الممكن أن تكون القوات المسلحة التركية قدمت دعماً نارياً لهذه القوات ليس من مصلحة أي طرف الإعلان عنه، ولعل هذا ما جعل التنظيم يعيد قصف كلّس التركية من جديد إثر تراجعه عن عدة قرى حول مارع في ريف حلب الشمالي.

من جهة أخرى، خرقت قوات النظام السوري الحدود الإدارية لمحافظة الرقة، خرقاً رمزياً، تريد أن تعلن من خلاله وجودها ضمن تلك الملحمة. وهناك أيضاً التصريحات الروسية بأنها ستقدم المزيد من أجل معركة حلب، عدا عن الوجود الإيراني الكبير جداً.

لعل الأمور بظاهرها تبدو إيجابية بالنسبة إلى تركيا، فها هو تنظيم “داعش” يبتعد عن حدودها، وبالتالي تتخلص محافظاتها الجنوبية -خاصة كلّس- من قصف التنظيم، وتقطع طرق عبوره لتنفيذ عمليات إرهابية على أراضيها، وضد المعارضة السورية. كما أن القوات الموالية لها في إعزاز ومارع تحقق بعض الانتصارات ضد “داعش”، وتقهقره، وهذا نظرياً يُنشئ جداراً بين القوات الكردية المتواجدة في الغرب، والأخرى التي في الشرق وإن لم يكن بالمساحة الكافية، وهو يعني بقاء خطوط الإمداد للمعارضة التي تدعمها شبه مفتوحة.

لعل تحقيق المدافعين عن مارع بعض النجاحات هو ما أزعج غالبية الأطراف، بل وبدد آمالهم، وكانت هذه المفاجأة الأكبر في سلسلة المفاجآت التي تحصل في الشمال السوري.

فعندما أعلن رئيس النظام السوري بأنه سيدفن الأحلام الأردوغانية في حلب كان يعني ما يقوله تماماً. وهو أسماها الأحلام الأردوغانية، ولكنه يعني القضاء على المعارضة التي تدعمها تركيا، وتحارب نظامه. فـ”قوات سوريا الديموقراطية” تقودها الولايات المتحدة، ويأمل الأسد بأن تبسط هذه القوات سيطرتها على الشمال، وتقطع خطوط الإمداد من تركيا، وهو لا يخشاها طالما أن أمرها أميركي، مثلما أنه لم يكن يخشى “داعش” لأنه لا يعتبرها أولوية. وإذا كانت “داعش” قد أمَّنت له مزيداً من الشرعية الدولية، فإن هذه الشرعية ما كان يمكنه الحصول عليها لولا الدعم الأميركي الكبير له.

مازالت تركيا على فوهة بركان، فهي لا تريد “داعش” على حدودها، ولكنها لا تريد “الاتحاد الديموقراطي” على حدودها أيضاً. وهي مضطرة للدفاع عن الطرف الأضعف ضمن التوازنات الشمالية، وهو الجيش الحر. وهكذا فإن الأمر لن يكون بيدها.

ستعود الأمور للتعقيد أكثر بعد أن تحرر “قوات سوريا الديموقراطية” منبج، وتتوجه غرباً.

التعقيد في الحقيقة هو المطلب الأميركي-الإسرائيلي المشترك. فهذا التعقيد يستنفذ طاقات دول المنطقة كلها، ولعل الولايات المتحدة تريد تحقيق أهداف أبعد من سوريا في المنطقة، ويمكن أن يكون الهدف تركيا نفسها.

المدن

 

 

 

 

هل تتدخل تركيا برياً في سورية؟/ باسل الحاج جاسم

أيقظ تمدّد الأكراد في سورية تجاه مدينة منبج الاستراتيجية ذات الأغلبية العربية المطلقة، (40 كم عن الحدود التركية) مجدداً قلق أنقرة الذي لم يهدأ أصلا منذ سنوات، مع تعقد الأمور يوماً بعد يوم على حدودها الشمالية.

يطمح الأكراد إلى إيجاد تواصل جغرافي بين منطقة عفرين وبقية المناطق السورية التي ينتشرون فيها، ما من شأنه إقامة حزام يفصل تركيا عن مدينة حلب، ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى، فهي ثاني كبرى المحافظات السورية، بالإضافة إلى مكانة خاصة تتمتع بها حلب في قلوب الأتراك وتاريخهم، وهو ما يشكل تهديداً واضحاً لأمن أنقرة القومي.

من غير المتوقع أن تقف أنقرة مكتوفة الأيدي حيال أي محاولةٍ لفصلها عن الشمال السوري، وترك السوريين العرب والتركمان يتعرّضون لعملية فرز ديموغرافي، كما من غير المتوقع تراجع أنقرة عن خطواتها لمنع مليشياتٍ كرديةٍ من إنشاء كيان عازل على حدودها، حيث تخشى تركيا نجاح جهود الأكراد إقامة منطقة حكم ذاتي في سورية على غرار المنطقة الكردية في شمالي العراق، وهو ما قد يحفز طموحات الأكراد بإقامة دولة انفصالية مماثلة في تركيا.

يسيطر الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني التركي، حزب الاتحاد الديمقراطي الكرد (PYD) أبرز القوى الكردية السورية ومليشياته (YPG) القوتان اللتان تصفهما أنقرة بـالإرهابيتين على ثلاثة أرباع الحدود السورية مع تركيا، ويتابع استفزازه تركيا، بالتقدم إلى مناطق كان النظام السوري في السابق تعهد بمنع أي تحرك مسلح كردي فيها، أو السماح للجيش التركي بالتوغل داخل الأراضي السورية لملاحقة المسلحين الأكراد فيها، كما حدث في أوقاتٍ سابقة، ولو بشكل غير معلن، كما يحظى التنظيمان الكرديان حالياً بدعم أميركي روسي، بسبب تصديهما لمسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وفي تحركٍ اعتبره المراقبون استفزازياً ليس فقط لأنقرة، وإنما للعرب السوريين، المكون الأساسي لسكان سورية، حيث عمدت مليشات YPG الكردية إلى تغيير أسماء مناطق وبلدات من العربية إلى الكردية في المناطق التي تسيطر عليها في سورية، استكمالاً لمشروعها. وأطلقت اسم “سيروك أبو” على مطار منغ العسكري، والذي يعني “القائد الأب”، نسبة إلى عبد الله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني، وبات اسم “أرباد” يطلق حالياً على بلدة تل رفعت السورية، والتي يقطنها مكون سورية الرئيسي العرب بشكل خالص، بالإضافة إلى إطلاق أسماء جديدة على 20 منطقة.

يدور الحديث أن الأكراد في سورية يشكلون القومية الثانية، وقد يكون هذا كلام حق يُراد به

“نفع التذكير بمقولة سليمان ديميريل: في السياسة التركية احتمال 1% يعادل احتمال 99%” باطل، لإسقاط الحالة الكردية في شمال العراق على أكراد سورية، من دون الأخذ بالاعتبار فوارق كبيرة بين الحالتين، وهي أنهم في سورية لا يمتلكون المقومات التي لدى نظرائهم شمال العراق، ديموغرافياً وجغرافياً، حيث تفيد مصادر كثيرة بأن نسبتهم في سورية لا تصل إلى 10%، وقد تكون أقل بقليل أو أكثر بقليل، بالنظر إلى خريطة التوزع الكردي السوري، الجغرافي والديموغرافي، ولا تمتلك أي تواصل جغرافي بين المناطق الرئيسية التي تقطنها (القامشلي – عين العرب – عفرين)، بالإضافة إلى أنه حتى المناطق التي هي فيها أكثرية، لا تشكل أغلبية مطلقة، على عكس المكوّن العربي الرئيسي، وهذا يفسّر التحرك السريع والمفاجئ، في الآونة الاخيرة، لمليشياتٍ كردية بدعم روسي تارة، وأميركي تارة أخرى، في المناطق غرب الفرات وفي محيط مدينة حلب، استعدادًا لسيناريو كهذا معد مسبقًا، لتحقيق عمق وامتداد جغرافي، وليست معركة منبج هذه الأيام إلا استمراراً في هذه السيناريو.

يدرك العالم أن لتركيا وضعاً خاصاً، طوال سنوات الثورة السورية، بسبب عدم رغبتها في مهاجمة دول مجاورة، فربما يحدث رد فعل انتقامي، كما أنها لا تريد المخاطرة بأي تحركٍ خارج الحدود، في الوقت الذي تخوض فيه الدولة التركية حرباً داخل أراضيها ضد من تسميهم إرهابيي حزب العمال الكردستاني، وحرباً أخرى خارج الحدود ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

تعيش تركيا، هذه الأيام، أشد فترة في تاريخها الحديث حرجاً، فالأوضاع الدولية والإقليمية تتطوّر بشكل كبير وسريع ضد مصالح أنقرة. ولأول مرة في التاريخ، تكون روسيا جارة لتركيا من الشمال والجنوب، كما أن دور الولايات المتحدة في المنطقة بات أقرب إلى اللامبالي في مقابل التحرّك الروسي المكثف. لكن الواضح من تحركات تركيا، أخيراً، محاولتها تجاوز بعض الأخطاء التي وقعت فيها سابقاً في تعاملها مع الملف السوري، من خلال توسيع تعاونها مع الأطراف العربية المتضررة الحقيقية من خسارة سورية، الأمر الذي يعطيها غطاءً عربياً إسلامياً، ناهيك عن مشاركة بعض تلك الدول، وبشكل مباشر في أي تحرك عسكري تركي مرتقب، بالإضافة إلى إسراعها بالموافقة على شروط إسرائيل لعودة التطبيع، ما يؤمن لأنقرة غطاءً دولياً، وتوازناً أمام الحلف الإيراني الروسي، كما أن تركيا تضع حلف الناتو على المحك، وربما لأول مرة في تاريخه، بتفعيل المادة الرابعة، وهي الدفاع عن دولة عضو في الحلف، في حال تعرّضها لهجوم عسكري، وأهمية اللحظة أن كل دول “الناتو”، ولا سيما في أوروبا الشرقية التي تعيش هاجس القلق من روسيا، بعد تمزيق الأخيرة أوكرانيا، كلها تترقب موقف “الناتو” حيال أي هجوم تتعرّض له تركيا. وأي تدخل بري مرتقب سيكون لتنظيم الوضع في مناطق سورية معينة، على امل أن تحصل بعدها مفاوضات جدية مباشرة، مثمرة بين الأطراف الفعالة على الأرض السورية.

وحقيقة الوضع المعقد تجعل من الصعب على أحد تحديد إلى أين يمكن أن تتجه الأمور، فهي، في لحظةٍ ما، يمكن أن تنقلب رأساً على عقب، مثل المفاجأة وتغيير الموازين الذي حصل بعد إسقاط تركيا الطائرة الروسية التي قالت إنها انتهكت أجواءها أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

ويجب عدم استبعاد إمكانية تدخل تركي عسكري بري إلى مناطق محدّدة في الشمال السوري، في حال لم يتم وقف جماح تركيا، وذلك عبر الاغراءات بالمنافع الاقتصادية، وخطوط إمدادات الطاقة، ومشاريع إعادة الإعمار. وهنا، علينا عدم إغفال العامل الإسرائيلي، فوسط الفوضى التي تعيشها المنطقة، وحدها تل أبيب تعرف ما تريد، وترفض ما لا تريد، وتملك القرار في الحالين، وأي تغيير في الخارطة الجيوسياسية، لا بد أن يحظى بضوء أخضر إسرائيلي. وهنا، لا بد من الأخذ بالاعتبار موافقة تركيا على جميع شروط عودة التطبيع مع إسرائيل. فالأخيرة هي الوحيدة القادرة على إيقاف روسيا عند حدها في سورية، لأنها اليوم باتت حليفاً صامتاً لروسيا في سورية، مثل إيران وحزب الله، وهذا لا يناسب تل أبيب، ويجب ألا ننسى كيف سارعت موسكو ونسّقت، بشكل معلن وواضح، مع تل أبيب، قبل دخولها سورية، وضربت عرض الحائط انتهاكها أجواء دول مجاورة أخرى.

لكن، من غير المستبعد أيضا أن تجد دولة إقليمية كتركيا نفسها مضطرةً، في نهاية المطاف، للقبول بأي طرح فيدرالي أو تقسيمي، إذا ما جاء نتيجة اتفاق روسي – أميركي، مع مراعاة حساسيتها في بعض النقاط، كإبعاد الانفصاليين الأكراد عن مناطق معينة، هي تحدّدها، مثل حصرهم في المثلث السوري التركي العراقي. وهنا علينا عدم إغفال أنه، في الماضي القريب، كانت إقامة كيان كردي شمال العراق خطاً أحمر للأمن القومي التركي، إلا أن إقليم شمال العراق تحول، لاحقاً، إلى أقرب حليف في المنطقة لأنقرة.

يبقى القول إنه صحيح أن تركيا تأخرت في التدخل بمفردها في سورية، إلا أنه ما زال هناك متسع من الوقت للتدخل، على الرغم من أنه ضيق. ولكن، في إطار عربي إسلامي ودولي. وفي هذه الظروف، ينفع التذكير بمقولة للرئيس التركي الأسبق، سليمان ديميريل،: في السياسة التركية احتمال 1% يعادل احتمال 99%.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

هدف روسيا: اجتذاب أميركا إلى تصفية المعارضة «المعتدلة/ عبدالوهاب بدرخان

هي مرحلة اختلاط الحابل المحلي – الإقليمي بالنابل الدولي… وتشهد هذه الحال، كما تتراءى في سورية، تنافساً محموماً لإثبات الوجود والنفوذ من دون تدخّل عسكري مباشر (الولايات المتحدة من خلال الأكراد ومجموعة عربية رمزية في «قوات سورية الديموقراطية»، بل إن بريطانيا سعت أخيراً إلى إبراز دور لها يتمثّل بـ «جيش سورية الجديد»)، أو بالتدخّل المباشر سعياً إلى الحصول على مواقع جديدة على الأرض والتحكّم بـ «الحل السياسي» (روسيا من خلال غطائها الجوي وقوات «صقور الصحراء» وإيران بـ «الحرس الثوري» والميليشيات المستوردة وكذلك ميليشياها السورية المسماة «جيش الدفاع الوطني» بالإضافة إلى قوات النظام السوري)، أو الثبات في مواقع أمكنت السيطرة عليها قبيل التدخّل الروسي (فصائل المعارضة التي تعمل على موجات مختلفة وبمرجعيات متناقضة وغير منسّقة في الجنوب والوسط والشمال).

وفيما يشكّل تنظيم «الدولة الإسلامية/ داعش» عنواناً لتغطية التدخّل الأميركي (والبريطاني) كلياً، والروسي جزئياً، فإن موسكو بادرت منذ غاراتها الأولى (آخر ايلول/ سبتمبر 2015) إلى إبراز «جبهة النصرة» كعنوان رئيسي آخر لتدخلها، لكنها استخدمته تحديداً للتعمية على استهدافاتها الحقيقية: كل الفصائل المعارضة التي تقاتل نظام بشار الأسد. حاولت الولايات المتحدة وضع الدور الروسي في إطار ما عُرف بـ «تفاهمات كيري – لافروف»، لكن التدقيق في خط بلورة هذه التفاهمات منذ مرحلة «كلينتون – لافروف» (حتى بيان جنيف 30/06/2012) ومرحلة «الخبراء» التي سبقتها (2011) يُظهر أنها تغيّرت تصاعدياً لمصلحة موسكو. ولا شك في أنها مرّت بأهمّ مراحلها بين الاتفاق على تدمير ترسانة السلاح الكيماوي (أيلول/ سبتمبر 2013) وانعقاد مؤتمر جنيف (شباط/ فبراير 2014)، إلا أنها انقطعت بالتزامن بين فشل المفاوضات واندلاع الأزمة الأوكرانية. ولم تبادر واشنطن إلى استئنافها في أيار (مايو) 2015 إلا بعدما تأكد فشل الدور الإيراني في حسم الصراع فيما توصّلت فصائل المعارضة بدعم تركي – عربي إلى طرد النظام من مناطق واسعة في الشمال. ولم يقتنع الروس بالدعوة إلى تجديد «التفاهمات»، إلا بعد تقارير عن إجهاض تقدّم للمعارضة من الجنوب نحو دمشق، ما أكد لهم أن الأميركيين جادون في قبول، ولو مشروط، لبقاء نظام الأسد.

منذ ذلك الوقت أصبحت الكلمة الفصل في «التفاهمات» لموسكو، وهو ما تدعّم بتدخّلها المباشر، إلا أنها وضعت محدّدات لدورها مستمدّة من تجربتها الأفغانية ولا تختلف كثيراً عن معارضة باراك أوباما إرسال قوات برّية وعدم توريط جنوده في قتال داخلي. أبدى الروس في البداية اندفاعاً إلى حسم عسكري عاجل لمصلحة النظام، لكن تعرّفهم عن كثب إلى طبيعة الصراع على الأرض، ومعاينتهم وضع الجيش وتبعيّته لإيران وميليشياتها، وكذلك تحليلهم لتشابك المصالح الإقليمية مع القوى المحلية، جعلتهم يتظاهرون بالاستجابة لضغوط ودعوات أميركية وأوروبية والقبول بوضع «عملية سياسية» تضبط الأزمة الداخلية وتشكّل خلفية مناسبة ومساعدة لتفعيل «الحرب على داعش» وعلى «النصرة». وهكذا بدأت لقاءات فيينا رباعية (مع السعودية وتركيا)، ثم وسّعت بطلب روسي وموافقة أميركية على ضم إيران خصوصاً، وهنا بدأت واشنطن مسلسل تراجعات تكيّف معها الأوروبيون بفعل موجات اللاجئين وتصاعد خطر الإرهاب الداعشي. وضعت واشنطن «مصير الأسد» في الواجهة للإيحاء بأنه خلافها الرئيسي مع موسكو، لكنها في الخلفية وافقت على التصوّر الروسي لـ «الحل السياسي»: فلا «هيئة حكم انتقالي» ولا «عملية انتقالية» أي لا مرجعية لـ «بيان جنيف»، بل «حكومة وحدة وطنية» تضم معارضين، ولا شروط على الأسد بل احتكام إلى دستور يعدّ/ و «انتخابات» تُجرى بإشراف «حكومته»، مع «إشراف من الأمم المتحدة» إذا كان هذا لا يزال يعني شيئاً في ظل التعاسة التي بلغتها منظمة بان كي مون ومبعوثيه.

أرادت روسيا من لقاءات فيينا والدول المشاركة فيها أن تسجّل: أولاً، أن تدخلها في سورية أسقط الخيار العسكري للمعارضة وأن هزيمة النظام (وإيران، الموجودة إلى الطاولة) لم تعد هدفاً ممكناً. وثانياً، أن الحل السياسي ينبغي أن يخضع لميزان القوى العسكري، وبهذا المعنى فإن «الحكومة» والانتخابات» هما المخرج الوحيد المتاح للمعارضة، ولداعميها… كان ذلك إيذاناً بأن الروس أصبحوا متحكّمين كلياً بالملف، ولتأكيده واصلوا عمليات القصف المستهدف للمعارضة المصنّفة «معتدلة» كونها العدو الرئيس للنظام ولحليفه الإيراني، ولم يبالوا بالقرار 2254 رافضين البحث في أي «هدنة» أو مساعدات إنسانية قبل الشروع في التفاوض، ووافقوا على تغطية جويّة لهجمات برّية واسعة على حلب متوقّعين أن تكون واشنطن «قامت بما عليها» مع المعارضة والدول التي تدعمها بحيث تكون الجولة الأولى في جنيف بداية تعبير عن استسلام مبكرٍ وعاجل وقبول بصيغة الحل السياسي وشروطه. وعلى رغم إقرارها لاحقاً، وعلى مضض، بوجوب إقامة هدنة تسهيلاً لانطلاق المفاوضات، إلا أنها تركت قوات النظام وإيران لتتولّى عملية الإسقاط التدرجي للهدنة.

طوال الأعوام الخمسة الماضية تبنّت روسيا تصوّرات إيران ونظام الأسد، وبدا كل ما قامت به أشبه بـ «تكليفات» أسدية أو إيرانية، من التربص بأي تدخل أميركي أياً كان نوعه، إلى إدارة الأزمة مع أميركا للتحكّم بأدوار الدول الأخرى، وصولاً إلى إقصاء تركيا وابتزاز الدول الأخرى، وأخيراً الحؤول دون انفراد الأميركيين بـ «الحرب على داعش» والضغط لاجتذابهم إلى حرب متزامنة ضد «النصرة» فتكون هذه الحرب الحاسمة ضد المعارضة. هذا هو الحاصل الآن: إذ بدأ الأميركيون يتعرّفون إلى نتائج رهاناتهم في «الحرب على داعش»، استبعدوا النظام، لكن الروس يفتحون له وللإيرانيين طريقاً إلى الرقّة، واستبعدوا المعارضة التي خذلوها ولا يمانعون ضربها وتصفيتها، واعتمدوا حصراً على الأكراد مع مجموعة «عربية» هامشية، وكلّها خيارات تخلط الأوراق أو تمهّد لتسليم الرقة إلى النظام، لكنها تجازف بصنع البيئة المناسبة لإنتاج حالٍ أسوأ من تلك الداعشية التي يراد إنهاؤها.

لم يكن لروسيا يوماً أي مشروع حل متكامل ومبني على قرارات دولية شاركت في صوغها، وعندما شعرت بأن مقاطعتها للمعارضة تفصلها عن الواقع نظّمت حوارات أدّت إلى استنباط «معارضة موسكو» المطعّمة بشخصيات سمّتها الأجهزة الأسدية والإيرانية، وبعد تدخّلها المباشر تبنّت أيضاً «معارضة حميميم» الموالية كلياً للنظام. لكن التجربة بيّنت لها أن ثمة معارضة واحدة تستطيع أن تقيم هدنة مع النظام، وتستطيع بالتالي أن تفاوض على حل سياسي. فهذا هو الواقع الذي يخالف منطق روسيا وتفاهماتها مع أميركا، وبدل أن تعترفا به فضّلتا منطق الأسد – إيران، أي مواصلة الحرب، وصولاً إلى كيّ هذا الواقع وتغييره ليتلاءم مع المخارج اللامعقولة التي تطرحانها لإنهاء الصراع. فالواقع هو، ببساطة، شعبٌ ضد نظام، وروسيا وأميركا متفقتان مع النظام، ضد الشعب، يتساوى في ذلك أن يقول مسؤولون روس بين حين وآخر إن الأسد لا يهمهم في شيء، أو أن يقول مسؤولون أميركيون أن الأسد فاقد الشرعية. إنهم يعاملونه بعكس ما يقولون، بعدما أدركوا بالتجربة أن النظام هو الأسد والعكس صحيح، أما الدولة فبات الروس يعرفون جيداً ما حلّ بها من تفكك واهتراء وافلاس.

في السابق، كان الأميركيون يحثّون الروس على التخلّي عن سلبيتهم وتشجيع التفاوض بين الطرفين السوريين، وما حصل أخيراً أن لافروف خاطب كيري بلهجة لائمة، لأن واشنطن تتلكأ في الموافقة على أن يدعو المبعوث الأممي إلى جولة جديدة في جنيف، بل إن الوزير الروسي اتهم المعارضة بأنها غير مهتمّة بالتوصل إلى حل سياسي. تكمن المفارقة في أن روسيا تبرهن يومياً أنها، مثل حليفيها نظام الأسد وإيران، اختارت الحل العسكري في شكل واضح، وهو ما تؤكده الوقائع الميدانية وخريطة مجازر القصف بالبراميل فضلاً على الإغارة على سوق العشارة في دير الزور وتعمّد قتل المدنيين فيها. لكن موسكو لا تزال تتوقّع أن تأتي المعارضة إلى جنيف لتوافق على الحل الذي يطرحه النظام، وإذا لم تفعل فإن الروس سيفرضون ذلك الحل بالتعاون مع «المعارضات» الأخرى.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

 

 

الحرب في الفلوجة والرقة بين ألغام تركيا وإيران/ جورج سمعان

التعقيدات السياسية المواكبة للحرب على «داعش» في الفلوجة والرقة تكاد تفوق التعقيدات العسكرية. وتتحرك الولايات المتحدة التي تقود هذه الحرب في حقـــول ألغام لم يزرعها التنظيم الإرهابي فحسب. ثمة حقـــول ألغام لا تقل خطورة تعوق التحرك الميـــداني تزرعها بطريقة أو بأخرى كل من تركيـــا وإيران. فضلاً عن المساحة الواسعة التي لا تزال تباعد بين موقفي واشنطن ومـــوسكو، وتفيد منها كل القوى الإقليمية والمحلـــية المتصارعة على مساحة خريطة «سايكس – بيكو». فتسعى إلى ملء الفراغ الذي يخلفه غياب التفاهم بيـــن الدولتين الكبــريين. كأنها تسعـــى إلى الاستئثار برسم الحدود الجديدة للإقليم. وهو ما يجعل باب المقايضات مقفـــلاً بإحكام. وعوض أن تخلق كل هذه التــــدخلات في الصراعات والحروب الأهلية المفتــــوحة على امتداد المنطقة إلى دينامية تعيد الاعتبار إلى الديبلوماسية وإنعـــاش دور السياسة الغائبة، يكاد جميع اللاعبين يتحولون جزءاً من المشكلة.

ما يحصل في سورية والعراق تنافس واضح بين الولايات المتحدة وروسيا، لئلا نقول حرباً باردة كما كانت الحال أيام الكتلتين الغربية والشرقية. وحروب مباشرة وبالوكالة بين القوى الإقليمية الكبرى التي لم تعد تنصاع لرغبات الكبار واستراتيجياتهم. غياب التفاهم بين واشنطن وموسكو لا يترجم رغبة الرئيس باراك أوباما الذي دعا منذ دخوله البيت الأبيض، في 2009، إلى إشراك باقي القوى الدولية والتعاون معها في إدارة شؤون العالم وتسوية الأزمات. إدارته لا ترغب في تعاون حقيقي في العراق ولا في سورية. لا بل لا يخفي سروره بانخراط روسيا وإيران في المستنقع السوري، في إطار ترداد شعاره العزوف عن التدخل المباشر. في حين يتصدر المعركة لتحرير الفلوجة والرقة مثيراً غباراً سياسياً واسعاً في كلا المعركتين. والحال أن غريمه الرئيس فلاديمير بوتين هو الآخر لا يريد طي صفحة القطبية الواحدة إلا بشروطه. لا يريد إحياء دور الكرملين كأنه منة أو منحة من واشنطن. يريد انتزاع موقع بلاده السابق بالقوة وإثارة المخاوف والمتاعب، من جــورجيا وأوكرانيا إلى سورية والعراق، مروراً بتركيا. وهكذا أحيا أجواء الحرب الباردة فيما تؤكد حكومته أن لا عودة إلى تلك المرحلة! ولا حاجة إلى الحديث عما يثيره توسع «الناتو» و«الدرع الصاروخية» والقواعد لحماية أوروبا الشرقية ودول البلطيق، وردود فعل روسيا وتهديدها بوقف مفاعيل اتفاق تقليص الأسلحة النووية، وسعيها إلى إعادة بناء المؤسسة العسكرية وتحديث صناعاتها الحربية.

والواقع أن سياسة العودة إلى تعدد القطبية في النظام الدولي الجديد لم تحرك مفهوم التسويات، بمقدار ما أدت إلى تمرد دول إقليمية وتفكك أخرى ونشوء تشكيلات وقوى خارجة عن الإطار الناظم للعلاقات الدولية، خصوصاً في الشرق الأوسط. ولم يؤدِّ سقوط حدود كثيرة في أنحاء الشرق الأوسط، إلى تصعيد الصراع المذهبي والعرقي فحسب. ولا إلى اقتطاع كيانات مناطقَ من هذه الدولة الوطنية أو تلك أو الاستئثار بالدولة كلها وخطفها. ولا إلى إعادة رسم حدود تراعي كتلاً ومكونات لا تزال ترفع شعار المظلومية. بل إن التمزيق شمل كل مكون من هذه المكونات. فالكرد في شمال العراق لم يعمر ازدهار إقليمهم. وليسوا بعيدين من التشظي الذي يصيب العراق كله. ولا القوى الشيعية التي استأثرت بالسلطة والحكم والدولة ومؤسساتها صمد تحالفها في وجه الآخرين. وصراعاتهم إلى تصاعد لم ينفع في تخفيف حدته تدخل إيران ولا تدخل الولايات المتحدة وضغوطها. أما أهل السنّة في العراق وسورية ففرق وقوى يتوزعون بين قوى إقليمية متعددة وفصائل متناحرة لا سبيل لجسر الهوة بين المعتدل منها والمتطرف في أحضان «داعش» و «النصرة» وغيرهما. فيما ساستهم وقواهم السياسية في بلاد الشام وأرض الرافدين يكادون ينقطعون تماماً عما يدور في الميدان. وهذا سبب رئيس من أسباب ضعفهم وتهميشهم و… تهجيرهم واقتلاعهم.

والواقع أن تغيير الولايات المتحدة استراتيجيتها لجهة أولوياتها وانكفائها عن الانخراط في النزاعات الإقليمية، لم تواكبه بحملة ديبلوماسية وإجراءات فعلية تطمئن الحلفاء والشركاء. وحتى الاتفاق النووي مع إيران لم يؤد إلى تغيير داخلي في الجمهورية الإسلامية كما كان مرجواً. كما أن فتح الباب أمام القوى الدولية الأخرى لأداء دورها لم يثمر تفاهمات حقيقية. ولم يكن حظ السياسة الروسية أفضل حالاً. فنهج التدخل الذي قاده الرئيس بوتين لم ينته بتفاهمات جديدة تساهم في بلورة نظام دولي جديد. فالاندفاع نحو أوكرانيا ثم نحو سورية لم يفتح باب المقايضات بمقدار ما أجج المخاوف. والانخراط المباشر في أوكرانيا جلب عقوبات قاسية. مثلما لم يجلب الانخراط في الحرب الأهلية في سورية نصراً أكيداً لموسكو ودمشق وطهران. لذلك، يواجه التدخلان الأميركي والروسي اعتراضات واسعة من قوى إقليمية وازنة. فقد بات واضحاً أن واشنطن لا تقيم وزناً لغير الحرب على الإرهاب. وهي تلقي بثقلها لإنهاء وجود «داعش» شمال سورية. أولاً لإقفال أبواب الحدود التركية، من جرابلس إلى أعزاز، أمام انتقال عناصر التنظيم ذهاباً وإياباً، ووقف الدعم المالي واللوجيستي. وثانياً لتسهيل المعركة الدائرة لتحرير مدينة الرقة، عاصمة «خلافة أبي بكر البغدادي». من هنا، أهمية المعركة الدائرة في منبج لطرد التنظيم منها واستكمال تطويقه. وهي معركة تزيد سوء التفاهم بين واشنطن وأنقرة تعقيداً. فتركيا يسكنها هاجس استكمال «الحزب الديموقراطي الكردي» ربط كانتوناته من كوبــــاني إلى عفرين، فيستكمل بذلك سيطرته علــــى معظم الشريط الحدودي شرق الفرات وغـــربه. وكانت حذرت مراراً بأنها لن تسمح لـ «وحدات حماية الشعب» باجتياز النهر غرباً. وهذا ما يعني عملياً تشجيع «داعش» على التمدد نحو مارع وأعزاز واستكمال سيطــــرته على طول الحدود غرب النهر. وهو ما يسعــــى إليه اليوم في حملته في ريف حلب الشمالي. ولا يثير الدعم الأميركي للكرد حفيظة الأتراك وحدهم. بل يعزز مخـــاوف العرب وفصائل المعارضة التي تقاتل النظام. ولم يخف أحد قادة الاتحاد الديموقراطي رغبة حزبه في ضم الرقة إلى الإقليم الكردي شمال شرقي سورية.

والموقف التركي في الحرب على «داعش» في سورية لا يشبهه سوى الموقف الإيراني من الحرب على التنظيم في العراق، ومعركة الفلوجة. لم تستطع تركيا تجاوز مخاوفها سعياً إلى تفاهم مع كرد سورية قد يمهد لاستعادة الحوار مع حزب العمال الكردستاني، وتسهيل هذا الحوار وإعادة بناء الثقة. ومثلها إيران التي أكدت أخيراً أنها لن تنسحب من العراق وستواصل مساعدته على مواجهة الإرهاب. وهي برعايتها قوات «الحشد الشعبي» وإشراف الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس»، تساهم في عرقلة الحرب على التنظيم الإرهابي. فالمخاوف التي عبرت عنها قوى سنّية عراقية وجهات إقليمية ودولية من تكرار التجاوزات التي ارتكبتها هذه الميليشيات إثر تحرير تكريت، باتت حقيقة على الأرض. وهو ما عرقل ويعرقل فرار المدنيين من الفلوجة وسهل تحويلهم دروعاً بشرية للتنظيم الإرهابي. وبالطبع، لا تتخلى طهران عن هواجسها من أن تؤدي الحرب على «دولة الخلافة» في العراق إلى استعادة الولايات المتحدة نفوذها، انطلاقاً من عودة الروح إلى الحضور السنّي في المحافظات الشمالية والغربية، فضلاً عن وجود أميركا الفاعل في كردستان العراقية والسورية.

إذا كان جميع اللاعبين معنيين بالحرب على الإرهاب، فما الذي يعوق جلوسهم إلى طاولة واحدة للتفاهم على إدارة مشتركة لهذه الحرب، وللاتفاق تالياً على اليوم التالي لضرب التنظيم، أي التسويات السياسية؟ لماذا ترفض أميركا عرض التعاون الروسي في الحملة على «داعش»؟ وقبل ذلك لماذا تنتظر موسكو رداً؟ لماذا لا تخوضها كما فعلت في تدمر؟ هي تضرب في حلب وإدلب، فلماذا لا تتجه مع قوات النظام وحلفائه نحو الرقة وغيرها شرقاً؟ وهل يتعذر على أنقرة التفاهم مع الكرد وكان حزب العدالة والتنمية الحاكم بادر مع بداية الأزمة السورية إلى حوار أثمر هدنة مع حزب العمال الكردستاني؟ ولماذا تصر على أجندتها هي وأهداف تدخلها في المنطقة بصرف النظر عن مصالح شركائها، خصوصاً واشنطن؟ وكذا المحال مع إيران التي تدعم حكومة بغداد التي استنجدت بالأميركيين فيما الميليشيات تهدد وتتوعد بمواجهة التدخل الأميركي، وترفض أي تسوية سياسية مع المكونات الأخرى في العراق يمكن أن تحدّ من غلواء استئثارها ببلاد الرافدين؟

كسب المعركة في الفلوجة والرقة لا ينهي الحرب، ولا يثمر تفاهماً بين واشنطن وموسكو يوقف الفوضى والانهيارات في المشرق العربي. ولا ينهي طموحات كل من تركيا وإيران. بل إن سياسة هاتين الدولتين زرعت وتزرع مزيداً من الألغام في طريق الحرب على الإرهاب بالنفخ في نار الصراع المذهبي… هنيئاً لإسرائيل هذا الهدوء وهذه السكينة فلا رياح تعاكس سفينة نتانياهو وليبرمان!

الحياة

 

 

 

سوريا و..حرب الإرادات!/ أسعد حيدر

اجتماع وزراء دفاع روسيا وإيران وسوريا في طهران، ليس اجتماعاً عادياً. إنه اجتماع يقع في توقيته، عند مفترق خطير ودقيق للحرب في سوريا، لذلك يجب متابعته ومراقبة ما سينتج عنه علناً وما ستتم ترجمة قراراته السرية ميدانياً في سوريا وحتى العراق. لو لم يكن الأمر مهماً وتتداخل فيه المواقف السياسية بالعسكرية كان يمكن الاكتفاء بعقد اجتماع بين أركان الجيوش الثلاثة أو مديري وزارات الخارجية.

الحرب في سوريا تتحول تدريجياً الى حرب دولية، تضع المنطقة كلها ومن دون استثناء على حافة هاوية أقل ما يُقال فيها من يخرج منها بلا دمار ولا تشوهات إنسانية – ديموغرافية وجغرافية يصبح أعجوبة. هذا التوصيف، ليس أدبياً ولا عاطفياً، وهو يُقال على أعلى المستويات. والى الوقائع:

قد يُقال نعلم أنه توجد قوات عسكرية ومخابراتية لكل الدول الأعضاء في الحرب في سوريا، لكن يوجد فرق بين التسريبات المخابراتية والإعلامية وبين الإعلان الرسمي. الفرنسيون كشفوا أنهم أرسلوا وحدات كمندوب الى سوريا، وقد سبقهم الى ذلك الإنكليز والأميركيون والروس والأتراك وبطبيعة الحال إيران ومجموع ميليشياتها الشيعية بقيادة الجنرال سليماني، وقد تزوج من سورية ما يخوّله الإقامة من دون دعوة رسمية. هذا، من دون تناسي الدور الإسرائيلي الواسع والفعال بالتعاون وبالتكافل والتضامن مع موسكو ومباشرة مع «القيصر» فلاديمير بوتين، جواً وبراً.

كل هذا أمر يمكن التعامل معه بدراية، ولكن الإعلان عن النزول الثلاثي الأميركي والإنكليزي والفرنسي للقتال جنباً الى جنب مع الأكراد الآملين بالانفصال وهم الذين يقولون: «إن كردستان محتلة من العرب» ولا تخضع لمبدأ تقرير المصير. بهذا التدخل، يتم تغيير كل المعادلات، ولم يعد معروفاً ماذا سينتج عن هذه الفوضى التي قد لا تبقى منظمة، مما يضع سؤالاً كبيراً حول مستقبل سوريا كدولة أولاً والمنطقة خصوصاً العراق ولبنان ثانياً.

أيضاً وهو مهم جداً. حتى الآن يجري ضبط المواجهات بما فيها الاشتباك الجوي التركي ـ الروسي، ولكن ماذا سيحدث إذا وقع صدام بالصدفة أو عن سابق تصور وتصميم؟ في قلب هذا الخطر توجد تركيا التي تعاني يومياً من تفجيرات «الاٍرهاب الكردي». مجرد فكرة استقلال «كردستان» سوريا، تثير كل الكوابيس التركية. ما يقلق تركيا خطر تفاهم ولو ضمني بين موسكو وواشنطن. في المعارك الأخيرة في «كردستان التركية»، سقطت هليكوبتر تركية، أعلنت أنقرة أنها سقطت لعطل فني، فما كان من الأكراد وبموافقة روسية إلا أن عرضوا فيديو لإسقاط الطائرة بصاروخ روسي من نوع 9K38-Igle وأرفق الفيديو برسالة روسية: إذا أعطيتم صواريخ أرض ـ جو للمعارضة السورية نعطي للأكراد صواريخ مماثلة. رغم هذا التحذير يُقال إن الرئيس رجب طيب اردوغان لا يمكنه الوقوف مكتوف اليدين، وأنه قد يُقدم على التدخل المباشر خصوصاً إذا استولى الأكراد السوريون بقيادة المسؤول العسكري والرجل القوي آلدار خليل على منبج.

الصدام المباشر الروسي – التركي يصبح ممكناً ولكن ماذا عن موقف واشنطن؟ وماذا عن إيران المستفيدة الكبيرة من تكسير «أسنان» تركيا في سوريا على المدى القصير؟ ولكن ماذا على المدى المتوسط، خصوصاً أن لديها مشكلة كردية عميقة الجذور تعود الى «جمهورية مهاباد» الكردية التي قامت في العام 1946؟

هذا التدخل الى جانب الأكراد، يطرح على السوريين بجميع فصائلهم، سؤالاً كبيراً: هل فُتح الباب أمام التقسيم أو الفيدرالية في أفضل الظروف؟ وماذا عن مستقبل النظام والمعارضة معاً؟ وهل هذا يتضمن حلولاً للقضية المركزية فلسطين تكون إيران طرفاً فيه مهما كابرت خطابياً؟ وماذا عن مستقبل «حزب الله» الذي مهما حضنته إيران ودللته سيضطر في النهاية إلى الدخول في الترتيبات خصوصاً أن القرار 1701 موجود، لا سيما وأن روسيا ستكون الضامن الكبير لمثل هذه الاتفاقات التي تسمح لها بتثبيت وجودها في المنطقة وإعادة رسم خرائطها فتأخذ بذلك بعد مائة عام من اتفاق سايكس – بيكو مكانهما!!

تصعيد الرئيس بشار الأسد الأخير وإصراره على الحل العسكري ناتج عن استقوائه بالروس والإيرانيين ولكن أيضاً في حشر المعارضة السورية بين «مطرقته» وبين «السندان» الكردي المدعوم غربياً، في حين أنه قادر على تقديم التنازلات تلو التنازلات التي تفتح له أبواب التفاوض.

لا يوجد حسم في المواقف والترتيبات. إنها حرب الإرادات بانتظار انتخاب الرئيس الأميركي القادم. بالتأكيد ستختلف الأمور مع بقاء أهمية المكاسب المسجلة حتى ذلك الوقت في خانة المتفاوضين على طاولة التفاوض.

المستقبل

 

 

 

 

أمريكا تعمل على تركيع المعارضة السورية؟

رأي القدس

لا يختلف موقف الولايات المتحدة الأمريكية الحاليّ من انتهاء موعد 1 حزيران (يونيو) الذي كان موضوعا كموعد نهائي لالتزام النظام السوري بفتح الطرق لإيصال المساعدات الغذائية والانسانية للمناطق السورية المحاصرة عن مسلسل طويل من مواقف إدارة الرئيس باراك أوباما في خذلان المعارضة السورية.

غير أن هذا المسلسل الذي امتدّ على مدار أكثر من خمس سنوات صار بحاجة لمراجعة معانيه وأهدافه، ولا يتعلّق الأمر فقط بأن ثمن عدم الفهم الحقيقي لهذه السياسة يضاعف تكلفة الفاتورة المرعبة التي يدفعها الشعب السوري، بل يتعلّق أيضاً بالضرورة الماسة لمراجعة المعارضة السورية لعلاقتها مع هذا «الحليف» الافتراضيّ إذا ثبت أن ما يفعله عمليّاً يختلف تماماً عمّا يقوله، وأن مقصود ما يفعله هو تركيع هذه المعارضة وليس شيئاً آخر.

لا يهمّ هنا إن كانت هذه المعارضة قادرة على دفع تكاليف استعداء الإدارة الأمريكية عليها أم لا، فإذا كانت كل الأدلة تقول إن هذه الإدارة معادية للمعارضة السورية فإن وضع الرأس في الرمال والاستمرار في الادعاء أن واشنطن «حليفة» للسوريين ضد نظام بشّار الأسد، لن يغيّر من هذا الواقع شيئاً، بينما إذا حسمت موقفها فإن ذلك، إن لم يحسّن موقف الإدارة الأمريكية فهو سيخفّف من تلاعبها بالشأن السوري وسيفقدها بعضاً من المصداقيّة التي تدّعيها.

ما تقوله وقائع التدخل الأمريكي في الوضع السوريّ هو أن الإدارة الأمريكية منعت أي محاولة حقيقية لنزع الشرعيّة عن النظام السوري من خلال إفشالها كل خطط المنطقة الآمنة ومنعها إنشاء حكومة مؤقتة للمعارضة داخل الحدود السورية وتراجعها عن قصف النظام بعد استخدامه السلاح الكيميائي ضد شعبه، وتراجعها المستمرّ أمام مطالب روسيا وإيران والنظام السوري فيما يتعلّق بالمرحلة الانتقالية، وتأكيدها المستمر على أن المفاوضات هي الحلّ الوحيد للوضع السوري في الوقت الذي لم يكفّ النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون عن استخدام المجازر والتجويع والحصار ضد المدنيين، وهو ما يجعل الحل «الوحيد» الدبلوماسي الأمريكي الذي يريد فريق أوباما ـ كيري إلزام المعارضة السورية به هو فرض النظام وحلفائه لقراراتهم بالقوة.

إن إلزام المعارضة السورية بـ«الحل الدبلوماسي» مع حرمانها من مقومات شرعيتها وسبل الدفاع عن نفسها، وترك حلب وأدلب وريف دمشق ودرعا وحماه وحمص واللاذقية تحت رحمة القاصفات الروسية والسورية، في الوقت الذي جندت فيه أمريكا كل ترسانتها الإعلامية والسياسية والعسكرية للدفاع عن كوباني يجعل استفراد المعارضة بخيار الحل «الدبلوماسي» نوعاً من الكذب الصفيق.

الاستنتاج الخطير الذي كان يجب أن تخرج به المعارضة السورية من المواقف الأمريكية هو أن واشنطن، في الحقيقة، لا تفعل غير أن تسحب المعارضة السورية تدريجيا للقبول بالحل الروسي ـ الإيراني، وأن كل ما كانت تقوله، على الأقل منذ ما بعد جنيف 1 وتصاعد قوّة تنظيم «الدولة الإسلامية» وتوقيع الاتفاق مع إيران، يصبّ، سوريّاً، في منحى إعادة تأهيل النظام السوري، لأن الأولوية الأمريكية صارت ضرب «داعش»، من جهة، وتطبيع العلاقات مع إيران، من جهة أخرى، وكلا الهدفين يفترضان مساومة إيران وروسيا والحفاظ على النظام السوري.

بناء على هذه الخلفيّة يمكن فهم ما يجري على الساحتين السورية والعراقية حاليّا، ويمكن أيضاً تأكيد أن سكوت واشنطن على الغارات الوحشية على الأسواق والمستشفيات وحصار المدن وتجويعها سببه الموافقة الضمنية عليها، وهو ما يدفع ربما لاستنتاج فظيع، وهو أن أمريكا تستخدم روسيا وإيران لتحقيق ما تريده في سوريا والعراق وليس فقط تنسق معهما.

يعني هذا أيضاً أن روسيا وإيران والنظام السوري أيضاً مدركون لهذه الحقيقة ويتصرفون بناء عليها.

القدس العربي

 

 

 

معركة الرقّة أميركية روسية منسّقة؟/ راجح الخوري

ليس مفاجئاً أننا بدأنا نقرأ بيانات أميركية وروسية متزامنة، عن غارات جوية ينفذها الطرفان في المعركة ضد “داعش”، وليس مفاجئاً ايضاً الإعلان في وقت واحد تقريباً بداية هذا الشهر عن هجومين، واحد على منبج شمالاً يدعمه الأميركيون جواً وبراً عبر المستشارين وتنفّذه قوات كردية وعربية تضم وحدات دربتها واشنطن، والثاني جنوباً على الرقة يدعمه الروس جواً وبراً عبر المستشارين وتنفذه وحدات جديدة من الجيش السوري دربتها موسكو. ليكن واضحاً هذا ليس سباقاً روسياً أميركياً على الرقة ورأس “داعش”، فما يحصل هو نتيجة تطورات حاسمة في موقف البلدين حصلت بعد انهيار وقف النار في ٢٧ شباط الماضي وانهيار المفاوضات في فيينا، وهذه التطورات جاءت بعد تفاهم سري بين باراك اوباما وفلاديمير بوتين، اللذين كلفا جون كيري وسيرغي لافروف تنسيق التعاون بين البلدين لدفع الحل في سوريا، ولهذا أنشئ “خط ساخن” يهتم بمتابعة التفاصيل ويشرف عليه بريت ماكغورك وميخائيل بوغدانوف، وتحدثت تقارير عن غرفة عمليات سرية مشتركة بين الطرفين في منطقة الحسكة حيث هناك قواعد أميركية وروسية.

في السياق عينه عقدت سلسلة من اللقاءات بين قيادات من قوات النظام وقيادات من تحالف “قوات سوريا الديموقراطية” للاتفاق على مصير الرقة بعد انتزاعها من “داعش”، وقد صرح الناطق باسم “قوات سوريا الديموقراطية” طلال سلّو لإذاعة “شام اف ام” التي تعكس وجهة نظر النظام: “بعد التحرير نواصل التفاوض مع النظام بخصوص الرقة حيث سيقرر ذلك أبناء المدينة”!

من الواضح ان العمليات الميدانية من منبج في الشمال حيث تتقدم “قوات سوريا الديموقراطية” على الحدود التركية، حيث يفترض إقفال آخر ٨٠ كيلومتراً على الحدود مع تركيا لخنق طرق إمداد “داعش”، الى أثريا جنوباً في ريف حماة الشرقي حيث يتقدم الجيش والوحدات التي دربها الروس على محورين يستهدفان مدينة الطبقة وقاعدتها الجوية في الطريق الى الرقة، تتم في إطار من التفاهم على ان تكون مدينة الرقة في يد النظام بينما يبقى الريف الشمالي في يد التحالف الديموقراطي.

تأتي هذه التطورات الميدانية في وقت تنهمك ايران في العمليات ضد “داعش” في منطقة الفلوجة العراقية لتؤكد ما تحدثت عنه تقارير ديبلوماسية، من ان واشنطن وموسكو تمارسان ضغوطاً لدفع حلفائهما الى عدم تخريب الاتفاق في سوريا، ومن هذه الضغوط دخول حاملة الطائرات “هاري ترومان” العمليات كرسالة الى اردوغان وتمترسه الدائم وراء قاعدة انجرليك، ويبدو ان قوات التحالف الديموقراطي باتت مسافة خمسة كيلومترات من منبج وأقفلت خطوط إمداد “داعش” عبر تركيا.

ما ليس واضحاً هو كيف سيترجم الدستور السوري الجديد، الذي تضعه موسكو وواشنطن، مسألة الفيديرالية في سوريا وهل يبقى الأسد ام يذهب بعد الانتهاء من “داعش”؟!

النهار

 

 

 

 

 

استعادة وحدة سوريا تتقرر على ضفتيّ نهر الفرات؟/ د. عصام نعمان

أحداث ملتبسة تدور على ضفتيّ نهر الفرات. في غربه، تندلع معركة ضارية لطرد «داعش» من مدينة منبج. في شرقه، تتقدم وحدات خاصة معززة من الجيش السوري باتجاه مدينة الطبقة وبحيرة سد الفرات.

الهجوم على منبج تقوده «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية التي تخالطها قوات عربية، مدعومةً بغطاء جوي من طائرات «التحالف الدولي» الامريكية. تركيا كانت هددت بالتدخل عسكرياً اذا ما حاولت قوات كردية مقاتَلَة تنظيماتٍ موالية لها غربَ نهر الفرات، لأنها تمانع في وصل مناطق السيطرة الكردية في محافظة الحسكة، شمال شرق سوريا، بمنطقة عفرين في غربها. لماذا تخلّت تركيا اخيراً عن ممانعتها؟

لأن وزير الدفاع الأمريكي اشتون كارتر كشف ان «داعش» يتخذ من منبج قاعدة «لتدبير مؤمرات على اوروبا وتركيا وكل اصدقائنا وحلفائنا وعلى الولايات المتحدة ايضاً». يبدو أن منطق كارتر أقنع رجب طيب أردوغان بضرورة الهجوم على منبج بدليل مسارعة الرئيس التركي إلى تبريره بقوله إن القوات التي تشن العملية العسكرية تضمّ 2500 مقاتل عربي سوري و 450 عنصراً فقط من «وحدات حماية الشعب الكردي»! دمشق وجيشها العربي السوري لم تستأذن أحداً في الهجوم لتحرير مدينة الطبقة ومطارها، وبحيرة سد الفرات ومحيطها. لا شك في أنها أحاطت موسكو علماً بهجومها واستحصلت منها على قرارٍ نافذ بمؤازرة جوية له فوق منطقةٍ تكثر فيها طلعات طائرات «التحالف الدولي» الأمريكية.

هل هناك تفاهم أشمل وأفعل ينتظم العمليات العسكرية الجارية غرب نهر الفرات وشرقه؟ ثمة مؤشرات لافتة في هذا المجال أبرزها ثلاثة:

اولها ، تزايد نشاط «داعش» الإرهابي أخيراً في مناطق عدّة على حدود تركيا الجنوبية مع سوريا وامتداده إلى عمقها وصولاً إلى انقرة واسطنبول، الامر الذي أقنع القيادات العسكرية التركية بوجوب التصدي له داخل شمال سوريا وعدم الاكتفاء بدعم التنظيمات الموالية لأنقرة، «جبهة النصرة» مثلاً، تنوب عنها في مواجهته.

ثانيها، ان موسكو أغاظت دمشق في شهر فبراير الماضي عندما أقـــــدمت، دونما تنســــيق معها وبالتوافق مع واشنطن، على إقرار هدنة تشمل كل مسارح العمليات، وشفعتها بسحب عدد كبير من طائراتها المقاتلة من سوريا.

كل ذلك في وقتٍ كان الجيش السوري يتقدّم ويسيطر على معظم مواقع «داعش» في محيط حلب الجنوبي ويستعد لتطويق الأحياء الشرقية الشمالية فيها لاستكمال تحريرها كلها. غير أن تصرفات واشنطن المريبة عبر التنظيمات الكردية المتواطئة معها في شمال سوريا الشرقي من جهة، وضغوط دمشق وطهران على موسكو من جهة أخرى حمل العاصمة الروسية أخيراًعلى تعديل موقفها، فانفتحت مجدداً على دمشق ومخططها الرامي إلى طرد «داعش» من الرقة وشمال حلب كخطوة متقدمة في خطة استعادة وحدة البلاد الجغرافية والسياسية. في هذا السياق، زودت موسكو دمشق أسلحة حديثة ومتطورة يقوم الجيش السوري باستعمالها بفعالية في زحفه لتحرير مدينة الطبقة ومحيطها.

ثالثها، حصول تفاهم مبدئي بين واشنطن وموسكو على النقاط الآتية:

حصر نفوذ «قوات حماية الشعب الكردي» في شمال شرق سوريا، وبالتالي عدم تمكين الكرد السوريين من توسيع رقعة منطقة الحكم الذاتي التي يرغبون في إقامتها إلى ما يتجاوز حدود محافظة الحسكة، الأمر الذي يطمئن أنقرة المتخوّفة من وصولهم إلى منطقة عفرين في غرب سوريا.

تسليح موسكو لوحدات البيشمركة الكردية العراقية بغية مشاركتها الجيش العراقي والتنظيمات الشعبية المتحالفة معه في عملية تحرير محيط مدينة الموصل.

إقرار واشنطن كما موسكو بحق دمشق في تحرير محافظتيّ الرقة ودير الزور بقواها الذاتية وبدعمٍ من سلاح الجو الروسي وسائر حلفائها إذا اقتضى الامر.

إذ يبدو أن استعادة وحدة سوريا ستتقرر على ضفتيّ نهر الفرات، فإن لا اتفاق بين موسكو وواشنطن، بعد، على مسألة تحرير حلب من «داعش» و»النصرة» وحلفائهما. ذلك ان واشنطن تربط هذه المسألة بمسألة المفاوضات المفترض استئنافها بين دمشق وتنظيمات المعارضة السورية «المعتدلة»، وبسعيها إلى أن يكون لهذه التنظيمات دور في تحرير حلب بغية تعزيز مركزها التفاوضي حيال دمشق. ولعل واشنطن تحاول ايضاً استئخار تحرير حلب للضغط على دمشق لحملها على تقديم تنازلات في مسألة هيئة الحكم الانتقالي بغية استرضاء السعودية واقناعها بضرورة الإيعاز إلى حلفائها في المعارضة «المعتدلة» بالعودة إلى طاولة المفاوضات.

تبدو انقرة مستعدة لتقديم مزيد من التنازلات المحدودة استجابةً لضغوط واشنطن وتشجيعاً لموسكو على تقليص تحفظاتها وضغوطها عليها، بينما تتمسك الرياض برفضها تليين موقفها السلبي من دمشق، وبسعيها إلى إطالة أمد الصراع في سوريا إلى ما بعد انتخابات الرئاسة الامريكية لاعتقادها ان الرئيس الأمريكي الجديد، سواء جاء ديمقراطياً ام جمهورياً، سيكون اكثر تشدداً من الرئيس اوباما في وجه اطراف محور المقاومة، وان ذلك سيكون في مصلحتها ومصلحة حلفائها السوريين والاقليميين.

هذه الصورة للمشهد الإقليمي تبقى ناقصة من دون تظهير بُعدين اضافيين بالغيّ الأهمية: الاسرائيلي والإيراني. قيادات إسرائيل وخبراؤها الإستراتيجيون ما زالوا يتدارسون مسألة مَن هو الأخطر عليها: إيران أم «داعش»؟ في المقابل، ايران ما زالت تراقب وتتحسب لما تفعله الولايات المتحدة في سوريا والعراق ولما تفعله اسرائيل ضد سوريا، كما ضد قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية.

ايّاً ما سيكون هدف إسرائيل (وأمريكا) المقبل، سواء أحد أطراف محور المقاومة، أم «داعش»، فإن ردة فعل ايران المتوقعة ستبقى على ما هي عليه: التصدي بلا تردد لمحاولات إسقاط سوريا ايّاً كان الفاعل او المتدخل اوالمستفيد.

٭ كاتب لبناني

القدس العربي

 

 

 

 

 

هزيمة “داعش” قد تتحول انتصاراً أجوف/هشام ملحم

النكسات العسكرية التي مني بها تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش) حديثاً في سوريا والعراق، والهجمات المنسقة التي تتعرض لها الفلوجة في العراق ومنبج والطبقة في سوريا، والانحسار الكبير في اعداد المقاتلين الاجانب الذين يلتحقون بـ”داعش”، كلها تنبئ بهزيمة “الدولة الاسلامية” كخطر عسكري حقيقي ربما في 2017. ولكن نظرا لطبيعة النزاعات في سوريا والعراق، والدور التدميري لمعظم الاطراف الخارجيين، والثمن الهائل لـ”سياسات الهوية” نتيجة للاقتتال السني – الشيعي والتوتر المتنامي بين العرب والاكراد، فان هزيمة “داعش” العسكرية قد تتحول بسرعة انتصاراً أجوف ومكلفاً للغاية وذا مردود عكسي.

للولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية سجل سيئ في ترجمة انتصاراتها العسكرية الى نجاحات سياسية. التحديات التي واجهتها أميركا في افغانستان والعراق كانت في الاساس سياسية أكثر منها عسكرية. ومن المرجح بعد انسحاب أميركا من افغانستان والعراق ان يقع البلدان تحت سيطرة قوى إما عدائية وإما غير صديقة لواشنطن. وبعد هزيمة “داعش” العسكرية في سوريا والعراق سوف يطرح السؤال القديم – الجديد مرة أخرى: ما هو المقبل سياسيا؟ السؤال نفسه طرح بعد تحرير أفغانستان من الاحتلال السوفياتي في 1989، وهزيمة العراق في الكويت في1991، وبعد اسحاب القوات الاميركية من العراق في 2011.

المفارقة هي ان هزيمة “داعش” أمر جيد بحد ذاته، ولكن اذا جاءت وسط فراغ سياسي وغياب ترتيبات سياسية واجتماعية ودستورية تبدأ عملية بلسمة هذه المجتمعات، فان هزيمة “داعش” سوف تتحول انتصاراً لدول مثل ايران وروسيا، ولنظام في دمشق يشن حرب ابادة بطيئة ضد الشعب السوري، ولنظام مذهبي وفاسد في بغداد. واذا لم تصاحب هزيمة “داعش” عملية سياسية تؤدي الى نهاية سلالة الاسد في سياق عملية انتقالية وحل سياسي يضمن الحقوق المدنية والسياسية لجميع مكونات المجتمع السوري، واذا لم تردع ممارسات ايران التخريبية في العراق، ووقف انزلاق العراق أكثر الى الاستقطابات المذهبية والاتنية، فان هزيمة “داعش” ستؤدي الى انتصار ساحق لما يسمى “سياسات الهوية”. الانتماءات المذهبية والاتنية التي تستثني وترفض كل ما هو خارجها، هي التي ستصير السمة الاساسية لهذين المجتمعين.

القتال في الفلوجة ومنبج يثير اسئلة مقلقة ليس فقط عن الخسائر المدنية الكبيرة المتوقعة، ولكن أيضاً تعميق الاستقطابات المذهبية والاتنية، وتهجير مقصود للجماعات المهزومة، وفي هذا السياق معظمها من السنةّ العرب. ما شهده العراق وسوريا من تهجير للمسيحيين والآشوريين والايزيديين (وفي السابق تهجير الاكراد و”تعريب” مناطقهم خلال طغيان البعث) كله يبعث على القلق لان “القتل بواسطة الهوية” يكون هو المستقبل الموعود للعراق وسوريا.

النهار

 

 

 

 

 

النصر على «داعش»… صنوُ خسارة الحرب!/ بورزو دارآغاجي

«داعش» في موقع دفاعي في سورية والعراق وليبيا، على وقع هجوم قوى تدعمها أميركا، على معاقله الحصينة. لكن المعارك المتزامنة تخوضها مجموعات قد تفاقم النزاعات وتعقّدها. ففي شمال سورية، استرجعت قوات يدعمها سلاح الجو الأميركي قرى في جوار الرقة، عاصمة تنظيم «داعش». وفي الأنبار، أكبر المحافظات العراقية، تتقدم القوات الأمنية نحو الفلوجة التي وقعت في قبضة التنظيم مطلع 2014. وفي ضواحي سرت، معقل التنظيم في ليبيا، استعاد مقاتلون من طرابلس مواقع خسروها قبل عام. وعلى رغم أن هذه الهجمات على «داعش» تتكلل بالنجاح، فهي ليست وليدة خطة متماسكة، والمكاسب التكتيكية المرجوة منها جزئية. والتنافس الإقليمي الذي قوّض الكفاح ضد «داعش» منذ سنتين، مازال على حاله، وقد يتفاقم.

وتتباين مصالح الفصائل السياسية والدينية والطائفية المشاركة في المعارك. وهذه المصالح هي في قلب الحرب على التنظيم الذي ينفخ في مشاعر المظلومية السنّية في العالم العربي. والمساعي السياسية لتقويض إيديولوجيته تكاد لا تُذكر. «فما يفتقر إليه في استراتيجية الهجوم هو معالجة المشكلة السنّية. ويجب أن تشارك الدول والقوى السنّية في الحل. وعلى رغم أن ثمة جانباً تكتيكياً يعتدُّ به، ينتظر الإخفاق الحرب على» داعش»، إذا لم تُلتزم إستراتيجية سياسية تجمع أصحاب المصالح كلها»، يقول توربيون سولتفيدت، الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في فيريسك مابلكروفت.

وفي سورية، استعادت قوى تدعمها أميركا أراضي من «داعش» في جوار الرقة. وتقود المعارك «وحدات الحماية الكردية»، وهي فرع من فروع حزب العمال الكردستاني الماركسي- اللينيني. والعرب لا يثقون بـ «الكردستاني». وتطوّق الفلوجة العراقية مجموعة من القوى المتباينة، منها ميليشيات شيعية نافذة – بعضها تربطه بإيران علاقات تنظيمية وتدريبية. ويرى كثر أن الهجوم على وجه السرعة على الفلوجة يرمي إلى تشتيت الانتباه عن الاضطرابات في العاصمة العراقية، حيث اقتحم المحتجّون أكثر من مرة البرلمان ورفض النواب المصادقة على حكومة فريق عمل رئيس الوزراء حيدر العبادي. وينظر إلى المقاتلين من مصراتة- والنقمة كبيرة على أبنائها الذين يؤخذ عليهم تحدرهم من الأتراك- بعين الازدراء لتدميرهم سرت، مسقط رأس معمر القذافي. لكنهم أبرز قوة من الغرب الليبي تتقدم نحو المدينة الساحلية. ويسعى مقاتلو البيشمركة إلى تشديد الخناق على الموصل.

ولا شك في أن النصر في ميادين المعارك ضد «داعش» بالغ الأهمية. فهو يطيح الزعم بأن التنظيم لا يُقهَر، ويثني المجنّدين الجدد عن الالتحاق به، ويحول دون توسيعه رقعة نفوذه وتنظيم هجمات في الخارج. وقد تخفّف الانتصارات بعض الضغط السياسي. فغلبة الكفة في بعض التحديات العسكرية وثيقة الصلة بإحراز تقدم سياسي، لكن الفوز في الحرب الإيديولوجية صعب المنال. فالتقدم في ساحة المعارك ضد «داعش» في سورية والعراق وليبيا لم يترافق مع حلول للمشكلات السياسية العميقة التي كانت وراء بروز التنظيم، وعثوره على ملاذات آمنة في أقاليم خارجة عن الحكم في العالم السنّي.

وترافق القوات الأميركية الخاصة، القوى المسلحة المقاومة لـ «داعش» في سورية والعراق وليبيا، وتوفر لها المشورة والدعم الجوي، وتنقل شهادات موثوقة من الميدان إلى مخططي الحرب في البنتاغون. ولكن في ميدان المعارك، المساعي العسكرية ضد «داعش» جزئية وتشبه عمليات قضم متباعدة.

ويقول مسؤولون عسكريون أميركيون إن العوائق البيروقراطية تقيّدهم، وتحول دون نقلهم معلومات استخباراتية، على سبيل المثل، من ليبيا إلى مصر، من غير العبور عبر واشنطن. «وثمة قبائل في الجهاز الأمني الأميركي. فقيادة العمليات الخاصة المشتركة تتنافس مع الجيش، ووكالة الاستخبارات المركزية تختلف مع «دي آي أي» (وكالة الاستخبارات الدفاعية)، ناهيك عن (التنافس) مع وزارة الخارجية. وصلة كلٍّ من هذه الأجهزة بفريق البيت الأبيض غير متناغمة»، يقول دوغلاس أوليفنت، الباحث في «نيو أميركا فونديشن» وهو مستشار سابق لدى الجيش الأميركي في العراق. والتنسيق بين القوات المسلحة الأوروبية أسوأ حالاً من نظيره بين القوات الأميركية.

والتباعد يتفاقم بين القوى الإقليمية الشرق الأوسطية المشاركة في التحالف ضد «داعش». فالعلاقات الديبلوماسية مقطوعة بين الرياض وطهران. وتركيا ترى أن «وحدات الحماية الشعبية» هي منظمة إرهابية. ووصف الأردن، أخيراً، تركيا بأنها راعية للإرهاب. وتدعم مصر وتركيا أطرافاً على عداء في ليبيا. ويفاقم الأمور اهتراء العلاقات الأميركية – الروسية وانفراط عقدها.

ولا شك في أن أميركا جزء من المشكلة في الشرق الأوسط. وهي تفتقر إلى الريادة ويشوب سياستها الحيرة والتردد، يقول سولتفيدت. والعداء بين المتحالفين في الحرب على «داعش» يتأجج. ففي الأيام الأخيرة، اندفعت القوات الكردية السورية التي يؤازرها سلاح الجو الأميركي، نحو الرقة، في وقت أعلنت القوات السورية النظامية التي يدعمها سلاح الجو الروسي تقدمها نحو المدينة. وإثر زحف القوات المصراتية نحو سرت، أعلنت قوات الجنرال خليفة حفتر، وهو على رأس جيش موال للحكومة الليبية، أنها تتحرك نحو هذه المدينة الساحلية.

وتؤازر قوات غربية خاصة كلاً من هذين المعسكرين. والقوات المسلحة العراقية والميليشيات الكردية والشيعية تتنافس على مواقع القوة. وانتباهها مشتت: عين على القوة المنافسة، وعين على مواقع «داعش». وإثر تحرير أراضٍ في جوار طوز خرماتو شمال العراق من «داعش» مطلع السنة اندلع قتال بين الميليشيات الكردية والشيعية.

ويرى أوليفنت أن معضلة أميركا تشبه معضلة صوغ إستراتيجية على رقعة شطرنج حين يحوز الرخ والفرسان والبيادق آراء خاصة ويقدمون على مناورات مفاجئة. «فالولايات المتحدة تحاول أن تنتهج استراتيجية، ولكن من العسير صوغها حين تتحرك على هواها كل قطع رقعة الشطرنج».

* مراسل، عن موقع «بازفيد» المعولم، 3/6/2016، إعداد منال نحاس

الحياة

 

 

 

الطريق إلى الرقة ومنبج: قوى وكيلة وأجندات متناقضة لن تنهي خطر “الخلافة”/ إبراهيم درويش

يواجه تنظيم الدولة الإسلامية معارك على أكثر من جبهة، وهي متوقعة خاصة أن أعداءه كثر ومتفرقون في أهدافهم ومشاربهم. وفي الماضي استفاد من خلافاتهم واستطاع تحقيق مكاسب على حساب فرقتهم. ولكنهم اليوم يضربون بقوة ويحاصرونه في كل معاقله من الفلوجة التي كانت أول المدن التي تسقط تحت سيطرته بداية عام 2014 إلى الرقة ومنبج في سوريا، وعلينا أن نذكر معقله الليبي في سيرت التي تخوض قوات متعددة معارك ضد قوات تابعة للتنظيم هناك. وكعادته رد على الحصار الذي يواجهه بهجمات انتحارية في العاصمة العراقية بغداد وتوسع على حساب جماعات المعارضة السورية في المدن الحدودية القريبة من سوريا. ورغم حس التفوق لدى أعداء التنظيم خاصة تلك التي بدت في تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد أمام مجلس الشعب يوم الثلاثاء والذي اتخذ من استعادة مدينة تدمر مثالا عن استعداد جيشه المتهالك لتطهير أرض سوريا شبرا شبرا. وهو يعاند الحقيقة لأن الروس هم أسياد اللعبة في سوريا اليوم كما علق معارض لنظامه في تصريحات نقلها موقع «بازفيد» (10/6/2016) في معرض حديثه عن محاولات الروس استقطاب جماعات سورية معتدلة للتعاون معهم. وقال إن النظام السوري ما هو إلا واحدة من الميليشيات التي تقاتل للسيطرة على سوريا اليوم. وفقد النظام الحاكم صفته السياسية. وبالسياق نفسه تحدث السفير الأمريكي السابق في دمشق روبرت فورد قائلا، إن اللاعبين في سوريا اليوم كثر ولم يعد هناك طرف يستطيع حسم المعركة لصالحه. في إشارة للأزمة التي يعانيها الروس بعد تدخلهم العسكري في البلاد منذ خريف عام 2015. وقرأ فورد في محاولات الإتصال مع المعارضة السورية، أزمة استراتيجية تواجه موسكو وغياب خطة الخروج.

تحالفات غريبة

وأيا كان الحال، فقد خلط صعود تنظيم الدولة أوراق التحالفات في المنطقة خاصة على الساحتين السورية والعراقية. ففي كلا الجبهتين تتلاقى المصالح، تتقاطع وتفترق. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في صف واحد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والإيرانيين والرئيس السوري وحلفائه من حزب الله. وفي العراق يتلاقى الأمريكيون والإيرانيون والحكومة الشيعية في بغداد على الهدف نفسه ويفترقون على ترتيبات ما بعد المعركة. والأمر نفسه يصدق على القوى المحلية التي تتقاتل على تشكيل الوضع في مرحلة ما بعد تنظيم الدولة. فبالنسبة للأكراد سواء كانوا يقاتلون في العراق أم سوريا، فهي فرصة لتوسيع مناطق نفوذهم أبعد من تجمعاتهم التاريخية. وهم كما أشار ولدامير ويليغنبرغ في «فورين بوليسي» (6/6/2016) يخوضون حربا داخل حرب، فتقدم ما يعرف بتحالف قوى سوريا الديمقراطية، وهو مخلوق خلقته الولايات المتحدة والمستشارون العسكريون العاملون مع قوات حماية الشعب التابعة لحزب الإتحاد الديمقراطي كغطاء للتقدم نحو معاقل تنظيم الدولة في مدينة الرقة أو منبج، خلق حالة من الإنقسام بين أكراد داعين للتوقف عند حدود ما يرونه كردستان الكبرى أو التوسع حتى في المناطق ذات الغالبية العربية. ويعترف من يريدون دولة كردية صرفة بالمشاكل المقبلة. فقوات حماية الشعب الحليفة للولايات المتحدة رغم ارتباطها بحزب العمال الكردستاني «بي بي كي» الذي تعتبره واشنطن نفسها إرهابيا، متهمة بالتورط بجرائم تطهير للعرب من المناطق التي خرج منها تنظيم الدولة مثل تل أبيض وقرى الحسكة. وهي الإتهامات نفسها التي تكال لما يسمى قوات الحشد الشعبي، الذراع الميليشاوي لإيران في العراق والتي تحظى مثل الأكراد السوريين بغطاء جوي أمريكي.

وعلى المدى البعيد سيخلق هذا الوضع توترات وأحقادا عرقية وطائفية ولن يؤدي للقضاء على الجذور التي أدت لولادة تنظيم الدولة الذي كان بارعا في استغلال المظلومية التي عانى منها العرب السنة في ظل قمع نوري المالكي وحكومته الطائفية أو العرب السنة في ظل النظام العلوي القائم الآن في دمشق. والرابط الرئيسي الذي يربط بين الجبهات التي فتحت الآن ضد تنظيم الدولة هو تحقيق مكاسب قصيرة الأمد. فكل حملة مدفوعة بسياقها وظرفها السياسي. فقيادة حيدر العبادي للعملية العسكرية ضد الفلوجة التي لم تكن في حساب الخطط الأمريكية التي ركزت على استعادة الموصل جاءت مدفوعة بمشاكله التي سببها له التيار الصدري ومطالبه بمكافحة الفساد وبالتفجيرات الإنتحارية التي يعتقد النظام في بغداد أن منشأها الفلوجة، رغم اقتراح محللين أنها جاءت من ديالى. فخروج انتحاريين من الفلوجة المحاصرة يظل أمرا صعبا بناء على هذا التحليل. وفي سوريا تريد الإدارة الأمريكية التي لم يعد لها سوى أشهر في البيت الأبيض القضاء على تنظيم الدولة بأي «بندقية» متوفرة مهما كانت مصداقيتها. أما النظام السوري الذي يخوض حملته الخاصة على الرقة مدعوما من الخبراء الروس، فيريد استعادة ثقته بنفسه والعودة إلى المناطق التي طرد منها سواء قاعدة «الطبقة» الجوية عام 2014 في خروج مهين وقتل في الصحراء لمئة وستين جنديا أو الرقة نفسها عام 2013.

أين هم العرب السنة؟

والغائب الحقيقي في كل هذه الجولات العسكرية هو العنصر المحلي: العرب السنة في الأنبار الذين دربت الولايات بعضهم ورفضت بغداد المضي في إنشاء»الحرس الوطني» بسبب رفض أحزاب شيعية، وفي حالة الرقة هناك غياب للقبائل السورية. وفي المدينة الأخيرة فسيناريو السقوط ليس مرتبطا كما يقول فابريش بالانش من معهد واشنطن (3/6/2016) بقوات سوريا الديمقراطية ولا بقوات النظام. فالحسم سيأتي كما يرى من القبائل العربية التي تحولت في العقود الماضية إلى عامل ورقة مهمة استخدمها النظام للشراء حينا أو الإستئجار أحيانا أخرى. وأشار إلى جوانب الضعف في حملة «قوات سوريا الديمقراطية» التي لن تقود في النهاية إلى شوارع الرقة بل وربما استغلها الأكراد ودفعوا باتجاه عفرين ودمجوا هذا الجيب مع المحور الكردي في شمال شرق سوريا وهو ما يعملون عليه منذ بداية الانتفاضة السورية عام 2011. ومهما كانت أولويات الأكراد وطموحاتهم الساعية إلى ضم عفرين وربما الرقة، فأي هجوم على المدينة لن يتحقق بدون تجميع القبائل العربية التي تلعب دورا مهما في الديناميات المحلية سواء في علاقتها مع حزب البعث أو موالاة بعضها لتنظيم الدولة. ويرى بالانش أن الدور الذي لعبته القبيلة في الثورة السورية مرتبط بطبيعتها العابرة للحدود «النبيلة» الرافضة دائما للسلطة المركزية وتلك التي توطنت وأقامت مع القوى الحاكمة أو «العادية» فالأولى سارعت لدعم الثورة منذ أيامها الأولى، أما الثانية فبقيت على ولائها لنظام البعث خاصة أنها استفادت بطريقة أو بأخرى من سياساته المتعلقة بالإصلاح الزراعي وتوزيع الأراضي والتجنيد في الجيش وما إلى ذلك. وظلت قبائل الرقة حتى عام 2013 موالية للنظام قبل دخول القوى الخارجية من دول الخليج التي استطاعت شراء ولاء قوى منها لدعم الثورة. ولم تختلف سياسة تنظيم الدولة عن النظام إلا في التفاصيل والأولويات حيث حاول تغيير البنية التقليدية للقبيلة من خلال ترفيع الصغار أو الفروع الثانوية لقيادة القبيلة حالة رفض الشيخ الكبير التعاون. ولجأ لقمع كل قبيلة عاندت سلطته واستخدم لغة القتل معها مثلما فعل مع قبيلة الشعيطات. ولعل أهم تغير في البنية القبلية هو جنوح عدد من شبابها نحو التطرف بسبب تجنيدهم للقتال في صفوف الجهاديين وزرع الفكر المتطرف في أذهانهم وهي مشكلة كبيرة عندما تتم هزيمة التنظيم. ومن هنا يظل العامل المحلي ضروريا في أي جهد لهزيمة التنظيم. ويقتضي كما يرى بالانش منح شيوخ القبائل دورا وحماية قضائية ودعما ماليا ليكونوا البديل عن التنظيم حالة انهار هذا داخليا أو فقد شرعيته بين السكان الذين يحكمهم. ويظل العامل القبلي في معركة الرقة محفوفا بالمخاطر، فانقسام العشائر في الولاء لتنظيم الدولة والتحالف الأمريكي «قوات سوريا الديمقراطية» يحمل قنبلة موقوتة للمستقبل. فلا يمكن ترك القبائل مثلا لتدير المناطق فيما بعد هزيمة الجهاديين. فقد يقود الوضع إلى حرب قبلية- جزء منها انتقام وآخر تنافس على مصادر المياه وغير ذلك ولا يمكن نقل التجربة الكردية في كوباني وغيرها إلى الرقة ودير الزور، ذلك أن قوات حماية الشعب متهمة بالتطهير العرقي. وكل هذا يقتضي تدخلا من الخارج للتوسط بين القوى المتصارعة. لكل هذا لا تبشر الجهود الحالية والزحف على الرقة بخير فهي تحمل عناصر الإنشقاق والخلاف. وسيظل تنظيم الدولة موجودا حتى لو هزم. ففي العراق هزم الأمريكيون والصحوات القاعدة ما بين 2007- 2008 إلا أن بقاياه أعادت تجميع نفسها، مستفيدة أولا من الحراك السني وثانيا من الانتفاضة السورية وعادت بشكل جديد وهو «تنظيم الدولة الإسلامية».

جيب منبج

والمخاوف المشروعة نفسها واضحة في الحملة التي تقوم بها قوات سوريا الديمقراطية على ما يطلق الأمريكيون عليه «جيب منبج» الواقع غرب نهر الفرات قريبا من الحدود التركية. ويأتي التركيز على هذه المنطقة لقطع آخر خط للإمدادات متوفر للتنظيم مع الحدود التركية. وفاجأ الأمريكيون الأتراك الذين كانوا على ما يبدو يخططون لاستعادة الجيش مع قوات المعارضة المعتدلة. وفشلت حملة هذه وأدت لتوسع التنظيم في بلدة مارع وخلقت أزمة لاجئين. ومن هنا قررت الولايات المتحدة المضي في مشروعها مع الأكراد. وبحسب «واشنطن بوست» (2/6/2016) فقد تجاهلت أمريكا مظاهر القلق التركي ورافقت قوات كوماندوز القوات المتقدمة نحو الجيب. وضربت الطائرات الأمريكية جسورا بين منبج والحدود التركية بطريقة أظهرت الدعم الأمريكي للأكراد السوريين في توسيعهم لمناطق نفوذهم إلى غرب الفرات، شمال سوريا قريبا من الحدود التركية. ورأت صحيفة «التايمز» (6/6/2026) أن تجاهل الولايات المتحدة مظاهر قلق أنقرة ودعم اجتياز الأكراد إلى غرب الفرات يعبر عن تراجع التأثير التركي بمناطق شمال سوريا بعدما أسقطت الطائرة العسكرية الروسية في تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي. ونشر روسيا أنظمة صاروخية متقدمة تمنع القوات التركية من التوغل في داخل الأراضي السورية. كما أن الحملات الجوية الروسية المتكررة أنهت تقريبا ما يطلق عليها المعارضة المعتدلة التي تدعمها تركيا. وعلق آرون ستين من المجلس الأطلنطي قائلا «أضعف الموقف التركي بشكل كبير. وتعاني الجماعات التي تدعمها من انقسامات وبقيادة ضعيفة». ورأت الصحيفة أن تركيا اليوم تتبنى موقفا أقل حدة ويميل نحو البراغماتية. ونقلت عن مصدر تركي قوله إن رحيل أحمد داوود أوغلو رئيس الوزراء السابق سيعجل بتحول في السياسة الخارجية. فقد كان أوغلو مهندس سياسة بلاده التي قامت على «صفر مشاكل» مع دول الجوار.

أكثر من انتصار عسكري

وفي النهاية لن ينجح التحالف الدولي أو التحالفات المحلية الهشة والهلامية بالقضاء على تنظيم الدولة بتحقيق مكاسب عسكرية آنية، فالأهم هو الحل السياسي والتوافقات الدولية والمحلية. وبحسب الكاتب ديفيد غاردنر في صحيفة «فايننشال تايمز» (8/6/2016) البريطانية فأهم من النصر العسكري هو اتفاق اللاعبان الدوليان- أمريكا وروسيا والإقليميين السعودية وإيران وتركيا على خطة سياسية معا، وبدون هذا يصعب علينا تخيل القضاء على تنظيم الدولة، فقد يفقد أراضيه لكن الخلاف عليه يجعله يتمظهر بشكل»الدولة» وقوة حرب العصابات والخلافة وربما جيل جهادي جديد أكثر راديكالية من سلفه.

 

 

 

في احتمالات معركة «عاصمة الخلافة»: هل سيكون لواء ثوار الرقة واجهة الواجهة العربية لطرد تنظيم الدولة؟/ أحمد الحاج الصالح

لا يتوفر حتى اليوم أي إطار مُفسِّر، أو واضح يمكن من خلاله فهم سياسة الإدارة الأمريكية في سوريا، أقرب إلى مطابقة واقع الحال من بحث أصدرته مؤسسة «راند» قبل بضعة أشهر، تحت اسم «خطة سلام من أجل سوريا». هذا البحث يلحظ موازين القوى القائمة على الأرض عبر مناطق السيطرة الترابية ودور القوى الإقليمية والدولية الداعمة لها، لكنه يؤطرها ويوظفها جميعاً داخل منظور «محاربة الإرهاب».

وبذلك يُدخل ثلاث قوى في حساباته لصياغة حل سياسي نهائي في سوريا تُرشح نفسها إليه جميعاً عبر محاربة تنظيمي النصرة و«داعش». فللأكراد، ومن ورائهم الولايات المتحدة الأمريكية، الاستيلاء على المنطقة الشمالية والشمالية الشرقية لخط إقليم متصل يفصل «داعش» عن تركيا؛ وللنظام، ومن ورائه روسيا وإيران، مناطق سيطرته من السويداء وريف دمشق الجنوبي إلى أطراف الساحل السوري مع تركيا شمالاً؛ وللمعارضة «المعتدلة»، ومن ورائها السعودية وتركيا وقطر والأردن، جيبان في إدلب شمالاً ودرعا جنوباً.

ومن مناطق سيطرتها تستطيع هذه القوى الثلاث تعظيم حظوظها في البقاء في المشهد السياسي وصياغة مستقبل سوريا عبر القضاء على تنظيم «داعش» في شرق سوريا، حيث تُحول مناطق سيطرته إلى أرض مفتوحة للحرب والإدارة الدولية، ودخول قوات «محايدة» لضمان عدم حدوث أعمال انتقامية.

هذه التخطيطة العامة لا تزال صالحة في خطوطها الرئيسية لفهم سلوك الأطراف كافة، بغض النظر عن الإرادة والفهم الخاصين بكل منها. وبهذا المعنى فإن ثمة اليوم حرباً مفتوحة يحاول كل طرف أن يسجل فيها أكبر عدد ممكن من النقاط؛ والسباق المعلن اليوم للوصول إلى الرقة يدخل في حسابات الأطراف كافة، ولو أن قوى المعارضة الوطنية المرتبطة بالثورة غير مُمكّنة فعلياً من المساهمة فيه إلا بدور ثانوي، وقد يكون هامشياً في الحسابات السياسية النهائية. وبهذا المعنى فإن معركة الرقة، التي أعلنها الأمريكيون عبر «وكلائهم» على الأرض قبل نحو شهر، جارية بالفعل، وإن استُخدمت بعض عناصرها في سياق التمويه العسكري عبر ضغط إعلامي وشيء من التحشيد العسكري على جبهة شمال الرقة، سرعان ما نُقل إلى جبهة منبج وغرب الفرات.

لكن ما تحقق فعلياً، من منظور عسكري، ومنذ منتصف العام 2015 وانسحاب تنظيم «داعش» من منطقة تل أبيض، هو تشكل جبهة واحدة طويلة تمتد من ريف محافظة الحسكة الجنوبي مروراً بريف محافظة الرقة الشمالي وصولاً، أخيراً، إلى منبج واعزاز ومارع في ريف حلب الشمالي في الأيام الأخيرة. كما شُدد الحصار على مناطق سيطرة «داعش» في الرقة ودير الزور وريف حلب الشمالي، وكُشفت أخيراً آليات عمل التنظيم الدفاعية وتكتيكاته على الأرض، بالإضافة إلى الخلخلة التي بدأت تظهر في صفوف مقاتليه والفئات الاجتماعية المرتبطة بها عبر استبطان الهزيمة المقبلة.

هذا التموضع لقوات سوريا الديمقراطية في الشمال، إضافة إلى زيادة عديد الخبراء والمقاتلين الأمريكيين على الأرض، وزيادة عدد المحطات والقواعد العسكرية الأمريكية في القامشلي وبالقرب من عين العرب والجلبية شمال الرقة، يضع هذا الطرف في موقع المبادرة للقيام بأكثر من خطوة عسكرية محتملة، قد يكون قطع طرق الرقة- دير الزور أحدها لإطباق الخناق على قوات تنظيم «داعش» في هاتين المدينتين.

خطوة مثل هذه تجعل من احتمالات حدوث تنسيق أو تعاون، من مستوى ما، مع قوات النظام، التي تحاول هذه الأيام التقدم عبر البادية باتجاه الرقة، تطوراً واقعياً، سياسياً وعسكرياً.

لكن يبقى أن دخول الرقة، أو ما طُرح كطُعم إعلامي وسياسي تحت اسم «تحرير الرقة»، هو العقدة الأشد إلغازاً، والجائزة الأكثر أغواءً لكل الأطراف. فمَنْ يُراد له الاستيلاء عليها، أو تحريرها لحظة يكون ذلك ضرورياً سياسيا؟ ذلك أن معركة الرقة ضُخمتْ وسُمنتْ لتبدو خاتمة الحرب وفاتحة السياسة، في سوريا على الأقل.

لا يمكن لتعبير «تحرير الرقة» أن يحمل معنى بالنسبة لجمهور الثورة في سوريا إلا إذا كان مَنْ يقوم بفعل التحرير هذا هو أحد فصائل المعارضة المنضوية تحت راية الثورة ومُسمى الجيش الحر. والفصيل المحلي الوحيد الذي يحمل هذه المواصفات هو «لواء ثوار الرقة»، الذي دخل في تحالف اضطراري مع الميليشيات الكردية عقب هزيمته العسكرية أمام تنظيم «داعش» في الرقة مطلع العام 2014، ما أفقده دعم وتفهم القوى الدولية والإقليمية المؤيدة للثورة وتعاطف جمهورها رغم معقوليته السياسية والجيوسياسية. هذا الموقع الملتبس لمقاتلي اللواء لا يرشحهم، في أفضل الأحوال ووفق موازين القوى الحالية، لأكثر من دور في معركة تحرير الرقة يشبه ذاك الذي قام به مقاتلون محليون قبل أسبوعين في معركة خلبية جنوب الشركراك في ريف تل أبيض. آنذاك استخدم الأمريكيون والأكراد عشرات الشبان العرب المحليين في فتح معركة «جس نبض» مع تنظيم «داعش»، راح ضحيتها حوالي مئة منهم بعد عملية انتحارية وكمين داعشيين.

وهنا، فإن لواء ثوار الرقة يمكن أن يكون الجسر الذي يمشي عليه الأمريكيون والأكراد لفتح الرقة، فيما تذهب الحصيلة السياسية إلى أيدٍ أقدر على توظيفها وفق الاستراتيجية الأمريكية. في المقابل، يبقى سيناريوهان آخران محتملان يصب كلاهما في مجرى إعلان نهاية الثورة وتصفيتها نهائياً: فإما دخول الأكراد بغطاء غير مسبوق أرضاً وجواً من الأمريكيين، أو دخول بقايا جيش النظام والميليشيات الداعمة له في ظل تفاهم روسي- أمريكي مع خفض لحضور الإيرانيين على الأرض لامتصاص ردود فعل طائفية محتملة. وفي الحالين فإن مرحلة كبيرة تكون قد طُويت، ليظهر بعدها مشهد يصعب التكهن بملامحه في هذه اللحظة.

 

 

 

ضمن استراتيجية قطع طرق الإمداد: قوات سوريا الديمقراطية تمزق مناطق سيطرة تنظيم الدولة في منبج وتعزل جرابلس/ منهل باريش

«القدس العربي»: أطبقت قوات سوريا الديمقراطية حصارها على مدينة منبج، شرق حلب، مساء يوم الخميس الفائت، بعد أن سيطر مقاتلوها على آخر الطرق المفتوحة على المدينة، وهو طريق منبج ـ الغندورة ( شمال غرب المدينة).

وسيطر مقاتلو المجلس العسكري في مدينة منبج (مجموعة فصائل محلية تتبع لقوات سوريا الديمقراطية) على الطرق الرئيسية الأربع المؤدية إلى منبج، وهي منبج ـ الرقة، منبج ـ عين عيسى، منبج ـ جرابلس، وطريق منبج ـ الباب/ حلب.

ويأتي هذا التطور الاستراتيجي بعد 12 يوماً على بدء «معركة تحرير منبج» التي أعلنها المجلس العسكري في 31 أيار/مايو الماضي، فالمدينة الآن شبه محاصرة وكل طرق امداد تنظيم «الدولة الإسلامية» إليها قد تقطعت. وتقوم وحدات المجلس العسكري بالتقدم البطيء نحوها.

وبلغ اجمالي القرى والمزارع التابعة إداريا لمنبج، والتي سيطرت عليها وحدات المجلس العسكري، أكثر من 80 قرية.

عسكرياً، اعتبر الخبير العسكري والاستراتيجي العقيد أديب عليوي أن الهدف من معركة منبج هو «تقطيع أوصال» المناطق التي تسيطر عليها «داعش»، وقطع طرق الإمداد وعزل المناطق جغرافياً عن بعضها». وأضاف عليوي لـ«القدس العربي» أن أهمية السيطرة على منبج تعني «مقدمة لخنق داعش في ريف حلب الشمالي، وعزل جرابلس شمالاً، ليصبح سقوطها مسألة وقت، بعد عزلها بين قوات سوريا الديمقراطية جنوباً وشرقاً، والحدود التركية شمالاً، وفصائل الجيش الحر غرباً».

من جهته، أحرق التنظيم مادة الفيول المشتعلة والاطارات المطاطية في أغلب مناطق المدينة، في محاولة منه لتضليل طيران التحالف الدولي حيث يشكل الدخان سحابة سوداء تمنع الطيران من تحديد أهدافه بدقة.

وأخرج التنظيم (قبل حصاره) كل المعتقلين لديه، ونقلهم بواسطة باصات كبيرة خارج محيط منبج، حيث يرجح ناشطون نقلهم إلى مدينة الباب، وهو المكان الذي نقل إليه التنظيم أغلب أُسَر مقاتليه من «المهاجرين» الأجانب.

وارتفع عدد القتلى  في صفوف قوات سوريا الديمقراطية الذين قضوا في المعارك مع التنظيم إلى 22 قتيلاً، بينهم فيصل السعدون، الملقب أبو ليلى، القيادي البارز في قوات سوريا الديمقراطية وقائد كتائب شمس الشمال.

وأصيب السعدون في محيط منبج برفقة قيادي آخر يوم الرابع من حزيران/يونيو الجاري، ليقضي متأثراً بجروحه بعد نقله إلى المستشفى، فيما  ذكرت مصادر متقاطعة أن تنظيم الدولة قام باستهداف السيارة التي يقلها بصاروخ مضاد للدروع حيث كان برفقة أحد الخبراء العسكريين الأمريكيين وقيادي آخر. الأمر الذي لم تؤكده القيادة الأمريكية المشتركة حتى الآن.

في السياق، وصف الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري في منبج وريفها، شرفان درويش، ما كتبه بعض «القوميين الكرد» على وسائط التواصل الاجتماعي حول المسمى التاريخي لمدينة منبج، «مابكوك»، أنه عملية إعادة اللعب على الوتر التاريخي بما يشبه العقلية الفاشية البعثية، وهذا ما لا يخدم حقيقة مشروع سوريا الديمقراطية. وأشار درويش إلى أن «مدينة منبج لكل مكوناتها التاريخية، وكذلك المدن السورية الأخرى، ولا يمكن احتكار هوية المدن حسب منطق القوة».

وعن السجال حول أعداد المقاتلين العرب تحت لواء قوات سوريا الديمقراطية، نفى الكاتب المعارض حسن النيفي، ابن مدينة منبج، وجود عناصر أو تشكيلات فاعلة من الجيش الحر في صفوف «المجلس العسكري» التابع لقوات سوريا الديمقراطية. ووصف العناصر المنضوية بـ»الفئة القليلة ولا يمثلون الجيش الحر. والجيش الحر يقاتل داعش في ريف حلب الشمالي»، وأضاف: «القوة الضاربة للجيش الحر لم تدخل في المجلس العسكري».

وقال النيفي في حديث لـ«القدس العربي» إن منبج «مدينة مكتظة بالسكان (رغم نسبة النزوح منها باتجاه الريف الشمالي والتي لا تتعدى 20 في المئة) حيث تقطنها نحو 500 ألف نسمة تقريباً بين سكانها المحليين والنازحين إليها من مناطق أخرى. ورغم تلهف المواطنين لطرد داعش، لكن ما حدث في تل أبيض وقرى ريف حلب الشمالي سابقاً، يثير القلق في كيفية تعاطي قوات سوريا الديمقراطية مستقبلا بعد طرد داعش منها».

واتهم النيفي المجلس العسكري بتشكيل مجلس مدني لا يملك أعضاؤه الكفاءة، ولا التمثيل الشعبي والحاضنة الشعبية، أو الشرعية الثورية. وأغلب أهالي منبج يدركون أن المجلس المدني المشكل لن يتمكن من إدارة المدينة، ونخشى أن تمارس قوات سوريا الديمقراطية حكماً عسكرياً، وتفرض سلطة الأمر الواقع.

مما لاشك فيه أن السياسة التي اتبعتها قوات سوريا الديمقراطية في منطقة غربي الفرات، هي خطة مدروسة بشكل كبير، حيث يقدم عسكريون أمريكيون نصائح وخططاً. فالسيطرة المتوقعة على منبج ضربت عمق منطقة ريف حلب الشرقي الواصل إلى الرقة، حيث بقي الطريق الضيق الذي يصل الباب في الرقة، وهو مرصود في قسم كبير منه من قوات النظام السوري والميليشيات المقاتلة إلى جانبه من الجهة الجنوبية. وعملياً فإن أي توسيع للمعارك جنوب منبج سيعزل كامل منطقة الباب ومنبج وجرابلس والراعي وصولاً إلى مارع، سيعزلها عن عاصمة «دولة الخلافة» في الرقة. كما سيقطع طرق إمدادها من الرقة والعراق، مما سينهك التنظيم شيئاً فشيئاً ويجعله يتلاشى مع إطباق الحصار عليه، لتتقاسم مناطق سيطرته ثلاث قوى، هي الجيش الحر في منطقة مارع واعزاز غرباً، وقوات سوريا الديمقراطية شرقاً، وقوات النظام التي تتاخم كامل جبهة سيطرته جنوباً. هذا، بالطبع، في حال سلّمنا بتخبط التنظيم وبدء فقدانه السيطرة.

في المقابل، فإن من المبكر الحديث عن  انهيار محتمل أو سريع للتنظيم في الريف الشمالي والشرقي لحلب. وأغلب المتابعين للتكتيكات القتالية للتنظيم يدرك أن التنظيم يحضر لشيء ما، وأن من السذاجة أن تكون إشاعة «تحرير الرقة» قد انطلت على قادة التنظيم العسكريين، وقاموا بزج أغلب مقاتليهم وعتادهم الثقيل في تحضيرات معركة الرقة التي أعلنتها قوات سوريا الديمقراطية دون أن تبدأها.

 

 

 

 

استعادة منبج: غض طرف أمريكي ومخاوف تركية وعربية/ رائد الحامد

أكثر من 400 ألف نسمة هم سكان مدينة منبج، حسب احصائيات رسمية في العام 2004. تقع المدينة على مسافة تقل عن 60 كيلومترا إلى الجنوب من الحدود التركية، ولا توجد إحصائية دقيقة عن عدد السكان الموجودين في مركز المدينة عند بدء العملية العسكرية. ظلت المدينة هادئة نسبيا طيلة فترة سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية عليها، وشكلت نقطة الامداد الأهم للتنظيم أثناء معاركه شرق الفرات في مدينة كوباني التي خسر فيها أكثر من ألف مقاتل قبل ان يتيقن من عجزه عن إمكانية السيطرة على المدينة التي تحولت إلى ركام جراء الاشتباكات مع المقاتلين الأكراد وفصائل متحالفة معهم من المعارضة السورية، والقصف العنيف لطائرات التحالف لأسابيع متواصلة منذ مطلع شهر تموز/يوليو وحتى منتصف أيلول/سبتمبر 2014.

يقول مراقبون، ان أهمية السيطرة على منبج لا تقل عن السيطرة سابقا على مدينة كوباني بالنسبة لمشروع إقامة كانتونات، أو فيدراليات كردية شمال سوريا؛ لكن الدمار الذي لحق بمدينة كوباني شكل ارباكا لمشروع إقامة الكانتون الكردي على الحدود السورية مع تركيا في غرب كردستان الذي أعلنت عنه «الإدارة الذاتية» التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني في شمال شرق سوريا في 21 تشرين الأول/أكتوبر الماضي بعد انتزاعهم بلدة تل أبيض من سيطرة تنظيم الدولة في حزيران/يونيو2015.

وتأتي العمليات الهادفة للسيطرة على مدينة منبج في إطار غير بعيد عن الطموحات الكردية في تعزيز سيطرتهم على المزيد من الأراضي بمحاذاة الحدود التركية لإقامة كيان «انفصالي» تغض الولايات المتحدة الطرف عنه بشكل أو بآخر، على الرغم من تحالفها العميق مع تركيا في إطار حلف الناتو من جهة، والشراكة في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة من جهة أخرى.

تعد وحدات حماية الشعب الكردي، الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، القوة المسلحة الرئيسية لأكراد سوريا، وتضم حوالي 45 ألف مقاتل ارتفع عددهم إلى 65 ألفا بعد إقرار الإدارة الذاتية قانون الخدمة الإلزامية قبل عامين؛ وهي قوات موالية لحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا.

وينتشر أعضاء وحدات حماية الشعب الكردي في مناطق الأكراد في سوريا، خاصة في الشمال، وشمال شرق البلاد. وينظر إليها على أنها الفرع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وأنها موالية لحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا؛ وتدور حولها شبهات تتعلق بممارسة التهجير القسري للسكان العرب وارتكاب «جرائم حرب شمال سوريا واحراق قرى عربية وتركمانية»، حسب تقرير منظمة العفو الدولية، «لا مكان نذهب إليه»، ومع هذا تتلقى دعما من روسيا والولايات المتحدة معا مع اختلاف أهداف كل منهما.

الدعم الأمريكي للقوات العسكرية لإقليم كردستان العراق والمقاتلين الأكراد في سوريا، غرب كردستان، ساعد في تعزيز الهوية القومية الكردية العابرة للحدود الجغرافية؛ وتعد زيادة قوتها ونفوذها على جانبي الحدود العراقية والسورية بمثابة تمهيد لبناء جيش مسلح قوي لدولة كردية مستقلة تمتد على أراض عربية من أربيل إلى ريف حلب الشمالي بمحاذاة الحدود التركية متى ما تهيأت الظروف الإقليمية والدولية. ويتعارض الدعم الأمريكي مع السياسات التركية التي يعنيها تماما التصدي لما تراه تهديدا لأمنها القومي.

بعد عدة أيام فقط من زيارة قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط الجنرال جوزيف فوتيل، إلى شمال شرقي سوريا، ولقائه مع قيادات في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وبالتزامن مع الإعلان عن معركة استعادة الفلوجة في العراق، أعلنت قوى مسلحة كردية وأخرى عربية متحالفة مع الولايات المتحدة ضمن «قوات سوريا الديمقراطية» عملية عسكرية لاستعادة الرقة في 24 مايو/أيار الماضي قبل ان تغير مسارها لاستعادة مدينتي منبج وجرابلس في ريف حلب الشمالي.

لكن ثمة عقبات أمام تحقيق هدف استعادة الرقة دفع باتجاه تغيير أولويات المعركة لتبدأ هذه المرة باستعادة مدينة منبج في ريف حلب الشمالي بمشورة أمريكية، ومشاركة جنود فرنسيين من القوات الخاصة، حسب تصريحات رسمية، 4 حزيران/يونيو الماضي، منسوبة لمصدر في وزارة الدفاع الفرنسية، تحدث عن وجود جنود فرنسيين إلى جانب أمريكيين «لتقديم الأسلحة وتنسيق الدعم الجوي والمشورة» لقوات سوريا الديمقراطية في مواجهة تنظيم الدولة في مدينة منبج.

ويُشكل الأكراد الأقلية الأكبر في الشرق الأوسط دون كيان قومي يجمعهم، وأثبتت هذه الأقلية أمام الولايات المتحدة، والعالم، أنها قدمت الجهد الأكبر في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، وهي بهذا تكون قد ربطت مصيرها ومستقبلها بنتائج هذه المواجهة العسكرية، وهذا بالتأكيد سيكون محل تقدير الولايات المتحدة التي تسعى لأن يكون الأكراد الشريك الإقليمي الأكثر قوّة، والذي يُراد منه أن يكون القوة الأمريكية الأكثر فعالية مستقبلا، وما يستلزمه هذا من دعم وتسليح بسلاح أمريكي حديث.

من جهتها، تسعى الولايات المتحدة «لبناء قوة على امتداد الأراضي العراقية والسورية قادرة على القيام بما قامت به قوات البشمركه»، حسب رؤية وزير الدفاع الأمريكي الذي سبق ان أثنى على أداء قوات البشمركه في شهادة قدمها أمام الكونغرس الأمريكي في تموز/يوليو الماضي، قال فيها إنّ «الأكراد نموذج لما نبحث عنه، كقوات برية فعالة قادرة على الدفاع عن نفسها، ومتماسكة يمكنها السيطرة على الأراضي والحفاظ عليها كنموذج للقوات البرية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية والقضاء عليه».

في الأول من حزيران/يونيو، أعلن المجلس العسكري لمدينة منبج، أحد فصائل تشكيل قوات سوريا الديمقراطية، بدء عملية السيطرة على المدينة، ومع الأيام الأولى للعمليات القتالية حققت هذه القوات نجاحات تمثلت في السيطرة على عشرات القرى باسناد جوي من طيران التحالف الدولي، لكنها لم تدخل مركز مدينة منبج التي ينظر إليها خبراء عسكريون بانها ساقطة عسكريا بعد قطع طرق الامداد وحصارها بالكامل تمهيدا لدخولها المتوقع والتقدم باتجاه المعقل الآخر لتنظيم الدولة في مدينة جرابلس، حسب توقعات خبراء آخرون.

السيطرة الكردية على القرى والبلدات ذات الكثافة السكانية العربية بموازاة امتداد الشريط الحدودي مع تركيا لا يمكن لها ان تستمر إلى ما بعد تصحيح الأوضاع العامة في سوريا، وتوصل الفرقاء إلى حل شامل يرسم صورة سوريا المستقبل ونظام الحكم فيها برعاية اممية؛ كما ان الولايات المتحدة لا يمكن ان تستمر في سياسة غض الطرف عن اتساع النفوذ الكردي والسيطرة على المزيد من الأراضي العربية وفرض الأمر الواقع لاعتبارات تتعلق بعدم الرضا التركي، وأخرى على صلة برفض الدول العربية ذات الأثر الفاعل بالملف السوري لأي ما يشجع على تقسيم سوريا؛ لكن الولايات المتحدة على ما يبدو تجد نفسها في حاجة آنية للعامل الكردي بعد تجربتها الفاشلة في بناء قوة من فصائل المعارضة السورية المعتدلة كقوة برية قادرة على استثمار الضربات الجوية لهزيمة تنظيم الدولة.

هناك ثمة مصالح آنية للولايات المتحدة في تحقيق رؤيتها وتجسيدها على الأرض لهزيمة تنظيم الدولة عن طريق عزل الفصائل السورية عن التأثير الإقليمي المباشر، التركي خاصة، الذي يعارض كل ما من شأنه تعزيز القدرات العسكرية الكردية للفصائل الموالية لحزب العمال الكردستاني بما قد يشكل نواة لقوة قادرة على فرض الانفصال كامر واقع؛ وهناك ثمة ما يشير إلى تناغم روسي أمريكي في محاولة عزل الفصائل ضمن مناطق جغرافية مقطعة الأوصال ومعزولة عن الأراضي التركية.

ومع اشتداد قصف طيران التحالف الذي يمهد لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية على القرى المحيطة بمدينة منبج، انسحب تنظيم الدولة من معظم تلك القرى إلى داخل المدينة التي تشهد أحيائها الشرقية منذ 7 حزيران/يونيو الجاري اشتباكات عنيفة تكبد خلالها الطرفان المزيد من القتلى والجرحى؛ كما تشهد المدينة منذ أكثر من أسبوع حركة نزوح باتجاه بلدات أخرى واقعة تحت سيطرة التنظيم. وتشير تقديرات لتنسيقيات ثورية إلى نزوح حوالي 60 ألف نسمة من المدينة خلال أقل من عشرة أيام.

تتضاءل المخاوف التركية والأمريكية والعربية من نتائج ما ستسفر عنه العمليات القتالية واحتمالات سلوك قوات سوريا الديمقراطية سلوكا لا يتفق مع أجندات تلك الدول من دعمها لهذه العمليات، ونتائج سيطرة هذه القوات على مدن حيوية مثل منبج وجرابلس من حيث موقعها الجغرافي القريب من الحدود التركية أو الأهمية التي تشكلها في ما يتعلق بطرق الامداد لفصائل سورية مسلحة مدعومة من تلك الدول؛ وهي اعتبارات ليست ذات قيمة عالية أمام حقيقة ان قوات سوريا الديمقراطية باتت تشكل القوة الإضافية الأكثر أهمية في مواجهة تنظيم الدولة.

لكن ستبقى حالة التوجس قائمة لدى كل من تركيا والدول العربية الحليفة لها، إضافة إلى فصائل المعارضة السورية، طالما لم تكن هناك ضمانات حاكمة لسلوك قوات سوريا الديمقراطية التي مقدر لها ان تكون القوة الأكثر نفوذا على امتداد الشريط الحدودي مع تركيا.

 

 

 

 

هل هنالك مشروع «تكريد» في الرقة وغرب الفرات؟/ جوان سوز

لا تبدو ملامح المشروع الكردي واضحة حيال معركة تحرير مدينة الرقة السورية من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، وسط تقدم مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردي العمود الفقري فيها، في محيط مدينة منبج في ريف محافظة حلب. لا سيما وأنّ الكُرد يطمحون في ربط مدينة كوباني شرقاً بمدينة عفرين غرباً، مروراً بمنطقة غرب نهر الفرات التي تشمل منبج وجرابلس وإعزاز وبلدات أخرى من ريف حلب الشمالي. ما يعني أن تحرير مدينة الرقة لا يشكل للمقاتلين الكُرد أهمية كبيرة مقارنة بخطتهم الاستراتيجية في إيجاد ممر جغرافي يربط مدينتي كوباني وعفرين معاً، ليساهم هذا الأمر في بناء وحدة جغرافية كُرديّة في سوريا، أو ليتم الحديث عن إقليم كُردي موحد، يمكن عزله عن بقية المناطق السورية، في ما لو تمكن المقاتلون الكُرد من توحيد مناطقهم هذه.

وقد يكون الهدف الكُردي من تحرير مدينة الرقة التخلص من خطر تنظيم الدولة الّذي يحدق بالمناطق الكردية السورية، في ظل تقارب جغرافي بين مدينة الرقة وكوباني والحسكة أيضاً، أو أن يتم تحرير الرقة، لتكون ورقة رابحة بيد المقاتلين الكُرد يمكن التفاوض عليها في حال لم يتمكنوا من السيطرة على بلدة إعزاز في ريف حلب الشمالي في الوقت الراهن، كي تصبح الرقة تحت سيطرة عربية بموافقة كردية مستقبلاً، لكن شريطة أن يسيطر الكُرد على بلدة إعزاز وأن يحققوا هدفهم الرئيسي في الوصول إلى عفرين، انطلاقاً من مدينة كوباني.

والأمر الأكثر تعقيداً في معركة تحرير مدينة الرقة التي لم تبدأ إلى الآن بشكلٍ رسمي سوى في ريف المدينة، هو التخوّف العربي من سيطرة المقاتلين الكُرد عليها، إذ سبق لهذه القوات أنّ سيطرت على بلدات عربية سورية.

ولا يمكن تجاهل الحديث عن معركة تحرير الرقة دون المرور برأي الكُرد أنفسهم بهذه المعركة وانقسامهم فيما بينهم، فبعضهم يرى أنّه يجب على العشائر العربية أن تتولى هذه المهمة دون أن يكون للكُرد أي دور فيها، مكتفين بتحرير مناطق من ريف الرقة والّتي يملك الكُرد فيها عقارات ومشاريع زراعية، تعود ملكية غالبيتها لأهالي مدينة كوباني، وفي هذه الحالة، يجب على هؤلاء الكُرد الاستغناء عن ممتلكاتهم في مدينة الرقة، سواءً أكانت مشاريع كبيرة أو صغيرة، ذلك أن الآلاف منهم، كانوا يعيشون في مدينة الرقة وسط أحياء تميّزت بكثافة تواجدهم، بالإضافة لوجود بلدات كردية في ريف الرقة. وقد لا تكون مدينة الرقة كردية، لكنها تعرضت لحملة تعريب ممنهجة كما لو أن القائمين عليها، كانوا على علمٍ بالمتغيرات السياسية والعسكرية الواقعة في المنطقة اليوم خلال حكم الأسدين الأب والابن لسوريا. وهذا الرأي يختلف مع الرأي الآخر الّذي تتبناه الإدارة الذاتية المدنية الكُرديّة في سوريا. فعلى الرغم من أن الإدارة، لا تحمل مشروعاً قومياً، لكنها متهمة بتكريد مدينة الرقة وضمها للإقليم الفيدرالي الّذي أعلن عنه الكُرد في سوريا منتصف آذار/مارس الماضي، الأمر الّذي أكده ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي غريب حسو في إقليم كُردستان العراق خلال تصريحات صحافية قبل أيام، مضيفاً «إن أي منطقة يتم تحريرها من قبل قوات سوريا الديمقراطية، ستضم إلى فيدرالية الشمال السوري».

وتتضارب مواقف شخصيات قيادية في الإدارة الذاتية والنظام الفيدرالي في سوريا حول مصير مدينة الرقة، فتصريحات المتحدث الرسمي باسم قوات سوريا الديمقراطية طلال سلو، جاءت مخالفة لموقف ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي، غريب حسو، والّتي أشار فيها إلى أن «الحملة تستهدف ريف الرقة فقط، وأن تحرير المدينة عملية ليست وشيكة».

ويرجح محللون أن تخبط قادة الإدارة الذاتية والنظام الفيدرالي في تصريحاتهم، يأتي لتمويه المعركة الحقيقية، ويشبّهون مدينة الرقة السورية بالموصل العراقية التي تحاول قوات البيشمركه السيطرة عليها، وفي حال تم ذلك، فأن الموصل ستكون من حصة إقليم كُردستان العراق، كما أن الرقة ستكون من ضمن مناطق الإدارة الذاتية في سوريا، وهو السيناريو المحتمل الّذي تخشاه تركيا وفصائل من المعارضة السورية السياسية والعسكرية في آنٍ واحد. وينفي قادة قوات سوريا الديمقراطية تكريد مدينة الرقة، فالدكتور ناصر حاج منصور، وهو مستشار القيادة العامة لقوات سوريا الديمقراطية، قال لـ«القدس العربي»، «إن قوات سوريا الديمقراطية هي قوة سورية بامتياز، والبحث عن مشروع كردي وراء كل خطوة تقوم بها هذه القوات، هو منطق غريب وغير مفهوم، فالمشروع ديمقراطي، يهدف إلى ضرب معاقل تنظيم «داعش»، وهناك كتائب كثيرة تضم مقاتلين من أهالي الرقة وريفها، وهذا المشروع السوري يخدم الكُرد في سوريا بقدر ما يخدم العرب أيضاً، وكل العملية الديمقراطية في البلاد».

ورداً على سؤال لـ «القدس العربي» حول إمكانية السيطرة على منطقة غرب نهر الفرات بدلاً من تحرير مدينة الرقة، أكد حاج منصور، «إننا لا ندخل في إطار تحديد هذا الهدف أو ذاك، ونتحرك وفق متطلبات المرحلة، والمعارك مستمرة في ريف الرقة باتجاه بلدة الطبقة بالتزامن مع حملة الشهيد أبو ليلى لتحرير منبج».

وأضاف «لا يخفى على أحد، إن غالبية القوات المتجهة نحو مدينة منبج، هي قوات المجلس العسكري لمدينة منبج، وهي تابعة لقوات سوريا الديمقراطية وتدعمها فصائل قليلة من وحدات حماية الشعب بصفة لوجستية فعلاً، والقسم الأكبر من المقاتلين المندفعين للأمام، مكونين من فصائل عربية يقودها مجلس منبج العسكري، وغالبيتهم من سكان المنطقة، بالإضافة لفصائل أخرى وهي من المكون العربي، لربما لمحاولة استيعاب الوضع السائد في هذه المرحلة».

وتابع،»إن قوات سوريا الديمقراطية، تجد في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، قوة حليفة وصديقة، ومنذ عدة حملات عسكرية بدأت من بلدة الهول، وتستمر الآن في منبج، نتشارك سوية وفق عمل مشترك لتحرير هذه المناطق».

 

 

 

 

معركة الرقة ومنبج: هل حان وقت الكيّ لعلاج سرطان «تنظيم الدولة»؟/ ناصر اليوسف

موسكو ـ «القدس العربي»:على الرغم من الاختلاف الكبير في مواقف كل من الولايات المتحدة وروسيا من الأزمة السورية منذ اندلاعها، إلا أن البلدين يتفقان ـ اتفاقاً غير معلن ـ على أمرين اثنين، على أقل تقدير:

الأول ـ الحرب على المنظمات الإرهابية في سوريا، وخاصة تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي اقتنع الطرفان ـ ومعهما المجتمع الدولي برمته ـ بأن الزمن يعمل لصالحه، لأنه أظهر قدرة كبيرة على الصمود والتمدد، وأن مواصلة التهاون معه والاستخفاف بأمره، يمكن أن تعرّض الأبرياء في مختلف بقاع الأرض للخطر.

الثاني ـ ضرورة أن يتم القضاء على المنظمات الإرهابية في سوريا قبل نهاية ولاية الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما.

يرى محللون أن أوباما أجّل التعامل بجد مع هذه القضية إلى أن تنطلق المنافسة الحقيقية على البيت الأبيض بين مرشحيْ الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وإذا ما تسنى لإدارة أوباما تحقيق نصر حقيقي في حربها على الإرهاب، الذي يمثل تنظيم الدولة الإسلامية عمودَه الفقري، فإنها ستقدم خدمة جليلة للمرشح الديمقراطي، إضافة إلى أن اسم أوباما سيبقى خالدا في ذاكرة أجيال الأمريكيين، وهو أمر لا بد أن أوباما يحلم بتحقيقه.

هذا ما يتعلق بمسوغات الجانب الأمريكي، حسب ما يراه الكثير من المحللين. أما الجانب الروسي فأصبح على قناعة بأن أوباما لا يُبدي اهتماماً كبيراً بالشأن الداخلي السوري، وأنه لن يتخذ أي إجراء جديّ وحازم إلا إذا كان القضاء على التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها «داعش» هدفاً أساسياً له. ولهذا راح الروس يسابقون الزمن لترتيب الوضع السوري وفق ما تقتضيه مصلحة بلادهم الاستراتيجية، خشية أن تؤول ملكية البيت الأبيض إلى رئيسٍ تجري رياحُه بعكس ما تشتهيه سفن الكرملين.

وبمثابة تأكيد غير مباشر لوجهة النظر هذه، يلفت أصحابها إلى أن الروس كثفوا من اتصالاتهم مع الأمريكيين ـ بشكل غير مسبوق ـ في الأسابيع الأخيرة، بهدف إقناعهم بالمباشرة في العمل معاً على تصفية تواجد «جبهة النصرة» في الشمال السوري، بالإضافة إلى تدمير أسس «الدولة الإسلامية». ورغم وجود اتفاق بالخطوط العريضة بين الطرفين على هذا الهدف، إلا أن التداخل الكبير بين الفصائل المسلحة التابعة للمعارضة المعتدلة وتشكيلات «جبهة النصرة» لا يزال يشكل عائقاً أمام انتقال الطرفين إلى مرحلة العمل المشترك. إذ تؤكد المصادر الأمريكية أن الروس يستهدفون كل الفصائل التي تحارب قوات النظام السوري وحلفائه، في حين أن الأمريكيين يرفضون استهداف أي فصيل غير مدرج في قائمة التنظيمات الإرهابية التي اعتمدها مجلس الأمن الدولي.

وفي هذا السياق تنقل صحيفة «كوميرسانت» ـ في ملحقها «فلاست» الصادر في 30 أيار/مايو الماضي ـ عن مسؤول في الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، أن موسكو «قدمت لواشنطن قائمة مفصلة بفصائل المعارضة المسلحة، وبأماكن انتشارها، وبتعداد عناصرها. فردّ الأمريكيون بتقديم ثلاث قوائم تضم 268 فصيلاً مسلحاً معارضاً؛ زعموا أنها قبلت بالالتزام بالهدنة. ولدى قيام الجانب الروسي بالتدقيق في القوائم الأمريكية، تبين أن 130 من التشكيلات المذكورة هي تشكيلات «متطرفة». ورغم أن المراسلات بهذا الشأن لا تزال مستمرة لأكثر من شهرين، إلا أن الطرفين لم يتوصلا بعد إلى اتفاق» بشأن التنظيمات المسلحة التي ينبغي استهدافها.

على الصعيد نفسه، أدلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بتصريح لفت فيه إلى أن «الأمريكيين وعدوا بالعمل مع جهات موالية لهم على تحقيق انفصال جغرافي بين فصائل المعارضة الوطنية وجبهة النصرة، إلا أن ذلك لم يحدث حتى اليوم رغم مضي أكثر من ثلاثة أشهر على صدور قرار مجلس الأمن الخاص بوقف الأعمال العدائية في سوريا».

يلاحظ المتتبع للشأن الروسي أن قلق القيادة الروسية يشتد مع مرور الوقت دون إحراز تقدم ملحوظ في المجال الذي يعتبرونه أولوية لهم. وهذا ما يفسر إقدام وزير الدفاع سيرغي شويغو على إطلاق تهديد بـ»أن روسيا تحتفظ لنفسها بحق المباشرة ـ بشكل منفرد ـ في سحق كل من لا يلتزم بوقف إطلاق النار من الفصائل المسلحة في سوريا، اعتباراً من 25 أيار/مايو«. ومنذ صدور ذلك التهديد تكثفت الاتصالات الهاتفية بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الروسي لافروف، وبين مجموعات العمل المعنية في البلدين. وأكدت هذا الأمر مستشارة الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي سيوزان رايس في تصريح أدلت به لصحيفة «واشنطن بوست»، جاء فيه: «نحن على تواصل دائم مع الروس، وبشكل يوميا عملياً». وهذا ما أدى إلى تأجيل التصرف بشكل منفرد من قبل روسيا لبعـض الوقت.

وثمة ما يدعو إلى الاعتقاد بأن الغارات الجوية المكثفة التي بدأ طيران روسيا والنظام السوري بشنها مؤخراً على عدد من الأحياء في مدينة حلب، وعلى عدد من القرى والبلدات في ريف حلب الشمالي والشمالي ـ الغربي، تُمثل بداية تنفيذ ما توعّد به الوزير شويغو. حيث تسعى روسيا إلى السيطرة بأسرع ما يمكن على الحدود بين سوريا وتركيا في محافظتي إدلب وحلب، لكي تحول دون وصول المساعدات من تركيا إلى فصائل المعارضة المسلحة، التي يعتبرها المجتمع الدولي معتدلة، وتعتبرها روسيا ومعها النظام السوري وإيران، منظمات متطرفة، لا بل إرهابية.

أما المحور المتعلق بمحاربة تنظيم «الدولة» فيبدو أقل تعقيداً، بسبب الإجماع على اعتباره منظمة إرهابية، على المستوى السوري؛ نظاماً ومعارضة، وعلى المستويين الإقليمي والدولي.

ولا بد من الإشارة إلى أن الإعلام الروسي لم يكن يولي كبير اهتمام لما كان يجري في سوريا قبل أيلول/سبتمبر من العام الماضي. وما إن دخلت القوات الروسية إلى سوريا حتى أصبح الشأن السوري يحظى بنصيب وافر من التغطية والتحليل في مختلف وسائل الإعلام. وهذا ما أسهم في كسب تأييد شعبي واسع لقرار التدخل العسكري الذي اتخذ في الكرملين. لكن هذا التأييد بدأ يتناقص متأثراً بطول المدة وبسقوط ضحايا من العسكريين الروس، وبتزايد حدة الانتقادات من قبل نشطاء حقوق الإنسان، وكذلك بسبب استمرار تدهور المستوى المعيشي للمواطنين. حيث يرى الكثيرون أن التدخل العسكري في سوريا فاقم أزمة اقتصاد البلاد. ونلفت في هذا السياق إلى الاستطلاع الذي أجراه «مركز ليفادا لدراسة الرأي العام» ـ خلال شهري شباط/فبراير وآذار/مارس الماضيين ـ الذي أظهرت نتائجه أن نسبة الروس الذي يثقون برئيسهم «ثقة مطلقة» انخفضت من 26٪ في العام الماضي إلى 21٪ في الاستطلاع الأخير. ومن المرجح أنّ التدخل في سوريا واحد من أسباب ذلك.

 

 

 

الاستراتيجية الأمريكية لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» لا تتضمن تحرير الرقة حاليا/ رائد صالحة

واشنطن ـ «القدس العربي»:تحظى مدينة الرقة باهتمام استثنائي في لعبة الصراع في سوريا، فهي رمز للثورة ضد حكم الرئيس السوري بشار الأسد والعاصمة الفعلية لتنظيم «الدولة الإسلامية» وهي ستحدد المنتصر الفعلي للحرب الدموية بين أطراف النزاع الذين يتلهفون لدخول المدينة، حيث تتنافس قوات النظام المدعومة بغطاء جوي روسي كثيف والميليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة للاحتفال بالقضاء على المعقل الأهم للجماعة المتطرفة في سوريا وبالتالي إكتساب المزيد من الشرعية في الحرب الأهلية.

ولإدراك خطورة تداعيات نتائج معركة الرقة، علينا الاعتراف بان نجاح قوات الدفاع الذاتي الكردية في استعادة السيطرة على المدينة سيعني الكثير في الطريق إلى انشاء دولة كردية في المنطقة، علما ان الميليشيات الكردية قد تمكنت بالفعل من اقتحام العديد من القرى والبلدات التي تسيطر عليها جماعة «الدولة» ومن بينها قرى لا تبعد أكثر من 30 ميلا عن المدينة المحاصرة. وفي الجانب الآخر، فإن الدول الغربية بما في ذلك الولايات المتحدة ستضطر للتعامل مع نظام الأسد وستتراجع عن مواقفها السابقة إذا حقق جيش النظام انتصارا في مدينة الرقة،وهذا يعني بالتالي اعترافا بدور روسي في المنطقة بعد ان أثبتت الضربات الجوية بانها الدافع الرئيسي لتقدم الجيش النظامي السوري نحو المدينة ناهيك عن المساعدات اللوجستية التي قدمتها للقوات البرية. ومن الواضح، كما لاحظت منصات إعلامية أمريكية مدى حماس النظام السوري الذى بدأ يتفاخر باقتراب وحداته العسكرية من المدينة، أما عناصر التنظيم الذين وجدوا نفسهم بين فكي كماشة من الشمال والجنوب، فقد تحركوا إلى مناطق آمنة داخل المدينة.

والسؤال الذي يناقشه العديد من المحللين في مركز بحوث الشرق الأوسط الأمريكية هو من سيفوز في معركة الرقة، القوات الموالية لموسكو أو تلك الموالية لواشنطن؟ وبغض النظر عن الإجابة، فإن الولايات المتحدة تواجه بالفعل هذه الأيام مهمة صعبة للغاية، فنجاحها سيعتمد على قدرتها في الحصول على مزيد من قوات المعارضة. ووفقا لما قاله كابتن البحرية جيف ديفيس، فإن وزارة الدفاع تدرس العديد من المقترحات للتسريع في هزيمة التنظيم عبر تمكين القوات المحلية وخاصة قوات الجبهة الديمقراطية السورية.

وتترافق حملة الرقة مع حملات أخرى كبيرة تستهدف القضاء على التنظيم، حيث تستعد القوات العراقية المدعومة من الولايات المتحدة لاستعادة مدينة الفلوجة بينما تستعد الميليشيات الكردية لحصار مدينة منبح التي تعد بمثابة طريق الإمداد بين تركيا وسوريا.

إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بدورها معروفة بأنها تنفذ استراتيجية ضعيفة للغاية في سوريا، حيث تراجعت واشنطن عن مواقف سياسية بشأن الصراع السوري، كما تراجعت أيضا، عن برامج عسكرية فاشلة مثل تسليح وتدريب جماعات المعارضة، وعلى الأرجح، فإن ترددها في تقديم الدعم للهجوم على مدينة الرقة خشية استفادة الحكومة السورية بالكامل من نتائج المعركة، سيضيف علامة جديدة على سجل الولايات المتحدة في الشأن السوري. وقد برز التردد الأمريكي بخصوص الرقة مثلا في عدم تحديد جدول زمني، حيث رفض المسؤولون الأمريكيون تماما رسم معالم جدول زمني لاقتحام الرقة على النقيض من وزير الدفاع الفرنسي جان ايف الذي قال ان عملية استعادة الرقة والموصل يجب ان تحدث قبل نهاية العام الجاري، مشيرا خلال زيارة سابقة إلى بغداد إلى أن تحرير الموصل والرقة سيعتبر نقطة تحول كبيرة في المعركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».

وفقا لقراءة دقيقة لـ «القدس العربي» بشأن معركة الرقة، فإن الولايات المتحدة لم تشمل استعادة مدينة الرقة في المرحلة الثانية من الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» بل كان هناك تركيز على تفكيك أوصال «دولة الخلافة» وحصار معاقل الجماعة. وهذا الاستنتاج، يتضح تماما من خلال أقوال الكولونيل ستيف بروان المتحدث باسم قوات التحالف، إذ قال في وقت سابق، ان تحقير التنظيم في المرحلة الأولى وتفكيك الدولة المزعومة للخلافة في المرحلة الثانية، سيؤدي بالتأكيد إلى هزيمة الجماعة في المرحلة الثالثة. مؤكدا ان القتال في سوريا سيتركز في المرحلة الثانية على عزل الرقة من خلال التقاط المزيد من القرى المجاورة لكي يتم قطع طرق امدادات التنظيم بشكل نهائي في سوريا، وهذا يفسر الاهتمام الكبير بإستعادة مدينة منبج. وكما هو واضح تماما، فالرجل لم يعلن وجود نية أمريكية لاستعادة المدينة خلال هذه المرحلة، وبالتأكيد فإن هذه الوتيرة البطيئة جدا في التحرك ستعني السماح لقوات الأسد بالإندفاع نحو المدينة وتحقيق انتصار مع دعم علني لحزب الله والميليشيات الشيعية والحرس الثوري الإيراني إلا إذا كانت هنالك صفقة خفية بين موسكو وواشنطن بخصوص ذلك.

هذا الاستنتاج لا يصل إلى حالة من القناعة الأكيدة بعدم تحول صناع السياسة في واشنطن إلى عملية تفكيك المراحل، أي بلغة أخرى، الإسراع في استعادة السيطرة على المدينة خاصة بعد أن تمكنت الميليشيات الكردية من انتزاع السيطرة على الكثير من البلدات الحدودية، مما هز قناعات القيادات العسكرية الغربية بان دحر الجماعة المتطرفة في معاقلها الرئيسية في الموصل والرقة قد يستغرق شهورا أو سنوات ولكن المشكلة الحقيقية التي ستنتظر الجميع بعد تحرير الرقة هي، في الواقع، بداية مرحلة من تقسيم سوريا بين الأطراف المتصارعة واشتعال فتنة كبيرة بين الأكراد والسنة في الشمال السوري. في نهاية المطاف، هناك دلائل متزايدة على تقدم للروس وقوات النظام في اتجاه الرقة، وتخبط أمريكا وتردد للجماعات الموالية لها، وهناك ثقة زائدة بشأن هزيمة كبيرة مرتقبة لتنظيم الدولة في عاصمته الفعلية ولكن لا أحد يريد الاعتراف بأن استعادة المدينة بداية لصراع دموي جديد وتغيير لخريطة المنطقة.

 

 

 

 

 

تحركات قوات «سوريا الديمقراطية» وخدمة الاستراتيجية الأمريكية في سوريا/ محمد زاهد جول

ينبغي أن تكون مجريات الأحداث في سوريا واضحة ومفهومة مهما كانت غريبة أو خلاف المعهود لدى البعض، لأن ما استقر في التحليل السياسي المعتمد على الوقائع العسكرية ومجريات المعارك للخمس سنوات المتوالية، هو أن أمريكا تدخلت في سوريا باستراتيجية ثابتة ودقيقة، وهي الإمساك بخيوطها الكاملة لتقرير مستقبلها من قبل الإدارة الأمريكية وحدها، وفق ما لديها من تصورات للشرق الأوسط بأكمله وبالأخص في التفاهم مع إسرائيل أولاً، والدول الإقليمية ثانيا، والدول الكبرى الأخرى ثالثاً بما فيها روسيا والدول الأوروبية، وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا أصحاب التقسيم السياسي السابق للمنطقة بحسب اتفاق سايكس بيكو. ولذلك لا يهم أمريكا من يقاتل في سوريا، ولا كم يقتل فيها من الشعب السوري أو الميليشيات الوافدة، لأن المهم هو محاولاتها إيصال سوريا لما تخطط له الاستراتيجية الأمريكية مهما دخل ساحة المعارك من لاعبين جدد، سواء كانوا من داخل سوريا أو من خارجها، سواء كانوا أحزاباً سياسية أو كتائب عسكرية، أو ميليشيات طائفية أو قومجية أو إثنية أو غيرها، بل إن المتابع لما جرى في سوريا في السنوات الخمس الماضية يدرك ان أمريكا لم تمنع أحداً يريد العبث في سوريا إلا وسمحت له ورحبت به، ولكن بشرط أن يبقى في مضمار الملعب الذي وضعت خطوط الطول والعرض له، ووضعت له مدى مسافة القذائف المستعملة، بحيث لا تُخرج أحد اللاعبين أو تقتله أو تطرده إلا بالكرت الأحمر الأمريكي، وليس بإرادة أحد اللاعبين ولا أحد الفرقاء، سواء كان جيش الأسد أو تابعا لمحوره أو من المعارضة السورية، أو تنظيم الدولة الإسلامية أيضاً.

لقد بدأت الزيارات الأمريكية إلى ميادين المعارك في سوريا منذ السنة الثانية للثورة السورية، فقام السيناتور الأمريكي جون ماكين بزيارة شمال سوريا، ولم يكن يخفي أهداف الاستراتيجية الأمريكية، فقد أعلن منذ تلك الزيارة، لتكن سوريا حرب استنزاف لإيران وجيشها وحرسها الثوري وحزب الله اللبناني وغيره، وفي أواخر الشهر الماضي ايار/مايو كشف قائد القيادة المركزية بالجيش الأمريكي الجنرال جوزيف فوتيل عن سبب زيارته السرية إلى شمال سوريا، بعد أن أثارت هذه الزيارة التكهنات خصوصا أنها تأتي في ظل التحضيرات للهجوم على مدينة الرقة، معقل تنظيم الدولة، وقال: «هدف زيارتي الأساسي كان مقابلة بعض قيادات القوات السورية الديمقراطية في عدد من المواقع بالإضافة إلى مقابلة فريقنا الاستشاري»، وهذا الجنرال الأمريكي هو الذي يشرف على الحرب ضد تنظيم الدولة في شمال سوريا، وقد أشار إلى انه التقى القيادات التي تستعد لمقاتلة تنظيم الدولة في معسكر تدريبي في سوريا تشرف عليه القوات الأمريكية، لكنه لم يفصح عن موقع ذلك المعسكر.

هذه الزيارة وما تبعها من تصريحات تؤكد ان الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تقود العمليات العسكرية البرية وليس الدعم الجوي فقط، ولكنها لا تستخدم جنودها على الأرض إلا بدور استشاري بينما هي تستخدم قوات محلية لمواصلة هذه الحرب، وهذه استراتيجية أعلنت عنها مرار وبالأخص بعد ظهور تنظيم الدولة في سوريا والعراق بتاريخ 10حزيران/يونيو 2014. فأمريكا هي التي تحضر الخطط العسكرية للحرب وتقوم بتكليف الميليشيات المستعدة للقيام بهذا الدور بغض النظر عن حجة تلك الميليشيات المحلية، وبغض النظر عن قوميتهم أو طائفتهم، المهم ان يلتزم لأمريكا بالخطط العسكرية، وقيمة التمويل، والحفاظ على نوعية الأسلحة، فلا يقوم بتـــهريب الأســلحة الأمريكية لأحد ولا بيعها.

وما يميز قوات سوريا الديمقراطية أنها بذاتها تشكلت بمطلب أمريكي من حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يملك ميليشيات باسم قوات وحدات الحماية الشعبية، والتي يغلب عليها السوريون الأكراد، وبعد قيام تلك القوات بعمليات تطهير عرقي في بعض المناطق السورية العربية مثل تل أبيض وغيرها، جرى تشكيل فصيل تابع لقوات سوريا الديمقراطية باسم التحالف العربي السوري، وهو يقاتل بأمرة القيادة الأمريكية أيضا وخططها.

ومن هذه الخطط الهجوم الذي أعلنته قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، ومعها قوات التحالف العربي السوري على مدينة منبخ بتاريخ 31 ايار/مايو الماضي، وقد استطاعت القوات وبدعم جوي أمريكي من استعادة 58 قرية ومزرعة في ضواحي المدينة التي كانت تحت سيطرة «داعش، كما أعلنت عن قتل 74 شخصا على الأقل، بينهم 32 مدنيا، و12 من مقاتلي القوات السورية الديمقراطية و30 عنصرا من «داعش»، وقد أعلنت قوات سوريا الديمقراطية سيطرتها على الطريق الواصل بين منبج والباب، على الحدود التركية.

ومن جانبها أعلنت قوات التحالف الدولي، أنها أجرت أكثر من مئة غارة جوية لدعم معركة تحرير منبج، وقالت في بيان لها: «يقود الائتلاف العربي السوري العملية، وسوف يكون مسؤولا عن أمن منبج بمجرد تحريرها، ويساعد مستشارو التحالف قيادة الائتلاف العربي السوري في القيادة والسيطرة على نقاط التقاطع الموجودة خلف خط هجوم القوات الصديقة، والهدف المعلن هو السيطرة على منبج بوصفها الطريق الواصلة مع الحدود التركية، وذلك للحد من تدفق المقاتلين الأجانب وتقليل خطر داعش على تركيا وبقية أوروبا والولايات المتحدة». وذكر حماية الحدود التركية من «داعش» لا يعني أن تركيا شريكة في هذه الخطط العسكرية وإنما لديها مصلحة مشتركة في حماية حدودها من «داعش» بعد ان تعرضت المدن التركية لقصف صواريخ الكاتيوشا من داخل الحدود السورية، وقد أسقطت عشرات القتلى والجرحى الأتراك، إضافة إلى احداث دمار في الممتلكات وحالة من الفزع وعدم الاستقرار.

إن الحكومة التركية تدرك أن معظم التنظيمات الكردية التي تقاتل في سوريا وحتى السياسية منها، هي على صلة مع حزب العمال الكردستاني الإرهابي، وكثيرا ما حاولت الحكومة التركية اقناع أمريكا أن التحالف مع هذه التنظيمات هو تحالف مع إرهابيين، فهي في النهاية تنظيمات إرهابية مهما اختلفت في أسمائها وأهدافها المعلنة، وهذا يعني ان التعاون الأمريكي معها يضر بالعلاقات التركية الأمريكية، واستخدمت تركيا كل أوراق ضغطها على أمريكا، ولكنها لم تستطع أن تؤمن لأمريكا جنوداً يخدمون خططها، وما حاولته كان بعد ان وثقت أمريكا علاقاتها مع التنظيمات والميليشيات الكردية، وبالأخص بعد ان كادت روسيا أن تسرق هذه التنظيمات الكردية من التبعية للخطط الأمريكية والعمل وفق أجندتها. فخطط أمريكا في إيجاد قوات عربية صديقة قبل التعاون مع الأكراد فشلت في مرحلة التدريب وبعدها، وبعضها سلم الأسلحة التي قدمتها أمريكا له لجبهة النصرة، أي أن أمريكا لم تجد غير الميليشيات الكردية تقاتل معها على الأرض، وإضافة لذلك ذهاب كل مشاريع إرسال قوات عربية أو تركية للقتال في سوريا أدراج الرياح.

ولذلك لم يكن أمام الحكومة التركية إلا السكوت على الأمر الواقع واشتراط ما يدفع الخطر عن تركيا، فقال وزير الخارجية التركي جاويش اوغلو:» إن أنقرة لا تمانع مهاجمة قوات سوريا الديمقراطية مدينة منبج، ولكن بشرط مغادرة وحدات حماية الشعب الكردية المنطقة عقب انتهاء العمليات العسكرية هناك». وأضاف، «إن واشنطن أعطت ضمانات لتركيا بشأن الموضوع»، مؤكداً:» أن حزب الاتحاد الديمقراطي -الذي تعتبره تركيا الجناح المسلح لحزب العمال الكردستاني- ووحدات حماية الشعب الكردية ينفذان تطهيرا عرقيا في المناطق التي يتواجدان فيها»، وأوضح:» أن بلاده لا ترغب بوجود تنظيم الدولة عند حدودها أو أي منظمة أخرى كحزب الاتحاد الديمقراطي الذي يصدر الإرهاب إلى تركيا».

أما الجانب الكردي السوري فيستطيع أن يجد أمام الشعب الكردي مسوغات تعاونه أو خدمته للجيش الأمريكي في سوريا، بانها لأهداف ومشاريع كردية، وهو ما تعلن أمريكا عن دعمه الآن، فقد أعلنت مصادر أمريكية:»إن ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية، هي حسب الخريطة الحالية لتوزّع القوى في سوريا، القوة الوحيدة التي يمكن لواشنطن الإعتماد عليها في قتال داعش». قد تكون أمريكا مقتنعة بهذه الرؤية لأنها تعلم أنها لا تستطيع الاعتماد على المحور الإيراني لقتال «داعش» لعلم المخابرات الأمريكية أن المحور الإيراني له مساهمات وافرة في تأسيس «داعش» والأطراف العربية والتركية متهمة بذلك أيضاً، أو قد لا تقاتل «داعش» بقسوة بحكم أنها من جذور سنية أو غيرها، ولذلك فإن الجهة الأكثر إخلاصا لقتال «داعش» من وجهة نظر أمريكية هي الميليشيات الكردية، ومع ذلك فليس شرطا أن تنفذ أمريكا وعودها للميليشيات الكردية بإقامة كيان كردي أو غيره، فلا يلزم أمريكا للتحرر من تعهداتها إلا أن ترفع دعمها لهم حتى تتغير ساحة الديموغرافيا العسكرية على الأرض السورية، بفعل القوة الحقيقية المتواجدة على الأرض بعد رحيل المحور الإيراني أو العدوان الروسي أو التدخل الأمريكي أو غيره.

وبالرغم من تقدم العمليات العسكرية للسيطرة على منبج وإخراج «داعش» منها، إلا أن ذلك قد لا يكون أمراً محسوماً أو نهائياً، كما هو الحال في ديالى والأنبار والرمادي والفلوجة أو الموصل في المستقبل، لأن أي قوة يمكن ان يصنعها أهل هذه المناطق قابلة لأن تصبح متهمة بالانتماء إلى «داعش» في المستقبل، وكذلك ما لا يمكن معرفته بدقة حتى الآن هو الموقف العربي والتركي من الخطط الموضوعة لهذه المدن بعد تحريرها من «داعش»، هل سيتم التنازل عنها إلى الأبد لغير أهلها؟ هذا ما لا تملكه المشاريع القائمة اليوم في المنطقة، فتركيا غير مشاركة في عمليات التحرير الحالية، وهي وإن لم تمنعها بالقوة، ولكنها تعلم خطورتها على أمنها القومي في المستقبل إن تركت نهبا لكل طامع من الأحزاب الإرهابية، أو ممن يمولونهم أو يدعمونهم لإرهاق تركيا بالمشاكل الحدودية أو الداخلية.

 

 

منبج: عندما يعبر الأكراد الخط الأحمر التركي بجسور أمريكية!/ وائل عصام

مثلت كوباني باكورة التواؤم الكردي الأمريكي في الرؤية لشمال سوريا، فمنها انطلق التحالف مع القوى الكردية المسلحة ضد عدو مشترك، هو تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يمثل للأكراد في شمال سوريا صورة جديدة لتهديدين مزدوجين، عرقي عربي وايدولوجي إسلامي مضاد لليسارية الكردية التي تغلف نزعات الأحزاب الكردية الانفصالية.

فالقوى الكردية في الحسكة وكوباني وباقي مناطق الشمال الكردية اصطدمت منذ بداية الثورة بكل القوى الفصائلية التي يغلب عليها العنصر العربي من الرقة ودير الزور، ودارت مواجهات مسلحة مع فصائل من الجيش الحر وأحرار الشام والنصرة الذين ينتمي عناصرهم للمناطق العشائرية العربية  وهم نفسهم من يشكل السواد الأعظم من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في حلب والرقة وريفهما اليوم.

وهكذا فان الأمريكيين لم يجدوا خيرا من القوى الكردية المسلحة كحليف ضد عدوها التنظيم الجهادي المعادي للغرب، وبالفعل أعلن المسؤولون الأمريكيون العسكريون في عدة جلسات استماع في الكونغرس الأمريكي، ان الحليف الأكثر فعالية في مواجهة تنظيم الدولة هو الأكراد وليس الجيش الحر. ودعم الأمريكيون بطائراتهم وعتادهم الحربي قوات كردية للسيطرة على مدينة تل أبيض الحدودية مع تركيا، ثم تقدموا جنوبا نحو عشرات القرى شمال الرقة، وغربا نحو نهر الفرات الذي بات حاجزا طبيعيا يفصل قرى ريف منبج الشرقية عنهم.

في المقابل بدأ التململ التركي من دعم حليفتهم أمريكا للعدو الانفصالي والخطر الأول الذي يهدد الأمن القومي التركي، وهنا كانت صفقة التهدئة التي لم تدم طويلا، لطمأنة الأتراك. حيث جمد الأمريكيون دعمهم للأكراد مقابل تعهد تركي بدور أكبر في دعم قوات جيش حر من ريف حلب لمهاجمة تنظيم الدولة في منبج وجــــرابلس والشـــريط الحدودي شمالهما والذي يمتد لستين كيلومترا وصولا لحدود اعزاز.

ومنذ عام، فشلت الخطة التركية بطرد مقاتلي التنظيم من هذا الشريط الحدودي، رغم الدعم الجوي الأمريكي، بسبب ضعف وهشاشة الفصائل التي تقاتل برا، وعدم امتلاكها لعقيدة قتالية مقنعة تبرر  لحواضنها الشعبية تجميد القتال مع النظام والأكراد والدخول بصدام مسلح سني سني في خضم حرب أهلية طاحنة، قبل ان يقطع الأكراد وبدعم أمريكي آخر شعرات الصلة بينهم، عندما احتلوا أهم مراكز ريف حلب الشمالي كتل رفعت وفصلوا كتائبه «المعتدلة» عن الحدود التركية، ليضيف هذا التطور عوائق جديدة في طريق تبرير الولوج في حرب دموية مع أبناء قراهم في تنظيم الدولة وترك قوات النظام وحليفتها الكردية تسيطر على مراكز الريف الحلبي الشمالي من «الفصائل المعتدلة».

هذا التسلسل من الأحداث، اوصل الخطة التركية باستعادة الشريط الحدودي وبناء منطقة آمنة (من تنظيم الدولة وليس من النظام كما كان يطالب الأتراك) اوصلها لطريق مسدود، وظلت المعارك بين الجيش الحر وتنظيم الدولة تراوح قراها بين كر وفر لأكثر من عام وانتهت قبل أيام بحصار تنظيم الدولة لمدينة مارع، قبل ان يعود ويسحب جنوده لمواجهة التوغل الكردي شرقا في منبج.

وبعد هذا الفشل في اضعاف تنظيم الدولة غربا من الربف الحلبي، قرر الأمريكيون العودة للعمل برؤيتهم الاستراتيجية القاضية بالاعتماد على الأكراد وحدهم بدعم هجوم جديد لهم شرقا من حدود نهر الفرات نحو منبج، وسهل الأمريكيون عبور قوات «قسد» لنهر الفرات حيث جسر تشرين المدمر، حملت المدرعات والمقاتلين على جسور مائية أمريكية وأوصلتها للضفة الغربية لتنطلق بهجومها نحو قرى شرق منبج، وطعم الأمريكيون قوات «قسد» بمجاميع مسلحة عربية هامشية منحت الرئيس التركي اردوغان الفرصة لتعزية خطته الآمنة المتعثرة بتصريحات تؤكد ان أغلبية قوات سوريا الديمقراطية التي قطعت الخط الأحمر التركي للمرة الثالثة لتهاجم منبج بعد ان قطعت طريق حلب غازي عنتاب، هي قوات عربية لا كردية!! لكنه لم يخبرنا لماذا لم يواصل الأمريكيون دعم قوات «الجيش الحر» العربية في مشروع الخطة الآمنة التركية انطلاقا من اعزاز، وتحولوا لدعم من يصفهم بالقوات ذات الأغلبية «العربية» انطلاقا من عبور الخط الأحمر التركي بجسور أمريكية على نهر الفرات؟

 

 

هل اقتربت..«معركة حلب الكبرى»؟/ محمد خروب

في وقت يجري التركيز فيه على سير معركة «منبج» بما هي الرهان الاميركي لإحراز نصر في تلك المدينة التي تحوّلت فيه الخطة الاميركية الرامية – في البداية – الى تحرير مدينة الرقة، ثم ما لبثت ان منحت الاولوية لمنبج, مُعلِلة ذلك بأن «ظروف» تحرير الرقة لم تتضح بعد، وفي الوقت الذي يحرز فيه الجيش السوري تقدماً ملحوظاً في سعيه للوصول الى بلدة الطبقة وخصوصاً مطارها العسكري الاستراتيجي بل الاكبر في سوريا، وسط ارتباك تركي واضح وتبريرات يريد السلطان العثماني الجديد إخفاء سقوط رهاناته وعدم التفات واشنطن الى خطوطه الحمراء، بل وتأكيدها ان قوات سوريا الديمقراطية ليست ارهابية (تقصد بذلك نواتها الصلبة وذات الاغلبية فيها, وهي قوات حماية الشعب الكردية YPG).. فضلاً عن «الاعلانات» المُفاجئة التي بدأت تُطلَق من لندن وخصوصاً باريس، حيث اعلنت العاصمتان (كل على حدة بالطبع ولكن تباعاً) ان قوات خاصة لهما، تعمل على الاراضي السورية هدفها ــ كما تقولان ــ تقديم «استشارات» لقوات سوريا الديمقراطية (..) بل ثمة مَن أكد ان فرنسا شرعت في اقامة قاعدة عسكرية لها في فيدرالية (روج آفا) المُعلنة من طرف واحد… منطقة حكم ذاتي، ما يؤشر الى تسارع التدخل الغربي في الأزمة السورية, وما يستبطنه ذلك من احتمالات لحدوث تغيير دراماتيكي في موازين القوى او قرب الكشف عن مخططات تريد عواصم الغرب الاستعماري الثلاث وضعها موضع التنفيذ على قاعدة «الأمر الواقع» والذي لا يعدو كونه تقسيماً لسوريا، إذا ما برزت «مناطق» جغرافية واسعة في الشمال والشرق السوريين, يُمكِن للغرب ان يتمترس فيها او يدعم نزعات «انفصالية» على ارضية عِرقية او طائفية او مذهبية او اثنية يتستر خلفها، كي لا يبدو وكأنه يدير ظهره لقرارات مجلس الأمن الدولي ازاء الأزمة السورية, والتي أكدت «كلها» على وحدة الاراضي السورية وعلمانية دولتها.

من هنا… فإن التطورات المتلاحقة، تعكس مدى الحاجة الى اعادة تصويب الاوضاع»الميدانية», بعد ان استغلّتها الاطراف الراعية والداعمة مالياً وعسكرياً ولوجستياً للجماعات الارهابية المسلحة…

«الهدنة» التي أُعلنت في 27 شباط الماضي، كي تُعيد ترتيب صفوفها والتزود بمزيد من الاسلحة والعتاد والمقاتلين,الذين تولّت أنقرة إرسالهم عبر حدودها، وهو الذي تجلّى على شكل اكثر وضوحاً في ريف حلب الجنوبي وسيطرة الجماعات المسلحة وعلى رأسها جبهة النصرة واحرار الشام والزنكي على خان طومان، فضلاً عن قصفهم الوحشي واليومي لاحياء حلب الغربية ومحاولاتهم اقتحامها,رغم أنها ا لم تنجح إلاّ إنها لم تتوقف ايضاً، ما أثار التساؤلات حول حكمة وصوابية قرار «الهدنة» الذي اتخذته موسكو اولاً ولاحقاً دمشق, في ظروف كانت ملائمة للتحالف السوري الروسي الايراني، وجاء قرار وقف الاعمال «العدائية»، مثابة «هدية» اسهمت واشنطن بِخُبث وسوء نيّة في الدفع اليها، كي تُساعد المسلّحين على التقاط انفاسهم والحؤول دون نجاح الجيش السوري في تطويق كامل احياء حلب الشرقية, بعد إحكام السيطرة على ممر الكاستيلو الذي كان متنفساً وطريقاً وحيداً لامدادات المسلحين.. فضلاً عن عدم التزام الولايات المتحدة حتى الان، بوعودها الضغط على الجماعات الموصوفة «معتدلة» في قاموسها الانتقائي، لفك ارتباطها مع جبهة النصرة واحرار الشام، بل دعمت (واشنطن وحلفاؤها في الاقليم) في شكل فاضح ما يقوم به «جيش الفتح» المُكوَّن من تحالف النصرة واحرار الشام مع التشكيلات «المعتدلة»، دون ان تأبه او تقيم وزناً لمطالبات موسكو او تهديداتها بالعودة الى قصف تلك التشكيلات، بعد ان لم يعد أهمية تذكر لما يسمى الهدنة, التي تخرقها الجماعات الارهابية باستمرار.

هنا يكمن أهمية للقاء الثلاثي الذي تم في العاصمة الايرانية طهران وضم الى جانب وزير الدفاع الايراني, وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، والوزير السوري فهد جاسم الفريج. حيث يدرك الجميع ان شويغو والفريج لم يذهبا الى طهران للنزهة او تزجية للوقت، بل بدا الاجتماع في حد ذاته مفاجأة وخصوصاً في توقيته, فضلاً عما انطوت عليه تصريحات الوزير المُضيف (الايراني) التي كانت مُحمّلة بالتهديد والوعيد ومُركِزة على تصميم التحالف على محاربة الارهاب، وإذا ما اضفنا اليها التصريحات الغاضبة بل والمحمولة على مرارة من غدر «الشريك الاميركي» التي ألمح اليها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في معرض اعلانه انتهاء «المهلة» التي منحتها موسكو لواشنطن كي «تُقنع» الفصائل المسلحة التي تعتبرها الاخيرة معتدلة بالابتعاد عن معسكرات ومواقع النصرة واحرار الشام، فإننا يمكن ان نكون أمام تطور ميداني استراتيجي, خصوصاً ان لافروف قال بما لا يدع مجالاً للشك, بأن روسيا لن تسمح بسقوط حلب, وستُقدِّم كل ما في استطاعتها للحؤول دون ذلك، وهذا كلام يرقى الى مستوى الانذار، والذي نحسب ان مداولات اجتماع طهران الثلاثي كانت تتمحور حوله, ما ينذر بأن المعركة الحاسمة والكبرى في حلب باتت مسألة وقت.

والسؤال ليس في ما إذا كانت ستندلع أم لا؟.. بل متى؟

الرأي الأردنية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى