صفحات العالم

13 نيسان تأملات لبنانية ــ سورية

فواز طرابلسي

يصعب تذكّر الثالث عشر من نيسان من دون ان يشطّ التفكير الى ما يجري في سوريا. وفي سوريا، لم يعد من تعبير يستطيع الارتقاء الى مستوى الفجيعة. فلعل الذكرى الثامنة والثلاثين لاندلاع الحرب الاهلية اللبنانية مناسبة للتأمل في التجربتين اللبنانية والسورية معا.

في العام 1975 كان في لبنان مشروع تغيير جذري، توج عقدا كاملا من التحركات الشعبية غير المسبوقة في تاريخه. ما لبث الحراك من اجل التغيير ان تحوّل الى حرب اهلية.

لا حاجة لأن نتهيّب التسمية. في سوريا ايضا حركة ثورية تتحول بسرعة الى حرب اهلية. والمجتمع منقسم بين دعاة تغيير ودعاة محافظة على الوضع القائم. وفي تصرف الطرفين قوى عسكرية. لكن المسؤول الاول على هذا التحوير هو نظام اعلن الحرب على قسم حيوي من شعبه يتحرك سلميا من اجل الاصلاح. وقد قرر النظام مذاك خورجة حربه بألحاقها بـ «الحرب العالمية ضد الارهاب» بزعامة الامبراطورية الاميركية. وليس هذا وحسب. بل ثمة فارق كبير بين القدرات العسكرية التي يستخدمها الجيش النظامي في هذا النزاع وبين ما هو بتصرّف المعارضة المسلحة وما لذلك من اثر فاجع لطيران النظام وصواريخه على المدنيين.

هل القول بأن في سوريا حربا اهلية يعني انها بالضرورة حرب طائفية. يصعب الفصل. لا يزال الطرفان يتحاشيان الانزلاق الى هذا المستوى الشامل، بالرغم من حالات الاجلاء السكاني والمجازر (محدودة العدد) وتأمين المناطق وما اليها.

هل تفشل الثورات حين تتحول الى حروب اهلية؟ نادرة هي الحروب الاهلية التي ينتصر فيها طرف على آخر. معظمها ينتهي بتسويات سياسية. ولكن لتتم تسوية سياسية يجب ان يقتنع الطرفان المتصارعان ان ايا منهما لم يعد قادرا على الحسم والانتصار العسكريين. هذا ما حصل في لبنان، إذ اندلع الاقتتال داخل المذهب الواحد بين «حركة امل» و«حزب الله»، وبين اجنحة «القوات اللبنانية» ووحدات من الجيش النظامي بقيادة الجنرال ميشال عون. الى هذا كانت «الساحة» اللبنانية استنفدت ادوارها الاقليمية والدولية.

ولكن الحقيقة المرة في سوريا هي ان فرص التسوية سوف تتزايد بقدر ما يتأكد النظام، وهو الطرف الاقوى عسكريا، بأنه بات عاجزا عن الانتصار في «حربه» وان دعم الخارج لن يستطيع التعويض عن ذلك العجز.

عادة يلجأ المعارضون الى الثورة عندما يستنفدون كل الوسائل للضغط من اجل الاصلاح. في المقابل، يلجأ الحكام الى الاحتراب الاهلي لقطع الطريق على التغيير. بل يمكن القول: بالثورات يحاول المجتمع/ الشعب تغيير النظام القائم. وبالحروب الاهلية يحاول النظام تغيير الشعب/ المجتمع، بردّه الى جماعات اهلية متناحرة، او بإعادة انتاجه على خطوط قسمة اخرى، ليستطيع اعادة السيطرة عليه.

هل يستلزم العنف المتبادل إدانة الطرفين على نحو متساوٍ باسم اللاعنف؟ هل يجب تناسي ان نظاما يحكم من نصف قرن قد ارتكب ما ارتكبه بحق شعبه لن يمكنه الخروج من هذه المقتلة على قيد الحياة؟ وهل يمنع العنف المتبادل من الانحياز الى الطرف الاكثر تمثيلا للارادة الشعبية والاكثر ميلا الى التغيير مهما كان هذا التغيير ملتبسا تروده اشباح ظلامية محافظة وارتدادية؟

هل تقضي الحروب الاهلية على كل ما قامت الثورات من اجله؟

لا. حتى عندما ينتصر طرف، غالبا ما يضطر لتنفيذ برنامج خصمه او اجزاء منه. ثم انه عند التفاوض على التسويات، تظهر الاسباب الداخلية لاندلاع القتال فجأة، كأنها اشباح الشهداء والمفقودين، ترود قاعات المفاوضات. والمفارقة هنا ان انتهاء القتال يعيد الثورة / الحرب الاهلية الى حقل الاصلاح. الثورات التي تقوم لتعّذر الاصلاح لا تلبث ان تواجه استحقاق الاصلاح، مهما كانت الاصلاحات المعنية محوّرة ومختزلة. في اتفاق الطائف اللبناني، اعيد توزيع الحصص الطوائفية في مراكز السلطة. بل تكرس في الدستور تجاوز نظام الطائفية السياسية الذي اعتبر ان له الدور الاكبر في الدفع نحو الاقتتال الاهلي.

لم يتعلّم اللبنانيون الكثير من اخطاء تجربة الحرب ومن دروسها والعبر. وابرزها:

÷ محاولة فرض الاصلاح بالقوة تؤتي النتائج العكسية.

÷ الجميع يخسر إذ يستقوي بالخارج على الخصم الداخلي.

هل يتعلّم الاخوة السوريون من اخطاء الحرب اللبنانية ودروسها والعبر؟ هذا هو الرجاء.

في كل الاحوال، يجب ان تتغلب رياح الداخل على رياح الخارج. ومن مدينة الرقة، حملت رياح الداخل هذا الشعار: «باچر أحلى» (غداً أحلى).

هنا هو امل الداخل. الامل بالداخل: ان يكون الغد أجمل، او على الاقل أقل بشاعة، من بشاعات اليوم وعذاباته.

وهو أمل مدفوع ثمنه بالدم الغالي… سلفاً

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى