صفحات العالم

14 آذار: نُسقِط ميقاتي بعد إسقاط الأسد

 


بحثاً عمّا يرفع معنويات أنصارها، توحي قوى 14 آذار أن سقوط النظام السوري سيؤدي إلى سقوط الحكومة الجديدة. وفارس سعيد كله أمل بأن يكون سقوط النظام وشيكاً

غسان سعود

تذهب حكومة وتأتي أخرى. يعود ميشال فرعون من وزارة الدولة لشؤون مجلس النواب إلى منزله وزحمة السير في الأشرفية على حالها. يمسح سائق الأجرة صلعته بمنشفة زرقاء، ويرفع صوت الراديو. يذيع النائب الأسبق فارس سعيد بيان ما بقي من 14 آذار. يعشق السائق، كمعظم زملائه، الأحاديث السياسية: «كلما اجتمع سعيد وأصدقاؤه حول فنجان قهوة يصدرون بياناً»، يتمتم السائق رافعاً صوت الراديو فوق صوته، فيُسمع سعيد بوضوح: «هذه الحكومة آتية لتحمي من قتل الرئيس الحريري». يزداد اهتمام السائق وكلامه: «سيدعوننا إلى الاعتصام في ساحة الشهداء مجدداً». يلفته حديث سعيد عن «الراسبين في الانتخابات النيابية». يسائل نفسه عما إذا كان معنياً بقول الأمين العام إن «الحكومة تعيد لبنان إلى زمن الوصاية» بعدما ضيع سعيد و«شرّيبة» القهوة خمس سنوات من عمره وعمر البلد.

تضعضعت معنويات جمهور 14 آذار. حاول عضو كتلة المستقبل النائب عمار حوري رفعها، بَشّرَ اللبنانيين عموماً وأنصاره خصوصاً بأن الحكومة الجديدة لن تصمد حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة. «شيعيّ 14 آذار» محمد عبد الحميد بيضون ابتدع أمس تشبيهاً يرفع المعنويات «عن جد»: هذه الحكومة كـ«الفاكهة الصيفيّة»، يمكنها أن تعيش فصلاً واحداً. ومعطيات بيضون مميزة: «الرئيس نجيب ميقاتي لن يكون في الانتخابات النيابية المقبلة نائباً؛ لأن لتيار المستقبل (وفق ما تناهى إلى بيضون) الأغلبية في طرابلس».

لم تحدد قوى 14 آذار بعد، في ظل استمرار غياب الرئيس سعد الحريري عن البلد، طريقة تعاملها مع الحكومة الجديدة، بعد تجاوز ردود الفعل الآنية. ففي مطعم قبالة المجلس النيابي، كان ثلاثة من نواب المستقبل الشماليين يتناولون الغداء وأفكار بعضهم أمس. فاجأهم ميقاتي. فوجئوا إلى درجة أن التعليمات التي تردهم يومياً شددت يوم الاثنين الماضي على وجوب انتقاد عجز الأكثرية الجديدة عن تأليف الحكومة، علّ ميقاتي يُحرج فيَخرج. تثير دهشتهم اللامبالاة الدولية. يتخيل أحدهم وجه الرئيس سعد الحريري الآن مقارنة بوجهه إثر تكليف ميقاتي، فلا تظهر سنّ في وجه النائبين الآخرين. ينتبه النائب إلى خطيئته في النكتة، زماناً ومكاناً. يرى الطرابلسيّ بينهم ضرورة أن يُعدّ تيار المستقبل دراسة إحصائية في طرابلس ليعرف ما إذا كان التصعيد ضد «الحكومة الطرابلسية» يفيد «المستقبل» أو يضره. ويشير إلى أن التوازنات الحالية تتيح للأكثرية الجديدة، في حال عدم ترشح الرئيس سعد الحريري في طرابلس، أن تفوز بمقاعد المدينة الثمانية، أخذاً بالاعتبار أن ميقاتي جاهز ليدفع ضعف ما يمكن المستقبل أن يدفعه، وحبة مسك. يرى آخر أن التصعيد سيعطي رجل الذرائع ـــ ميقاتي، الذريعة للذهاب إلى استبعاد تيار المستقبل وحلفائه من التشكيلات الإدارية. وعندها ستعود قوى 8 آذار لتقبض على مختلف مفاصل الإدارة للعقدين المقبلين، فضلاً عن تعريض مصالح المستقبليين في الدولة لخطر حقيقيّ. يوافق النائب الثالث زميليه على ضرورة التفكير قليلاً في جدوى التصعيد، ولا سيما أن تعبئة الرأي العام لا تفيد اليوم.

يلفت أحد النواب زملاءه إلى أن أحد الموصوفين بالاعتدال في كتلة المستقبل أطل أخيراً على إحدى الشاشات وقد أرخى لحيته، تحدث عن مجازر جسر الشغور بانفعال كاد يوصله إلى مناداة أهل السنّة: «هيّا إلى الجهاد»، «عالجنة رايحين شهداء بالملايين». يضحك النواب، يقول أحدهم إنه اكتشف أخيراً حسنات اختيار الرئيس الحريري للنائبين خالد ضاهر ومعين المرعبي ضمن لائحته في عكار: «ظهرنا أمامهما معتدلين جداً ولن يؤاخذنا أحد».

يستعيد الحديث عمّا يحصل في سوريا جديته. يرى أحد النواب أنه في غياب القدرة على حجب الثقة عن الحكومة في المجلس النيابي أو اجتذاب ثلثي الوزراء، يكاد يكون إسقاط النظام السوري هو المخرج الوحيد المتاح الآن لعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل سقوط حكومة الحريري. تحتمل الفكرة نقاشاً طويلاً. يؤكد أحد الحاضرين أن سقوط النظام سيدفع حزب الله إلى الاستبسال في الدفاع عن الحكومة الحالية، فيما سيعمد الرئيس نجيب ميقاتي إلى تدوير الزوايا. دقائق ويُجمع الحاضرون على أن سقوط النظام السوري لن يؤدي بالضرورة إلى سقوط الحكومة. عبثاً، يبحثون عن خيارات أخرى: ضغوط دولية تدفع ميقاتي إلى الاستقالة؟ نعم، يجيب آخر. لكن «ميقاتي يحسبها ويعلم أن يد الغرب قصيرة، فيما يد شركائه طويلة، وعقل ميقاتي ليس مخرباً ليجرب المجرب». تقاطعهم رسالة «أس أم أس». هذا موقف لرئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع: «ثمة رابط مباشر بين هذه الحكومة والنظام السوري. منيح اللي عجلوا وأخدوا صورة تذكارية لأن الحكومة ستكون تذكارية». توارد الخواطر دائم بين جعجع وفارس سعيد. سعيد رأى أن «مهندسي هذه الحكومة ليسوا في دائرة الراحة السياسي، بل في دائرة القمع». خريطة الطريق إذاً؟ يسقط النظام السوري فتسقط الحكومة. لكن أي دور يمكن المستقبل أن يؤديه لإسقاط النظام السوري في ظل قدرة الحكومة الجديدة على ضبط الحدود والسيطرة على الاتصالات؟ يوافق المجتمعون على أنهم بحاجة إلى اجتماعات تنسيقية وأن وضع 14 آذار اليوم بات أشبه بوضع 8 آذار قبل سنتين: ضياع، تشتت وكل يغني على ليلاه.

يُجمع النواب الثلاثة على أن الرهان على إسقاط الحكومة من البوابة السورية صعب، لكنه يبقى أفضل من رهان الرئيس أمين الجميّل على التشكيك بميثاقية الحكومة، ورهان الوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون على «تغيير النائب وليد جنبلاط موقفه نتيجة فشل هذه الحكومة في تحسين الوضع المعيشي».

الآمال معقودة إذاً على إسقاط النظام السوري: لبيك حزب التحرير، لبيكما محمد كبارة وخالد ضاهر، سعد الحريري راجع.

الاخبار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى