صفحات الناس

دمشق: النسيج الاقتصادي- الاجتماعي… يُدمّر تدريجاً

 

جهاد اليازجي

قد يتكوّن لدى كل من يزور دمشق في هذه الأيام انطباعٌ أن الأشياء تسير بصورة طبيعية.

يذهب الموظفون إلى مكاتبهم كل يوم. المحلات والبنوك مفتوحة، البنزين متوفر. ويمكن العثور على معظم منتجات الطعام والخضروات في الأسواق.

هذا الانطباع عن الحياة الطبيعية في دمشق يعكس إلى حد ما حال المدينة كعاصمة.

أحدى ميزات هذه الحال أن دمشق مقرٌ لمعظم الإدارات الحكومية التي توظِّف العديد من الموظفين المدنيين وتخلق الكثير من النشاط الاقتصادي غير المباشر مع القطاع الخاص. علاوةً على ذلك، تتمركز العديد من الشركات السورية الكبرى في دمشق، حيث تحافظ على نوعٍ من النشاط، حتى بعد إغلاق فروعها في المدن السورية الأخرى.

نموذج السلطة

السبب الآخر هو أن السلطات السورية تحاول أن تجعل من العاصمة نموذجا لنجاحها في الاحتفاظ بالسلطة. ففي النهاية، دمشق تتمتع بامتيازٍ معين مقارنةً مع المدن السورية الأخرى، خصوصاً في ما يتعلق بتوافر الخدمات الحكومية. فمثلاً، وعلى الرغم من انقطاع التيار الكهربائي بشكلٍ متزايد مؤخراً، تواجه العاصمة السورية انقطاعاً أقل من المدن الأخرى؛ كما أنها تبقى صاحبة امتيازات في ما يتعلق بتوفر البنزين، المازوت والمنتجات الأخرى.

تستفيد دمشق ايضاً من أمانها النسبي. ولكونها آمنة، شهدت تدفقاً للنازحين من ضواحيها، ما خلق طلباً متزايداً على إيجار البيوت، مثلاً.

لكن خلف هذه المظاهر، العاصمة السورية قد تأثرت بشكلٍ كبير بالحرب. فالعديد من مصانعها دُمر، ما أفقدها جزء كبيرا من الرأسمال المستثمر. وشهدت دمشق أيضاً هجرةَ معظم نخبة رجال الأعمال وأفراد الطبقة المتوسطة، وهذا ما جعل المدينة، التي تعتمد على قطاع الخدمات، تخسر الكثير من مواردها، وهو ما ستظهر عواقبه على المدى البعيد.

والنتائج الاقتصادية الأوسع نطاقاً للحرب، كالبطالة، أثرت أيضاً على دمشق، وهو ما قاد إلى تراجع كبير في القوة الشرائية لسكان المدينة. وبالرغم من أن البضائع ما تزال متوفرة في المحال، إلا أن قليلاً منها يُباع لأن الناس ما عادت تملك المال الكافي للتسوق.

مدينة معزولة

أبرزت الحربُ أيضاً العزل الجغرافي للعاصمة السورية، إذ أنها بعيدةٌ عن كل المصادر الطاقة والثروات الطبيعية. فالحرب في منطقة القلمون خلال الخريف الماضي، مثلاً، عطَّلت تزويد العاصمة بالمنتجات النفطية لأسابيع ، وهو ما قاد إلى طوابير طويلة أمام محطات الوقود. والهجوم الأخير على خط الغاز العربي، الذي يجلب الغاز من مصر، زادَ بشكل كبير عدد ساعات انقطاع التيار الكهربائي.

خسارة الغوطة

قد تكون الخسارة التي سيكون لها التأثير الأخطر على العاصمة على المدى البعيد هي دمار الروابط الاقتصادية والتجارية والاجتماعية بين دمشق والغوطة بسبب دمار معظم أجزاء الأخيرة ومحاصرة أجزائها الباقية. الغوطة هي المكان الذي يُنتج معظم الطعام الذي تستهلكه العاصمة، وهي مركز حِرفٍ تقليدية تعود إلى آلاف السنين، والتي اختفت تقريباً بشكل كامل الآن.

قد تبقى دمشق سليمة، لكنها من دون الغوطة تكون قد فقدت جزءاً مهماً من هويتها.

وستبدو العاصمة السورية، بسبب أهميتها السياسية، “طبيعيةً” طالما استطاع النظام أن يبقيها كذلك. لكنها، شأنها شأن بقية سوريا، تشهد الدمار البطيء، ولكن الأكيد لثروتها الإقتصادية ونسيجها الاجتماعي.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى