صفحات العالم

2012 – 2011: الانتفاضات العربيّة


حازم صاغيّة

في نظرة إجماليّة إلى البلدان العربيّة التي شهدت في العام المنقضي انتفاضاتها الشعبيّة، الظافرة منها أو التي في طريقها إلى الظفر، يمكن القول إنّ مسألة «الحرّيّة» قد حُسمت على أجندة تلك الشعوب العربيّة. فقد تأكّد أنّ هذه الأخيرة ما عادت تتحمّل الطريقة السائدة، الاعتباطيّة والطغيانيّة، في حكمها، وأنّها مستعدّة للذهاب بعيداً في تقديم التضحيات لتغيير الطريقة المذكورة. وهي، في هذا السياق، لا تكتفي بإعادة الاستحواذ على ساحاتها وعلى فضائها العامّ، بل تمضي إلى حيث تعيد الاستحواذ على الوطن، وهو ما يعني، في حالات كثيرة، إعادة صنع هذا الوطن.

معنى ذلك أنّ تلك الانتفاضات، ولأجل غرض الحرّيّة، لفظت خرافتين طويلاً ما تحكّمتا بالثقافة السياسيّة العربيّة: أنّ «العدوّ» هو الغريب، لا الحاكم المستبدّ ابن جلدتنا، وأنّ هناك «قضيّة» تستدعي غضّ النظر عن الأوضاع القائمة، بل تستدعي تقبّلها وصولاً إلى تجميلها والتباهي بها.

وكانت المنطقة العربيّة قد شهدت تمرينين أوّليّين على طلب الحرّيّة سبقا انتفاضات 2011. وهما من دون أن يُكلّلا بالنجاح نمّا عن ضخامة الطلب على الحرّيّة من حيث المبدأ، بقدر ما دلاّ إلى احتمال ارتسامها أفقاً بديلاً للثقافة السياسيّة العربيّة. أمّا التمرين الأوّل فكان إسقاط صدّام حسين وسلطة البعث في العراق، في 2003، وما أعقب ذلك من حرّيّات سياسيّة وإعلاميّة وتعبيريّة ومن انتخابات حرّة غير مسبوقة عربيّاً. وأمّا الثاني فكان إسقاط التركيبة الأمنيّة السوريّة – اللبنانيّة في بيروت 2005 بُعيد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

لكنّنا اليوم، وبشيء من التحوير لنظريّة المفكّر البريطانيّ أشعيا برلين عن مفهومي الحرّيّة السلبيّ والإيجابيّ، يمكننا القول إنّ حسم مسألة الحرّيّة، بوصفها إزاحة للعوائق المانعة لها، يفتح الباب أمام المعركة الأخرى التي مدارها: ما العمل بهذه الحرّيّة، وما الذي سوف يُبنى عليها تالياً؟

فالتمرينان الأوّليّان المشار إليهما، في العراق 2003 ولبنان 2005، انتهى بهما المطاف إلى تبديد الكثير من الحرّيّة التي تمّ الاستحواذ عليها. ومعظم هذا التبديد جاء نتيجة النجاح الذي أحرزته البنى القديمة، الطائفيّة حصراً، في وقف المسار الانتقاليّ إلى الطور الثاني. فإذا صحّ أنّ إسقاط صدّام حسين وتفكيك المنظومة الأمنيّة السوريّة – اللبنانيّة يبقيان، على تفاوتهما، مكسبين كبيرين، بغضّ النظر عن كلّ تفصيل، صحّ أيضاً أنّ مشروع تكوين الوطن والشعب لم يوضع لاحقاً على أجندة العراقيّين واللبنانيّين. وليس من المبالغة القول إنّ أجندة التفكيك هي التي احتلّت اليد العليا، فكأنّما تأدّى عن تلك الحرّيّة التي نيلت ذهاب في وجهة التحرّر من روابط الاجتماع الوطنيّ القائم.

وهذا ما سوف تكونه مهمّة الانتفاضات العربيّة في 2012، حيث سيواجه التوانسة والمصريّون مسألة النظام السياسيّ البديل وطرق اشتغاله، فيما يواجه الليبيّون والسوريّون واليمنيّون، وربّما المصريّون إلى حدّ ما، مسألة النسيج الوطنيّ وصيانته، أو معالجة تناقضاته سلميّاً وسياسيّاً، فضلاً عن بناء النظام البديل. والأمل أن تختلف طرق الشعوب الخمسة هذه عن طريق الشعبين اللذين قدّما التمرينين الأوّليّين.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى