صفحات العالم

ما الذي يبرر تسليح المعارضة السورية؟


صحيح أن الولايات المتحدة استنتجت أن وحشية نظام الأسد تجاه شعبه تتجاوز جميع الحدود المقبولة، إلا أنها تبدو عاجزة عن التحرك خوفاً من أن يؤدي التدخل بهدف تقوية المعارضة إلى تصعيد أعمال العنف وتدهور وضع سورية وتعزيز انقسامها بعد سقوط الأسد.

تزامناً مع استمرار أعمال الذبح في سورية، تجازف الولايات المتحدة بتكرار الخطأ الذي ارتكبته منذ عشرين سنة عندما رفضت تسليح سكان البوسنة، فقد تركتهم حينها تحت رحمة الميليشيات الصربية طوال ثلاث سنوات مريعة سقط خلالها مئة ألف قتيل إلى أن أُجبرت قوات حلف الأطلسي أخيراً (بعد مجزرة سريبرينيتسا ومقتل آلاف آخرين) على التدخل مباشرةً وإرسال 60 ألف عنصر لحفظ السلام.

لكن ثمة طريقة لتجنب هذا السيناريو في سورية، فبينما تبدي إيران وروسيا والصين دعمها القوي لوحشية بشار الأسد اليوم، يبدو أن الولايات المتحدة مضطرة للاكتفاء بإدانة ما يحدث شفهياً وبفرض العقوبات، لكن لا يمكن أن تساهم أي من هذه التدابير في إقناع النظام السوري بتسليم السلطة. لهذا السبب على ما يبدو، أعلن قائد المجلس الوطني السوري برهان غليون أن مؤتمر “أصدقاء سورية” الأخير في تونس “لم يكن على مستوى تطلعات الشعب السوري”.

في الماضي، عقد الأميركيون صفقة سيئة “مع الشيطان الذي يعرفونه” (نظام الأسد) خوفاً من الشيطان الذي يجهلونه. بالتالي، عندما تحول النظام السوري إلى أبرز حليف لإيران في الشرق الأوسط وعمد إلى زعزعة استقرار لبنان والعراق والأراضي الفلسطينية (وسهّل تنقل الانتحاريين إلى العراق لقتل العراقيين والأميركيين)، لم تحرك الولايات المتحدة ساكناً لفرض التغيير في سورية ولا حتى التغيير الديمقراطي السلمي.

كانت المخاوف السابقة من طبيعة الحكم الذي سينشأ بعد نظام الأسد منطقية، ولكنها لم تكن سبباً كافياً لترك هذا النظام يُفلت بعمليات القتل التي ارتكبها في العراق ولبنان وسورية. اليوم، تتعدد الأسباب التي تدعو إلى القلق من تداعيات أعمال العنف في سورية على نسيج المجتمع الذي زاد ضعفاً بعد عقود من الحكم الاستبدادي. غير أن الإبقاء على ضعف المعارضة سيؤدي حتماً إلى إطالة مدة الصراع، ما يعني سقوط أعداد إضافية من القتلى وبروز الحاجة إلى تصفية حسابات إضافية ومنح المقاتلين المسلحين نفوذاً أكبر.

لن تكون تقوية المعارضة السورية عائقاً أمام التوصل إلى نهاية سلمية لهذا الصراع. بل على العكس من ذلك، قد تكون هذه الخطوة الطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك الهدف، وقد يقتنع النظام بضرورة التنحي في حال اقتراح مخرج آمن، لكن لن تنجح هذه الطريقة إلا إذا كانت الهزيمة هي الخيار البديل الوحيد أمام النظام. لهذا السبب، تحتاج المعارضة السورية إلى دعم معنوي وسياسي ومادي كامل.

الدعم المعنوي مهم حتماً، وإن اعتراف العالم (تحديداً الأنظمة الديمقراطية البارزة) بشجاعة الشعب السوري قد يحثه على متابعة نضاله رغم جميع المصاعب. يحتل الدعم السياسي والتواصل الفاعل مع جميع عناصر المعارضة أهمية كبرى أيضاً، ولا سيما إذا نجح ذلك الدعم في مساعدة المعارضة على إقناع الفئات الأخرى (الأقليات مثل المسيحيين والعلويين) بأنها ستكون بأمان في سورية بعد عهد الأسد.

لكن لا يمكن أن يحل الدعم المعنوي والسياسي مكان الدعم المادي. لا نفع من كلمات المدح والتشجيع إذا اكتفت الولايات المتحدة وحكومات أخرى بالتفرج على الوضع وفشلت في توفير أبسط الأمور مثل الإمدادات الطبية. قد يساهم الوعد بتقديم المساعدات المادية، بما في ذلك المساعدة المالية، في إقناع المعارضة بتأييد برنامج سياسي متماسك وموحّد. في ظل غياب أي دعم مماثل، بدأت المعارضة تتصدع منذ الآن.

لا يقتصر الدعم المادي على توفير الأسلحة. أكثر ما تحتاج إليه المعارضة هو الحصول على معدات وتكنولوجيا الاتصالات. يدرك نظام الأسد هذا الأمر وهو يقوم بكل ما يلزم لإعاقة الاتصالات بين جماعات المعارضة ومنع انتشار أبسط التقارير الإخبارية. في المقابل، تملك الولايات المتحدة إمكانات هائلة في هذا المجال ولا بد من الاستفادة منها.

لا يمكن مناقشة تفاصيل تلك الإمكانات علناً، لكن يمكن الإعلان عن نية الولايات المتحدة توفير معدات الاتصال إلى المعارضة. لكن للأسف، يشير التكتم الرسمي عن هذا الموضوع إلى أن الأميركيين لن يقوموا بذلك.

على صعيد آخر، يُعتبر الدعم المالي وتقديم الإمدادات الطبية عاملَين حاسمين أيضاً، فبعد مرور سنة تقريباً على بدء الثورة وسقوط آلاف الضحايا، لم تبرز أي جهود منظمة لتقديم المساعدات الطبية بالمستوى المطلوب. من السخافة ادعاء أن الأمم المتحدة تنتظر التوافق على وقف إطلاق النار لتسليم المساعدات الإنسانية.

يجب أن يشمل الدعم المادي توفير الأسلحة أيضاً. لكن لا يعني ذلك تقديم الدبابات أو المدفعية أو أي أسلحة أخرى من شأنها تصعيد أعمال العنف، بل تحتاج المعارضة إلى أسلحة دفاعية لتتمكن من حماية شعبها، وتحديداً المنشقين عن الجيش السوري.

تُعتبر هذه الانشقاقات الطريقة الفضلى لإضعاف النظام وهزمه، لكن سيصعب تشجيع الجنود على الانشقاق عن الجيش والانضمام إلى جماعات المعارضة غير المسلحة التي تفتقر إلى أبسط الأسلحة المضادة للدبابات ووسائل أخرى للدفاع عن النفس. يمكن أن تساهم الملاجئ الآمنة القائمة على طول الحدود السورية مع تركيا والأردن ودول أخرى في تسهيل الانشقاقات عن الجيش وتسليم الإمدادات الإنسانية.

باختصار، إذا بقيت المعارضة ضعيفة لهذه الدرجة، فقد نواجه في نهاية المطاف خياراً صعباً بين التدخل العسكري الخارجي (كما حدث في ليبيا) أو مشاهدة التطورات وعدم تحريك أي ساكن فيما يكرر النظام السوري أهوال مجزرة سريبرينيتسا.

يجب ألا تكتفي وزيرة الخارجية الأميركية باعتبار أن المعارضة السورية “ستجد الوسائل اللازمة للدفاع عن نفسها في مكانٍ ما وبطريقةٍ ما!”. هذا ما قالته هيلاري كلينتون في الشهر الماضي. في المقابل، اعتبر وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل أن تسليح المعارضة “فكرة ممتازة”.

إنها فكرة ممتازة فعلاً. تملك الولايات المتحدة القدرة الكافية على تدريب القوات المحلية وتنظيمها وتزويدها بالمعدات. يمكن أن يساهم استعمال تلك القدرات لدعم المعارضة السورية، بمساعدة حلف الأطلسي، في إنهاء الصراع سريعاً والحد من أعمال العنف ونزعة التطرف في المرحلة اللاحقة.

 * بالمر، عضو في مجلس منظمة “فريدوم هاوس” (Freedom House) وسفير الولايات المتحدة السابق إلى هنغاريا. وولفويتز، مسؤول في معهد “أميركان إنتربرايز” (American Enterprise) ونائب سابق لوزير الدفاع الأميركي وسفير سابق إلى إندونيسيا.

Mark Palmer And Paul Wolfowitz

ترجمة الجريدة الكويتية

Wall Street Journal

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى