صفحات العالم

الصراع الصفري في سورية/ أحمد ماهر

 

 

لن يفلح الصراع الصفري، لا بد من صيغة ما للخروج من الأزمة السورية. الوضع يزداد تعقيداً، ولن ينجح أحد، ولن يستطيع أي طرف هزيمة باقي الأطراف، وإن فاز أحد الأطراف فهناك، أيضاً، أضرار مصاحبة قد تزيد الكارثة. استغل داعش الفراغ والفوضى، واستغل انشغال النظام السوري في قتل شعبه، واستغل انشغال رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، بقمع السُنة وإقصائهم، وتمدد داعش في سورية والعراق، وأقام دولة الجهل والتخلف والقتل والذبح. وجبهة النصرة التي كانت مدعومة من السعودية وتركيا أصبحت تمثل تنظيم القاعدة وتنافس داعش في سورية. وكل التقارير توضح أن الرهان على المعارضة السورية قد يكون خاسراً، بغض النظر عن أن “الإخوان المسلمين” جزء منها. وبغض النظر عن وضعهم العقدة في المنشار دائماً، فالمعارضة السورية غير جاهزة لتولي السلطة، بغض النظر عن تفككها. وكذلك هناك تقارير صحافية وبحثية تتحدث عن معاناة قطاع كبير من السوريين المقيمين في مناطق خاضعة لسلطتها.

يزداد الوضع تعقيداً، ولو تمت هزيمة بشار الأسد، (آسف أنني أقول ذلك)، سيتمدد داعش أو جبهة النصرة أو كلاهما، لأن المعارضة السورية لن تستطيع سد الفراغ. ولو تمت هزيمة هذه المعارضة، سيتمدد داعش، أيضاً، أو جبهة النصرة أو كلاهما، وسيزداد داعش قوة، خصوصا أنه تنظيم بارع في احتلال الفراغات وسرعة إقامة دولة ونظام حكم.

وما تم طرحه في دراسات عديدة، نشرت في صحف عديدة، أخيراً، وأراه منطقيا إلى حد كبير، أنه لا حل إلا بصيغة ما، أو توافق ما، بين روسيا وإيران من جانب وبين السعودية وتركيا والولايات المتحدة من جهة أخرى، لإيجاد نظام جديد ضد داعش والنصرة، ويتم اقتسام السلطة بصيغة ما بين النظام والمعارضة، وإن كان يمكن، أيضاً، الوصول إلى صيغة لخروج الأسد من السلطة بشكل ما. أما إن استمر الصراع بين أميركا وروسيا، أو بين السعودية وإيران، فلن نصل إلى شيء، على الأقل في الوقت القريب، لن ينجح أحد في هذا الصراع الصفري.

قد ينطبق الكلام نفسه على مصر، فلن نصل إلى حل، إن استمر الصراع الصفري بين العسكر و”الإخوان”. لن يستطيع العسكر وفلول حسني مبارك إفناء كل “الإخوان” أو قتلهم أو حبسهم. وفي الوقت نفسه، لن يعود محمد مرسى إلى الحكم، ولن يعود دستور 2012، ولن يترنح

“لا حل إلا بصيغة ما، أو توافق ما، بين روسيا وإيران من جانب وبين السعودية وتركيا والولايات المتحدة من جهة أخرى، لإيجاد نظام جديد ضد داعش والنصرة، ويتم اقتسام السلطة بصيغة ما بين النظام والمعارضة”

الانقلاب. لابد من حل وسط وصيغة ما.

تعقد الوضع بشكل كبير في سورية، لم يتوقع أحد أن تتعقد الأمور بهذا الشكل، ومع مرور الأيام، تتعقد أكثر وأكثر، إلى أن أصبح الحل شبه مستحيل. في البداية، كانت انتفاضة وثورة الشعب المتشوق للحرية والكرامة والعدالة، الشعب السوري شقيق المصري، ومصر مرتبطة دائما بالشام، والشام مرتبطة بمصر. شعب عانى من كل الكوارث، تحت حكم البعثيين وعائلة الأسد والجيش الطائفي. حكم العسكر البعثيون الذين تشدقوا بشعارات القومية العربية البراقة لخداع الشعب. شعارات براقة وجعجعة عن المقاومة والممانعة، في حين لم يطلق الأسد طلقة واحدة ضد العدو الصهيوني، شعارات العسكر والبعث التي اتخذوها ذريعة للقمع والظلم والفساد والإفساد والفقر والإفقار.

شعارات كل الأنظمة الفاسدة في سورية ومصر، من أجل السيطرة والبقاء في السلطة، وبدلاً من أن يرضخ بشار الأسد للمطالب المشروعة، قرر قتل شعبه وتدمير بلده، فالسلطة بالنسبة له أهم من بلده، بالإضافة إلى أنه ليس صاحب قرار. هناك أصحاب الفرح، بشار الأسد مجرد أداة لمن يدفع ويدعم ويسلح، صورة أو عروسة ماريونيت تحركها إيران وروسيا، ولكل منهما مشروع إمبراطوري توسعي. لكن، ليس هؤلاء وحدهم الشياطين فيما الآخرون ملائكة. هناك أطراف أخرى في المعادلة. هناك الجانب الآخر غير المتجانس الذي دخل في المعادلة، وركب على الثورة الشعبية وحولها حرباً بالوكالة، فهناك من يركب على الثورة كالعادة. هناك أميركا التي تحارب روسيا على الأرض السورية، وهناك السعودية التي تحاول وقف نفوذ إيران على الأراضي السورية، وهناك تركيا التي لها مصالح، ولها مشروع في المنطقة، وهناك “إخوان” سورية، وهناك قوى سياسية معارضة مفككة، وأهداف متضاربة، وثورة تحولت إلى مأساة، بسبب تدخلات دولية كثيرة.

أما مصر، فهي، للأسف، ليس لها دور. كانت أيام محمد مرسى تحارب بشار، وفي عهد عبدالفتاح السيسي، الآن، تدافع عنه وتدعمه. لكن، بشكل عام، ليست مصر لاعباً رئيسياً في هذه المعادلة، والوضع يزداد تعقيداً. تدعم تركيا الجيش السوري الحر، لكنها كانت تدعم جبهة النصرة من قبل، والسعودية (حكيمة العرب حسب تعبير السيسي) دعمت التنظيمات الإسلامية، إلى أن انقلب السحر على الساحر، وأصبحت تعاني، هي الأخرى، من هذه الحرب، متعددة الأطراف التي كانت ثورة مشروعة المطالب.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى