صفحات الرأي

نحو فتن كبرى/ ماجد الشيخ

 

 

يعتبر «دواعش» اليوم أن الفتنة بين أفراد العائلة الواحدة، بل الأسرة الواحدة، كما الفتنة الأكبر بين القبيلة والعشيرة الواحدة، أو الفتنة الأوسع بين مجتمعاتنا الوطنية، أو بين الدول القائمة، على اختلافها، ومهما تكن سياساتها، هي قدس أقداس الزندقة التدينية الخاصة، تلك التي لا تهدف سوى إلى محاكاة التأسيس الأول لصهيونية لم تقم إلا على سرديات من الأكاذيب والخدع الدينية، توراتية كانت في الماضي، أو «إسلاموية» على ما يزعم «دواعشيو» زماننا، وهم السائرون على خطى «دواعشيين» كثر، سادوا ثم بادوا عبر تاريخنا الذي يعيد فيه البعض تكرار سرديات الفتنة/ الفتن الصغرى والكبرى. كل هذه الارتكابات، ليست نتاج عقل ديني أو تديني خاص، بمقدار ما هي نتاج عقل إرهابي ضالع بالإجرام الوحشي، وبمعاداة الإنسان كآخر، لا ينتمي إلى الفصيلة نفسها التي أنتجت «دواعشيون»، لا رغبة لهم بالحياة، بمقدار ما هم عبيد لرغباتهم الحيوانية، الباحثة عن تهويمات جنسية حتى بعد الممات، وإلى الأبد… أي أبد؟ إن لم يكن كأبد «الملوك «الأسديين» في سورية، وهم يتحولون إلى رهينة السلطة الاستملاكية، والتعبّد في محرابها؟

وكل هذا يتم على قاعدة من «تدين خاص» لا علاقة لأي دين به، فالفتنة الكبرى أو أي فتنة مهما ضؤلت، إنما مردها إلى السياسة التي تنزل إلى مستوى البشر، فإما أن ينزلوا إلى مستوياتها الدنيا، وإما أن يصعدوا إلى ذراها المفترضة، كأقنوم من أقانيم حكم الإنسان، لسلطة في دولة يحتكم الجميع فيها لدساتير مدنية، ولتشريعات بشرية تأخذ في الاعتبار، خصوصية المجتمعات الإنسانية، وحقوق أفرادها كمواطنين أحرار، لا كرعايا في دولة لا تشبه أي دولة. ولا يمكن تلك المجتمعات، أن تكون «نسخة طبق الأصل»، وفق أي تصور ديني مهما بدا «متقدماً» أو «متنوراً». فالتصورات الدينية لا يمكنها الخروج عن إطارات مرسومة سلفاً، فهي معيارية أكثر من اللازم، ولا يمكنها أن تدوم إلى الأبد، وإلا لماذا فرضت موضوعات الفتنة الصغرى والكبرى ذاتها، على تاريخ كامل من التصورات الدينية التي جرى الخلاف في شأنها، حتى داخل العائلة والأسرة الواحدة، قبل أن تنتظم في سياق تديني خاص، لا يمكن احتسابه على الدين.

ومن الأسف تحول ذاك الخلاف مع الزمن، إلى انقسام ديني، باتت كل فرقة من فرقه تؤسس لتاريخها الخاص، تاريخ من الخلافات والاختلافات التي لا يمكن رأب صدعها مطلقاً، فهي باتت من الدين بالضرورة، وباتت قداستها قداسة الضرورة، ولا يمكن احتسابها على الفضاء الديني نفسه، فالخلافات التي حصلت في الزمن التأسيسي الأول، لم تكن على قاعدة دينية، بمقدار ما كانت، وكما تكون اليوم على قاعدة سياسية سلطوية/ انتحارية قاتلة. أما التمذهب الأعمى فهو كالتعصب الأعمى يكاد يكون لا دين له. هي الفتنة مجسدة في مسلكيات يجرى تقديسها واعتبارها من الدين بالضرورة. حيث لا فتنة اليوم يمكن أن تؤسس لـ «دولة الخلافة»، كما لا فتنة أيضاً يمكنها أن تؤسس لـ «دولة الإمامة»، وممثلوها يرنون لدولة «العظمة القومية». وما «الدين» و «الأنصار» و «المحازبون اللهيون» إلا وسيلة من وسائل الوصول إلى تلك «العظمة»، حتى ولو اقتسموا أو تشاركوا النفوذ والهيمنة في الإقليم مع «الشيطان الأكبر».

* كاتب فلسطيني

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى