صفحات سورية

الولاءات أخرجت الأكراد في سوريا من المعادلة/ زيد سفوك

 

 

 

حرب دائرة بين النظام السوري والمعارضة، أحدهما مستمر في قصف شعبه، والآخر مستمر في الدفاع عن نفسه وإسقاط خصمه. رغم كل تلك الدماء التي سالت على أرض سوريا إلا أن الطرفين متفقين على أمر واحد في ما بينهما، سواء ضمن المؤتمرات الدولية التي تمت برعاية أممية أو عبر التصريحات الإعلامية والحوارات الجارية بينهما، وهو عدم الاعتراف بالقضية الكردية في سوريا، حيث أن الطرفين يرفضان تماما إعطاء الشعب الكردي أي حقوق قومية أو حتى الاعتراف بها دوليا. وشهدت الأعوام الأخيرة تصريحات متكررة من النظام السوري وعلى رأسه بشار الأسد والبعض من قيادات المعارضة التي نفت كليا وجود شعب كردي على الأرض السورية واعتبرته فقط جزء من النسيج الوطني، ذلك المصطلح الذي غالبا ما يؤدي إلى الانقسام أكثر مما يوحد الصفوف. وبالنهاية أي تسوية داخل سوريا إن لم تؤد إلى حصول الشعب السوري، بكافة أطيافه وطوائفه، على حقوقه المشروعة والعادلة فإنها فوضى ونزاع إلى ما لا نهاية وتلك بحد ذاتها سياسة عدوانية لدمار سوريا وتفتيتها.

تتعدد الأسباب التي تجعل تلك الأطياف تذهب إلى عدم الاعتراف بالأكراد، وبغض النظر عن الجهات التي تقف خلفها، فإن ميل القيادات الحزبية الكردية لأجندات خارجية وداخلية هو من أهم الأسباب التي ساعدت وشجعت المعارضة والنظام على عدم الاعتراف بها. فالقوى الكردستانية استكملت قرار مصير الأكراد في سوريا وأخرجتهم من المعادلة الدولية، وأصبحت القيادات الحزبية مجرد موظفين برواتب ثابتة ومقيدين ضمن أوامر تلك القوى، من خلال مؤسستي المجلس الوطني الكردي وحركة المجتمع الديمقراطي، الأمر الذي أدى إلى الانقسام بين موالين لإقليم كردستان العراق بزعامة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وبين موالين لحزب العمال الكردستاني، وغالبية من تبقى هم خارج الإطارين وأصبحوا يوالون نظام دمشق بشكل واضح، والبعض من الأحزاب الأخرى التي تمسكت بمواقفها بقيت جامدة ومهمّشة سياسيا وبالكاد لها وجود على أرض الواقع وغير قادرة على القيام بشيء.

ولا شك أن التمسك بطرف كردستاني لا يعني الخيانة، فالشعب الكردي في سوريا قدم التضحيات لأشقائه في هولير وقنديل أكثر مما قدم لنفسه، ولم تكن تلك التضحية حزبية أو متعلقة بنهج ما، وإنما كانت نابعة من التضحية والوفاء للقضية، لكن ما يثير الجدل أن حقوق الأكراد في سوريا إن لم تأت وفق مصالح المحاور الكردستانية المرتبطة بالتفاهمات الدولية، فإن تلك المحاور لن توافق على أي تسوية تخص الأكراد في سوريا،. فالقوى الحاكمة في أربيل وقنديل لديها خطوط سياسية واضحة، أحدها في صراع دائم مع إيران وسياستها والثاني في صراع مع تركيا، ومن خلال دعمهم وامتلاكهم للسلطة قاموا بجذب غالبية الأحزاب الكردية السورية إلى جانبهم، تاركين النظام السوري الذي دمر الشعب الكردي على مر السنين في نعيم وأمان، وأي تجاوز لهذه الأطر الحزبية الكردستانية لا يوافقون عليه. وبالتالي فإن الشعب الكردي في سوريا أصبح رهينة مصالحهم ومصيرهم بات مرتبطا بأوامرهم نتيجة توظيف القيادات الحزبية في مؤسساتهم والتزامهم بميثاق عمل يقوم على أن الممول يبقى دائما صاحب القرار.

دائما هناك حلول طالما هناك سياسة ودبلوماسية، وتلك الحلول تأتي في إطار الوفاء للقضية الأساسية، فإن تخلت الأحزاب الكردية عن استلام التمويل من أربيل وقنديل، وبالتالي قطع الرواتب عن الأحزاب الحديثة والتي نستطيع تسميتها بـ“أحزاب الرواتب”، فإنها ستنحل لا إراديا وتعود إلى صفوف الشعب، الأمر الذي يقلل من كثرة الأحزاب وبالتالي عودة غالبيتها إلى اتفاق في ما بينها وإلزام المعارضة والنظام بالقبول بحقوقها القومية كأي شعب آخر يحق له تقرير مصيره.

وبالتالي اتخاذ قرارات حاسمة والبدء في مرحلة جديدة ضمن سوريا ديمقراطية، فالشعب لا يستطيع أن يلوم عدوه طالما أن قياداته تقبل بما هو مناسب للقوى الكردستانية على حساب القضية الكردية.

المشهد على أرض الواقع كفيل بأن يزيل الستار ليتبيّن أنه لا وجود لحزب كردي سوري، وإنما توجد المئات من الأحزاب الكردية الخاضعة للأحزاب الكردستانية التي فضلت المال والدعم على حساب المبادئ، فمهما كان الهدف نبيل ويسعى إلى بناء دولة كردستان إلا أن الأولوية لتلك المحاور، وما تبقى، إن وجد، يكون للشعب الكردي في سوريا، وهو الشعب الذي بات قاب قوسين أو أدنى من العودة إلى المطالبة بالبعض من الحقوق التي لا تقارن بتاريخه وتضحياته.

كاتب وسياسي كردي سوري

العرب

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى