صفحات العالم

المالكي… حين يخاف على سورية


الياس س الياس

نوري المالكي الذي يعيش في منطقة خضراء صنعها بول بريمر لمجلس الحكم في بغداد نسي في خضم تعليقاته المتكررة (وممارساته) المتذاكية عن الوضع السوري (الثورة السورية بالأدق) أشياء كثيرة نعرفها كما تعرفها الملايين حول العالم منذ التاسع من نيسان 2003…

حين كان السيد نوري المالكي وجلال طالباني ومجموعة الحكم في العراق تعيش في حضن حافظ الأسد، الأمين العام القطري للتوأم البعثي في العراق، كان يمكنه أن يفهم هو وغيره من ‘المعارضة العراقية’ حينها ذلك الشبه الكبير بين طموحاتهم في إسقاط نظام صدام حسين وطموحات ورغبات الشعب السوري في التخلص من نظام ظل يكذب طيلة عام على من يستمع إلى روايته ويصدقها من أمثال هؤلاء المحذرين اليوم من ‘فوضى وحرب أهلية’ إذا سقط نظام بشار الأسد، لكن يصعب جدا أن يفهم المالكي الذي يعرف نفسه في مقابلة مع صحيفة غربية كالتالي: أنا شيعي، عراقي وعربي الخروج من شرنقة تحيط بعقله.

ما الذي يحدث في سورية اليوم؟

بالنسبة للمالكي ( ومعه تيار عراقي كامل متحالف مع المرشد الايراني): مؤامرة كونية تستهدف الرئيس الشاب بشار الأسد وسورية البلد.

مكونات هذه المؤامرة التي بدأت في درعا، هي ذات مكونات الدجيل في ظل صدام حسين.. الشعب السوري إذا متآمر.

هذا ‘الخوف’ المفرط فيه من جهة ‘حلفاء اليوم’ و ‘أعداء الأمس’ على سورية يعني أن ليس هناك رجل أو إمرأة في سورية وخارجها يحرص على البلد سوى: المالكي، نصر الله ومن خلفهما مجموعة من أمثال الصدر ومصدري فتاوى مثل جنتي مصدرها طهران وقم.

لا يحردن أحد ممن يحبون المراجع تلك إذا كنت واضحا ومباشرا في وصف الأمر بدون مواربة ولا تقية ولا استهبال وتذاكي على طريقة المالكي وأحمد الجلبي… يخاف هؤلاء على سورية ودخولها في فوضى؟ فما الذي يحدث اليوم؟

يخاف هؤلاء على العنف القادم لسورية؟ فما الوصف الذي ينطبق على ما يجري بالدبابات التي تدك المدن السورية؟

هل لنا أن نقول الحقيقة دون أن نصير ‘عملاء للصهاينة والإمبريالية’؟

نوري المالكي لم يكن ليغادر مقام السيدة زينب في دمشق ليقيم تحالفا فاسدا في بغداد لولا الإمبريالية الأمريكية ولولا بوش الأب الذي كان يُنظر إليه كشخص يستحق أن يُهدى وكيله بول بريمر نسخة من المصحف وقبلة من بحر العلوم.

نوري المالكي الذي جاءت به ‘معارضة’ لندن وغير لندن مع الجعفري وكل مجموعة الحكم بتدمير البنى التحتية العراقية وهو يطرب على أصوات الصواريخ تدك بلده العراق، والذي لم تهتز ذرة من عراقيته لما كان يجري في البصرة وأبو غريب ونهب تغريب لمدن الجنوب العراقي بتحالفات ميلشياوية فاسدة تلبس اليوم لبوس دولة… هو نفسه المالكي الذي يحاضر بالشعب السوري عن بقاء الأسد أو ‘حرق البلد’، وهو نفسه الذي يتدخل في الشأن السوري مع إيران يحذر من التدخلات الخارجية…

هل سمع نوري المالكي يوما بما يقال: الطغاة يجبلون الغزاة؟

لا أظنه سمع بذلك وهو يعيش في شرنقة المصلحية التي تطلبها طهران فينفذ منقادا بتعريفاته لنفسه رغم كل ما قاله عن ‘الإنسان العربي’ في قمة بغداد قبل أيام. ذلك قبل أن نتبين أن العربي المقصود هو غير السوري.

ما الذي يرغب به هؤلاء الذين جاء بهم غزو أميركي لبلادهم ليصيروا طغاة من نوع يبيع الشعب تقسيما وأوهاما وتغريبا عن عروبتهم؟

بل كيف لنا أن نصدق هذا الحرص على سورية ووحدة شعبها، أكثر من السوريين أنفسهم، من أناس قسموا بلادهم إلى طوائف وقلبوا المفاهيم الوطنية بالانتماء لعباءة طهران؟

يظن هؤلاء أن الشعب السوري الذي استقبل مليون ونصف المليون عراقي لاجئ و600 ألف لبناني هم مجرد قطيع مطيع في مزرعة أسرة عائلة الاسد وتحالفاتها المجتمعية الفاسدة… لكن، لا أظن أن هذا الخطاب الذي يتنكر لمطالب شعب سورية في الحرية والانعتاق هو خطاب يعبر عن شعب العراق ولا بأي حال من الأحوال… بل خطاب فئة خطفت تمثيل العراق المنقسم على ذاته بفعل تذاكي حكامه على بعضهم وشعبهم المسحوق باسم الديمقراطية المتأتية من دبابات وطائرات الأمريكي في نيسان (ابريل) 2003. ولست أظن أن سورية ينقصها هذا النفس الذي يبثه المالكي وأحمد الجلبي ومقتدى الصدر ومعهم لافروف اليوم.

هذا النظام الذي يدافع عنه من يعتبر نفسه في معسكر ‘المقاومة’ ( هكذا) سيكتشف أنه يراهن على نظام يدخل سورية منذ الشهر الأول لثورة الشعب في كل المحظورات:

تدمير منهجي للنسيج الوطني والاجتماعي السوري.

تدمير منهجي حتى لفكرة المقاومة بصيغ تبرر لمن يفترض أنه عدو محتل ليفعل ما يشاء طالما أن الممانع يقتل شعبه وينفي أنه يفعل وبتأييد من أصحاب شعارات رفع الظلم عن المظلوم.

عنف سيؤدي في النهاية إلى عنف لا يمكن التنبؤ بما ستكون نتائجه طالما أن ‘الإنكار’ قائم من طهران لبغداد والضاحية الجنوبية، هذا الإنكار هو الكارثة التي يخاف منها المالكي… وللخروج من الخوف والتخوف أمامه جملة واحدة فقط لا غير: هذا النظام السوري غير شرعي طالما يقتل شعبه.

الإمعان في التخويف الكاذب من مستقبل سورية يتطلب ممارسات وشعارات شبيهة بما يأتي من المالكي فقط للإبقاء على حالة سورية ونظامها كما هو باسم الحفاظ عليها، دون اكتراث لكارثة إنكار حق الشعب السوري في بناء مستقبله الديمقراطي بعيدا عن الأسد والطائفية التي ينشرها ‘الممانع’ ممارسة وشعارا ‘أو نحرق البلد’. التخوف من التدخلات الخارجية التي ينشغل بها المالكي ومن خلفه طهران هي كتخوف المجرم من انفضاح جريمته، فالغارق في الدعم السياسي والمالي واللوجستي بكل أنواعه بدون مواربة لنظام يقتل شعبه باسم محاربة ‘المؤامرة’ سيكتشف لاحقا كم الضرر الذي سينعكس على نظامه حين يسقط هذا النظام… وهو ساقط مهما فعل خامنئي ونجاد والمالكي…

نعم قد تكون دولة العراق تسلمت القمة العربية لكن أي عراق؟ إذا كان المالكي يظن بأن دوره هو فرض الأسد على شعبه بعد كل هذا التدمير والقتل فإن ظنه ليس في محله بالتأكيد… قد يستطيع نظام فاشي السيطرة بالدبابات والتصريحات ‘خلصت’ ولكن الانكسار وقع والدبابة لا تصنع هيمنة ولا هيبة إلا في ميادين المعارك مع عدو خارجي وليس بقصف القلاع والمساجد والكنائس والعمارات.

ليت المالكي يفكر قليلا بأن سورية هي سورية باقية قبل وبعد آل الأسد… وليته يفكر قليلا ومعه نصر الله أن شعبا قدم ما قدم من التضحيات ليس بالشعب القاصر الغير قادر على حكم نفسه بعيدا عن تهويل ما جاء به هؤلاء إلى العراق وكرسوه في لبنان من ديمقراطية طائفية تكرس ما نراه في البلدين… وهو أمر لا يتحمل مسؤوليته الشعبان العراقي واللبناني بقدر ما تتحمله عقلية تجار الحرب والموكلة إليهم مهام تظنها متناقضة بين واشنطن وطهران. وحتى لو استمر المالكي بمحاولة إبعاد الشبهة عن نفسه في إسهامات تكريس حكم فاشي في دمشق فإن هذه الثورة مستمرة ولسبب بسيط جدا يصعب عليه استيعابه: ثورة شعب لم يأخذ إذنا لا منه ولا من واشنطن وعواصم العالم… ثورة انطلقت من تراكمات القهر التاريخي لا يمكن قهرها ولو استمرت سنوات… لكن الأسد لن يتمكن من حكم سورية إلا في تمنيات من ينفقون الوقت والأموال والعتاد والرجال دفاعا عنه وعن مصالحهم. وكان يمكن للعراق ولبنان أن يفاخرا بوقوفهم مع ثورة الشعب السوري لا مع موقف طهران.

‘ كاتب فلسطيني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى