صفحات الناس

آدم السوري.. “المهاجر” من باريس إلى دولة الخلافة/ فادي الداهوك

 

 

منذ اندلاع المعارك في العراق، بين قوات المالكي، ومقاتلي العشائر وتنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، تبدّلت طباع آدم. وعلى الرغم من مقتل شقيقه الأكبر على يد “جبهة النصرة”، أو فصيل يتبع لها، بعد خروجه من فرع أمن الدولة التابع للنظام، إلا أن الشاب ظلّ طبيعياً حتى وقت قريب. يعشق لاعب كرة القدم زين الدين زيدان، ويحتفظ بصوره. لكنه فجأة، غادر باريس، وهو الحاصل على لجوء إنساني فيها.

كان لإعلان تنظيم “الدولة” إقامة “الخلافة الإسلامية”، وقراره بإزالة حدود سايكس-بيكو، وقع خاص على آدم، ابن دير الزور. منذ ذلك الوقت صار يرد على التحية: مرحبا، بـ”وعليكم السلام”. وأصبح الحديث معه يحتاج إلى جمل تخلو من أي كلمة قد تزعجه. فهو الآن آدم جديد، غير الذي كان يتسكّع في الشانزليزيه.

لا يبوح آدم عن مكان تواجده حالياً. ويؤكد أنه ليس في دير الزور، لكنه قريباً سيكون هناك، وسيذهب إلى العراق، والسبب هو “شغل مع الدولة الإسلامية ان شاء الله”. وهنا يحتدّ قليلاً عند سؤاله عن مدى إيمانه بـ”الدولة الإسلامية” فيجيب “لا أستطيع نقاشك بمنهج الدولة الاسلامية حالياً، بسبب جهل لي في بعض المواضيع. احتاج إلى إنهاء الدروس الفقهية، والمعسكر الشرعي، وبعدها أستطيع إجابتك ومناقشتك. أنت وغيرك”. ويكتفي بالإجابة عن السؤال حول أفعال التنظيم في حلب والرقة وإدلب وممارساته بحق المدنيين وعناصر الجيش الحر بالقول “الله المستعان”.

يعترف آدم أنه تغير كليّاً. قبل انطلاق الثورة السورية، كان يدرس البرمجة والتسويق الإلكتروني. وكان مواظباً على تعلم اللغة الألمانية لرغبته في السفر إلى ألمانيا ومتابعة دراسته هناك. كان مولعاً في الفيزياء، وعمل مع جامعة حلب ومنظمات دولية. كما أنه كان مجاهراً بالحدود المعرفية والعلمية التي وصل إليها، بزعمه أنه أسقط شرطاً من نظرية أينشتاين في الفيزياء النسبية. وله اختراع في مجال الطاقة البديلة، كان يملك كل المال اللازم لتحقيقه، ولأنه يعيش في كنف “دولة البعث”، فقد قضي على الاختراع.

قصّة آدم مع النظام السوري قديمة. أول اعتقال له جرى في المدرسة، عندما كان في الصف العاشر من مرحلة التعليم الثانوي. وعموماً هي قصة ليس من الغريب أن تحدث في كنف “الدولة البعثية”. لكن ما يثير الدهشة أنه كان قابلاً للاقتناع بكلام “الشيخ الغامدي”، أو “الشرعي السعودي”، الشرعي العام لتنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” بدير الزور.

بداية قصّته مع ذلك الشرعي، كانت في تدخله لحل أزمة صحافيين، قامت “الدولة” باختطافهم في دير الزور. فتدرّج في التوسط لدى من يعرفهم من أبناء مدينته، الذين أصبحوا قادة في “الدولة الإسلامية”، فوصل إلى أحد أعضاء مجلس شورى العراق، ثم إلى أبو محمد، شقيق والي دير الزور المعروف باسم أبو دجانة، إلى أن وصل أخيراً إلى أحد كبار قادة التنظيم “الشيخ الغامدي” فحلّ أزمة الصحافيين وتم الإفراج عنهم. الحديث المطول مع الشيخ الغامدي دفع إلى عقد لقاء مباشر بينهما، لتظهر النتائج لاحقاً في مناصرة آدم للتنظيم، ليس بمعنى المؤيد، إنما بمنطق الجاهل لمنهج “الدولة الإسلامية”، حيث يسمّى الشبان الذين يدخلون معسكرات شرعية ويتلقون دروساً فقهية بـ”المناصرين”، ريثما ينظر “المجاهدون” في أمرهم بعدما يتخرجون من المعسكرات.

من يعرف آدم، يتهمه بأن اصطفافه مع تنظيم “الدولة” هو لمجرد أنها ضد “جبهة النصرة”، التي قتلت شقيقه. “كل الناس يقولون هيك.. الحمدلله انو كشفت الحقيقة بعدما عانيت من الحياة، حتى سئمت منها”. لكن أي حقيقة؟.. “أنني كنت على باطل”، يجيب آدم. ويؤكد أنه لا يملك أي طموح الآن في متابعة ما وصل إليه من مكانة علمية.

تغيّر آدم. ولم يعد عدو “جبهة النصرة” اللدود في مشروعها الجهادي، أو محرّضاً للفصائل العسكرية على ترك “النُصرة” والعودة إلى المجلس العسكري التابع للجيش السوري الحر. ولم يعد مصدراً للعديد من وسائل الإعلام، وصاحب وثائق ملف الثروات والنفط الذي لاحقته النصرة بسببه. هو الآن عدوّهم لمعارضتهم قيام “الخلافة الإسلامية”. هو فقط آدم، أحد رعايا “دولة الخلافة”.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى