صفحات الناس

2229 نازحاً سورياً لـ«الهجرة» من لبنان

 

 

 

آلاف ينتظرون حياة جديدة

مادونا سمعان

نزح 2.9 مليون سوري منذ اندلاع الحرب في سوريا في العام 2011، لم يجد هؤلاء ملجأ لهم إلا في الدول المحيطة بمناطقهم المشتعلة. مكثوا فيها ظانين أن النيران ستنطفئ عما قريب، لكن أعواماً ثلاثة مضت من دون أمل بالعودة. فكرّ البعض في الرحيل عن المنطقة المتأججة، إلى حيث مستقبل أفضل لأبنائهم، لكن للجوء قواعدَ وقوانين توصد أبواب الدول المتقدّمة في وجه من فقد البيت والأرض وحتى الأحباب، أكثر مما تفتحها. تبقى الأرقام خير دليل على أن العمل للعودة أقرب إلى التحقيق من السعي للرحيل: أوروبا لم تستقبل إلا نحو 120 ألف سوري منذ اندلاع الحرب في آذار 2011. ولبنان لم يصدّر من النازحين إليه أكثر من 5 آلاف من أصل أكثر من مليون يعيشون على أراضيه.

تشير الناطقة باسم «المفوضية العليا لشؤون اللاجئين» في لبنان جويل عيد إلى أنه يتم توطين السوريين من لبنان في بلدان ثالثة وفق برنامجين أو آليتين. الآلية الأولى هي التي تعتمدها المفوضية منذ إنشائها والتي تخضع للكوتا والمعايير التي تطلبها البلدان المستضيفة سنوياً، «فيتم إجراء مقابلة مع طالب اللجوء للتأكد من صفته كلاجئ ومطابقته للمعايير المطلوبة. وتتعلق المعايير في الغالب بالفئات العمرية أو توطين عائلات أو غيرها من المسائل التي لا ترتبط بالدين». وبالطبع العرض أقل بكثير من الطلب، فوفق عيد هناك الآلاف ممن ينتظرون حياة جديدة، «لكنّ الكوتا المخصصة للسوريين في لبنان هذه السنة ليست إلا 2229 لاجئاً، يتم توطينهم في بلدان مختلفة من العالم، ومعيار الانتقاء في الغالب هي الحالات الأكثر ضعفاً».

ولأن المعيار هو الأكثر ضعفاً، تجد المفوضية نفسها أمام وضع حذر وحساس خلال مرحلة الاختيار، التي تليها مرحلة درس الملف من جانب الدول المستضيفة قبل توطين أي لاجئ.

ولأن الأزمة السورية خلّفت 2.9 مليون لاجئ، لجأوا في غالبيتهم إلى دول الجوار، أنشأت المفوضية برنامج «هاب» (Humanitarian admission program HAP). تهدف من خلاله إلى مشاطرة الأعباء مع الدول التي تتحمل أعباء النازحين. وقد طرحته المفوضية امام بلدان كثيرة «أبدت استعداداً لاستضافة نازحين، لكن فعلياً كانت ألمانيا هي الوحيدة التي وضعت كوتا من 5 آلاف نازح سوري وبدأت باستضافتهم منذ أيلول 2013 بحسب معايير تعزز حظوظ من لديه عائلة في ألمانيا والطلاب وأصحاب المهارات لصقلها والاستفادة منها في عملية إعادة إعمار سوريا عند العودة، بالإضافة إلى الحالات المستضعفة»، وفق عيد.

ولعلّ الكوتا الألمانية تبقى بعيدة كثيراً عن الرقم الذي تطمح إليه المفوضية من خلال هذا البرنامج وهو «استضافة 100 ألف لاجئ من منطقتنا في دول أخرى». وهو الرقم الذي أثار لغطاً منذ مدة بحيث فهم أنه توطين 100 ألف سوري في البلدان المحيطة بسوريا.

فعلياً، ينتهي دور المفوضية ما إن تطأ قدما اللاجئ أرض الدولة المضيفة. لكن بين تقديم طلب اللجوء وإعادة التوطين مرحلة انتقالية تتولاها «المنظمة الدولية للهجرة»، تبقى خلالها المفوضية مسؤولة عن اللاجئ.

يشرح مدير العمليات فيها بيار كينغ أن لا دور للمنظمة في اختيار اللاجئين المرشحين لإعادة التوطين «بل هي تعمل على تقديم المشورة للحكومات في هذا المجال وتتولى مساعدة اللاجئين قبيل سفرهم من خلال تنظيم محاضرات وتدريبهم على الحياة في البلد المضيف وتأمين الأوراق الثبوتية الضرورية لهم قبيل المغادرة وغيرها من الأمور اللوجستية».

ويشير إلى أن دولاً أوروبية كثيرة استضافت أعداداً من السوريين، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الاميركية وأستراليا كل وفق معاييرها، من خلال تقديم الطلبات عبر «المفوضية العليا للاجئين». ووفق أرقام المنظمة فإن عدد السوريين المغادرين من لبنان إلى فنلندا بلغ 280 شخصاً، وإلى فرنسا 160، وإلى سويسرا 140، وإلى بريطانيا 140، وإلى النروج 300، وإلى الدنمارك 300، وإلى النمسا 200 (600 من المنطقة)، وإلى السويد 300، وإلى هولندا 140. وتستقبل أستراليا نحو 700 لاجئ سوري والأوروغواي 120، بينما اختارت إيرلندا استقبال بعض الحالات الطبية الصعبة. ما يعني هجرة أكثر من 2700 لاجئ سوري من لبنان، خلال هذه المرحلة.

وإذ تبقى أرقام المغادرين إلى الولايات المتحدة الأميركية غير معروفة، يلفت كينغ الى أن ألمانيا سوف تستقبل نحو 10 آلاف لاجئ سوري في المرحلة المقبلة من المنطقة. ويؤكد أنه من ضمن برنامج «هاب» ساعدت المنظمة 3600 لاجئ سوري قبيل الهجرة إلى ألمانيا، فخصصت لهم 19 رحلة خاصة منذ أيلول 2013، ومن المتوقع أن تغادر آخر رحلة يوم 14 آب الجاري وعلى متنها 200 لاجئ. ومن المتوقع أن تستقبل ألمانيا 300 لاجئ آخرين قدمت ملفاتهم إليها «مؤسسة كاريتاس»، على أن يغادروا مطار بيروت يوم 14 أيلول المقبل. ويكون بذلك عدد السوريين المغادرين من لبنان إلى ألمانيا 4100 لاجئ. ويوضح كينغ في هذا الإطار أن عدداً آخر من اللاجئين قدموا ملفاتهم مباشرة إلى السفارة الألمانية وليس عبر المفوضية في إطار عملية لمّ الشمل.

خلال دورات الإعداد للهجرة يسأل اللاجئون أسئلة كثيرة عن البلد المضيف، «يكون للبعض آمال عالية»، يقول كينغ «بينما يبدو آخرون خائفين من المصير المجهول ويسألون عن اللغة والمجتمع ومدى تقبّله للحجاب. ويكون علينا أن ننقل الواقع إليهم كما هو. فأنا لا يمكنني أن أعدهم بعمل في فرنسا وهناك 3 آلاف عاطل من العمل فيها. ولا يمكنني أن أخفي عنهم واقع العلمانية في مختلف المجتمعات المضيفة».

يلاحظ كينغ، كما عيد من خلال عملها في المفوضية، أن السوريين يفضلون العودة إلى ديارهم، إلى أرضهم وبيتهم، على الهجرة إلى بلاد غريبة مهما قدّمت لهم من فرص. وهم حتى لو تقدموا بطلب للهجرة، يتباحثون في ما بينهم كأفراد عائلة قبل المضي إلى حياة جديدة.

ويلفت كينغ إلى أن الدول لا تلتزم بمعايير واحدة وثابتة في ما خصّ التقديمات للمهاجرين الجدد، «هناك طبعاً حدّ أدنى كالتقديمات الصحية والتعليم والمسكن. لكن الضمان الاجتماعي غير مؤمن في البلدان كلها، بينما يقدم القليل منها تأميناً صحياً بينما يتساوى في بعضها اللاجئ بالمواطن، باستثناء الحق في التصويت».

يدرك كينغ أنه ليس من السهل أن يختار الإنسان، حتى ولو كان لاجئاً، مصيراً جديداً في بلد بعيد عن الديار، لكنّه يؤكد أن الشباب والأطفال حين يكبرون غالباً ما يشكرون أهلهم على تلك الخطوة، وهذا ما تشير إليه صفحته عبر الفايسبوك التي تضمّ أصدقاء كثراً أعيد توطينهم ذات يوم.

من جهة أخرى، تدرك عيد أن أعداد اللاجئين السوريين الذين يعاد توطينهم من لبنان أو غيره من المنطقة لا يشكل نقطة في بحر أعداد من نزحوا من سوريا إلى البلدان المجاورة.

4 % من2.9 مليون لاجئ إلى أوروبا

قبل نحو شهر من اليوم حثت «المفوضية العليا لشؤون اللاجئين» الدول الأوروبية على استقبال أعداد من النازحين السوريين استجابة للأزمة السورية. وطالبتها بإجراءات لجوء عادلة وفعّالة، وتوفير شروط استقبال مناسبة، كما التبنّي الفاعل لتدابير أخرى قادرة على تأمين الحماية والأمان للاجئين الفارين.

توضح المفوضية أنه منذ بداية الحرب في سوريا في آذار 2011 لجأ نحو 123600 سوري إلى أوروبا، من بينهم 112170 شخصاً إلى الاتحاد الأوروبي والنروج وسويسرا. ما اعتبرته المفوضية أرقاماً ضئيلة بالمقارنة مع عدد اللاجئين من سوريا، الذي وصل إلى 2.9 مليون شخص في الدول المجاورة لسوريا، «ما يعني أن 4 في المئة فقط لجأوا إلى أوروبا باستثناء تركيا، منذ بداية النزاع». وتشير أرقام المفوضية إلى تضاعف طلبات اللجوء إلى أوروبا، إذ ارتفعت من 6400 طلب في العام 2011، إلى 23400 طلب في العام 2012، فـ51500 في العام 2013، ليسجل 30700 طلب لجوء بين كانون الثاني وايار من العام الجاري. وقد أُرسل إلى الســــويد وألمانيا وبلغاريا وسويسرا وهولندا 70 في المئة من الطلبات، كانت حصة السويد وألمانيا وحدهما منها 56 في المئة.

وسجّلت المفوضية ارتفاع أعداد السوريين الوافدين إلى أوروبا عبر البحر في العام 2013، حيث تمّ إنقاذ عدد منهم في البحر المتوسط (11307 في إيطاليا وحدها في العام 2013). ووفق ما رصدته «يصل عدد كبير من السوريين إلى كثير من الدول الأوروبية بغية إكمال سفرهم إلى وجهات أخرى». وهذا إما بسبب شروط الاستقبال غير المناسبة وإما لصعوبة الوصول إلى إجراءات اللجوء، بالإضافة إلى الروابط العائلية والتوقعات التي يتصوّرونها حول الحصول على المساعدات والاندماج في المجتمع.

وسجّلت، في المقابل، ممارسات تثير قلقاً، ومنها: «صدّ اللاجئين عند الحدود البرية والبحرية. الأمر الذي جرى الإبلاغ عنه في بلغاريا، وقبرص، واليونان، وإسبانيا، وألبانيا، ومونتينيغرو، وروسيا، وصربيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى الوصول البطيء إلى إجراءات اللجوء الفعالة وشروط الاستقبال غير المناسبة، وتكدّس إجراءات اللجوء، والعوائق أمام لمّ شمل العائلة، والنقص في التعرّف إلى طالبي اللجوء الأكثر ضعفاً ومساعدتهم واللجوء إلى الاحتجاز». ما أدّى بها إلى مطالبة الدول الأوروبية بتطبيق استجابة شاملة انطلاقاً من مسؤوليات تلك الدول بموجب القانون الدولي والإقليمي، مشجعة إياها على دراسة احتمالات إعادة التوطين، وبرامج القبول وفق الحاجات الإنسانية والرعاية الخاصة أو اللجوء إلى برامج قانونية أخرى كتأشيرات الدراسة والعمل.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى