صفحات العالم

4 إشكاليات تواجه الاستراتيجية الأمريكية في سوريا

 

 

 

مروة هاشم

في مقال تحليلي مطول، نشره موقع دايلي بيست الأمريكي، انتقد الباحث تشارلز ليستر الاتفاق الروسي- الأمريكي الأخير بشأن مناطق تخفيف التصعيد في سوريا، مشيراً إلى أن نهج إدارة ترامب “قصير الأمد” و”أسوأ” من إدارة أوباما؛ حيث أن هذا الاتفاق يضمن استمرار الصراع وعدم الاستقرار ويدعم تنظيم القاعدة ويجعل إيران الفائز الأكبر.

على الولايات المتحدة حماية التقدم المحرز في المناطق التي تدخلت لتحريرها، وذلك من خلال الحفاظ على استقرارها وحماية سكانها من التطرف وغيره من أشكال العدوان في مستهل مقاله، يشير الباحث إلى أن المبادئ الأساسية التي تقوم عليها السياسة الجديدة لإدارة ترامب إزاء سوريا تتمثل في أن السبب الوحيد لوجود الولايات المتحدة في سوريا هو محاربة داعش فقط لا نظام بشار الأسد رغم ارتكابه للعديد من الجرائم. وعلاوة على ذلك تعترف السياسة الأمريكية بأن روسيا قد استثمرت بكثافة في سوريا وأن اقتراحها بإنشاء “مناطق تخفيف التصعيد” هو أفضل مسار للمضى قدماً نحو ضمان الاستمرار.

غطاء دبلوماسي لانتصار الأسد

ويقول الباحث: “ولكن دعم القوات الأمريكية لشركائنا السوريين في هجوم واسع على الرقة التي يسيطر عليها تنظيم داعش يكشف عن الجانب الآخر للسياسة الأمريكية في سوريا والذي يتضح من خلال دعمنا الدبلوماسي لاتفاق وقف إطلاق النار بوساطة روسية ودورنا المباشر في التفاوض مع طرف واحد في جنوب غرب سوريا”.

فعلى الرغم من أن تخفيف التصعيد في حد ذاته هو حالة ضرورية للغاية لأسباب إنسانية، فإن الولايات المتحدة، بحسب الباحث، تقدم تغطية دبلوماسية لما يمكن اعتباره، من جميع النواحي، الآلية الإستراتيجية الأكثر أهمية بالنسبة لروسيا لضمان إحراز الأسد لانتصار ممنهج من خلال تجميد انتقائي للخطوط الأمامية لكي تتفرغ القوات الموالية لنظام الأسد للقتال في أماكن أخرى.

توطيد سياسة أوباما

وبموجب الاتفاق الذي توصل إليه الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، خلال قمة العشرين الأخيرة في هامبورغ بألمانيا الأسبوع الماضي، تتحمل الولايات المتحدة والأردن مسؤولية إجبار جماعات المعارضة على وقف القتال، بينما ستضمن موسكو التزام نظام الأسد وإيران والميليشيات المدعومة من إيران بوقف إطلاق النار.

وينتقد الباحث إدارة ترامب التي أخفقت في الاستفادة من التاريخ الحديث في سوريا؛ حيث أن مثل هذه الاتفاقات تقود فقط إلى استقرار “قصير الآمد” لصالح طرف واحد على حساب الأطراف الآخرى، مشيراً إلى أن هذا الاتفاق ليس إستراتيجية جديدة وإنما هو توطيد للسياسة التي وضعها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الذي دأبت إدارته على المطالبة برحيل الأسد ولكنها لم تسع أبداً بجدية لتحقيق ذلك.

استراتيجية أمريكية “قصيرة الأمد”

ويؤكد الباحث أن إقرار الولايات المتحدة بأن أهدافها في سوريا “محددة” يُعد بمثابة اعتراف فعلي بهزيمة الولايات المتحدة أمام روسيا وإيران، ولم تعد “الولايات المتحدة تقود من الخلف” وإنما باتت اليوم تتابع فقط من الخلف.

ويقول الباحث: “تتمثل أبرز نقاط ضعف الاستراتيجية الأمريكية في سوريا أنها قصيرة الأمد، وربما لا تتوافر لدى الولايات المتحدة مصالح وجودية في سوريا، ولكن لدينا رهان الآن من خلال التدخل ضد داعش وإرسال قوات برية، وإذا كانت مصالح الولايات المتحدة محدودة ويهيمن عليها مكافحة الإرهاب، فإننا نحتاج إلى استباق التهديدات بدلاً من الرد عليها بعد تطورها ونضجها”. ويحدد الباحث أربع إشكاليات رئيسية تواجه الإستراتيجية الأمريكية إزاء سوريا في الوقت الراهن.

الإشكالية الأولى: بقاء الأسد وصعود القاعدة

تتمثل الإشكالية الأولى في أن تعمد الولايات المتحدة لقصر دورها على مكافحة الإرهاب، وهذا يعني استمرارها في معالجة أعراض الأزمة بطريقة غير منطقية، وفي الوقت نفسه السماح ببقاء السبب الحقيقي للأزمة؛ وهو نظام بشار الأسد المعروف بوحشيته والذي قتل قرابة نصف مليون شخص منذ رفضه النظر في المطالب السلمية للمعارضة بإجراء الإصلاحات السياسية في عام 2011، فضلاً عن استخدامه للاسلحة الكيماوية والفظائع الأخرى التي ارتكبها النظام ومنها التعذيب وقتل المدنيين والأطفال.

ويحذر الباحث من أنه أيا كان الشكل الذي سيكون عليه داعش مستقبلاً فإن التنظيم الإرهابي سوف يستفيد بلا شك من عدم الاستقرار المستمر في سوريا، ولكن تنظيم القاعدة سيكون الفائز الأكبر؛ إذ من خلال وجود القاعدة في سوريا، نجح أفراد التنظيم في دمج أنفسهم بعمق داخل الحركة المناهضة لنظام الأسد، ومن هذا المنطلق، سمحت الولايات المتحدة ببقاء الأسد، ومن ثم انتصار روسيا وإيران، الأمر الذي سوف يقود على الأرجح إلى صعود تنظيم القاعدة.

الإشكالية الثانية: الأكراد وقمع نظام الأسد

وتبرز الإشكالية الثانية في أن الولايات المتحدة لا تبدو مستعدة للاستثمار في جهود تحقيق الاستقرار الطويل الآمد في الأراضي التي يتم استعادتها من سيطرة داعش، وبدلاً من ذلك يتم نقل القرارات المحلية إلى شركاء الولايات المتحدة المحليين (قوات سوريا الديمقراطية التي تتألف بصورة رئيسية من وحدات حماية الشعب الكردية).

وينوه الباحث إلى العلاقة الغامضة ما بين قوات سوريا الديمقراطية ونظام الأسد؛ إذ يتشاركون السلطة في بعض المناطق، وثمة تنسيق عسكري بين الجانبين في أماكن أخرى، ومع ذلك لا يستبعد مسؤولون كبار بالإدارة الأمريكية أن يقوم نظام الأسد في نهاية المطاف بإعادة ترسيخ نفوذه في المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، ولن يُمثل ذلك مشكلة بالنسبة إلى السياسة الأمريكية. ولكن في ظل سجل انتهاكات حقوق الإنسان التي وثقها الأكراد ورفض تنوع الأحزاب السياسية، فإن عودة نظام الأسد في المناطق التي حررت من داعش يتناقض مع جميع القيم والأخلاقيات التي تدعمها الولايات المتحدة، وسوف يقود إلى تعزيز الأسباب التي أدت إلى ظهور جماعات إرهابية مثل داعش في المقام الأول.

الإشكالية الثالثة: لا سيطرة على سلوك الأسد وإيران

وتتضح الإشكالية الثالثة في أن استعداد الولايات المتحدة لدعم المبادرة الروسية لإنشاء “مناطق تخفيف التصعيد” في سوريا (سواء علانية أو سراً) يدل على توافر بعض الثقة في نوايا روسيا وقدرتها على تحقيق الهدوء، وأن الولايات المتحدة قد تجاهلت اخفاق روسيا في تأمين وقف إطلاق نار واحد محايد وهادف ودائم منذ تدخلها في سوريا قبل عامين.

ربما ترغب روسيا فعلاً في تحقيق الهدوء في بعض المناطق، ولكنها تفعل ذلك من أجل تعزيز قبضة نظام الأسد فقط، ولا دليل على أن موسكو لديها النفوذ اللازم للسيطرة على سلوك الأسد وإيران. ومن المستبعد أن تكون مناطق تخفيف التصعيد الروسية آليات دائمة للاستقرار، وعندما تمنح الولايات المتحدة تلك المناطق فرصة للنجاح، فإن هذا يعني أن الولايات المتحدة تشجع بقاء نظام يحول دون عودة قرابة 6 ملايين لاجىء إلى سوريا، فضلاً عن المحافظة على استمرار دوافع الصراع والراديكالية والانقسامات التي كانت قائمة منذ عام 2011.

الإشكالية الرابعة: النفوذ الإيراني في المنطقة

أما الإشكالية الرابعة فهي أن انتهاج الولايات المتحدة لاستراتيجية محدودة لمكافحة الإرهاب والقبول الضمني لانتصار نظام الأسد يعني أن إيران قد حققت انتصاراً إستراتيجياً كبيراً؛ فعلى مدار السنوات القليلة الماضية استغل الحرس الثوري الإيراني عدم الاستقرار من أجل إقامة شبكة كبرى ومعقدة من الميليشيات الشيعية في الشرق الأوسط. واليوم قد تمارس إيران نفوذاً سافراً، إن لم يكن سيطرة فعلية، على أكثر من 230 ألفاً من الميليشيات في سوريا والعراق ولبنان، من بينهم 150 ألفاً في سوريا فقط.

 

وإلى ذلك، بحسب الباحث، يتحقق الطموح الإستراتيجي الإيراني الطويل الأمد من خلال تقويض النفوذ الإمريكي في الشرق الأوسط وتشكيل تهديد خطير لإسرائيل، وقد أشار حسن نصر الله، زعيم حزب الله، إلى هذا الانتصار في 23 يونيو (حزيران) الماضي عندما أعلن أن الحرب المقبلة مع إسرائيل ستعزز بـ آلاف إن لم يكن مئات الالاف من المقاتلين من مختلف أنحاء المنطقة.

وعلى الرغم من أن اتفاق تخفيف التصعيد الأخير في جنوب غرب سوريا يقضي بانسحاب الميليشيات المدعومة إيرانياً من الأراضي المتاخمة لإسرائيل، فإن لطهران تاريخاً في سحب أصولها من المنطقة بسبب الضغط الخارجي قبل أن تتسلل إليها مرة أخرى عندما تسمح الظروف، ومن ثم فإن لا شيء يدعو للاعتقاد أن سلوك إيران سوف يختلف في هذه المرة.

نهج طويل الأمد

وفي ختام مقاله، يحض الباحث الولايات المتحدة على حماية التقدم المحرز في المناطق التي تدخلت لتحريرها، وذلك من خلال الحفاظ على استقرارها وحماية سكانها من التطرف وغيره من أشكال العدوان، وتهيئتها لإعادة الإعمار والحكم المحلي الذي من شأنه أن يقود إلى واقع بديل عن نظام الأسد، الذي لا توجد لدى الولايات المتحدة مصلحة في تغييره بالقوة. وعلاوة على ذلك، يتعين على الولايات المتحدة الإسراع بانتهاج سياسة طويلة الآمد إزاء سوريا تقوم على التزام مستمر وحقيقي بفكرة التفاوض على تسوية تشمل أكبر قدر ممكن من المعارضة السورية، وبخاصة لأن التمسك برؤية قصيرة الأمد (التي يتم اتباعها اليوم) يعرض الولايات المتحدة للمخاطرة بالتدخل مرة أخرى في سوريا بصورة أعمق حينما تتفاقم العواقب، وحينها ستكون الخيارات محدودة أكثر وتنطوي على مخاطر تفوق ما نشهده اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى