صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت جنيف 2

“جنيف – 2” والولادة المستعصية!/ عرفان نظام الدين *

أي حديث عن معجزة ستخرج من «جنيف – 2» سيكون ضرباً من الخيال، بل إن أي كلام عن إنجازات أو نتائج إيجابية أو حلول سحرية ما زال سابقاً لأوانه أو في حكم المحال، فالترتيبات ملتبسة والتحضيرات عبثية والدعوات فضفاضة وجدول الأعمال متناقض، وكل ما عدا ذلك سراب في سراب.

فقد كان من المنطقي أن تجري سلسلة لقاءات واجتماعات تمهيدية وتشكيل لجان مشتركة تبحث مختلف التفاصيل وتحاول أن تتوصل إلى الحد الأدنى من نقاط البحث والنقاش، بينما الواقع يدلنا على أن من يقوم بالتحضير لا هم له سوى غسل يديه من دماء السوريين وإيهام الناس أنه أدى دوره إلى العلى وبذل جهداً لإيجاد حلول عرقلها الآخرون.

ويبدو واضحاً الآن أن مؤتمر «جنيف -2» إن عُقد سيتم إجهاضه وهو جنين، أو أن يموت وهو ما زال في مهده بعد ولادة متعثرة ومستعصية يشترك في ارتكاب جريمتها كل الأطراف بعد أن تركوا الشعب السوري وحيداً وشاركوا في تدمير بلد حضاري في مواقف مذلة تتراوح بين اللامبالاة والشماتة والتشفي وصب الزيت على النار وغياب الوجدان والضمير لدى ما يسمى زوراً وبهتاناً الرأي العام العالمي وقياداته الجوفاء.

وزاد في هول الحدث عقلية البعد من الواقع وتجاهل حجم المأساة والالتفات إلى قضايا ثانوية: مثل: من سيحضر، ومن دعي ومن لا يدعى، ومن يجب أن يشارك ومن لا يشارك.

هل من المعقول أن نرى شلالات الدم تغمر البلاد وجحافل اللاجئين والنازحين تتعاظم، والأطفال يموتون جوعاً وبرداً ثم نسمع أن المؤتمر ستشارك فيه أكثر من 25 دولة، ما يعني أن القضية ستضيع بين أرجل الوفود وتتحول من ألفها إلى يائها مسرحية مضحكة مبكية، أو حفلة خطابية تتبارى فيها الدول في تدبيج الكلام والدجل والنفاق والمزايدات الخطابية، بينما نحن لا ننسى أن هذه الدول نفسها هي التي تركت سورية تغرق في بحر من الدماء وتغمر بجبال من الدمار والأطلال لأكثر من ثلاث سنوات.

هذا من حيث الشكل، أما من حيث الجوهر، فإن أسباباً كثيرة تدفعنا إلى توقع تحويل المؤتمر، إن عُقد في موعده، مجرد مناسبة للكلام وتضييع الوقت والادعاء بالسعي إلى عمل شيء أو بذل جهد لحل هذه المعضلة المتشابكة والمعقدة، والتي تحولت حالة صراع عربي– إقليمي– دولي.

ومن بين الأسباب الجوهرية الداعية إلى توقع الصعوبات وحقول الألغام وأسباب الفشل، ولو عمل القيمون على تأجيله والادعاء بوجود أمل جديد وانتظار تحرك آخر في زمن ما، يوماً ما أو شهراً ما أو سنة ما، أن الجراح تهدأ وتنام وعمر الجرح السوري أطول من الأيام؟

ومن الأسباب الأخرى عدم توافر الإرادة الدولية الحقيقية لإنهاء المأساة السورية، فالاتصالات بين الدول الكبرى تجري في السر، وبعضها في العلن، وكلها يدور حول تبادل المصالح والمنافع وعقد الصفقات وتأمين مصالح إسرائيل وأمنها عبر نزع السلاح الكيماوي من سورية ونزع السلاح النووي من إيران نتيجة الاتفاق الذي عقد أخيراً لحل مسألة الملف النووي الإيراني، وينتظر أن يستكمل رسم خطوطه النهائية بعد انتهاء فترة الأشهر الستة.

هذا من دون أن ننسى ما يعقد من صفقات مختلفة تتناول السلاح والنفط والغاز وإعادة تركيب خريطة مناطق النفوذ الأجنبي بعد انتهاء حقبة «معاهدة يالطا» والاتفاق على ضرورة تجديد عقودها وتفاهماتها على حساب شعوب المنطقة ومصالحها وثرواتها وأرواح أبنائها.

أما الأسباب العملية الداعية إلى عدم توقع نتائج إيجابية لمؤتمر «جنيف – 2» فهي كثيرة، من بينها على سبيل المثال لا الحصر:

• عدم بذل أي جهد لوقف نزيف الدم، أو على الأقل إعلان هدنة خلال فترة انعقاد المؤتمر كبادرة حسن نية، ففي أي حدث عالمي وأي جهد بعد نشوب حرب، يتم التركيز على مفاوضات لوقف إطلاق النار، إلا في الشأن السوري تُرك هذا الموضوع الحيوي من دون بحث ومن دون تقديم أي تفسير أو تبرير.

• لو فرضنا جدلاً أن وقف إطلاق النار صعب، فلماذا لا يتم التركيز على القضايا الإنسانية مثل محنة اللاجئين ومعاناتهم وقضايا النازحين وتأمين وصول المساعدات الإنسانية والطبية والغذائية كخطوة أولى ضرورية في طريق السلام الطويل المحفوف بالأخطار وبحقول الألغام.

• عدم عقد لقاءات تمهيدية بين أطراف النزاع بمشاركة رعاة المؤتمر، إلا إذا كان المطلوب هو وصول الوفود إلى قاعة الجلسات «صم بكم عمي لا يعمهون» ولا يعرفون ماذا سيبحثون، فتتحول القضية من محاولة إيجاد حل سلمي للأزمة إلى ساحة للخطابات وربما تبادل الاتهامات… والشتائم ورمي المسؤولية على عاتق الآخرين.

• عدم الاتفاق على صيغة الدعوات، والدول المدعوة، ولا سيما بالنسبة إلى إيران وسورية وروسيا، التي تصر على المشاركة، بينما المعارضة تقف ضدها، على اعتبار أنها طرف أساسي وتدعم أطرافاً تشارك فعلياً في المعارك.

• حتى هذه الساعة لا توجد بارقة أمل في الاتفاق لأسباب كثيرة، أهمها عدم وجود أي اعتراف متبادل بين الطرفين، أي النظام السوري والمعارضة، فالدولة تعتبر المعارضين مجرد جماعات مسلحة وإرهابية ستتمكن من القضاء عليها بالحل العسكري، بينما لا تعترف المعارضة بالنظام وتطالب بإسقاطه وعدم مشاركته في إدارة المرحلة الانتقالية، مع الأخذ بعين الاعتبار قرب حلول موعد الاستحقاق الرئاسي بعد انتهاء ولاية الرئيس.

• الاختلاف الكامل في تفسير بنود اتفاق «جنيف – 2»، ولا سيما ما يتعلق منها بالمرحلة الانتقالية ودور الرئيس بشار الأسد وشكل الحكومة الانتقالية وصلاحياتها، فمن الصعب، إن لم يكن مستحيلاً إيجاد قاسم مشترك بين الموقفين، فالمعارضة تذهب إلى جنيف وهي تظن أنها ستنال حق تشكيل حكومة تدير المرحلة الانتقالية، بينما يذهب النظام بقرار حاسم يقول انه سيبقى، ويفسر «جنيف – 1» على هذا الأساس.

• وجود تعقيدات كبيرة وعقبات صعبة الحل في مجريات المؤتمر وقدرات الوفود المشاركة في التأثير على قوى دخلت إلى الساحة وصارت جزءاً من المشكلة ومن الصعب أن تكون جزءاً من الحل، مثل المنظمات المتشددة والموصوفة بالإرهاب، مثل «داعش» و «جبهة النصرة»، يقابلها في القاطع الآخر «حزب الله» و «أبو الفضل العباس» والحرس الثوري الإيراني، فلو فرضنا جدلاً أن الاتفاق قد تم على وقف إطلاق النار أولاً، من الذي سيفرض على هذه القوى الالتزام؟ ومن سيشرف على التنفيذ؟ كما أن المعارضة لم توحد صفوفها، وهناك حاجة إلى التنسيق بين «الائتلاف الوطني» و «الجيش الحر» و «الجبهة الإسلامية» والفصائل الأخرى، وإلا فإن أي اتفاق سيكون مجرد حبر على ورق، مع العلم أن الاتفاق مستحيل، لأن النظام أعلن سلفاً أنه لن يذهب إلى جنيف لتسليم السلطة إلى المعارضين أو إلى التخلي عن صلاحياته.

وهذا غيض من فيض المشاكل والعقبات والعراقيل التي لا توحي بالخير ولا تبشر باتفاق إلا إذا حصلت معجزة ما… وهذا مستحيل. ومن المرجح أن تتحول الجلسات إلى حفلات خطابية يدلي كل من هب ودب بدلوه ثم ينفرط عقد الاجتماع ويتفرق العشاق بعد أن غسلوا أيديهم من دم السوريين، فكل ما يحضّر في «جنيف – 2» باطل وغير مجد إلا إذا اعتبرنا أن مجرد انعقاده هو خطوة على طريق الحل، أو هو اعتراف بوجوب الحل ولو بعد حين، لتكون سورية قد دمرت بالكامل ولم يعد فيها مجال لعقد «جنيف – 3» ولا «جنيف 2000». وحتى نكون عمليين، فإن أي حل لا يتم إلا بالتخلي عن العناد وقبول تقديم تنازلات للوصول إلى حل وسط، وهذا مطلوب من طرفي الأزمة، وفي المقابل، لا بد من توافر قرار دولي حازم بإنهاء المأساة ووقف نزيف الدم، وعندما يتم ذلك يمكن القول: «اشتدي أزمة تنفرجي»، وإن تباشير السلام قادمة ليتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا البلد الجميل… والعريق.

* كاتب عربي

الحياة

الصراحة ضرورية مع موسكو قبل “جنيف 2″/ الياس حرفوش

الكلام الذي يجب أن يقال بصراحة لموسكو، فيما تجري الاستعدادات لعقد مؤتمر «جنيف 2» سعياً وراء تسوية النزاع السوري، هو الكلام الذي يجب ان تسمعه من الدول التي ستشارك معها في اعمال هذا المؤتمر. يجب ان يقال لموسكو ان دعمها لنظام بشار الأسد هو الذي يعطل بشكل اساسي فرصة نجاح هذا المؤتمر. لماذا؟ لأن هذا الموقف هو الذي يستقوي به الأسد ليتجرأ على الاعلان بوقاحة عن نيته الترشح مجدداً للرئاسة، من دون ان يرفّ له جفن أمام عشرات آلاف القتلى الذين سقطوا على يد «شبيحته» ورجال أمنه، والميليشيات التي جلبها من خارج الحدود لتساعده على قتل السوريين. كما ان الموقف الروسي هو الذي يدفع نظام الأسد الى الادعاء ان السوريين هم الذين يجب ان يقرروا مصيرهم بحرية، بعيداً من التدخلات الخارجية، وكأن السوريين هم الذين قرروا مصيرهم بحرية عندما تم تصعيد بشار الأسد الى قصر المهاجرين عام 2000، كما انهم قرروا مصيرهم ايضاً عندما استولى والد بشار على الحكم عام 1970.

وفوق ذلك جاء التفسير الخاص والملتبس الذي تبنّته موسكو للبيان الذي صدر عن مؤتمر «جنيف 1» في آخر حزيران (يونيو) 2012 ليدفع النظام السوري الى المراوغة حيال بند نقل السلطة الى «هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحية». وكأن نصاً بهذا الوضوح يحتاج الى إعادة تفسير، ليُفهم منه ان المقصود هو رفع يد الأسد عن السلطة خلال الفترة الانتقالية، تمهيداً لللتوافق على هيئة تشارك فيها وجوه مقبولة من الحكم الحالي، تطمئن الطائفة العلوية واتباع النظام، لكنها لا تكون في الوقت ذاته وجوهاً مستفزّة لأكثرية السوريين، الذين دفعوا من ارواحهم ومن عمران بلدهم واقتصاده ثمناً كبيراً للتخلص من الحكم الحالي.

لسنا ندري خلفية المداولات والنقاشات التي جرت في باريس امس بين وزيري خارجية الولايات المتحدة وروسيا، جون كيري وسيرغي لافروف. ولكن الواقع يقتضي القول ان الشرط الذي يدفع الاميركيين الى استبعاد ايران عن اعمال «جنيف 2» (أي عدم موافقتها على بنود بيان جنيف 1) هو الذي يجب ان ينطبق على موسكو ايضاً. صحيح ان الروس شاركوا في ذلك المؤتمر، كما شاركوا ووافقوا على البيان النهائي الذي صدر عنه. ولكن، ماذا تعني هذه المشاركة والموافقة اذا كانوا قد تراجعوا بعد ذلك عن الشرط الاهم الذي تضمنه ذلك البيان، والذي من دون تحقيقه لا يمكن تصور أي حل للحرب المفتوحة في سورية؟

تدّعي موسكو، وتوافقها ادارة اوباما ضمناً، ان دخول العناصر التكفيرية والمتطرفة على خط الحرب الدائرة في سورية، يجعل خيار بقاء بشار الأسد في الحكم بمثابة «أهون الشرّين». وفي الوقت الذي تدرك القيادة الروسية حقيقة السياسة التي اعتمدها نظام الأسد منذ بداية الأزمة لرفع وتيرة القتل الجماعي ودفع المعارضين السوريين الى حضن المتطرفين، ولو لغرض حماية ارواحهم وممتلكاتهم، بعدما تخلّى المجتمع الدولي عن دعم «الجيش السوري الحر» الذي كان يخوض المواجهات في تلك الفترة، بينما تدرك القيادة الروسية ذلك، لأنها شريكة في مخطط النظام السوري، فان واشنطن بموقفها المهادن تكون قد وقعت في الفخ الذي نصبه النظام للقوى الخارجية الساعية الى حل، وذلك بوضعها امام خيارين: إما أنا أو «داعش» والنصرة».

حقيقة الامر ان تخلي العالم عن دعم ثورة السوريين على نظامهم الجائر، والانحياز السافر الذي اظهرته موسكو (صديقة الشعوب!) الى جانب نظام بشار الأسد، هما اللذان يغذيان اليوم نبتة الارهاب والتطرف التي كانت غريبة عن الثورة السورية عند اندلاعها قبل ما يقارب ثلاث سنوات.

وحقيقة الامر ايضاً انه طالما ان موقف موسكو على حاله من دعمها لبقاء بشار الأسد في السلطة، فلا أمل يرجى من «جنيف 2» او أي جنيف آخر. فهذه العقدة هي التي تحتاج الى حل، ان لم يكن سياسياً فبالقوة المسلحة، سواء اليوم او بعد مئة عام.

الحياة

التعايش الكاذب.. على طريق “جنيف 2″/ إياد أبو شقرا

إذا جاز للراصد اختصار الأزمات التي تهدد بتمزيق منطقتنا العربية، لفرضت كلمة «التعايش» نفسها. فنحن قوم نسوا المعنى الحقيقي لكلمة «تعايش»، وما تنطوي عليه من إمكانية الشراكة في الوطن والقيَم والمصير.

نخبنا الحاكمة دائما باسم الشعب، وغالبا تحت رايات النضال والتقدمية.. ثم الممانعة والمقاومة، تفهم التعايش عيشا على مزاجها ووفق تعريفها الحصري. فما تقوله هو الصحيح، ومن يخالفها إما تكفيري أو خائن عميل. لا مجال للتفهّم والتفاهم. وها نحن ندفع ثمنا باهظا لهذا الحال سيكون إما تفتت دولنا، أو وضع فوضى تفتتنا تحت هيمنة جيراننا الإقليميين.

في موضوع سوريا ثمة رغبة غير معلنة عند غير طرف دولي بتصفية الثورة السورية عبر إعادة تأهيل نظام بشار الأسد، بحجة أنه القوة الوحيدة القادرة على التصدي للجماعات الجهادية والتكفيرية المتشددة.

تهمة «التكفير» التي امتدت كالنار في الهشيم على امتداد الخط الواصل بين لبنان وإيران لجأ إليها النظام في وجه الانتفاضة السلمية التلقائية التي انطلقت من درعا، قبل نحو ثلاث سنوات. يومذاك ما كانت هناك «داعش» ولا «نصرة» ولا حصرية للسلاح في أيدي الجماعات الإسلامية المعتدلة والمتشددة. مع ذلك، اختار النظام «تأديب» شعبه بالسلاح الحي. واختارت إيران الدفاع عن طغمة غذّتها ورعتها على مر السنين بصرف النظر عن الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية و«الديمقراطية» التي تتباهى بها وتبيعها للخارج. وقررت روسيا، ومعها الصين، أن سوريا «ملعب» من الواجب استغلاله لابتزاز قوة عظمى متقاعدة فقدت صلاحيتها. وأخيرا وليس آخرا فضّلت إسرائيل – لأسباب مفهومة – أن بقاء نظام تعرف سقفه وترتاح إليه خير منه الاضطرار من المراهنة على بديل مجهول يستقوي بتفويض الشعب.

وهكذا، مع التواطؤ الأميركي، تبدّلت الأولويات، ومعها أخذ الخطاب السياسي يتغير بعد التصلب الروسي – الصيني – الإيراني في الدفاع عن الأسد. وبينما أحجمت واشنطن عن تقديم أي دعم فعّال من شأنه التسريع في حسم المعركة وإنقاذ ملايين السوريين من آلة القتل والتجويع.. عزّزت موسكو وطهران القدرات العسكرية للنظام عدة وعديدا، وتقدمت المؤامرة أكثر مع دفع الجماعات الجهادية والتكفيرية – ومنها ما هو مُختَرق استخباراتيا – إلى داخل سوريا لتبرير سياسة «الأرض المحروقة». وبالفعل، أفرج النظام عن سجناء مدانين بالإرهاب، وانضم إليهم سجناء هُرّبوا في ظروف ملتبسة ومشبوهة من سجون العراق. كذلك استخدم النظام بفاعلية «الطابور الخامس» السياسي، ممثلا بعملاء يزعمون أنهم معارضون أفلحوا في إرباك المعارضة وتفتيتها.

واليوم، ها هي واشنطن والعواصم الغربية تستغل أسوأ وضع ميداني وسياسي للمعارضة، لتهدد بخفض الدعم (؟) إن هي رفضت المشاركة في مؤتمر «جنيف2» في غياب أي ضمانات بالالتزام بإنهاء حكم الأسد والمباشرة بمرحلة انتقالية. وحقا، مع اقتراب الموعد المضروب لانعقاد «جنيف2» تتلاشى، أو تكاد، الأفضلية الميدانية للثورة أمام فكي كماشة جيش النظام من جهة و«داعش» وأشباهها من جهة أخرى. وتضيع «بوصلة» المعارضة المدنية بين الوعود الدولية الكاذبة.. والعربدة الدموية للنظام والميليشيات المأمورة إيرانيا، والطعن في الظهر من «داعش» ومن لفّ لفّها.

لقد كان الهدف استنزاف الثورة وتركيعها وإعادة تأهيل الأسد، وإذا ما استمر الموقف الأميركي كما هو، فهذا ما علينا توقعه في جنيف.

أما في لبنان، الذي بات جزءا من المشهد السوري، فيكثر الكلام عن قرب تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة، لا سيما أمام خلفية اللقاءات المحمومة التي تعقدها جهات تلعب دور «الوسيط». ومن ثم اكتسب المشهد بُعدا إضافيا مع مواقف دولية معبرة عن ضرورة إنهاء حالة الفراغ السياسي، كان آخرها لقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ورئيس الحكومة اللبناني السابق سعد الحريري في باريس.. وما صدر عن وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف في بيروت. وجاء الحدثان الأخيران مع العد التنازلي لانطلاق المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

الغريب في الأمر إصرار قوى «8 آذار» المرتبطة بمحور دمشق طهران بـ«حكومة وطنية جامعة»، مع أن الحكومتين اللتين شكلتهما هذه القوى بين 2004 واليوم كانتا حكومتين من لون واحد، هو لونها لا غير. وبالأمس، شدد أحد نواب حزب الله خلال مناسبة تأبينية على «الشراكة السياسية في إدارة البلد، لأن هذا بلد لا يُحكَم بفئة ولا بالغلبة ولا بالقهر، ولبنان حتى إشعار آخر نظامه السياسي وتركيبة مجتمعه والمعادلات السياسية المحيطة به لا تسمح لفريق وحده بأن يمتلك القرار السياسي فيه». والصحيح في هذا التصريح تعبير «حتى إشعار آخر»، أي وفق ميزان القوى الحالي. فـ«الحزب» يفرض مشيئته ويُسقط التوافقات ويتحدى «الشراكة السياسية» عندما تواتيه الظروف، وبالعكس، عندما يشاء يتناسى تُهم العمالة والتكفير التي يرشق بها خصومه ويفرض عليهم التحالف معهم وفق شروطه.. لتغطية سلاحه سياسيا.. مع أن هذا السلاح مشهر عليهم لا على أعداء لبنان.

ونصل إلى وضع العراق، ثالث أوراق مشروع طهران في منطقة الشرق الأدنى. فهنا أيضا ثمة معنى عجيب لـ«التعايش»، لا يوازيه على صعيد إثارة العجب إلا مفهوم «السيادة».

رئيس الحكومة العراقي نوري المالكي يمارس راهنا الاستراتيجية نفسها التي يمارسها حليفه بشار الأسد في سوريا، وهي استراتيجية رسالتها إلى المجتمع الدولي واضحة، هي إما أن تعترفوا باعتدالنا واعتدال حاضنتنا الإيرانية فتتعاونوا معنا.. أو عليكم التعامل مع «القاعدة» وتفرعاتها. وهذا، من دون الخوض طويلا في سر العلاقة التقاطعية – الاستغلالية بين «القاعدة» وطهران.

ألم يكن مدهشا كيف تجمعت قوات «داعش» القاعدية فجأة في مدن محافظة الأنبار، بعدما أعد المالكي العدة لضرب الاعتصامات في المحافظة ذات الغالبية السنيّة؟ أليس غريبا كيف استُنسخت «الحالة السورية» التي شهدناها في ريف حلب وإدلب والرقة خلال أيام معدودات في الفلوجة والرّمادي.. وكيف أعطت هذه الجماعات مَن يعتزون بأنهم خصومها الصدقية التي كانوا بأمسّ الحاجة إليها.. وفي الوقت المناسب؟

وسط هذه الظروف هل يجوز التفاؤل بـ«جنيف2»؟

الشرق الأوسط

إخفاق «جنيف- 2» شرط السلام/ جيريمي شابيرو وسامويل شاراب *

النقاش محتدم في واشنطن حول مؤتمر «جنيف – 2» للسلام. ويرى الطاعنون فيه أن لا فائدة ترتجى منه، على خلاف المتفائلين الذين يرون أنه فرصة حقيقية لتذليل الأزمة السورية. لكن الطرفين يغفلان جوهر المسألة. ولا ريب في أن أوان اتفاق شامل لم يحن بعد بين الرئيس السوري بشار الأسد والثوار. والمعارضة والنظام يسعيان إلى الغلبة، والرعاة الإقليميون لم يقطعوا سيل الإمداد المالي والعسكري بعد. لكن «جنيف – 2» لن يُقيض له إرساء السلام. فالسوابق التاريخية تظهر أن طي الحروب الأهلية هو ثمرة مسيرة طويلة من المفاوضات تعبد الطريق شيئاً فشيئاً أمام سلام مستدام.

ولا شك في أن مؤتمر «جنيف – 2» سيخفق في حل النزاع السوري. وحريٌّ بالولايات المتحدة أن تخطو خطوات توجه الإخفاق إلى مسار يمهد للسلام. وفي إمكانها وروسيا تحسين فرصه (السلام) من طريق الإعداد لجولة مفاوضات تجمع الأطراف الإقليمية الراعية للمتنازعين في سورية. وليس «جنيف – 2» فرصة سلام، بل فرصة لزرع الشقاق بين الأسد وموسكو من جهة، وتعزيز التعاون بين روسيا وأميركا حول النزاع السوري، من جهة أخرى. مثل هذا التعاون يخفف نتائج الكارثة الإنسانية في سورية ويساهم في إنهاء الحرب. وحريٌّ بواشنطن أن ترمي في الاجتماع إلى استدراج الأسد إلى رفض العروض المقترحة التي تحظى بإجماع، ومنها العرض الروسي.

ومثل هذا المسعى بالغ العسر، لكنه لن يعصى على واشنطن إذا أدركت المآرب الروسية. ويجافي الصواب الرأي السائد في العاصمة الأميركية حول الأهداف الروسية من مؤتمر جنيف. فهو يزعم أنها تريد إبقاء موازين القوى على حالها وترفض شق الطريق أمام المرحلة الانتقالية. لكن موسكو ترى أن المؤتمر وسيلة لتحريك عجلة التسوية السياسية بين السوريين، وأنه ليس مناسبة تفاوض لاعبين خارجيين على طي نظام الأسد. فهي تسعى إلى تفادي إصباغ مشروعية على المساعي الأميركية لإطاحة الحكومة السورية أو لانتخاب منتصر في النزاع الداخلي. ومثل هذا المآل خطير، يرسي سابقة في المنطقة ولن تكون روسيا نفسها في منأى من آثاره. ولا يستخف بأهمية الاتفاق الأميركي– الروسي في أيلول (سبتمبر) المنصرم. فموسكو وافقت على سحب السلاح الكيماوي من الأسد، وهي كانت على يقين من أن أميركا على وشك توجيه ضربات عسكرية إلى سورية.

ولمحت روسيا أكثر من مرة، إلى أن سياستها لا ترمي إلى بقاء الأسد في السلطة، ووافقت على قراري مجلس الأمن 2042 و2118، الداعيين إلى «مرحلة انتقالية سياسية» في سورية. وأيدت بيان جنيف الذي يقضي بموافقة المعارضة على بنية القيادة السورية المقبلة. والتأييد هذا صنو موافقة مضمرة على مرحلة انتقالية تستثني الأسد. وموسكو لم ترسل مستشارين عسكريين إلى دمشق (وهذا ما تفعله طهران) ولم تزودها ذخائر ودبابات وسلاحاً، بل أجهزة دفاع جوي متطورة لا يسعها استخدامها في مواجهة الثوار. واتفاقات السلاح المبرمة معها تجارية من غير مساعدة عسكرية.

وتبرز الحاجة إلى توجيه دقة المفاوضات إلى وجهة تثبت لموسكو أن الأسد والمقربين منه- وليس المعارضة ولا أميركا أو دول إقليمية – هم أبرز العقبات التي تحول دون الاستقرار والسلام. وثمة سابقة غيَّرت فيها موسكو سياستها. ففي 2009، عارضت طهران عرض روسيا تخزين اليورانيوم الإيراني على أرضها، على رغم قبولها إياه قبل أيام. وأغضب هذا الموقف روسيا، فأيدت عقوبات «أممية» قاسية على طهران في حزيران (يونيو) 2010. وإذا أخفق مؤتمر «جنيف – 2» إثر رفض الأسد اتفاقاً تقبله موسكو والأطراف الاخرى، ستبحث روسيا عن حل يرسي الاستقرار في سورية والمنطقة ويجنبها تغيير النظام. ومثل هذا الحل يقتضي التعاون مع واشنطن، وحينها قد تحمل موسكو الأسد على الصدوع بمرحلة انتقالية.

ومهما كان مآل «جنيف – 2»، حريّ بواشنطن أن ترسي مساراً موازياً إقليمياً للسلام في سورية، وأن تدعو أميركا وروسيا إلى مفاوضات بين رعاة النزاع الإقليميين لا يشارك فيها السوريون. وتمس الحاجة إلى مثل هذا المسار الإقليمي – وقد يسمى «جنيف 1.5» – إثر تحول الحرب الأهلية السورية حرباً بالوكالة بين إيران ودول عربية وتركيا وتورط روسيا وأميركا تورطاً طفيفاً إذا قيس بدور الأطراف الإقليمية. وإذا لم تذلل بعض خلافات داعمي الحرب بالوكالة، واصلت هذه القوى تمويل المتنازعين وتسليحهم. وأوجه الشبه بين دينامية النزاع السوري ودينامية نزاعات الحرب الباردة كبيرة. وعلى سبيل المثل، دامت الحرب في أنغولا وغواتيمالا وفيتنام أكثر من عقد من الزمن. ومؤتمر «جنيف – 1» الذي لم تشارك فيه السعودية وإيران، خلص في بيانه إلى إعلان مبادئ حل أي حرب أهلية وليس النزاع السوري. ومؤتمر «جنيف 1.5» يساهم في تيسير تذليل النزاع سياسياً عبر وقف أنشطة الرعاة الإقليميين الذين يؤججون النزاع. وحريّ بهؤلاء إدراك أن إحراز نصر مستحيل.

ودور إيران في سورية شوَّه صورتها في العالم العربي وأجج الخلافات الطائفية، وأدى إلى تعاظم «التطرف السنّي» في سورية. وقد ترتضي طهران اتفاقاً لا يفرّط بأبرز مصالحها في سورية: الارتباط بـ «حزب الله» ولبنان والحؤول دون تحول نظام دمشق دمية في أيدي منافسيها الإقليميين. ونار التطرف في سورية قد تبلغ الدول العربية وتهددها تهديداً وجودياً.

* باحث في شؤون السياسة الخارجية، وخبير في شؤون روسيا وآسيا، عن «فورين أفيرز» الاميركية، 9/1/2014، اعداد منال نحاس

الحياة

تركيا الذاهبة إلى “جنيف2″/ سمير صالحة

لا نقاش في أن حكومة العدالة والتنمية تعيش خيبة أمل كبيرة حيال تطورات ومسار الأزمة السورية، وأن أساليب التطويل والمراوغة في تقديم الحلول الإقليمية والدولية، قد تقود رجب طيب إردوغان لمراجعة مواقفه وسياسات حكومته إذا ما تأكد لها أن «جنيف2» المرتقب لن يكون سوى تكملة لـ«جنيف1» الذي اتخذ جملة من القرارات بقي معظمها حبرا على ورق.

أنقرة وعلى ضوء مواقف وتصريحات داود أوغلو الأخيرة قبل وبعد لقاء باريس، تشكك في قدرة وربما رغبة «جنيف2» في إطلاق خارطة الطريق السياسية الموعودة باتجاه الحل، بل إن ما يقلق الأتراك اليوم هو التمسك بمقولة الحل السياسي التي ستحمي وتقوي النظام السوري أكثر فأكثر، وستعطيه الفرص الجديدة لمواصلة عمليات القتل والتدمير والتلويح برغبة الشعب السوري في أن يراه على رأس السلطة لحقبة رئاسية جديدة.

وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو ذكر في العاصمة الفرنسية بالموقف التركي، حول أن بلاده تأتي في مقدمة الدول التي تتحمل العبء الأكبر في ارتدادات هذه الأزمة ببعدها الإنساني والمالي والسياسي. وأنها تعايش هذه المعضلة منذ بدايتها عام 2011.

لماذا يكرر وزير الخارجية التركي موقف بلاده المعروف هذا؟ هل لأنه يشعر أن غاية لقاء باريس الأهم كانت الضغط على المعارضة السورية للمشاركة في جنيف المرتقب من دون أية ضمانات سياسية تقدم باتجاه الإعلان عن الالتزام بتنفيذ خارطة طريق تنهي معاناة الشعب السوري؟ أم للإيحاء بأن أنقرة تعرف أنها تدفع ثمن رفضها التحرك المنفرد من خلال الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع النظام تتحول إلى مستنقع ومصيدة من الرمال المتحركة تطيح بالكثير من إنجازاتها الداخلية والخارجية؟ أم ربما لتوجيه رسالة إلى المجتمع الدولي أن تركيا تفهم ما يجري اليوم على أنه بات محاولة جديدة لإطالة عمر المشكلة لفترة أخرى عبر المماطلة في طرح الحلول والتصورات، وأن التجاذب الأميركي الروسي الذي تحول إلى تلاعب ومساومة معقدة في تفاصيل الملف بات مع الأسف العقدة الواجب تخطيها في أي نقاش يسبق رسم معالم خارطة طريق لمسار العملية السياسية في سوريا؟

أنقرة تشعر أن هناك استهدافا مباشرا لموقعها ودورها وأن البعض يحاول أن يربط بين رحيل الأسد ونظامه وإضعاف حكومة إردوغان في تركيا، لذلك هي تتحرك مجددا لطرح خطة معدلة حول مسار الحل في سوريا تنطلق من خطتها المعلنة في أواخر عام 2012، ورحب بها الكثير من العواصم العربية والغربية وقتها. والواضح أن الحكومة التركية التي تتحرك هنا بعيدا عن الأضواء أطلقت جملة من الأفكار والاقتراحات وناقشتها مؤخرا مع القيادة الروسية من خلال تصور حمله النائب الأول لوزير الخارجية التركي فريدون سينيرلي أوغلو إلى موسكو ومع طهران خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني الجديد جواد ظريف إلى تركيا، وحصلت على دعم وموافقة مبدئية من الطرفين كما فهمنا.

ويقوم التصور التركي الجديد الذي تقترحه أنقرة بشكل تدريجي وعلى مراحل بتبني وإطلاق خارطة طريق تطرح وتقر باسم المؤتمرين في جنيف يسبقها حوار سوري سوري بين أهم فصائل وأطياف المعارضة السورية في الداخل والخارج تقوده وتشرف عليه الجامعة العربية والأمين العام للأمم المتحدة وتدعمه روسيا وإيران.

أما أهم النقاط الرئيسة في الاقتراح فهي كما نتابع تقوم على:

– الالتزام بوقف جميع العمليات القتالية فوق الأراضي السورية بقرار وتأييد أممي، تدعمه روسيا والصين وإيران.

– رفع العقوبات المفروضة على سوريا، لإتاحة توزيع المساعدات الغذائية والتمهيد في إطلاق مبادرة العودة التدريجية للاجئين السوريين إلى مدنهم.

– محاكمات عادلة للمتورطين في ارتكاب المجازر وتحديد مصير النظام السابق.

– هيئة مصالحة وطنية سورية تضم ممثلين عن القوى الرئيسة في المعارضة السورية الداخلية والخارجية، من أجل تشكيل حكومة انتقالية موسعة.

والواضح حتى الآن هو أن الخطة التركية التي حظيت بتأييد روسي إيراني مبدئي لم تنَل بعد التأييد الأميركي الأوروبي الكامل، وهذا ما ظهر إلى العلن من خلال تمسك غربي بمشاركة الائتلاف الوطني السوري في جنيف المقبل من دون أية شروط مسبقة أو ضمانات وتعهدات تقدم بتنفيذ قرارات «جنيف» الأول. وهذا ما دفع بداود أوغلو للتذكير أن مؤتمر «جنيف2» لا بد أن يسبقه هذه المرة إجابات واضحة حول جدول الأعمال.

أنقرة على قناعة أن البعض يحاول رمي الكرة في ملعب الائتلاف الوطني السوري المعارض، من خلال الضغط عليه لحضور مؤتمر جنيف المرتقب بوفد موحد وموقف موحد، وهو أكبر المستحيلات في الظروف الحالية وأمام الاقتتال الدائر بين أجنحة المعارضة السورية نفسها، فكيف تلتقي أجنحة المعارضة على تصور واحد يحمل إلى جنيف؟

لقاء داود أوغلو بقيادات الائتلاف الوطني السوري في مطلع الشهر الحالي في إسطنبول، وقبول المجتمعين للتصور التركي سيعقبه لقاء موسع في الأسبوع المقبل نسمع خلاله رأي المعارضة النهائي في الموقف من جنيف الموعود وجديته في المساعدة على حل الأزمة السورية.

أكثر ما يقلق أنقرة في هذه الآونة طبعا هو انزعاج البعض من التحرك التركي الأخير بأكثر من اتجاه وتحديدا نحو موسكو وطهران، وربما هذا هو السبب الذي يتحدث عنه البعض في تركيا حول تحرك أميركي إسرائيلي مضاد باتجاه قطع الطريق على الجهود التركية برد ثلاثي يهدف لإبعاد حكومة إردوغان عن المشهد السوري من خلال لعب ورقة جماعة غولن القوية في الداخل التركي، وإضعاف وعزل أنقرة دوليا تحت ذريعة علاقاتها ببعض الجماعات الإسلامية المتشددة الناشطة في سوريا وفي مقدمتها «داعش»، ومطاردة الكثير من الشاحنات التركية التي تستعد لعبور الحدود مع سوريا وقطع الطريق عليها بحجة نقل الأسلحة والعتاد إلى الجماعات المتطرفة الموجودة في سوريا.

أنقرة تشعر أن هناك محاولة استهداف مباشر لموقعها ودورها، وهي متمسكة بفكرة المؤامرة ضدها، وأن هناك محاولات دائمة لإبعادهما عن الملف السوري عبر سيناريو المساهمة في توتير أجوائها الأمنية والسياسية على هذا النحو الواسع في الإعلامين الغربي والعربي المؤيد لنظام الرئيس الأسد. وإن البعض يصر على لعب ورقة تأزم الداخل التركي لتتحول المسألة السورية إلى مواجهة داخلية تطيح بحزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية والبرلمانية المرتقبة، فهل تنجح حكومة إردوغان في تحركها الجديد بالتصدي للعب ورقة الملف سوري ضدها، ويكون لها ما تريد هذه المرة؟

الشرق الأوسط

رمق «الهلال الشيعي» في جنيف/ زهير قصيباتي

لا يمكن «الائتلاف الوطني السوري» أن ينأى بنفسه عن مظلة تفهّم غربي، ويتجاهل دعوته إلى حضور مؤتمر «جنيف-2»، ولو أن ذاك التفهم لا يواكبه سوى دعم هزيل، لا يقي السوريين من القتل ولا بلادهم من موجات التدمير الهستيري.

لا يمكن جنيف النووي الإيراني إلا أن يقلُب صفحات من المعادلات الإقليمية التي صمد بعضها وتقلّب بعضها على وقع صدمات حروب، قبل النفخ في ما سُمِّي «الهلال الشيعي».

لا يمكن عراق المالكي ايضاً إلا أن يتبدّل، ما دام الراعي الإيراني- الأميركي لم يقوَ على تثبيت السلطة في بغداد بوئام مع السنّة في الأنبار والأكراد في كردستان، ولا تحصين المالكي مما اعتبره هو «وباء الربيع العربي».

وإلى اللاءات الثلاث، تتقدّم «نعم» واحدة أميركية- روسية بلملمة أشلاء في المنطقة، وإن كان الحريق السوري مرشحاً لجولات ومآسٍ أخرى، سواء عُقِد «جنيف2» أو لم يُعقد. وهو سيُعقد كما توحي الإشارات الأميركية والروسية، حتى أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري بدا كأنه يحتفل بالإنجاز المتبادل لواشنطن وموسكو، من «جنيف» الإيراني إلى جنيف السوري الذي يُفترض أن ينطلق مجدداً في مونترو. والوزير الذي استبعد أي رمزية لاحتفائه على طريقته بإهداء نظيره الروسي سيرغي لافروف رأسين من البطاطا، مازال يصر على أن ثمن الحل في سورية هو رأس النظام، فيما موسكو مقتنعة بأن طهران التي تتبدّل قادرة على لعب دور رأس جسر الى التسوية السورية.

ولكن، مع اللاءات والحروب بالوكالة، وحملة النظام في دمشق على مَنْ «يتوهمون» أنه ذاهب الى جنيف لتوقيع صك استسلامه وتسليم السلطة وطلب الصفح، تصمد أسئلة كثيرة، لا يجيب عنها حتى الآن كل التحركات الديبلوماسية المكثّفة على المسارين الإيراني والسوري.

لكن تخصيب التعاون الأميركي- الروسي لا يمكن الطعن به أو تقزيمه الى مجرد حركة تلميع أدوار، هدفها الوحيد ادعاء الانتصارات أو المكاسب. لا يُبطل ذلك حقيقة أن مشوار القطار الإيراني الذي أطلقه الرئيس حسن روحاني بعدما تجرّع المرشد علي خامنئي كأس الحوار المر مع «الشيطان الأكبر»، لن يصل إلى نهاياته قريباً، ولن يكون كل الركّاب من جنس الملائكة… مثلما أن أبطال التسوية للحرب السورية قد تتبدّل وجوههم بمقدار ما تطول مؤتمرات جنيف، خصوصاً إذا اختارت واشنطن وموسكو إدارة الأزمة لسنوات، بين «إمارات» تتقاتل على أكوام مقابر.

قد يقال إن البداية مشجّعة باندفاعة ديبلوماسية في كل الاتجاهات، أميركياً وروسياً وأوروبياً وإيرانياً، وإن الجامعة العربية وحدها غائبة، منهمكة برصد رياح «الربيع» الذي يمقت المالكي «وباءه». مع ذلك، كانت بغداد واحدة من محطات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي بدا محمَّلاً رسائل من العهد الجديد في طهران، خصوصاً للحلفاء الذين عليهم أيضاً أن يتكيّفوا مع المرحلة الجديدة. وبين هؤلاء «حزب الله» في لبنان وفي سورية، وأن يُعلن ظريف في بيروت أن طهران مع الحوار لإنهاء المعضلة السورية، فالوجه الآخر للرسالة يرجّح إعلان بداية النهاية للمواجهة المكشوفة.

وإذا كان «حزب الله» يتوقع ان تمدّ له طهران يد الخلاص من المستنقع السوري مع حفظ ماء الوجه، مثلما كانت راعياً لتدخّله ومجموعات عراقية من اجل «معركة وجودية» مع «التكفيريين»، فإيران باتت جاهزة لاقتسام أثمان التطبيع مع «الشيطان الأكبر». لدى أوساط غربية تتبنى الرهان على «سحر» العقوبات وعصاها، كان خامنئي أمام خيارين أو أولويتين: إنقاذ «نظام الثورة» أم المغامرة بكل شيء لإنقاذ نظام الرئيس بشار الأسد؟ ولكن أي علاقة بين البرنامج النووي لطهران والدفاع الشرس عن الحليف السوري الذي بات عبئاً ثقيلاً؟ الجواب لدى الغرب أن الحرب التي اعتبرها حلفاء طهران «معركة وجودية» في سورية استنزفت النظام الإيراني المتآكلة موارده، حتى الرمق الأخير، وأن حكومة روحاني استوعبت الرسالة: الحرب على الإرهابيين من الجماعات المتشددة التي تقاتل «الجيش الحر» لن يكون ثمنها التسليم ببقاء نظام دمشق، مهما طالت.

في الحسابات الإيرانية، لا يغيب احتمال رفع موسكو الغطاء عن نظام الأسد ما أن يرفض نتائج «جنيف 2»، أو يطيّر نصابه. فالتعهدات الأميركية – الروسية المتبادلة تشمل ضغوطاً على طرفي الصراع، لمواكبة الحوار، تمهيداً لسلطة انتقالية تكون في المحصلة النهائية «وداعاً» للنظام في دمشق الذي يتصيّد «أوهام» الآخرين، ولا تعلق في شباكه إلا الجثث.

عند الرمق الأخير، تقتضي الواقعية في طهران إنقاذ النظام الإيراني أولاً، خصوصاً أن الرهان السوري والمواجهة المكشوفة في حلبة «الهلال الشيعي»، لم يثمرا سوى جيل من الانتحاريين ضد سياسة الوليّ الفقيه و «تصدير الثورة»، وضد خوض الحروب بدماء السوريين واللبنانيين والعراقيين والفلسطينيين.

لعل حال الحلفاء كانت كفيلة أيضاً بإقناع الجانب الإيراني بإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بدءاً من ورطة المالكي مع الانتفاضات مروراً باختناق «حماس» وتعثّر «الانتصار» السوري لـ «حزب الله» وتحوُّل قوة النظام السوري الى مجرد فصيل بين فصائل تتسابق على القتل العبثي و «الأفغنة».

وأما لعبة تبادل الأوراق بين «النووي» و «الكيماوي» والنفوذ الإقليمي، فما زالت في بدايتها، لكنَّ الأكيد أن إيران تخسر المزيد كلما استعادت دول «الربيع العربي» سيطرتها على الشارع، وتلاشت آمالٌ بإنهاك الغرب في لعبة احتواء «الإسلام السياسي» وقفزاته.

الحياة

نظام الأسد يخشى «جنيف 2»… لماذا؟/ عبدالوهاب بدرخان *

تستحق تصريحات عمران الزعبي (7/1/2014) أن تدرس كنموذج لهلوسات نظام سياسي أكثر منها تعبيراً عن «سياسة دولة». لم يكتفِ وزير إعلام النظام السوري بتكرار اعتزام رئيسه ترشيح نفسه للرئاسة مع انتهاء ولايته في تموز (يوليو) المقبل، بل قال إن هناك «قراراً شعبياً» وإن الشارع سيضغط على بشار الأسد كي يخوض الانتخابات. ومع ذلك، زاد الزعبي أن الترشيح «قرار شخصي» لم يعلنه الرئيس بعد. لكن فاته أن يعلن النتيجة والنسب المئوية (التسعة والتسعينية)، وأن يبلغ الجمهور أن عملية الاقتراع تمّت في منطقة الساحل وبعض أحياء دمشق وحماه حيث خصص «شبّيح» لمرافقة كل ناخب، كما أجريت في الحسكة برعاية الحزب الأوجلاني وسجّل إقبال كثيف على التصويت من الأكراد غير الحاصلين على الجنسية، وكان مقرراً أن تشرف عناصر «داعش» على العملية في مناطق وزواريب متفرّقة على أطراف المدن الأخرى في الشمال، إلا أن التصفية التي تعرّض لها هذا التنظيم حالت دون إجراء «انتخابات حرّة ونزيهة» هناك، كما تعذّر اجراؤها في الغوطتين وحمص ودرعا. أما في القلمون فافتتحت مراكز الاقتراع في البلدات والقرى التي حرّرها مقاتلو ايران و «حزب الله» وميليشيا «ابو فضل العباس»، لكن تبيّن أن تهجير الناخبين حرمهم من التمتّع بـ «حقهم» الدستوري.

من أين يستمـــدّ الأسد «حقّه» في الترشيح اذا كــــان الدستور الذي عُدّل وأُقرّ بعنايته، بعد «استفتاء» ملفّق، حدّد للرئيس الواحد ولايتــــين؟ الارجح أنه يعتبر أن ما مضى قد مضى، فهو سيختم ولايتين وفقاً لدستور والده الراحل ويدشّن مرحلة جديدة وفقاً لدستوره الذي يمنحه ولايتين اضافيتين. لكـــن ما الذي يدعو وزير الإعلام الى اثارة موضوع الرئاسة والترشيح، ما المناسبة، ما الدوافع، ولماذا في هذا التوقيت؟ على رغم أن النظام تحوّط لكل المفاجآت، وأن حلفاءه تمكّنوا من وضعه مجدداً على سكّة الحسم العسكري، إلا أنه يجد نفسه عشية مؤتمر «جنيف 2» في مناخ عدّ عكسي. صحيح أنه رمى مئات البراميل المتفجّرة، وامتنع عن اطلاق معتقلين، وواصل تجــويع المحاصرين قاطعاً طريق الإغاثة عـــن مناطقهم، وأمر بالمزيد من المجازر، ثم أوعز للزعبي بافتعال مؤتمر صحافي لاستفـــزاز كـــل من يلزم (بمن فيهم الحلفاء الروس) بالكلام على الترشيح للرئاسة… إلا أنه لم يحقّق ما توقّعه، ولم يسمع شيئاً عن قرار واضح ونهائي من «الائتلاف» المعارض بعدم الذهاب الى جنيف.

سيواصل النظام المراهنة على قرار كهذا. فهو وافق باكراً جداً على المشاركة وشكّل وفده وأعطى كل الإشارات عن «جاهزيته»، كما تلقّى كل التطمينات من موسكو (وطهران) بأن شيئاً لا يبعث على القلق. لكنه مع ذلك تمنى ويتمنّى التخلص من «جنيف 2» شرط أن تقع مسؤولية نسفه على المعارضة وليس عليه. والواقع أن أحوال المعارضة والتصدّع الجديد الذي شهده «الائتلاف» كانت بمثابة أخبار جيّدة للنظام، اذ عززت آماله وهو يتفرّج على خصومه ودولهم الداعمة يتخاصمون على جلد الذئب قبل سلخه. وإذ لم يبقَ سلاح آخر للمعارضة غير المطالبة بـ «تنحي الأسد»، فقد بقي للأخير سلاح الإيحاء بالترشيح والفوز.

لكن سبقت ذلك أخبار سيئة من الشمال وكذلك من العراق، وكلّها يتعلّق بالحليف «الداعشي»، كما أنها سيّئة في سياقين مختلفين. فمن جهة، اعتبر النظام السوري أن حملة نوري المالكي على «داعش» تصبّ في مصلحته، تحديداً بتوقيتها عشية «جنيف 2»، إذ تسلّط الأضواء على مسألة الإرهاب وتخفي في طياتها التخلص من الخصوم السياسيين. ليس هناك أبرع من التخطيط الايراني، خصوصاً عندما تتقاطع أهدافه العراقية مع أجندة اميركية مستنكفة عن التدخل وتنسى كل شيء عندما ترى أي شبح لـ «القاعدة». غير أن حرب المالكي ما لبثت أن اصطدمت بالواقع على الأرض، لأن العراقيين السنّة مختلفون معه بمقدار اختلافهم مع «القاعدة»، قد يلتقون معه ضد التنظيم إذا غيّر سلوكه، وقد يلتقون مع التنظيم ضدّه إذا واصل عنته، أما هو فيريد ضرب حراكهم وضرب «داعش» من دون أي تنازل. تبيّن له الآن أن خطّته لا تحقق له أياً من الهدفين. وليس من الصعب إسقاط الحدث العراقي على الوضع السوري الراهن لاستنتاج أن ما تهيّأ له النظام لن يناله، لا من «جنيف 2» ولا على هامشه. لن يُعتمد عليه ليبقى في السلطة ويقود حرباً على الارهاب كما لو أن جرائمه كانت عملاً خيرياً.

ومن جهة اخرى، جاءت الحملة على «داعش» في حلب والرقّة ودير الزور وإدلب بمثابة ضربة لأجندة دمشق – طهران اللتين راهنتا على التنظيم لتلميع صورة نظام الأسد وتأهيله لدور ضد الارهاب. أياً تكن هوية المعارضة التي عكفت على طرد «داعش» وتصفيتها، يُفترض أنها تحركت بدافع قضيتها السورية البحتة، ثم إنها لم تقدم على خطوتها منسّقة مع/ أو مستثمرة في علاقة خارجية ما. على مدى أسابيع كررت موسكو بأصوات سيرغي لافروف وغيره أن الأولوية في سورية لمحاربة الارهاب، وإذا بالمعارضة تتولّى المهمة انطلاقاً من حساباتها الخاصة. ليس هناك أكثر منطقية من ذلك، لكن يبقى أن تشتغل هذه المعارضة المسلحة على نفسها، فلا ضير في تديّنها، أما اعتناقها عقلية تيار الإسلام السياسي، فمن شأنه أن يرتدّ عليها سلباً ويقوقعها، لأن مستقبل سورية لا تحدده «اسلاميتهم»، بل وطنيتهم وقبولهم الآخر. وفي هذا السياق، ستبقى «جبهة النصرة» موضع ارتياب ما لم توضّح خيارها نهائياً بين الوطن و «القاعدة».

في كل الأحوال، سيحاول نظام الأسد أن يلعب «ورقة الارهاب» في جنيف، إن لم يكن لحرف جدول الأعمال عن بيان «جنيف 1» وآليات تنفيذه، فأقلّه لكسب الوقت وإدخال المفاوضات – اذا بدأت فعلاً – في متاهة. اذ إن الايرانيين وأتباعهم أبلغوا الأسد أن معركة جبال القلمون ستنتهي قبل موعد «جنيف 2»، وقد أوضح تقرير وكالة «بارس» الايرانية (7/1/2014) أن ذلك يعني «سيطرة النظام على 60 الى 70 في المئة من الأراضي السورية»، ما يوجب تحكيم «موازين القوى» في تحديد مسار الحل السياسي. لكن على رغم التفاني الايراني في دعمه، يبقى الأسد متوجساً من «جنيف 2»، أولاً لأنه يدخله للمرة الاولى منذ بدء الأزمة في لعبة لا يتحكّم بها، وثانياً لأن فكرة «عملية انتقالية لا دور فيها للأسد» شقّت طريقها، وثالثاً لأنه قد يكون فرصة لمفاجآت مزعجة سواء عن جرائمه أو عن علاقة النظام بـ «داعش»، ورابعاً – وهذا الأهم – لأنه يفتح بازاراً دولياً حول طبيعة «الحل السياسي». وعلى رغم أن النظام ضمن دائماً وقوف روسيا وإيران معه، لكن عنوان «جنيف 2» هو البحث عن حل للأزمة، وبالتالي فإنه لا يضمن أن يكون خروجه من «جنيف 2» كدخوله اليه. ذاك أن كل خطوة نحو الحل ستغيّر حسابات الحلفاء حيال ما يمكن انقاذه: الأسد مع النظام، أم النظام من دون الأسد. الخيار عند ايران. أما روسيا فاختارت منذ المرّة الأولى التي قالت فيها إنها غير معنية بالأسد، وقد كررتها… انقاذ «النظام من دون الأسد» أكثر واقعيةً ويلتقي مع ما سطّره بان كي مون في دعواته عن «الحفاظ على الدولة ومؤسساتها»، ومع رغبة المجتمع الدولي في معاقبة الأسد وأعوانه. أما إنقاذ «الأسد مع النظام» فخيار صعب ومكلف (لإيران) وغير مجدٍ. لا بد من أن يدفع أحدٌ ثمن الحل، ولا شك في أن الشعب دفع أكثر كثيراً مما ينبغي.

* كاتب وصحافي لبناني.

الحياة

سوريا تودع السلاح/ فولكر بيرتيس

إن مؤتمر جنيف الثاني بشأن سوريا، والمقرر أن يبدأ في الثاني والعشرين من يناير/كانون الثاني في مونترو بسويسرا، من غير المرجح أن يحقق هدفه المتمثل في تشكيل سلطة حكم انتقالي تتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة.

ولكن ما يستطيع المؤتمر تحقيقه هو إطلاق العملية السياسية التي تشتد الحاجة إليها، والأهم من ذلك الاتفاق على وقف إطلاق النار بين الحكومة وقوات المعارضة، فلن يتسنى لسوريا أن تحرز تقدما حقيقيا نحو التحول السياسي إلا عندما يتوقف القتال هناك.

لا شك أن الجماعات الجهادية المرتبطة بتنظيم القاعدة، مثل “الدولة الإسلامية في العراق والشام” التي أصبحت قوة فعّالة على الأرض، وجبهة النصرة، لن تكون ممثلة ولا ينبغي لها أن تكون ممثلة في مونترو، خاصة وأن مثل هذه الجماعات لن تشعر بأنها ملزمة بأي اتفاق.

ولكن لا ينبغي لهذا أن يشكل عذرا لعدم السعي إلى وقف إطلاق النار، ذلك أن وقف القتال بين قوات النظام وبعض الجماعات المسلحة -تلك التي تربط نفسها بالائتلاف الوطني السوري، أو على الأقل تلك الراغبة في التنسيق مع الجيش السوري الحر والجبهة الإسلامية التي ترعاها السعودية جزئيا- سوف يكون إنجازا كبيرا.

ويشكل وقف إطلاق النار أهمية بالغة لأن القتال يخدم مصالح العناصر الأكثر وحشية على جانبي الصراع.

وهذا يشمل القيادة الأساسية لنظام الرئيس بشار الأسد، والمدعومة الآن من قِبَل حزب الله ومليشيات عراقية بقدر ما تدعمها الدولة الإسلامية في العراق والشام والتي تتألف إلى حد كبير من مقاتلين غير سوريين ولا يبالون بإعادة بناء البلاد أو حماية مستقبل شعبها.

وكما هي الحال في أي حرب أهلية، فإن دعاة العنف يصبح من المرجح على نحو متزايد أن يتولوا الأمر بأيديهم كلما طال الصراع، فهم يتغذون على أعمالهم الوحشية أو تلك التي يرتكبها خصومهم لكسب التأييد من خلال الخوف بدلا من الإقناع باستخدام مقاطع الفيديو لجمع الأموال وتجنيد أعضاء جدد.

في وجود المقاتلين المهرة ووفرة من المال والسلاح، تزدهر الدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة وسط الحرب المتواصلة والفوضى.

ومن ناحية أخرى، يستفيد نظام الأسد من حقيقة مفادها أن بعض أجزاء البلاد التي لم تعد تحت سيطرته لا يمكن وصفها بأنها “مناطق محررة” نظرا للفوضى السائدة والتطرف في هذه المناطق.

إن وقف إطلاق النار من شأنه أن يحدث تحولا في هذه الديناميكية، فيسمح للإمدادات الإنسانية بالوصول إلى المناطق التي تحتاج إليها على وجه السرعة، في حين يسمح بوقف “صوملة” البلاد تدريجيا.

وهذا كفيل بالمساعدة في منع تدفق اللاجئين واتساع دائرة العنف إلى البلدان المجاورة، وخاصة لبنان والعراق.

وعلاوة على ذلك، إذا صَمَد وقف إطلاق النار فإن هذا من شأنه أن يسهل إعادة بناء الاقتصاد، في حين يمكن الجهات السياسية الفاعلة المعتدلة والمجتمع المدني باستعادة بعض السلطة من المتطرفين، وهو التحول الذي سيرحب به السوريون العاديون.

والواقع أن الناس في المناطق التي يسيطر عليها الجهاديون يشعرون بتعاسة شديدة إزاء إرهاب بلطجية تنظيم القاعدة لهم ومحاولتهم فرض نسختهم من الأعراف الإسلامية عليهم إلى الحد الذي يجعل نظام الأسد يبدو على نحو متزايد بديلا أفضل للحرب المتواصلة أو استيلاء تنظيم القاعدة على السلطة.

والمشكلة هي أنه ما دام العنف يمنع القوى المعتدلة من استعادة الخدمات والهياكل الإدارية المحلية، فإن قدرة الناس على المقاومة ستظل ضعيفة.

ومن الممكن أن تتعامل المنظمات الدولية مع مثل هذه الهياكل باعتبارها سلطات يفرضها الأمر الواقع، فتمدها بشكل مباشر بالمساعدات وتعطي المنظمات غير الحكومية أو محققي الأمم المتحدة الفرصة لجمع الأدلة على جرائم الحرب لصالح الإجراءات القضائية أو لجان تقصي الحقائق في المستقبل.

من المؤكد أن المخاوف من أن يؤدي وقف إطلاق النار إلى تثبيت الخطوط الأمامية للصراع وتحويلها إلى خطوط تقسيم شبه دائمة، ليست بلا مبرر وجيه، ذلك أن وقف إطلاق النار ليس اتفاق سلام، وسوف يترك في الوقت الحاضر قوات النظام والقوات المعارضة في المواقع التي احتلتها، ولكن جعل سلطات مختلفة تتولى إدارة أجزاء مختلفة من سوريا أفضل من غياب أي حكم مسؤول عبر مساحات واسعة من البلاد.

فضلا عن ذلك فإن وقف إطلاق النار من شأنه أن يمكن الجيش السوري الحر وحلفاءه من تنسيق العمل مع وحدات من الجيش النظامي ضد عصابات تنظيم القاعدة، والتي سوف تحاول بلا أدنى شك إدامة حالة العنف.

وحتى مثل هذا التعاون المحدود كفيل بدفع “عملية جنيف” وخاصة المفاوضات الرامية إلى إنشاء سلطة انتقالية تتولى قيادة القوات المسلحة.

ولأن نظام الأسد يمتلك قوة نيران ساحقة، فإن موافقته أمر بالغ الأهمية لتحقيق اتفاق وقف إطلاق النار. وسوف تقع مسؤولية إقناع الأسد بالتوقف عن قصف المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الأساس على عاتق حلفائه الدوليين، مثل روسيا وإيران.

وفي القيام بهذا، يتعين على حلفائه أن يضعوا نصب أعينهم أن الأسد هو الذي قاد البلاد إلى الحرب الأهلية عندما اختار الحل العسكري رغم مطالبة أعضاء رفيعي المستوى في حكومته وحزبه السياسي بالسعي إلى تسوية تفاوضية سلمية.

الواقع أن لا روسيا ولا إيران لديهما مصلحة في إطالة أمد الحرب التي تزعزع استقرار الشرق الأوسط وتشجع انتشار التطرف على غرار تنظيم القاعدة.

ومن المؤكد أن كلا من الدولتين ساعدت في حمل النظام السوري على الذهاب إلى جنيف.

والآن لا بد أن يكون دعمهما لوفد الأسد مشروطا بقبوله لوقف إطلاق النار، وإلا فإن احتمالات التوصل إلى نتيجة تصون سوريا وتجعلها دولة قابلة للحياة تصبح أشد قتامة وكآبة.

الجزيرة نت

حضور إيران مؤتمر “جنيف – 2″/ حسن عبد الله عباس

مع بدايات انحراف الثورة السورية الى التطرف والعنف والمواجهة المسلحة، قلنا حينها وكررنا مرات بأنها لن تمر كما مرت غيرها من الثورات. فسورية وضعها مختلف تماما، فهي في خاصرة اسرائيل ولن يقبل الايرانيون بسقوطها بأي حال لأنها امتداد لايديولوجية المواجهة مع عدوها الفكري والديني الاول وهم الصهاينة. لذا أعود بعد هذه السنوات لأقول الكلام نفسه اليوم. لا جديد في الامر سوى حلول موعد «جنيف 2» واحتمال استبعاد ايران عن الحضور!

من الآن نقول لكم أيها المجتمعون لن تحصدوا اكثر من إضاعة المزيد من الوقت. اجتماع الدول في جنيف لا معنى له من غير الإيرانيين. فالقضية من اولها لآخرها مرتبطة بالدعم المصيري الذي تقفه الجمهورية امام سقوط نظام الاسد، كونه موقفا يحدد حياة وموت الدولة الإيرانية بأكملها.

اعلم مسبقا ان من يحمل في قلبه شيئا على الايرانيين أو من يُبرز حقيقة قوتهم، فإن كلامي هذا لن يعجبه فضلا عن الشتم والسب واللعن. لكن قبل ان تتحامل، دعني اخبرك بما يقوله فلاسفة الاخلاق بالنسبة لأي فكر يطرحونه.

الاخلاقيون يقولون ان افكارهم ما هي إلا لتعديل ولتوجيه الفكر البشري وما يجب ان يكون عليه الامر ويستخدمون للدلالة على ما يقصدون بالعبارة «ought to» بمعنى ما يجب ان يكون عليه الأمر لا كما تجري الأمور بالواقع حاليا. لذا نحن ايضا نقول للجميع بمن فيهم الحالمون والواهمون باستبعاد الايرانيين، كلامكم وافعالكم ليست سوى «ought to»، لكن الحقيقة والواقع ان الايرانيين لن يقبلوا بأقل من الواقع الميداني الذي فرضوه على العالم بأسره واولهم الاسرائيليون، فالنووي تم الاعتراف به، والاراضي اللبنانية رُدّت، والفلسطينيون بدأوا بالعودة ليتمسكوا بالثورة ورفض السلام والاستسلام، ورُفعت العقوبات الاقتصادية!

لهذا يُضحكني الجربا رئيس الائتلاف بقوله لا مكان لبشار ونظامه بعد جنيف اواخر هذا الشهر. نعم بكل تأكيد ان النظام في سورية لن يحكم كالسابق، لكن واضح ان الائتلاف بسيط وساذج لحد كبير ويظن انه قادر ان يحكم. فكما ان النظام السابق لن يعود لسابق سيطرته، لن يستطيع لا الائتلاف ولا أي بديل محسوب على محور السلام أن يقف على رجليه بعد الاسد. هذه حقيقة ولن تتغير ان ظل الجربا وزملاؤه يكررون مقالهم هذا. فالأجدر لو عاش الواقع كما هو لا كما يتخيل «outght» وان يعي صعوبة المأزق الذي دخله هو ومن معه.

سورية ليست معركة محلية، سورية الباحة الخلفية للبنان وأرض جانبية مكملة للمعركة الدولية مع اسرائيل. وهو، سواء عرف بذلك ام غاب عن ذهنه، يقف في معسكر الاستسلام ويحارب بالوكالة عن غيره كالنظام الحاكم.

الرأي الكويتية

لبنان الشاهد والشهيد في مؤتمر «جنيف – 2/ عزت صافي *

رفع الرئيس الراحل حافظ الأسد خلال عهده شعار «سورية ولبنان شعب واحد في دولتين». وقد تمكن من تطبيق هذا الشعار فحكم الدولتين ووحد الشعبين تحت إمرته من دون حاجة إلى استفتاء، فقد انصاعت الأكثرية من أهل النفوذ والقرار في لبنان للأمر الواقع، الذي استمر حوالى ثلاثين سنة، ولا يزال ساري المفعول على عدد كبير من أهل النفوذ والقرار اللبنانيين إياهم، وإذا ما اعترض أحد دفاعاً عن الاستقلال والسيادة، قيل له إن هناك معاهدة موثقة بين الدولتين (سورية ولبنان) عنوانها «معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق».

أخيراً بمعاهدة، ومن غير معاهدة، توحد الشعبان اللبناني والسوري في المصيبة. فقد فاق عدد الإخوة والأخوات، والأبناء والأحفاد، من السوريين النازحين إلى الوطن الشقيق، المليون ونصف المليون، والحدود غير المرسّمة مفتوحة حيث تيسرت الطرق والمنافذ. إنه الواجب الوطني والإنساني الحق. ونقطة على السطر بكل ما تعني الكلمة.

وبهذا المعنى، وسواء عُقد مؤتمر «جنيف – 2» أو تأجل، فإن لبنان يُعتبر الممثل الشرعي للشعبين، اللبناني والسوري، المتحدين في المصيبة، وإذا ما اعترض أحد فمن حق لبنان أن ينطق باسم الشطر المعارض من الشعب السوري المقيم على أرضه، أي أن من واجبه أن يكون داعماً للوفد السوري الذي يمثل المعارضة. هذا إذا تمكنت فصائل المعارضة، المدنية والعسكرية، من التوصل إلى اتفاق على ورقة عمل واحدة تواجه بها، ليس فقط النظام السوري بصفته الجهة – الخصم، إنما أيضاً المجتمع الدولي الذي لا يستطيع أن يكون أشد إخلاصاً لقضية الشعب السوري من وفده المعارض الذي سيمثله في المؤتمر.

لا يزال النظام السوري يتظاهر بعدم ترحيبه بأي مؤتمر دولي، على أي مستوى، لإيجاد حل لأزمة سورية إنه يمثل دور «الممانعة»، وهو الدور الذي اشتهر به منذ أربعين سنة من حكمه. لكنه، في سياق مؤتمر «جنيف – 2» هو الأشد حماسة واستعجالاً لعقده. يؤكد ذلك الدور الناشط، والناجح، لوزير الخارجية الروسي ممثل الرئيس فلاديمير بوتين الذي أصبح، بفضل نظام الأسد، رجل الشرق الأوسط الأول، ومنافس الرئيس الأميركي باراك أوباما على واجهة الزعامة العالمية.

ثمة رهان روسي – سوري على مؤتمر «جنيف – 2» لدفع ممثلي الثورة المدنية والعسكرية إلى حلبة النزاع أمام العالم. فالنظام يحتاج إلى فرصة لإعادة جمع أشتات دولته. وسيخسر الائتلاف السوري الفرصة إذا تركها غنيمة للنظام. وإذا كانت دولة النظام قد تمزقت، فإن الشعب السوري يفقد مقومات كيانه الوطني والقومي، كما يفقد دفعات من شباب جيـــله الطالع، فضلاً عن تداعي ركائز ثرواته وضمانات مستقبله. ولعل الأخطر من كل ذلك هو سقوط حجر الزاوية في بنيان المنطقة العربية، ليس فقط أمام إسرائيل، بل أمام كل المتربصين الطامعين بالسيطرة على واجهة الشرق الأوسط.

لم يعد مجدياً انتظار أي تحول إيجابي في موقف النظام. وقد بات من العبث الأخذ في الحساب احتمال أن ينقلب الموقف الأميركي والأوروبي من الغموض والاعتدال إلى الحسم في التعامل مع الكارثة السورية. ليس الحسم بمعنى التدخل العسكري، بل الحسم بإعلان النظام خارجاً عن القانون الدولي، ومجرداً من شرعيته. لكن، بمن تعترف الولايات المتحدة ودول أوروبا، وغيرها من دول العالم، لقيادة سورية الجديدة؟… هذا سؤال لا جواب عليه بعد.

وسط هذه المعمعة أين لبنان؟ إنه مدعو إلى مؤتمر «جنيف – 2» باعتباره دولة عربية تتمتع بحق المشاركة، إلا أنه في الواقع، هو المعني الأول والشريك الطبيعي للشعب السوري في مستقبله.

فهل باستطاعة وفد لبنان إذا وصل إلى «مونترو»، وبعدها إلى جنيف، أن يرفع صوته كما قد يرفع الوفد السوري المعارض صوته؟

ليس المطلوب أن يكون لبنان في جنيف أو غيرها رأس حربة في يد الوفد المعارض أو الوفد النظامي. المطلوب ليس أكثر من أن يعلن وفد لبنان أنه شريك الشعب السوري في محنته التي طالت.

لكن، هذا أمر صعب، إن لم يكن شبه مستحيل. فلبنان الدولة بالع الموس، وفي فمه ماء كثير. لذلك، سيكون في جنيف الشاهد الشهيد الذي ينتظر من وفود الدول الأخرى أن ترحمه وأن تقول نيابة عنه ما يجول في خاطر المواطن اللبناني الصابر على الظلم، مثل المواطن السوري، وأكثر من ذلك لأنه مجرد جار مستضعف، بسبب بعض قياداته، وليس بسبب طبعه.

لقد غرق اللبنانيون في قاموس المصطلحات السياسية الغامضة. وإذ تتكرر إعادة هذه المصطلحات والمفردات، فإن النتيجة واحدة: لا أحد يفهم إلى أين يذهب لبنان.

أسوأ ما في هذا الوضع ليس أنه من دون أفق أو من دون فتحة ضوء، إنما الأسوأ والأخطر أن فرص تغيير هذا الوضع ستكون أصعب مع مرور الزمن. فالدولة، بمعنى الوظيفة الرسمية، والمؤسسة على دستور وقوانين، تتخلى عن مسؤولياتها للطوائف، وهذه تنصرف إلى تنشئة أجيالها، بمالها من إمكانات، على ثقافتها المذهبية، وعلى تقاليدها، وعلى رؤيتها لمعنى التطور والارتقاء، والعدالة والحرية.

هذا وضع لبناني لم يكن له أساس متين قبل نشوء الوضع العسكري السوري الذي دمج لبنان في ثقافته الخاصة، في السياسة الرسمية، وفي القرارات المصيرية.

الآن، يكتشف اللبنانيون المراقبون كيف تنتشر المدارس الابتدائية، والثانوية، والجامعات، والمستوصفات، والمستشفيات، على أسماء الطوائف، والمذاهب، وإذا كانت هذه الخدمات لا تتعارض مع مصلحة المواطن المحروم من حقوقه على الدولة، فإنها بالنتيجة، لا بد من أن تتعارض مع مفهوم وحدة المجتمع، ووحدة الانتماء إلى الدولة الواحدة والشعب الواحد، والولاء للوطن الواحد.

هل يستطيع أي لبناني أن ينكر الواقع الذي يؤكد له أن كل طائفة تعمل على قاعدة أنها إن لم تفعل ذلك فلن يكون لها حضور، ولا دور، ولا حساب، ولا مستقبل في هذه البلاد؟

قد تكون هذه الفقرة خارج سياق موضوع مؤتمر «جنيف – 2»، لكن ليس من المبالغة القول إن مستقبل لبنان أصبح مرهوناً بمستقبل سورية، وإن مستقبل سورية سيبدأ بعد مؤتمر «جنيف – 2»، سواء عُقد هذا المؤتمر أو لم يعقد، وسواء نجح أو فشل. فليس مجرد أمر عارض أن يلتقي ممثلو ثلاثين دولة في عاصمة الأمم لتقرير مصير دولة متهالكة تتبعها دولة لبنان.

لربما كانت هذه الصورة مفجعة، لكنها هي الواقع الحقيقة. ولعل اللبنانيين، وعلى رؤوسهم قادة الطوائف والمذاهب، ورؤساء الأحزاب اليسارية، واليمينية، في حاجة إلى القليل من الجهد والشجاعة للجهر بما يفكرون وما يضمرون ويعرفون. ذلك أن اللبنانيين المنتشرين في أرجاء وطنهم، وفي ديار الاغتراب، العربية، والعالمية، يدركون هذه الحقيقة، وإن خاف بعضهم الإفصاح عنها.

إذا كان لبنان، في الجغرافيا والتاريخ، جزءاً من «سورية الطبيعية»، فإنه ليس جزءاً من الكيان السوري، وهو لا يزال نظاماً قابلاً للإصلاح، ودولة قابلة للبقاء والاستمرار.

لقد انتهى دور سورية في الصراع العربي – الإسرائيلي لجيلين، على الأقل.

وإذا كانت خطوط الدم قد رسمت خريطة مستقبل الشعب السوري لعهد جديد، فإن هذا الشعب الذي اتحد بالعروبة وجعلها عقيدة مقدسة، كما الأديان السماوية، فإنه لا يزال محتفظاً بالوديعة والأمانة في عنقه، وهي أن يعود شقيقاً مخلصاً ووفياً للشعب اللبناني الذي يشاركه الحاضر، والمستقبل، والمصير.

فلينتظر اللبنانيون، والسوريون، وسائر العرب، ما بعد مؤتمر «جنيف – 2»… وربما «جنيف – 3»… أو أكثر.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

جنيف 2 مهدّد إذا لم تشارك المعارضة لبنان مستاء من الثناء من دون المساعدة/ خليل فليحان

ركزت الاتصالات الجانبية التي شهدتها الكويت العاصمة على استفسار الامين العام للأمم المتحدة بان كي – مون من بعض رؤساء الوفود الذين التقاهم عما اذا كان لديهم تأثير على المعارضة السورية لاقناع أركانها بالمشاركة في مؤتمر جنيف 2 الذي سيعقد في مونترو بسويسرا الاربعاء المقبل في 22 من الجاري،لانه وفق تعبيره “هو فرصة مؤاتية ومحاولة جدية لفتح حوار بين ممثلين للنظام والمعارضة بصورة مباشرة او غير مباشرة، عبر الممثل الاممي والعربي الاخضر الابرهيمي المكلف ادارة جلسات الحوار بين الفريقين المتحاربين في 24 من الجاري في قصر الامم المتحدة في جنيف، ابتداء من 24 الجاري”. ويعتبر انها “فرصة لا يمكن التقليل من أهميتها لانها ستمهد بشكل جيد لوقف النار وتاليا لاعادة الهدوء الى الاراضي السورية ولاعادة بناء ما تهدم في سوريا”.

هذا ما أفادت به دوائر ديبلوماسية غربية وعربية في العاصمة الكويتية “النهار”، مؤكدة أن وزير الخارجية الاميركي جون كيري تحدث عن ضرورة مشاركة المعارضة، لان ذلك يبعث على الامل في امكان التدرج الى هدنة ثابتة في انتظار معالجة العوائق التي حالت الى الآن دون عقد مؤتمر جنيف 2. واعترف بأن المساعي التي بذلها في هذا المجال لم تؤد الى نتيجة عملية تضمن مشاركة من يجب ان يحضر ويكون فاعلا، وأن مقاطعة المؤتمر تعني استمرار العنف الذي يمارسه النظام، ولا سيما بعد ازدياد مقاتلي التنظيمات الاصولية التي لم تقاتل النظام فقط، بل المعارضة ايضا وتحديدا الجيش السوري الحر”.

وذكر مسؤول عربي في الكويت لـ”النهار” ان الابرهيمي اتصل بأكثر من رئيس وفد من أجل المساعدة على اقناع معارضة الخارج بأن تتمثل في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الاربعاء المقبل في مونترو والجمعة في جنيف، لأنه في نظره لا معنى لعقد المؤتمر اذا لم يشارك ممثلون فعليون للمعارضة وهو ما لم يتأكد حتى ليل أمس. وأكد أن روسيا تسعى مع ايران الى تأمين وقف نار انساني كما دعا اليه الامين العام للأمم المتحدة في الكويت من أجل ايصال المساعدات الغذائية والطبية للمدنيين السوريين المحاصرين في المناطق التي تشهد اشتباكات وترفض الهدنة لايصال مثل تلك المساعدات.

وأفاد مسؤول لبناني “النهار” ان ما يزعج المسؤولين هو أن لا بحث دوليا أو عربيا في امكان استيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين الى لبنان لتخفيف أعدادهم الهائلة التي تتدفق يوميا من دون انقطاع.

وقال: “لقد تبين ذلك من الوفود التي شاركت في مؤتمر الكويت، ولم يشأ البعض الرئيسي منها مناقشة هذا الموضوع، ودولها تستوعب سنويا الآلاف ممن يطلبون اجازات دائمة للدخول. اضافة الى ان ما تقرر في الكويت من زيادة حجم المساعدات لم يكن بالقدر الذي طلبه بان كي – مون، وهو 6 مليارات و400 مليون دولار اميركي.

وأعرب عن انزعاج لبنان من مسؤولي الدول التي ما زالت تثني على أهله لاستيعابهم أعدادا كبيرة من السوريين والفلسطينيين، فيما يتركون تلك الاعداد تتضاعف مما يزيد في حجم المخاطر الديموغرافية والامنية لان نسبة مرتفعة من مخالفي القوانين اللبنانية من اللاجئين السوريين في السجون. وينعكس ذلك على الاضطراب في الحركة الاقتصادية وتراجع الاستثمار العربي والاجنبي الى أدنى المستويات.

النهار

وقف النار أولاً/ محمد إبرهيم

بحلول موعد انعقاد “جنيف – 2” يبدو طرفا الحرب الأهلية السورية وقد استنفدا كل الفرص التي أتيحت لهما لحسم هذه الحرب عسكريا. فالمعارضة التي تعرّضت لنكسات متوالية لم تعد تنتظر استئناف زخم تفكك النظام. والمعارك في شمال سوريا وشمال شرقها مع “داعش” تجعل قاعدة انطلاقها نفسها مهتزّة.

والنظام الذي انتقل من الدفاع الى الهجوم ثبت في الأشهر الأخيرة أن وتيرة قضمه العسكري لمواقع المعارضة بطيئة الى حدّ جعل تجويع المحاصرين الوسيلة الأبرز لفرض الاستسلام عليهم. لقد ثبّت النظام قاعدته، لكن بين ذلك وإعادة بسط سيطرته على سوريا مسافة ليست ضمن إمكاناته ولا إمكانات الدعم القتالي المباشر الذي يتلقاه عبر العراق ولبنان.

وما ينطبق على الطرفين الداخليين للحرب الأهلية ينطبق على رعاتهما الإقليميين، فتركيا والسعودية وقطر تستطيع ان تمنع حملة عسكرية كاسحة للنظام، لكنها أدركت، ولا شك، أن سيناريو إسقاط النظام بالقوة أصبح بعيد المنال. وفي المقابل إيران وروسيا اللتان انجزتا منع سقوطه تدركان أن القوى الدولية المتجمّعة خلف المعارضة أكبر من الطموح الى هزيمتها في معركة تكاد تعادل السيطرة على قلب الشرق الأوسط.

في العلاقات الأميركية- الروسية، ومنذ ما قبل اللحظة الحرجة التي شكّلها التهديد الأميركي بتوجيه ضربة عسكرية للنظام، كَمَن دائما الإقرار بأن نهاية الأزمة السورية لا يمكن أن تأتي إلا عبر تسوية. أميركا وصلت الى هذا الاستنتاج بعدما تأكّد انّ روسيا ستمنع الى ما لا نهاية استخدام مجلس الأمن غطاء لإطاحة الأسد، وروسيا لم توحِ يوما بأنها تراهن على طرد الأميركيين، أو أنها تسلّم فعليا بـ”الهلال الشيعي” أساسا لمواجهة الأميركيين في المنطقة. منذ البداية انتظر الروس الأميركيين كي يصلوا الى الاقتناع بأن الحلّ في سوريا هو توافق دولي، وتبعهم الأميركيون في انتظار ان يصل حلفاؤهم الإقليميون إلى هذا الاستنتاج.

مشاريع وقف إطلاق النار الموضعية والممرات الإنسانية وإطلاق المعتقلين، تبدو اليوم الخيار الروسي- الأميركي لترجمة القرار بإنهاء الحرب في سوريا، وذلك في موازاة المفاوضات التي ينتظر أن تتحوّل في جنيف، من السعي لحسم القضايا الكبرى أولاً، الى “لجنة ارتباط” تنفّذ مشاريع السلم بالتقسيط على الأرض.

هذه العملية الطويلة معرّضة بالتأكيد للتخريب المحلّي من الطرفين في المعارضة والنظام، اللذين يعرفان أن مآل التسويات لا بدّ أن يتم على حسابهما، لكن دائرة دعمهما الإقليمية تضيق. واتجاه تركيا وإيران الى استباق التوافق الدولي ببناء الجسور بين موقفيهما، ليس فقط في سوريا وإنما أيضا بما يشمل العراق، ومشاريع الطاقة حيث إيران هي المصدَر وتركيا هي الممر، هذا الاتجاه يلاقي التوافق الروسي- الأميركي بتوافق الخزّانين الإقليميين للنزاع السني- الشيعي، بما يفرض خيار التجميد على كل أطرافه.

النهار

على طريق “الوليمة الكبرى”/ سعد محيو

“الحرب السورية باتت حرباً لا تُربح. ولأن القوى السورية ترفض بعضها البعض، فأن  مفاوضات مؤتمر جنيف -2 قد تفشل. ولذا، لامناص من منح الأولوية للحلول الخارجية، وبالتالي من قيام الدول الكبرى بفرض الحلول على السوريين”.

هكذا تحدث  بوضوح الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر.

“نفض الغبار عن قرارات جنيف-1  بعد سنة من توقيعها خطوة إيجابية، لكنها عرضة إلى مخاطر جمة قد تطيح الكيان السوري نفسه وتفجّر الوضع الإقليمي برمته. ولكي يتجنّب الغرب مثل هذا المصير الذي يهدد مصالحه، يتعيّن عليه تصعيد مناوراته الدبلوماسية وجعل انهاء الصراع على رأس أولوياته بدل أن تكون الطموحات السياسية لدوله هي هذه الأولويات، كما الأمر الآن”

وهكذا تحدث بصراحة خافييه سولانا، مسؤول الشؤون الأمنية والخارجية السابق في الاتحاد الأوروبي.

وبين كارتر وسولانا، كانت ترتسم في الأفق معالم مؤتمر دولي حول سورية (جنيف-2) لاعلاقة حقيقية له في العمق بسورية والسورييين، وله كل العلاقة بالصراعات الدولية العنيفة، وإن المستترة، حول النظام العالمي الجديد.

الأمر الآن شبيه إلى حد بعيد بالأشهر التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط غداة الحرب العالمية الأولى، حين ماتت امبراطورية (العثمانية) ولم تولد مكانها بعد آنذاك امبرطوريات أخرى (فرنسية وبريطانية ثم أميركية). فالجفرافيا العثمانية التي كانت موحدة طيلة 400 عام، تحولّت إلى أشلاء، وتبعثرت معها الهوية الراسخة السابقة الإسلامية العثمانية لتحل مكانها هويات جديدة أخترعها سايكس وبيكو ورسموا حدودها بالقوة.

صحيح أن الامبراطورية الأميركية لم تمت، وأنها قد تبقى  حيّة وتركل إلى عقود عدة مقبلة. لكن الصحيح أيضاً أنها باتت تدرك حدود قوتها، وتمد يدها إلى من يفترض أنهم خصومها، من روسيا إلى إيران مروراً بالصين بهدف تسهيل تقهقرها المنظّم في الشرق الأوسط. هذا في حين أن الهويات الوطنية والعروبية والإسلامية تتهاوى الآن على وقع تهاوي حدود سايكس- بيكو.

هذه المعطيات هي الآن الجوهر الحقيقي لموتمر جنيف-2. فلا هذا المؤتمر، ولاحتى جنيفات عديدة بعده، سيتمكّن من وضع حد لـ”حروب الآخرين” على أرض سورية، قبل أن يولد نظام إقليمي شرق أوسطي جديد تتحدد فيها أدوار القوى الإقليمية والدولية.

وهذا يعني، ببساطة، أن جنيف-2 سيكون في الواقع مجرد “استراحة محارب”. فترة هدنة بين حربين. أو على الأقل منبراً تطرح فيه القوى الدولية والإقليمية المعنية شروطها وشروطها المضادة، ومطالبها الخاصة بمناطق نفوذها في الإقليم الشرق أوسطي.

أما سورية نفسها، فستبقى بيدقاً في لعبة شطرنج دولية كبرى جديدة، يفترض أن يولد من رحمها نظام دولي جديد بدأت معالمه تتضح شيئاً فشيئاً في استراتيجية الاستدارة الأميركية شرقاً نحو آسيا (Pivot )، وفي التحالف (المؤقت) الصيني- الروسي لتقليم أظافر الزعامة الأميركية في العالم عبر كلٍ من سياستي “القضم التدريجي” الروسية الشهيرة و”الصبر التاريخي” الصينية الأشهر، وفي بروز مجموعتي العشرين والبريكس كبديل عن مجموعة  السبعة الكبار الغربية (مع روسيا لاحقا) التي حكمت العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وحين يبرز هذا النظام العالمي الجديد، الذي يجد الآن في جنيف-2 إحدى محطات تمخضات ولادته، قد ينجلي المشهد عن خريطة شرق أوسط جديدة يحل فيها بريماكوف وكيري (أو من يخلفهما) مكان سايكس وبيكو، ويعاد رسم خرائط الدول من جديد، انطلاقاً من سورية أولاً ثم العراق، أو العكس.

وهذه الحصيلة هي المضمون الحقيقي لحديث كارتر عن “منح الأولوية للحلول الخارجية في سورية”، ولتشديد خافييه سولانا على ضرورة وضع مصالح الغرب ككل فوق المصالح الخاصة لدوله منفردة، في مواجهة القوى الدولية والإقليمية الأخرى.

ولاعجب. فالأزمة السورية دشنت بدء التحضير لوليمة دولية كبرى، يتسابق خلالها الجميع على حجز مقاعد فيها، فيما سورية وبقية المناطق العربية مجرد عناوين على لائحة الطعام.

المدن

مؤتمر جنيف 2 لا يقبل القسمة على 2!/ د. شمسان بن عبد الله المناعي

مع قرب انعقاد مؤتمر جنيف 2 الذي يعقد بتاريخ 22 يناير (كانون الثاني) الجاري لإيجاد حل لقضية الشعب السوري وهو مؤتمر الفرصة الأخيرة، تتزايد وتيرة الاتصالات بين أطراف كثيرة من الدول الكبرى والمنظمات الدولية ليس حرصا في رأيي على إيجاد حل للقضية السورية، ولكن لكسب أكبر قدر من الغنائم على حساب الشعب السوري، وبذلك تصبح قضية الشعب السوري وحقه في تقرير مصيره ومستقبله لبعض الأطراف الدولية، فرصة مناسبة لتصفية حسابات بين بعض هذه الدول والمنظمات يكون فيها الشعب السوري هو الذي يدفع الفاتورة في النهاية.

مؤتمر جنيف 2 سوف يقرر ليس مستقبل الشعب السوري فحسب، إنما كذلك مستقبل الأمم المتحدة وقدرتها على القيام بأهم أدوارها التي أنشئت من أجلها وهو حق الشعوب في تقرير مصيرها، ونحن هنا بدورنا كشعب عربي نتساءل: وماذا بعد كل ذلك؟ لقد حققت كثير من الأطراف الدولية والأحزاب العولمية التي تفتعل الأزمات في العالم أهدافها من خلال قضية الشعب السوري، فمن هذه الدول والأحزاب العولمية من كان هدفه أن يبقى النظام الاستبدادي في سوريا حتى وإن اقتضى ذلك تصفية الشعب السوري عن بكرة أبيه، لأن هذا النظام يمثل لها الثقل السياسي وبقاءها مرهون ببقاء النظام السوري في المنطقة مثل إيران وحزب الله، ومن هذه الدول من حققت هدفها في أن يصبح لها دور سياسي في العالم كبعض الدول الأوروبية، ومن هذه الدول من كان هدفها تدمير الترسانة النووية والكيماوية للنظام السوري حتى تبقى إسرائيل هي القوة العظمى في المنطقة وقد حققت هذا الهدف بالفعل، وكذلك جرى حلحلة قضية الأزمة مع إيران حول برنامجها النووي وهكذا، وكأن قضية الشعب السوري كعكة يجري تقاسمها بينهم، وقضية يجري على حسابها عقد الصفقات وإبرام الاتفاقيات. والآن يأتي الفصل الأخير للعبة بين الأمم على حساب قضية الشعب السوري، وهي القضية التي كان يجب أن تكون محور الاهتمام الدولي منذ البداية، ولكن يبدو أنه ليس لهذه القضية أي أهمية للأطراف التي تدعي أنها تريد حل للشعب السوري، ولذا سوف يضع جنيف 2 الجميع على المحك والمصداقية الدولية ويكشف النوايا الحقيقية تجاه قضية الشعب السوري، إن كان تبقى شيء من المصداقية للدول الكبرى التي تتحاور خارج السرب، وسوف يتضح إن كان هدفها قضية الشعب السوري أم أن هذا الهدف ما هو إلا مجرد لعبة يقومون بها لتحقيق أهدافهم الخاصة.

أبعد كل ما اقترفه النظام السوري من جرائم قتل وإبادة ومجازر بالأسلحة الكيماوية بحق شعبه، وتشريد له من أرضه حتى وصلت هذه القضايا إلى قضايا يجب أن يحال من هو مسؤول عنها إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما دعت إليه كثير من منظمات حقوق الإنسان، أبعد هذا كله يحق لحاكم ديكتاتوري دموي أن يكون موضع نقاش في أن يحضر أو لا يحضر المؤتمر؟ وبذلك ينقلب ميزان العدل في العالم، ويضيع حق الشعب السوري في تقرير مصيره في مؤتمر جنيف 2، إذا كان المتحاورون في المؤتمر سوف يتساوى لديهم الجلاد والضحية فدعونا نقل منذ الآن على منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن السلام ونقرأ عليهما الفاتحة إن كانا يستحقانها!

ونذكر هنا – وللتاريخ عبر ودروس – بأن الدول الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية دخلت في الحرب الباردة، التي كادت تؤدي بالعالم إلى حرب عالمية ثالثة، وكان للأمم المتحدة رغم حداثة نشأتها ثقلها السياسي ومكانتها الدولية، فكانت تلعب الدور الأكبر لحل قضايا العالم وعملت على تحرير كثير من الشعوب ومساعدة هذه الشعوب على نيل استقلالها، ولم تثنها تداعيات الحرب الباردة عن القيام بدورها في قضايا العالم، وكان زعماء العالم الكبار رغم احتدام الصراع فيما بينهم في ذلك الوقت، يتصرفون بحكمة ومسؤولية، وكانوا يلتقون على طاولة المفاوضات في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ويتحاورن حول مختلف القضايا الدولية، والآن يحدث العكس ففي عالم القطب الواحد أصبح مصير الشعوب وحقوقها تحل في حوارات وصفقات ثنائية، وأصبحت الأمم المتحدة ومجلس الأمن عاجزين عن إيقاف ديكتاتور دموي عن قتل شعبه، ومن المفارقات العجيبة أن روسيا، التي تطحنها الأزمات الاقتصادية الخانقة، وهي الجمهورية الرئيسة التي بقيت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والتي أصبحت تنشط اقتصادها المنهار بالاعتماد على تجارة الأسلحة وتأجيج الحروب والأزمات الإقليمية في العالم حتى لا تصاب بالكساد التجاري الحربي وتنهار اقتصاديا، أصبحت طرفا رئيسا في حل قضية الشعب السوري، ولذا فهي تحرص كل الحرص على بقاء النظام السوري حتى تجد من يشتري من أسلحتها القديمة، ويدفع لها من قوت شعبه وهذا ما يقوم به النظام السوري.

وحتى لا نشط بعيدا عن صلب موضوعنا، وعلى الرغم من كل هذه المقاصد البعيدة كل البعد عن الهدف الأساسي لجنيف 2، نقول إنه إذا لم يجر تفعيل المبدأ الرئيس الذي جرى الاتفاق عليه في جنيف 1 في مؤتمر جنيف 2 وهو تشكيل حكومة انتقالية يجري بعدها إعطاء الشعب السوري الحق في تقرير مصيره بنفسه، ولا يكون للأسد أي دور فلا حق لأي طرف من الأطراف المشاركة في جنيف 2 مهما كانت قوته، أن يجبر الشعب السوري الذي يمثله الائتلاف الوطني، أقول لا أحد يستطيع إجباره على قبول ما يجري الاتفاق عليه في المؤتمر، وإن مؤتمر جنيف 2 لا يقبل القسمة على اثنين: فإما أن يكون الشعب السوري وقواه الوطنية بمختلف انتماءاتها هو الممثل الحقيقي لشعبه وتكون له الكلمة العليا في المؤتمر، وإما أن يعترف الراعون للمؤتمر بأن المؤتمر فشل قبل أن يبدأ، وعليهم أن يرحلوا من حيث جاءوا! بعد ذلك تتحمل الأمم المتحدة النتائج المترتبة، على فشل المؤتمر لأن ذلك يعني بقاء الوضع على ما هو عليه، او تقسيم سوريا إلى دولتين والسفينة التي يقودها قبطانان تغرق في النهاية!

الشرق الأوسط

خلاف المعارضة على الذهاب لجنيف/ عبد الرحمن الراشد

 عدد من أعضاء الائتلاف السوري المعارض رفعوا راية العصيان ضد قيادتهم بحجة الاعتراض على الذهاب إلى مؤتمر جنيف 2، لكن في الحقيقة سبب الرفض الحقيقي هو خلاف على رئاسة الائتلاف ولا علاقة له بجنيف. الهدف كان إسقاط رئاسة الائتلاف الحالية، وعندما فشلت المحاولة نتيجة تصويت الأغلبية باستمرار أحمد الجربا رئيسا لستة أشهر أخرى، أعلنوا انسحابهم من الائتلاف اعتراضا على جنيف.

أما الذهاب إلى المؤتمر الدولي نفسه فليس هناك خلاف كبير بين الأعضاء عليه. تقريبا الجميع ليس متحمسا للذهاب إلى جنيف، طالما أنه لا يوجد موقف دولي واضح ضد جرائم نظام الأسد. إنما تعرف الأغلبية أنها مضطرة للمشاركة في المؤتمر، كجزء من واجبات العمل السياسي ومن دونه تتضرر الثورة.

الائتلاف وحلفاؤه العرب، وكذلك بعض الدول الكبرى مثل فرنسا، صريحون بأنهم يريدون التأكيد على قرارات مؤتمر جنيف 1 شرطا لأعمال المؤتمر الثاني.

فمؤتمر جنيف السابق عقد في ظروف أفضل، عندما كان الجيش الحر في موقع قوة والنظام السوري يخسر على الأرض، وكان الدعم الإيراني وحزب الله والروسي لم يبدأ بعد بشكل كبير. ووفق ميزان القوى على الأرض، آنذاك، اتفق المؤتمرون، بمن فيهم الروس، على تأييد إقامة نظام سوري جديد من دون بشار الأسد. كان قرارا مهما، والائتلاف الآن يشترط لحضوره الإبقاء على ذلك القرار التاريخي وتأسيس الحوار على مستقبل سوريا بناء عليه.

الغياب دائما يضر بالطرف المتغيب، ولهذا نرى الإيرانيين يزبدون غضبا لأن دول الخليج وأوروبا نجحوا حتى الآن في منع الإيرانيين من المشاركة.

في جنيف سيصنع مستقبل سوريا، ولا يعقل للمعارضة أن تبقى تشاهد أخباره على شاشات التلفزيون. تذكروا أن حركة فتح الفلسطينية لو لم تكن طرفا في مفاوضات أوسلو لانتهت، وكانت القوى الكبرى قد اخترعت رموزا فلسطينية بديلة لها. والشيء نفسه صحيح في المؤتمرات التي سبقت غزو العراق، فالفرقاء العراقيون الذين قاطعوا تلك الاجتماعات الدولية اختفوا من الخريطة السياسية لاحقا.

هناك جماعات سورية معارضة محسوبة على نظام الأسد تقف بالباب وتتمنى أن تعطى كرسي المعارضة في مؤتمر جنيف، لأنها تعرف أن الأزمة السورية ليست مسألة يسهل حسمها على الأرض، وأن التوافقات الدولية قد تقرر لاحقا من يحكم سوريا.

المؤسف في حال المعارضة السورية تقديم المصالح الشخصية، مثل الخلاف على الرئاسة والمراكز، على المصلحة العامة، في وقت يقدم فيه الشعب السوري أبناءه قرابين لمشروع التغيير. أما المشاركة في مؤتمر جنيف من عدمها فمسألة هم أقدر على الحكم عليها وفق تنسيقهم مع القوى الإقليمية والدولية حتى يصبح القرار قويا ومؤثرا. بالنسبة للنظام السوري لم يتردد في القبول، وهو يتمنى أن يغيب الائتلاف حتى يصبح وفد الأسد الطرف السوري الوحيد، ليرمم شرعيته المكسورة. ولهذا الغرض أرسل الأسد أقوى دبلوماسييه لمعركة مؤتمر جنيف.

لا يعقل أن يبذل الدبلوماسيون الموالون للثورة السورية كل هذا الجهد لفرض المعارضة على مؤتمر جنيف، ويعاركون من أجل منع جماعات معارضة من اختراع الأسد ويدعمها الروس والإيرانيون من تمثيل الشعب السوري، ويقاتلون دبلوماسيا أيضا لمنع إيران من المشاركة، ويضعون شروطا مهمة مثل قرارات مؤتمر جنيف الماضي، وبعد هذا كله يأتي من يسفه بهذه الوظيفة إما دون تفكير سياسي حصيف أو فقط بسبب أنه لم يصبح رئيسا للائتلاف!

الشرق الأوسط

مؤتمر مونترو … والسوريون المحاصرون/ ديفيد ميلباند

قلما تمخض مؤتمر سلام عن إحلال ذلك السلام المنشود بصورة مباشرة، ولم يكن أي من تلك المؤتمرات أقل إثارة للتفاؤل من ذلك المزمع عقده يوم الأربعاء المقبل في مدينة مونترو السويسرية، لمناقشة الأوضاع في سوريا.

ومثلما أفاد وزير الخارجية الفرنسي، «هناك قدر كبير من الشكوك بشأن التقدم الذي يمكن إحرازه».

وعليه، إذا كان السلام المنشود لا يمكن التوصل إليه، عندئذ يجب أن يعيد المؤتمر ـ في أدنى تقدير ـ المقومات الإنسانية الأساسية إلى مجرى الحرب، ويعني ذلك التعامل مع الوضع المأساوي الذي يُحتجز فيه المدنيون السوريون بسبب القتال من دون غذاء أو رعاية صحية أو آمال.

وكثيراً ما توصف المشكلة على أنها تتعلق بوصول وكالات المساعدات الإنسانية، لكن ذلك يبدو مثل وصف شخص يتعرض للخنق بأنه يعاني من نقص التعرض إلى الهواء، فالمشكلة أكبر من ذلك، إذ أن الشعب السوري يواجه مشكلات جمة ويقع تحت حصار.

واضطر ما يربو على تسعة ملايين نسمة إلى مغادرة منازلهم، وتم تخريب أو تدمير نحو ثلث المساكن في الدولة، وباتت الخدمات العامة محطمة، فبحلول الشهر الماضي كان قد تمت إزالة نحو 40 في المئة من المستشفيات، كما تعرض نحو 20 في المئة منها إلى أضرار شديدة، بينما أُجبر نحو مليوني طفل على ترك مدارسهم العام الماضي.

وتوجد لدى الأمم المتحدة أفضل تقديرات عن الحاجة الملحة، إذ أشارت إلى أن نحو ربع مليون مدني محاصرون تماماً في حمص وحلب ودمشق الكبرى، كما تقدر المنظمة أن 2.5 مليون شخص يعيشون في مناطق يصعب الوصول إليها مثل الحسكة.

وليس من الصعب إدراك السبب في صعوبة الوصول إلى الناس، في ضوء التقارير اليومية عن كيفية استخدام القوات الحكومية الحصار كسلاح في الصراع، بينما تتقاتل الجماعات الثورية فيما بينها، ويبقى المدنيون محتجزين في المنتصف.

وفي واقع الأمر، بات مفهوم المدني البسيط – غير المقاتل- مفقوداً، لا سيما أن القناصة يطلقون رصاصهم على النساء، بينما أصبح الأطباء هدفاً، ويتم قصف الأحياء.

وقد ساعدت لجنة الإنقاذ الدولي زهاء مليون سوري على الحصول على رعاية طبية أثناء الصراع، لكن الناس يحرقون الملابس من أجل التدفئة، في حين يصدر رجال الدين فتاوى بجواز أكل القطط والكلاب، إضافة إلى تفشي مرض شلل الأطفال.

ولابد من معالجة هذه القضايا في مونترو، مع وجود خطط عملية للتطبيق والمحاسبة.

وبداية، لابد من التزام الحكومة والثوار السوريين بقانون الأوضاع الإنسانية الدولي، الذي يحكم الصراعات المسلحة، وهو ليس خياراً، فاستهداف المدنيين والمرافق الطبية وعمال المساعدات أمر غير قانوني، ولابد أن يتحداه داعمو كلا الفريقين.

وثانياً، يُفصّل البيان الرئاسي من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في الثاني من أكتوبر الماضي مسؤولية جميع الأطراف عن السماح بتدفق المساعدات، خصوصاً الطبية، غير أن هذا الأمر لم يتم احترامه، وأصبح مصدراً للسخرية من الأمم المتحدة ودولها الأعضاء.

وأيدت جميع الدول الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن، بما في ذلك روسيا والصين، بياناً الأمم المتحدة، فإذا كان قد تم تجاهله، فلابد من أن يكونوا على قدر التحدي وأن يدعموا قراراً أممياً ملزماً بالمعنى نفسه.

وثالثاً، لابد من شرط خاص من أجل الوصول إلى المجتمعات المحاصرة، وعلى طرفي الصراع تعيين وفدين مخولين بالتفاوض على تمرير المساعدات والمدنين عبر خطوط جبهة القتال.

ومن أفغانستان إلى السودان، توجد خبرات في التفاوض وتقديم المساعدات الإنسانية أثناء الحروب الأهلية، ولدى الأمم المتحدة مجموعة عالية المستوى، مؤلفة من الدول الأعضاء، تعمل تحت رعاية مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، وعليه، ينبغي أن يكون ضمان حصول الجوعى والمرعوبين على إغاثة محل تركيزها المباشر.

ورابعاً، يتعين أن يكون مصير حلب موضع اختبار لإحراز تقدم، إذ أن حلب هي أكثر المدن السورية اكتظاظاً بالسكان، ويعيش فيها ما يربو على مليوني نسمة.

وأضحت المدينة الآن مقسمة، ومن ثم هي جبهة أساسية للصراع تختبر إنسانية كلا الطرفين، وتعتبر حلب في منزلة سراييفو من البوسنة.

وإذا كان من المأمول يوماً أن تستعيد سوريا رونقها وجمالها، فيجب إنقاذ هذه المدينة من الانحدار إلى الهاوية.

وما لم يحدث أي شيء من هذا، فإن الثمن سيكون باهظاً، وسيدفعه الشعب السوري في صورة أمراض متفشية وقتل ودمار، وسيتم دفعه في أرجاء المنطقة بزيادة أعداد اللاجئين إلى دول يزيد عجزها عن التكيف معهم يوماً بعد يوم.

وعلاوة على ذلك، سيدفع العالم الخارجي ثمن ذلك بسبب تزايد الراديكالية السامة.

ومن السهل أن نتحدث عن «إنهاك المانحين»، والطوارئ المعقدة، وعدم وجود خيارات، لكن ذلك ليس مبرراً للعودة إلى عصور الظلام في قلب الشرق الأوسط.

ديفيد مليباند

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سرفيس»

الاتحاد

من لايشندام إلى مونترو/ عبدالله إسكندر

بدأت جلسات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تنظر في مقاضاة مرتكبي اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، وسائر الاغتيالات الاخرى المرتبطة به، مع قرب بدء اعمال مؤتمر «جنيف 2» للبحث في حل سياسي للصراع الدموي في سورية. قد يكون هذا التزامن بين بدء اعمال المحكمة الدولية المنعقدة في لايشندام، احدى ضواحي مدينة لاهاي في هولندا، وبين بدء جلسات المؤتمر الدولي في مدينة مونترو، في انتظار نقله الى جنيف، مجرد صدفة. لكن الدوافع الى اغتيال الحريري وسلسلة الاغتيالات الاخرى التي سبقته وتلته، في ظل النظام الامني السوري – اللبناني، هي نفسها التي جعلت السوريين يتحركون ويحتجون في الشوارع ويرفعون شعارات الحرية والديموقراطية والتعددية.

اي ان ما يجمع الحدثين الدوليين الكبيرين هو كونهما نتاج ظروف واحدة اوجدها النظام السوري، منذ «الحركة التصحيحية» في 1970، والتي تقوم على احتكار السياسة، بعد نزعها من المجتمع المدني وهيئاته، وإدارة الحكم عبر الأجهزة من جهة. ومن جهة اخرى اعتبار أن أي خلاف في الرأي مظهر من مظاهر التمرد ينبغي القضاء عليه بالقوة. وفي الوقت الذي كانت الاغتيالات المتكررة في لبنان تطاول الخصوم السياسيين للنظام السوري، كان الشعب السوري وهيئاته وأحزابه ونقاباته تتعرض للتهميش المنهجي وتخضع للممارسات الاعتباطية والقهرية للأجهزة. ومنذ المواجهات المسلحة بين النظام السوري وجماعة «الإخوان المسلمين»، أطلقت أيدي الأجهزة في إدارة كل شاردة وواردة في البلاد، وبات الطابع الطائفي طاغياً على ممارسات النظام. ومع إرساء النظام الأمني المشترك، انتقلت هذه الممارسات إلى لبنان، عبر الأجهزة السورية- اللبنانية، خصوصاً مع اتفاق الطائف الذي كان نقطة انطلاق الحريري في الحياة السياسية اللبنانية، بعد انخراطه بالأعمال الخيرية.

ولمع نجم الحريري في لبنان بعد توليه رئاسة الحكومة، وبات من أكثر زعماء السنّة تأثيراً، بفعل عوامل كثيرة ساعدته أيضاً على التحول شيئاً فشيئاً إلى شخصية دولية مهمة، وفي مرحلة صعود الحريري، كان النظام الأمني المشترك يزداد تغولاً في كل من لبنان وسورية، وأصبح في حال انكشاف كامل، خصوصاً بعد رحيل الرئيس حافظ الأسد وتولي ابنه بشار الرئاسة.

وهنا تختلط عوامل كثيرة، لتجعل العلاقة المميزة السابقة التي كان ينسجها الحريري مع أركان الحكم السوري تنتقل منه إلى «حزب الله»، خصوصاً مع الانحياز الكامل للنظام السوري إلى إيران. مع كل ما ينطوي عليه من إيحاءات طائفية. وفيما كان الحريري يفرض وجوده ودوره، على المستويين العربي والدولي، راح يجسد في شخصه صورة الزعيم السُني خارج حدود لبنان.

وجاء اغتياله بعد ظهور خصومة مع النظام السوري وبعد اتهامه بأنه كان وراء القرار الدولي الرقم 1559 في أيلول (سبتمبر) 2004، والذي يطالب كل القوات الأجنبية بالانسحاب من لبنان (بما فيها الجيش السوري) وحل كل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها (بما فيها «حزب الله») وبسط سيطرة حكومة لبنان على جميع أراضي لبنان. أي طالب القرار بتفكيك النظام الأمني- المشترك ونزع سلاح «حزب الله»، بما هو العمود الفقري في قوة محور «الممانعة» الذي بات طابعه الطائفي طاغياً.

لذلك اعتُبر اغتيال الحريري على المستوى الشعبي في لبنان، وفي سورية أيضاً، بمثابة اعتداء على السُنّة، وجرى تحميل النظام الأمني المشترك مسؤوليته السياسية. لكن النظام السوري وأجهزته تتحمل مباشرة مسؤولية وأد «ربيع دمشق» والمطالب السياسية التي رفعها، ومسؤولية اضطهاد الشخصيات التي قامت بهذا التحرك وما تبع ذلك من حملة قمع واسعة.

من المفترض أن تحدد المحكمة في لايشندام المسؤوليات الجنائية عن اغتيال الحريري، كما أنه من المفترض أن يحاكم مؤتمر «جنيف 2» النظام السوري.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى