برهان غليونبشير البكربكر صدقيسمير العيطةصفحات مميزةفايز سارهلؤي صافيميشيل كيلو

مقالات لكتاب سوريين تناولت “جنيف 2”

جنيف والمسألة الوطنية السورية/ منير الخطيب *

تقتضي إعادة بناء الوطنية السورية على مرتكزات ومقدمات جديدة، تتجاوز واقع تراصف الجماعات ما قبل الوطنية، وترتقي إلى حجم التضحيات الأسطورية التي قدمها السوريون طيلة خمسين عاماً، النظر إلى جنيف -2 أو 3 (بغض النظر عن رقمه)، بعين «السياس- تاريخ»، وليس بعين سياسوية ذاتوية. جنيف ليس مؤتمراً يعكس موازين القوى العسكرية ميدانياً، كما يراه البعض، بل ينبغي أن يعمل السوريون كي يكون مدخلاً لسيرورة تأسيس للسياسة، بوصفها عملاً، يتجه إلى إنضاج مقدمات الوطنية.

فأزمة تشكل الوطنية السورية ليست برجحان موازين القوى العسكرية لمصلحة النظام، لا بل يذهب تشكّل المسألة الوطنية، أساساً، على طول الخط باتجاه نزع العسكرة وثقافتها وسيكولوجيتها. ثم، ليس دقيقاً ما يروج له إعلامياً: بأن النظام بعد معركة القصير، التي حسمتها ميليشيات حزب الله، هو في الموقع الأقوى، فهذا الكلام الإعلامي يصح في حالة حرب بين دولتين، وليس بين شعب يتطلع للخلاص من الاستبداد، وسلطة تريد الحفاظ على سلطتها كغنيمة.

فأهم عناصر ميزان القوى انهيار مرتكزات «الدولة-التسلطية» منذ الأشهر الأولى للثورة، وفي مرحلتها السلمية، وعدم قدرة السلطة على إعادة تركيب بنيتها التاريخية (نواة أمنية وعسكرية مذهبية وأغلفة رخوة ملحقة بتلك النواة، تضم باقي الطوائف والمذاهب والعشائر)، وتبقي المجتمع في حالة من الانقسام المسيطر عليه بالاستبداد المغطس في الأيديولوجية القومية الرثة وأطره التنظيمية الأكثر رثاثة. هنا يكمن مأزق الوطنية السورية، الذي هو أكبر من المعارضات جميعها ومن النظام أيضاً. ويتمثل هذا المأزق: أولاً، بتداعي مرتكزات «الدولة التسلطية» التقليدية باستثناء القوة العارية والمتوحشة. وثانياً، وجود معارضات مذررة ذات نزوع إعلامي متضخم، عاجزة عن تشكيل حقل سياسي معارض موحد. وثالثاً، سيطرة ميدانية للقوى الإسلامية المسلحة، التي تجمع بين روح التفاني في مواجهة قوى السلطة والمليشيات الحليفة لها، وبين رؤية «سياسية» ما دون وطنية، حصرية، استبدادية، وحتى ما دون مستوى «أدلوجة الدولة»، واعتقال هذه التنظيمات للناشطين والفاعلين السياسيين في الثورة دليل على إعادة إنتاجهم للإشكالية البعثية بقميص إسلامي. ورابعاً، نتيجة العوامل السابقة، جرى طرد روافع النهوض الوطني السوري، وأعني: الناشطين الميدانيين والإعلاميين والمعارضين السياسيين والتنسيقيات ومختلف فعاليات الحراك المدني، إضافة لملايين المهجّرين في الداخل والخارج الذين هم أهم حامل للمشروع الوطني.

لذا فالسوريون يحتاجون إلى الإرادة الدولية لوقف الحرب، على رغم البرودة والتردد التي أبدتها، والبدء بعملية التحول السياسي المعقدة والطويلة، ويحتاجون هذه الإرادة الدولية، كي تستطيع حوامل السياسة التي «طفشتها» قوى الحرب العودة إلى مجال الفاعلية، ويحتاجونها في الضغط على الدول الداعمة للمليشيات لوقف دعمها فور البدء بسيرورة سياسية، ويحتاجون الإرادة الدولية للتعامل مع إيران، لإيجاد تسوية لسلاح حزب الله، الذي أصبحت تسويته ضرورة وطنية سورية، فضلاً عن كونه ضرورة وطنية لبنانية، وصارت تسويته ضرورة بعد تحوله إلى «سلاح للإيجار»، وصار عامل توتر مذهبي في الإقليم وعبئاً لم يعد يحتمل على سورية ولبنان.

ثم، من يستطيع كسر توازن الضعف في الميدان الذي يدمر سورية باطراد، ومن يستطيع لجم التنظيمات الإسلامية التي تهدد كل من يشارك في مؤتمر جنيف بالويل والثبور وعظائم الأمور غير تكّون إرادة دولية فاعلة، تدعم السوريين في بلورة مشروع وطني مكّتل وموحد. لذا يجب أن تحرص المعارضة السورية على تحويل جنيف إلى بداية لعملية تحول سياسي بالتعاضد مع الإرادة الدولية، التي برزت في حنيف2، وذلك بالترفع عن خلافات الشخصنة والعقلية الشللية والفصائلية، وتوسيع قاعدة المشاركين بما تمليه المصلحة الوطنية، وخلق عملية مركزة معاكسة لواقع تشظي الحقل السياسي المعارض، والطلاق مع ظاهرة «الخفة الإعلامية» والمهاترة، والكف عن توليد أسماء لأطر تنظيمية بلا وزن (أطر منطادية)، فمجموع الأصفار يساوي صفراً. والوطنية، بوصفها فضاء يجمع السوريين جميعاً، وتعاكس النزعات الطائفية والمذهبية والإثنية، هي، أساساً، ذات محتوى إنساني وبعد كوني متناقض مع الخصوصية والمحلوية والحزبوية التي كانت خيارات الاستبداد، وإكسابها هذا المحتوى مرهون بتكون إرادة دولية وازنة حولها، تجعلنا في المستقبل قادرين على تجاوز «سياسة» المحاور والأدوار الإقليمية الممانعة.

* كاتب سوري

الحياة

الجولة الثانية من جنيف وآفاق الحل السياسي/ لؤي صافي *

مضى 34 شهراً من عمر الثورة السورية المصرة على إنهاء الاستبداد في سورية، وقريباً يكمل الشعب السوري عاماً ثالثاً من الآلام والمعاناة والعنف الدموي. حاول نظام الأسد خلال هذه الأشهر إنهاء ثورة الشعب السوري بوحشية غير مسبوقة وبإصرار كامل على الحل العسكري. شباب سورية وأحرارها حملوا السلاح للدفاع عن أنفسهم وأهلهم ضد هجمات القوى الطائفية المرتبطة بالنظام، مدعومة من مقاتلي «حزب الله»، و»الحرس الثوري» الإيراني، والكتائب الطائفية العراقية. المقاتلون السوريون الذين يواجهون النظام وحلفاءه يصرون، بالمثل، على أن اللغة الوحيدة التي يفهمها النظام هي لغة القوة، ويرون في مواصلة النضال للدفاع عن مدنهم وقراهم الحل الوحيد لإنهاء الاستبداد والإجرام. والنتيجة صراع دامٍ راح ضحيته مئات الآلاف من المدنيين بين قتلى وجرحى، لا سيما في المناطق المعارضة للنظام.

بعد جدل طويل داخل صفوف «الائتلاف الوطني» السوري، ورغم انعدام الثقة في قدرة النظام على الانخراط بجدية في المفاوضات الرامية إلى إيجاد حل سياسي، صوتت الغالبية للذهاب إلى جنيف في جهد يهدف إلى قطع الشك باليقين حول ادعاء النظام وحلفائه رغبتهم في إيجاد حل سياسي للمأساة السورية. السوريون منقسمون حول جنيف، فبعضهم يرى أن المفاوضات فخ نُصب للمعارضة، وسعي دولي لإعادة تأهيل نظام الأسد. في حين يخشى آخرون أن المفاوضات يمكن أن تعطي النظام وقتاً إضافياً يحتاجه لاستكمال حملته العسكرية، وتدمير ما تبقى من المراكز السكانية الخاضعة لسيطرة المعارضة. الكثير منا الذين قرروا إعطاء جنيف فرصة نعتقد، مع ذلك، أن مؤتمر جنيف يمثل الفرصة الأخيرة لتحقيق حل سياسي، وإعطاء الجهود الدولية، التي تقودها روسيا والولايات المتحدة، فرصة لإنهاء عنف نظام الأسد.

الكثير منا ممن يشارك في محادثات جنيف يؤمن أن الأنظمة الاستبدادية لا تملك القدرة على إنهاء وجودها باختيارها. فنظام الأسد سعى بشكل منظم ومتعمد إلى تحويل جهود سلمية من أجل الإصلاح إلى حرب شعواء ضد الشعب السوري. وفعل النظام ذلك بمكر شديد بقمع التظاهرات السلمية بالقوة العارية ولكن باستخدام محدود في مرحلة التظاهرات السلمية التي استمرت شهوراً عديدة، ومن ثم تصعيد الهجمات تدريجياً إلى مستوى عالٍ وصولاً إلى استخدام الطائرات الحربية والصواريخ الطويلة المدى، بل والسلاح الكيماوي، لسحق المعارضة من خلال معاقبة حاضنتها الشعبية. وشجع النظام الجماعات المتشددة على حمل السلاح وأطلق سراح قياداتها من السجون بينما اعتقل النشطاء السياسيين والحقوقيين السلميين.

إيجاد حل سياسي يلبي تطلعات الشعب السوري في الحرية ودولة القانون والمساءلة والسلطة السياسية هو بالتأكيد الخيار الأفضل. وبالتالي فإن الحل السياسي المرجو يجب أن يحمل نتائج عملية ويؤدي إلى التحول الديموقراطي الحقيقي وإنهاء حكم الأسد في سورية. نهاية الاستبداد تعني بالدرجة الأولى إزالة المستبد من المشهد السياسي، بخاصة أنه يتحمل المسؤولية الأولى عن سفك دماء الشعب السوري ومقتل ما يزيد عن 136 ألف سوري وتدمير 60 في المئة من البنية التحتية للبلاد وفقاً لأكثر الأرقام محافظة. نظام الأسد يكرر عبر إعلامه ومن خلال مفاوضيه إصراره على بقاء الأسد، ولا يألو جهداً للحفاظ على الشخص المسؤول عن موت مئات الآلاف وتدمير المدن والقرى السورية.

في الجولة الأولى من المفاوضات لم يبدِ النظام جدية في السعي إلى حل سياسي. فالفريق المفاوض أمضى قدراً كبيراً من الوقت في محاولة لأخذ المفاوضات بعيداً من إطار جنيف. ورغم فشله في تحقيق ما يريد فقد بدا واضحاً أنه لا يملك الإرادة السياسية اللازمة لتحقيق التحول المطلوب من الاستبداد إلى الديموقراطية. أعضاء النظام السياسيون الخمسة لم يشاركوا في كل الاجتماعات التفاوضية، وأمضوا وقتهم في بهو مبنى الأمم المتحدة والفناء الخلفي بالتحدث الى وسائل الإعلام، تاركين مهمة التفاوض لفريق من تسعة ديبلوماسيين وبيروقراطيين.

ليس لدينا وهم في أن نظام الأسد لن يختار طوعاً تفكيك بنية الاستبداد في سورية التي شيدت على مدى العقود الأربعة الماضية وجعلت الدولة السورية رهينة لعائلة الأسد. فشقيق بشار الأسد وأبناء عمومه وأخواله يسيطرون على وحدات النخبة العسكرية وكذلك المناصب الرئيسة في أجهزة الأمن. وتحيط بهؤلاء مجموعة من السياسيين والبيروقراطيين مكلفة بتنفيذ السياسات التي تهدف إلى ابقاء النظام في السلطة. وهذا يجعل النظام غير مرن على المستوى السياسي وأكثر التحاماً بالحل العسكري الذي ولد الويلات في سورية ومعاناة كبيرة للشعب السوري.

المقصود من محادثات جنيف حول سورية تنفيذ بيان «جنيف 1» وفق قرار مجلس الأمن رقم 2118، وبالتالي توفير الفرصة الأخيرة لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية. بيان جنيف يقدم آلية مهمة لتنفيذ الخطوات المختلفة التي تهدف إلى إنهاء الصراع، بما في ذلك وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح سجناء الرأي، ورفع الحصار عن المدن والقرى، والسماح بحرية التعبير والتنظيم، التي غابت طويلاً من التجربة السياسية السورية. هذه الآلية يناقشها بيان جنيف تحت عنوان «الهيئة الحاكمة الانتقالية» والتي تملك سلطات تنفيذية كاملة. وذلك لأن تغيير السلطة الحاكمة في سورية أمر ضروري لخلق إرادة سياسية راغبة في التحول الديموقراطي ووضع حد للاستبداد. طبعاً فريق النظام المفاوض، عملاً بتعليمات قيادته في دمشق، بذل كل جهد لمنع مناقشة الهيئة الحاكمة الانتقالية في الجولة الأولى. والنظام فعل بدوره كل ما يستطيع لتقويض محادثات جنيف من خلال تصعيد الهجمات على المدن والقرى السورية، ما أسفر عن مقتل أكثر من 650 مدنياً 30 في المئة منهم من النساء والأطفال أثناء المفاوضات مستخدماً براميل متفجرة كل منها قادر على تدمير بناء من خمسة طوابق خلال ثوان.

تشكيل الهيئة الحاكمة الانتقالية يجب أن يكون جوهر المفاوضات في الجولة الثانية من أجل إنشاء المؤسسة التي يمكنها تنفيذ خطوات جنيف الست. الفشل في تحقيق تقدم على هذا المحور يعني أن أياً من الخطوات الأخرى لا يمكن أن تتحقق، وبالتالي فإن الفشل في تشكيل البينة السياسية الضرورية لتنفيذ جنيف سيؤدي إلى فشل الفرصة الأخيرة لدى السوريين من أجل التوصل إلى حل سياسي.

ولأن نظام الأسد غير معني بتطبيق جنيف فإن نجاح المؤتمر يتطلب إجبار النظام على وقف حملة الإرهاب والترويع ضد السكان المدنيين، ويجب عدم السماح له باستخدام براميل الموت، السلاح المفضل لديه. هذا يعني أن المجتمع الدولي، ولا سيما روسيا والولايات المتحدة، مطالبتين بممارسة الضغوط اللازمة على النظام لإجباره على تنفيذ بيان جنيف، ومنعه من تقويض الفرصة الأخيرة لتجنب توسيع مدى الصراع والحيلولة دون تحوله إلى صراع إقليمي يهدد أمن المنطقة والعالم.

* كاتب وناشط حقوقي سوري وعضو في وفد المعارضة المفاوض

الحياة

“جنيف 2” بين جولتين: صورة إجماليّة/ بكر صدقي *

ربما لم يكن بعض الجهات بحاجة إلى إشهار فضيحة قتل 11000 معتقل سوري تحت التعذيب موثقين بـ 55000 صورة لـ «إحراج» نظام الكيماوي الذي لم يرف له جفن وهو يقول لأم الطبيب البريطاني الشهيد عباس خان: «نعم، نحن قتلنا ابنك. أنقلي هذا الى الحكومة البريطانية. وإذا كان قتلنا لعباس خان مشكلة بالنسبة اليها، فلتتصل بنا». حاكم دمشق الذي يهدد منها، كل حين وحين، بتدمير العالم على رؤوس سكانه، كما سبق وهدد رفيق الحريري بتحطيم لبنان فوق رأسه ثم نفذ وعيده ونجا، إلى اليوم، بفعلته، لم يكن بحاجة الى أي ضغوط لينكشف أمام العالم كقاطع طرق ليس التفاوض والسياسة من أعماله.

كان خطاب وليد المعلم في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر «جنيف 2» أميناً لعقيدته المعروفة في محو أوروبا والعالم من الخريطة. قرأ الرجل خطاباً موجهاً إلى الشبيحة، يشد فيه من أزرهم وهو يرفع إصبعه في وجه جون كيري. لقد حقق لهم نصراً تلفزيونياً ماحقاً يعوّضهم فشلهم في القضاء على التمرد السوري على رغم تدميرهم البلد. وبإصراره على إكمال لغوه حتى النقطة الأخيرة، حطم الرجل الإرادة الدولية الهشة في شخص الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في ما يذكرنا بسيف الإسلام القذافي ليلة قال كلمته الشهيرة: «طز في محكمة الجنايات الدولية» قبل أسابيع من قطع أصابعه على يد الثوار الليبيين.

هذا ما يمكن أن نلخص به موقف النظام الكيماوي في مؤتمر «جنيف 2» ومن «الحل السياسي» عموماً. ما دام المجتمع الدولي يتساهل مع إجرامه الذي لم يتوقف لحظة واحدة منذ ثلاث سنوات، فلن تعدو مشاركته في مؤتمرات مماثلة أو موافقته على الحل السياسي عموماً كونهما كسباً للوقت وترويجاً لروايته الخاصة لما يحدث في سورية، على أمل الوصول إلى صفقة مع الأميركيين تبقيه فوق جثة ما كان يسمى بسورية. فماذا عن المعارضة؟

تعرض الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة لخضّات كبيرة عشية عقد المؤتمر، فانسحب منه 44 شخصاً الموصوفين بـ «جماعة قطر»، تلاهم «المجلس الوطني السوري» وهو أكبر كتلة سياسية في إطاره، احتجاجاً على قرار الائتلاف بالمشاركة في المؤتمر كما أعلنّا.

أما «هيئة التنسيق» التي تصف نفسها بأنها معارضة الداخل في إيحاء فاشل إلى تمثيلها الرأي العام الوطني، فقد تعرضت لخيبة أمل كبيرة بسبب استبعادها من الحل السياسي الذي طالما نادت به وعدّته مما يميزها عن «معارضة الخارج» المستتبعة، في رأيها، لأجندات غير وطنية.

وهكذا شارك وفد الائتلاف المعارض في المؤتمر محروماً من الدعم السياسي لمجموع الأطراف المعارضة خارجه. لكن المفاجأة الطيبة التي أربكت بصورة خاصة المعارضين «المبدئيين» للحل السياسي، أن الوفد المعارض حظي بما يشبه الإجماع الوطني لدى الفئات الشعبية الثائرة ضد نظام الكيماوي. وقد لعبت كلمة رئيس الائتلاف أحمد الجربا في الجلسة الافتتاحية دوراً كبيراً في حشد هذا التأييد، باتزانها وقوة حجتها وتعبيرها عن آلام ملايين السوريين وتطلعاتهم. كما استفاد الوفد المعارض من الظهور الفضائحي لوفد النظام بدءاً من كلمة وليد المعلم وانتهاءً بمجمل أداء الوفد والوفد الإعلامي التشبيحي المرافق له.

بيد أن المكسب الأكبر للمعارضة في مؤتمر جنيف كان سياسياً: لم يعد في وسع النظام، بعد «جنيف 2»، أن يزعم احتكار تمثيل سورية، بل بات مجرد طرف في الصراع الدائر. ولهذه الوضعية مستتبعاتها، لعل أهمها ضياع احتكار «الرواية الرسمية»، سواء أمام قاعدته الاجتماعية في الداخل أو أمام الرأي العام العالمي. لم تعد «قنوات الفتنة والتحريض» ما ينشر جرائم النظام كما كان يزعم، بل منظمات دولية وجهات موثوقة لا يستطيع النظام مواجهتها برواية رسمية يحتكرها في فوضى السيادة وتشتت الحقيقة بين أطراف عدة لا يشكل غير أحدها. ومن مستتبعاتها أيضاً تقويض مشروعه في تحويل أزمته إلى حرب على الإرهاب ما دام يجالس ممثلي هذا الإرهاب على طاولة واحدة بحثاً عن حل سياسي بالاشتراك معهم. فضلاً عن أن إطلاق مجموعات من الجيش الحر حرباً على «دولة العراق والشام الإسلامية» (داعش) في الشمال، قبيل المؤتمر بأسابيع، شكل تحدياً عملياً لروايته… حرباً ما زالت مستمرة مقابل حرب النظام المكشوفة على المدنيين ببراميل الموت التي سوّت بالأرض أحياءً بكاملها في مناطق عدة وثقت منها منظمة «هيومن رايتس ووتش» جزءاً يسيراً في حماة وريف دمشق تحت وصف جرائم حرب.

فشلت كل مناورات وفد النظام لحرف المفاوضات عن موضوعها الرئيس المتمثل في تشكيل هيئة حكم انتقالية تؤسس لسورية ما بعد نظام الكيماوي والبراميل المتفجرة. كان في وسعه كسب بعض النقاط لو أنه التزم عملياً بما تعهد به من السماح بإدخال بعض المساعدات الإغاثية إلى المناطق المحاصرة من حمص. لكن طبيعة النظام تتعارض مع أي اعتبار إنساني من هذا النوع، مما كان من شأنه تقوية موقف ظهيره الروسي. وأثبت أنه مستعد للمقامرة بمصيره على ألا يتخلى عن مبدئيته في نزع الصفة الإنسانية عن محكوميه وشرعنة محقهم أمام قاعدته الاجتماعية الضيقة.

غير أن النظام ليس الطرف الوحيد الخاسر في الجولة الأولى من «جنيف 2»، بل شاركه الخسارة السياسية كل من «مجموعة الـ 44» والمجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق وأشباهها من معارضات «داخلية» مزعومة. ومن اللافت داخل هذا الطيف العريض، انتهازية جماعة الإخوان المسلمين والشخصيات القريبة من البيئة الإخوانية. لم تخن الجماعة سلوكها النمطي حين «كسبت» شرف المزايدة في إطار المجلس الوطني، ولم تخسر حصتها من المقاعد على طاولة المفاوضات مع وفد النظام، وتركت حلفاءها في «المجلس» خارج المعادلة.

أما هيئة التنسيق فبدا موقفها كما لو كانت شريكاً لإيران المستبعدة من المؤتمر بقرار دولي – إقليمي.

لا أحد يأمل أن يؤدي مسار جنيف الطويل إلى حل، ما دام نظام الكيماوي والبراميل لا يفهم إلا بلغة القوة. لكن مشاركة الائتلاف في المؤتمر كانت مما لا بد منه لتفادي خسارة رأي عام شعبي واسع دفعته وحشية النظام وغض نظر العالم عنها إلى التطلع إلى أي مخرج ينقذ ما تبقى من أرواح وعمران.

كلمة أخيرة في خصوص اعتراض معارضين على عدم إشراكهم في الوفد: هذا وفد وطني يفاوض الاحتلال، وليس حقائب وزارية للتوزيع. لعبة كرة القدم تلعب بـ 11 لاعباً فقط مع عدد من الاحتياطيين، وعلى أنصار الفريق أن يؤيدوه.

* كاتب سوري

الحياة

الحربُ الإعلامية في جنيف/ بشير البكر

الحربُ غير العادلة التي يتعرض لها الشعب السوري المظلوم، متعددةُ الجبهات. وليست المفاوضات سوى جانب واحد منها. إذ هناك الحرب (بكل مآسيها وضحاياها) التي تشتد ضراوة على الأرض، وعلى ربوع سوريا كلها، كما أن هناك حرباً أو جبهة الإعلام، وهي حساسة وموجعة. فهل ارتقى إعلام الثورة، ومن خلاله إعلام وفدها المُفاوِض في جنيف، إلى مستوى الحدث والمسؤولية؟!

هل يستطيع الائتلاف السوري المفاوض انتزاع شيء من ممثلي النظام خلال هذه المفاوضات؟! وهل يتصرف وفق منهج سليم يؤدي به حتما إلى تحقيق شيء ما؟ هل لديه أوراق تفاوضية صلبة؟ وهل لدية أوراق إعلامية ومخابراتية يستطيع زعزعة ممثلي الأسد في سويسرا؟

المفاوضات الشاقّة حربٌ شرسة تُخاضُ مع نظام شرس، ولكن للمفاوضات امتدادات وتمظهرات عديدة، يحتل الجانب الإعلامي فيها حصة كبيرة، مثلما المعارك على الأرض، والقدرة على تجاوز شِراك وأفخاخ النظام الذي طوّر ماكينة الخداع خلال عقود.

والحقيقة أن الائتلاف السوري، من خلال مفاوضيه، لم يُظهروا، لحد الساعة، قدرة كبيرة على المناورة، واستثمار جرائم النظام وهي أكثرُ من أن تُعدّ وتُحصى.

لِنَر كيف يستغل النظام كل اختراق، ولو كان صغيرا على الأرض، ليُحوّله إلى نصر سياسي وإعلامي، مثل حالة الطائرة التي حطت في مطار حلب، بعيد انطلاق المفاوضات. بينما الثورة، ومن خلالها وفدُها المُفاوِض، لم تستطع أن تستثمر لصالحها مأساة البراميل القاتلة (التي لم تُرَ مِن قبلُ) التي يطلقها طيران النظام على شعبه، فلا تفرق بين مسلح ومدني. كما أنها لم تستثمر فضيحة صور قتل الأسرى في سجون النظام السوري (التي عرضتها قناة سي إن إن وبعض الصحف ولم تَلْقَ الصدى الذي تستحقه)، والتي تستطيع أن تضعه في ورطة لا مثيل لها.

يلعب النظام على وتر الإرهاب، ولكن لماذا لا يتمّ كشف دوره في صنع وتغذية الإرهاب وتصديره؟ ألَمْ يَكُن رئيس الوزراء العراقي الحالي، نوري المالِكي، يشكو، للأمم المتحدة ولمجلس الأمن، دَعمَ بشار الأسد للإرهاب في بلاده؟ ولماذا (ويا لها من صدفة!) توقّف هذا الرجل، الآن، عن هذه الاتهامات المحقة؟ (لنبحث عن الدور الإيراني في مُصالَحة الرجُلين: المالكي والأسد) وإذا كانت الفصائل المتطرفة بمثل هذه القوة والشراسة، ألَيْس بسبب غض النظام السوري الطَّرْفَ عن نشاطاتها السابقة ما دام أنها كانت من أجل التصدير للخارج، أي إلى دول الجوار؟

يجب أن يُدرك مُفاوِضو الائتلاف السوري أنهم يمثلون كل أطياف المعارَضة، كل أطياف الشعب السوري التي تخلّى عنها النظام خلال العقود الأخيرة (والتي تعيش معه حالة طلاق نهائي)، وبالتالي يجب عليهم أن يتصرفوا وفق هذا التصور، من خلال استحضار كل مطالبها، على الطاولة، والمتمثلة في الحرية والكرامة والديمقراطية، أي إنهاء هذا الكابوس الذي جثم على صدورها خلال عقود. ولهذا السبب فعليهم أن يبْعثوا كلّ مرة رسائلَ تُطمْئِنُ الداخل المنتفِض، حيث تُخاض الحربُ، بشراسة رهيبة.

لماذا يبدو مُفاوِضو النظام أكثر حيوية من مفاوضي الائتلاف؟ ببساطة، لأن أعضاء الائتلاف لا يتوقفون عن التصريح لقنوات ومنابر عربية مضمونة سلفا إلى جانبهم (كقناتي العربية والجزيرة وغيرهما)، بينما الأهمّ هو عرض المأساة السورية أمام المنابر الغربية والأجنبية. وليس معنى هذا التوقف عن التحدث إلى المنابر العربية، بل التركيز الشديد على الرأي العام الدولي، الذي بدأ يتململ ويحس بنوع من السأم والقلق أيضا مع الأخبار التي تصله عن توافد مئات من مُواطِنيه للقتال في سوريا.

ولهذا فإن تصريحات من قبيل استعداد الجيش الحر لطرد المسلحين الأجانب قد تُثير رضى الدول الغربية وارتياح شعوبها. بل إن التعبير عن الاستعداد للتعاون مع هذه الدول لاسترداد مواطنيها سيكون عاملا فعّالا وإيجابيا في شرح طبيعة الصراع في سوريا: أي الحرب المفروضة على الشعب السوري من قِبَل نظام متفنن في القتل وشعب لا يملك سوى المقاومة لانتزاع حقوقه ومنها الحق في الحياة والمواطنة الحقة.

إن كل ما يقع على الأرض يمكن استثماره في المفاوضات الشاقة. كان على أعضاء وفد الائتلاف أن يقرأوا، مليّا، التجربة الفيتنامية في المفاوضات مع الأمريكان ( التناغم بين المقاومة والتفاوُض، ما دامت النتيجة واحدة: تحقيق تطلعات الشعب). من المؤكد أن ثمة أعضاء في الوفد يتمتعون بالخبرة والقدرة على الصبر والمناورة. ولكن المفاوضات حربٌ أخرى لا تَقِل شراسة عن الحرب في الجبهات المشتعلة. ولهذا فالغريب حقا عدم قدرة إعلام الائتلاف على فضح أكبر ماكينة تعذيب في الشرق الأوسط (كل الدول الغربية تعرف هذا، والنظام السوري إلى جانب بعض الأنظمة العربية ساهم في معركة أمريكا ضد ما يسمى بالإرهاب في تعذيب وقتل الكثير من مُواطِنِيه). لماذا لا يَستثمِرُ المُفاوِضُ والإعلامي المرتبط بالائتلاف السوري تصريحات الذين دخلوا سجون الموت “الأسديّة” وخرجوا منها شبه أموات؟! ولماذا لا يمنح صدى لتصريح الفنان يوسف عبدلكي من أن سجون الأسد الأب “أرحم” من سجون الأسد الابن؟! ولماذا عدم التركيز على أن سوريا تضم أكبر السجون وأكبر عدد من السجناء والمعتقلين والأسرى في الشرق الأوسط؟

لسنا في وارد التشكيك في قدرة وخبرة وفد الائتلاف، ولكن ما نود التركيز عليه هو أنه يستطيع أن يرتكز على الكثير من إنجازات الثورة، من بداياتها إلى الآن، وأن عليه أن يستفيد من كل الخِبْرات التي يمتلكها المُقاوِمون والثوار، دون أن ينسى الانفتاح وطلب الدعم من أصدقاء الثورة في الخارج وخاصة في الغرب. ألا يستفيد النظام السوري من بعض صحفيي الغرب، وخصوصا المشتغلين في صحيفة لوفيغارو الفرنسية، مثلا؟!

وبالمختصر: إن النظام السوري كذّابٌ ومُناوِرٌ ( حتى كيسنجر قال مثل هذا الكلام قبل عقود!)، وإن مُفاوضيه لا يَقلّون عنه كَذِبا ودجلا. وعلى مُفاوِضي الائتلاف أن يعرفوا، جيدا، مَعَ مَنْ يتفاوضون! وقديما قيل “كل شيء جائز في الحرب”. و”الحرب خدعة”!

المدن

وفد ائتلاف وطني!/ ميشيل كيلو

كان من المسلَّم به أن وفد الائتلاف إلى جنيف يجب أن يكون وفدا وطنيا يمثل القوى السياسية والعسكرية والتيارات الثقافية والمصالح الاقتصادية الناشطة في إطار الثورة والعاملة لها، بغض النظر عن موقعها الجغرافي: أكان داخل سوريا أم خارجها.

هذه الضرورة أملتها اعتبارات متنوعة، منها استحالة هزيمة النظام بقوة أي طرف بمفرده من أطراف المعارضة، مهما راكم من قوة وبلغ من تمثيل، وحتمية توحيد مواقف ورهانات المعارضة من أجل خوض معركة تفاوضية لا تقل تعقيدا عن المعركة العسكرية الدائرة على الأرض، التي توجد اليوم في مرحلة توازن يجعل من الصعب حسم الصراع بواسطتها، إن بقي الجيش الحر وقوى المقاومة المسلحة على حالهما، وتواصل دعم روسيا وإيران الكثيف جدا للنظام بالمال والسلاح والرجال، ولم تتغير سياسات الغرب عامة وأميركا خاصة تجاه سوريا، وبقي الأوروبيون طرفا محدود التأثير على الصراع، والأميركيون جهة تدير بدماء السوريين أزمة محلية وعربية وإقليمية ودولية، فإذا ما أضيف إلى هذا المسار العسكري الراكد مسار سياسي مماثل، حلت الكارثة بسوريا والسوريين. لتحريك المسار السياسي وإضفاء دينامية ما عليه، تمس الحاجة إلى اتفاق قوى المعارضة الفاعلة حقا على برنامج تفاوض وطني مع النظام، وإلى تحريك المسار العسكري بقوة، وتعزيز التفاعل الإيجابي والمتبادل بين الشعب وتنظيمات المعارضة، وخاصة منها الائتلاف، وتفعيل وتنظيم الأنشطة المدنية والسلمية لثوار الداخل ومهجري الخارج، وتعبئة الطاقات الوطنية لمعركة فاصلة ستلي حكما فشل المسار التفاوضي المتوقع.

لا يمثل وفد الائتلاف إلى مفاوضات «جنيف2» قوى الساحتين السياسية والعسكرية السورية. ولم يذهب إلى التفاوض برؤية توافقية صاغتها هذه القوى مجتمعة. لا يعني هذا أن رؤيته ليست صحيحة، بل يعني أنها من صياغته وحده، وأنه لم تجرِ مشاركة القوى السياسية والعسكرية الفاعلة في وضعها.

على الجملة، تنقسم المعارضة السورية إلى فصائل ثلاثة: فصيل يتمثل في المعارضة المعترف دوليا بها، وتعدّ شرعية لهذا السبب، كالمجلس الوطني والائتلاف، رغم ما بينهما من خلافات ومشكلات. وفصيل تمثله تنظيمات سياسية داخلية قليلة الأهمية والتأثير، يستثنى منها «إعلان دمشق»، الملتف حول فريق يقوده الأستاذ رياض الترك، و«هيئة التنسيق» التي يشكل حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي بقيادة الأستاذ حسن عبد العظيم قوامها الرئيس، وكانت تضم قوى هامشية انفكت عنها. وفصيل ثالث داخلي أساسا، هو قبضة الثورة الضاربة وحاضنتها الشعبية، يضم قوى عسكرية ومدنية متنوعة إلى حد التناقض، تنضوي تحت تسميات جامعة كالجيش الحر والمجالس المحلية واللجان الشعبية ولجان التواصل والتنسيق… إلخ، فضلا عن رموز عسكرية وسياسية وازنة لها دورها ومكانتها. لن يغير كثيرا من هذا التصنيف الأولي وجود بقايا تكوينات داخلية وخارجية، يمثلها اليوم أفراد – وأحيانا فرد واحد – يرغبون في لعب دور سياسي ما.

أعتقد أن تمثيل المعارضة سيكتمل إلى حد بعيد، إذا ما دخلت قوى المقاومة والحراك المدني، المنضوية في الفصيل الثالث، إلى جانب «إعلان دمشق» و«هيئة التنسيق»، إلى ميدان التفاوض، بشراكة وطنية جامعة مع الائتلاف، تراعي مواقف الجميع وتضع خطة تفاوضية قابلة للتنفيذ وتتفق والقرارات الدولية ووثيقة جنيف واحد، يحملها ويساندها قطاع اجتماعي واسع.

جاء الائتلاف إلى طاولة التفاوض من انقسام مؤسف تتخطى أبعاده الداخل السوري إلى الصراعات العربية – العربية، التي لعبت دورا كبيرا في تأسيسه، لكنها أزاحته جانبا بعد أسابيع من إقامته، حين أبعدته عن هيكلة الجيش الحر وتأسيس الأركان والمجلس العسكري، وما رافقهما من وضع أيديها عليهما. هل يجب أن تنتظر وحدة قوى الائتلاف وحدة الموقف العربي، المستبعدة إلى اليوم رغم ما حل بسوريا من دمار وموت؟ كانت علاقات الائتلاف مع قوى الفصيل الثالث علاقات بين مقاومين غير موحدين وبين مرجعهم السياسي المفترض، الذي يقيم معهم صلات غير ملزمة مع أنها تنضوي في إطار هدف متوافق عليه بصورة عامة هو إسقاط النظام وإقامة نظام ديمقراطي – تعددي وحر. هنا، توجد مشكلة جدية هي أن القوى التي لا توافق على المقصد الثاني من التوافق ترفض جنيف، خشية أن يحول الحل السياسي التفاوضي بينها وبين إقامة نظام إسلامي في سوريا المقبلة. هذه القوى يمكن العمل للحصول على دعمها لإسقاط النظام، من خلال طاولة التفاوض أيضا، بينما يواجه العمل التوحيدي صعوبات حقيقية فيما يتعلق بـ«إعلان دمشق» و«هيئة التنسيق»، لأسباب تتصل أولا بتقصير الائتلاف في التواصل مع الداخل عامة ومعهما بصورة خاصة، وبامتناعه عن محاورتهما والتعاون معهما في بلورة وتنفيذ برنامج إصلاح وطني شامل يطاول بنيته ودوره والشراكة الوطنية المطلوبة بين مختلف أنماط المعارضين، وما هما بحاجة إليه أيضا من إعادة نظر في أدوارهما وبنيتهما وسياساتهما.

بدخول قوى الفصيلين الثاني والثالث إلى ميدان التفاوض، ستتغير بنية ومهام وخطط وفد المعارضة إليه، وسيتحول إلى وفد وطني بمعنى الكلمة، وإن بقي غلافه البراني مرتبطا باسم الائتلاف. عندئذ، لن يأتي الآخرون إلى المفاوضات كي يتبنوا رؤية طرف بعينه، وسيزول ما بين المعارضين من أحكام مسبقة وخلافات، وسيكون هناك أمل حقيقي في الانتصار على النظام!

الشرق الأوسط

كسب الطرفان وخسرت سوريا/ سمير العيطة

انتهت الجولة الأولى من مفاوضات «جنيف 2»، جلس وفدان سوريّان وجهاً لوجه. ولكن من دون أيّ تفاوض، بل كان كلّ منهما يخاطب جمهوره. وفد النظام من منطق أنّه يقارع الأمم المتحدة والدول العظمى ويواجه الإرهاب. والوفد الذي اختير من المعارضة يطالب بنقل السلطة. كلّ شحن آلته الإعلاميّة: صحافيوّن موالون للنظام غفيرون يسائلون القاصي والداني عمّا فعلته القوى الإقليمية والكبرى ببلدهم وكيف أرسلوا إليها كلّ إرهابيي الدنيا، ومعارضة مدعومة بشركات تسويق إعلاميّ تُدين إجرام النظام وتحاول أن تُعطي صورة أنّها أهل للتفاوض والحكم…

كسب الطرفان إعلامياً، كلّ منهما عند أنصاره. لكنّ سوريا خسرت. فما ان انتهت الجولة حتّى توسّع قصف النظام للمدن بالبراميل المتفجّرة واشتدّت المعارك، في حين يجري التفاوض هنا وهناك حول “مصالحات” لا غطاء سياسياً عاماً لها. النظام يبدو كأنّه ينتصر محليّاً. أمّا وفد المعارضة المفاوض فقد انغلق على نفسه دون أن يستفيد حقّاً من “إنجازه” الإعلامي في توسيع قاعدته السياسية والشعبيّة. فهو كما على طاولة المفاوضات، لا يريد أن يغرق في التفاصيل ـ كما يقول ـ ولا يريد سوى الحديث عن انتقال السلطة.

لكنّ التفاصيل مهمّة وهي صلب خريطة الطريق الطويلة للمفاوضات. وهناك ملفّات لا بدّ من معالجتها. ملفّ الإرهاب، إرهاب «تنظيم القاعدة» وتنظيماته كما إرهاب الدولة. وملفّ هويّة سوريا يجب أيضاً أن يكون على الطاولة، وإلاّ فسيبدو كأن الطرفين يتحدّثان عن بلدين مختلفين. وكذلك ملفّ وقف إطلاق النار، الذي لا يمكن طرحه سوى محلياً بحسب القوى الفاعلة في المكان، والذي يجب ربطه بقضيّة الإغاثة وإيصال المؤونات الغذائيّة والخدمات. وأيضاً ملفّ المعتقلين في حين يشتدّ قمع النظام في المناطق التي يسيطر عليها.

قد يكون التركيز على انتقال السلطة ورقة رابحة للمعارضة في الجولة الأولى، لكنّه طريق مسدود إذا لم تأت معالجة جديّة “للتفاصيل” في الجولات التالية. إذ انّ وثيقة «جنيف 1» لا تنصّ على نقل السلطة للمعارضة، بل إلى جسم يتوافق عليه الطرفان. فماذا لو لم يأتِ هذا التوافق؟ وكيف له أن يأتي إذا كانت الهوّة شاسعة على مستوى معالجة الملفّات الملحّة وحلولها. وكلّنا يعرف ماذا ينتج عن التعويل على الدول الخارجيّة.

ما يهمّ إذاً هو كيفيّة التحضير للجولات التالية. وهناك فرق عمل ضخمة من الدول الداعمة متواجدة في جنيف حول فريق المعارضة، الأولى بها أن تساعد على التقدّم في هذه التفاصيل، فهي التي تمسك بزمام غرف العمليّات وبعمليّات الإغاثة لمناطق أقصى الشمال والجنوب. والأولى بها أن تنصح الفريق المفاوض بأن التوصّل إلى تجسيد الحكم الانتقالي لن يحصل إلاّ إذا توسّعت القاعدة السياسيّة والشعبيّة لمفاوضي المعارضة وأتى المسار التفاوضي بنتائج ملموسة على صعيد المعاناة الشعبيّة. والأبدى أن يُعطي «الائتلاف» وداعموه المثال في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، فهي التي ستعطي المصداقية لعملهم. وهناك مسألة جوهريّة لها أولويّة خاصّة تتمثّل في وضع أسس واضحة للتمييز بين مقاومة الاستبداد والإرهاب، وما يتبع ذلك على صعيد المقاتلين: مشروع الجيش الوطنيّ.

ليس هذا من باب التهجّم على الوفد المفاوض، وعلى من فيه أو من سينضمّ إليه. بل من باب الحرص على سوريا، وألاّ يذهب التفاوض إلى باب مسدود وينغلق أفق الحلّ السياسي، فيش الوقت الذي تشتدّ فيه معاناة الشعب السوري.

فينبغي على كلّ القوى التي تحمل المبادئ الأولى للثورة وهمّ إنقاذ سوريا، العمل على التكاتف وتوحيد الصفّ حول مشروع وطنيّ لا بدّ له من أن يأتي… مع جنيف أو من دون جنيف.

السفير

الحوار السياسي في سوريا: جهود للوصول إلى السلام المفقود/ د. مروان قبلان

ملخص

منذ بداية الأزمة قبل نحو ثلاث سنوات، حاول السوريون جعْل الحوار سبيلاً لحل قضاياهم، إلا أن محاولاتهم لم تنجح لاختلاف هدف كل طرف وتوقعاته من إجراء الحوار. تمثلت المشكلة الأساسية في رفض النظام الاعتراف بوجود معارضة وثورة وأزمة وطنية، وذهابه إلى تصوير الانتفاضة ضده على أنها من عمل جماعات “سلفية” تتوسل الإرهاب والعنف سبيلاً للتغيير؛ ما يحتم مواجهتها بالقوة. أما الحوار فيكون -إذا تم- مع أفراد معارضين يقوم النظام باختيارهم وتحديد موضوع وسقف القضايا التي يمكن تناولها في الحوار معهم. لم تتمكن المعارضة، من جهتها، من فرض نفسها محاورًا ذا مصداقية، أو تجاوز انقساماتها وانتزاع اعتراف داخلي بقدرتها على تمثيل الجزء الثائر من السوريين، أو في مرحلة لاحقة من تقديم نفسها بديلاً عن النظام، الذي تسعى للإطاحة به دون أن يكون لديها استراتيجية لبلوغ ذلك. ومع تحول الثورة باتجاه العسكرة، ردًا على عنف النظام وبطشه بالمحتجين، وتحول الأزمة السورية إلى صراع إقليمي ودولي، ازدادت صعوبة إجراء حوار وطني سوري يؤدي إلى حل الأزمة؛ إذ فشلت جهود الجامعة العربية في وقف العنف وجمع السوريين حول طاولة حوار، كما فشلت بالمثل جهود الأمم المتحدة ومبعوثيها في تحقيق ذلك. ورغم النجاح في عقد مؤتمر جنيف2، وجمع أطراف الأزمة السوريين حول طاولته، إلا أن الخروج بنتائج لحل الأزمة لا يبدو ممكنًا في ظل المعطيات الراهنة؛ ما يرجح استمرار الصراع وتفاقمه، رغم وصول الجميع تدريجيًا إلى القناعة بأن الحل لن يكون إلا سياسيًا وعبر الحوار.

مقدمة

بخلاف ما يمكن أن يعنيه الحوار في أي مكان آخر، تأخذ هذه الكلمة معنى مختلفًا في سوريا؛ فالحوار بالنسبة إلى طرفي الصراع الرئيسيين -النظام والجزء الأكبر من المعارضة- خاصة بعد مرور نحو ثلاث سنوات على اندلاع الثورة، وسقوط ما يقرب من 140 ألف قتيل، يعني أشياء مختلفة تمامًا. بالنسبة للنظام يعني الحوار أن يعود السوريون إلى الحال التي كانوا عليها قبل 18 مارس/آذار 2011، يوم انطلاق الاحتجاجات، أي تجاوز كل مرحلة الثورة وإلغاء ما ترتب عليها من نتائج وآثار، في مقابل إصلاحات أقدم عليها النظام أصلًا بإقراره دستورًا جديدًا وقوانين تفسح المجال أمام “تعددية سياسية” لم يكن مسموحًا بها سابقًا. أما بالنسبة إلى المعارضة، فالحوار يعني التفاوض على رحيل النظام برموزه وأجهزته وسياساته، ومحاسبة المسؤولين عن الدمار الذي حل بالبلاد. ليس غريبًا إذًا أن لا يحصل حوار فعلي، وإذا حصل لا يؤدي إلى نتيجة، لأن هدف كل طرف وتوقعاته من الحوار تقوم على “إلغاء” الآخر، وليس مجرد التغيير في معادلة السلطة والثروة، وإن كانت هناك محاولات للحوار بين النظام وأطراف في المعارضة في المراحل الأولى من الأزمة إلا أنها لم تسفر عن شيء، لاختلاف رؤية الطرفين لمفهوم الحوار ومسائله ونتائجه، قبل أن تنتقل الأمور باتجاه مبادرات خارجية لم تكن حتى الآن أوفر حظًا في مساعدة السوريين على تخطي العقبات التي تحول دون حل أزمتهم عبر الحوار.

نقاش في جدوى الحوار وقابلية النظام للإصلاح

منذ بداية الثورة السورية، واجه النظام المظاهرات السلمية -التي كانت شعاراتها ما زالت تقتصر على مطالب إصلاحية- بالعنف، وكانت رؤيته الدائمة للثورة وتشخيصه المعلن لها أنها مؤامرة كونية، وفتنة طائفية، تنفذها مجموعات إرهابية وتكفيرية مدعومة من الخارج؛ ولأنها كذلك يقوم رجال الأمن والجيش بمواجهتها والقضاء عليها. أما الإصلاحات فيمكن أن يقوم بها النظام ولكن وفق برنامجه وإرادته وتوقيتاته، وبمعزل عن أية ضغوط خارجية أو داخلية. أما المعارضون –لأن النظام يرفض الاعتراف بوجود معارضة منظمة وذات صفة تمثيلية، بل أفراد لا يمثلون إلا أنفسهم- فعليهم أن يدخلوا في حوار مع السلطة تحت “سقف الوطن”، أي سقف النظام وقوانينه. وبذلك، فإن النظام لا يقر بوجود أزمة وطنية ولا ثورة شعبية بل مجرد خلل أمني وتجاوز للنظام العام قامت به “مجاميع مسلحة خارجة على القانون وتهدد السلم المجتمعي”، القوة وحدها كفيلة بمواجهتها. وفق هذا المنطق، المستند إلى القوة المنفلتة في مواجهة فئات من المجتمع، أمسى الحديث عن استعداد النظام  للإصلاح اعتمادًا على الحوار، بنظر جزء مهم من قوى الثورة مجرد وهم. مع ذلك، فقد دارت حوارات واسعة في صفوف المثقفين والمعارضين السوريين حول إمكانية تسوية الأزمة عبر الحوار.

تبلور في خضم الثورة أكثر من رأي واتجاه حول الطرق الواجب اتباعها للتخلص من نظام الحكم الاستبدادي والتحول إلى الديمقراطية، الاتجاه الأول: قادته المعارضة التقليدية، ودعت إلى توسل الحوار مع النظام كسبيل وحيد لحل الأزمة. وأبرز القوى التي دعت إلى ذلك “هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي” التي تشكّلت في أواخر يونيو/حزيران 2011، وقامت أساسًا حول قيادة حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي. (1) وقد اشترك فيها عدد من المستقلين واليساريين، (2) بالإضافة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. (3) وقد بادرت “الهيئة” إلى عقد مؤتمرها في حلبون/ريف دمشق أواسط سبتمبر/أيلول من العام 2011، وأعلنت عن استعدادها للبدء بحوار مع النظام لحل الأزمة السياسية العامة في البلاد شريطة الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وسحب الجيش والقوى الأمنية من المدن والشوارع، والسماح بالتظاهر السلمي كحق وضمانة، وإلغاء المادة الثامنة من الدستور كمدخل لابد منه لنجاح حوار يفضي إلى صياغة خريطة طريق للانتقال من نظام الحزب الواحد إلى نظام تعددي ديمقراطي. ورأت الهيئة أن هذا السبيل كفيل، إذا صدقت نوايا السلطة، بالتحول السلمي نحو الديمقراطية، وتجنيب البلاد مخاطر الانزلاق نحو العنف والتدخل الخارجي. وراهنت هذه الأوساط حينها على دور موقع (الرئاسة) الوازن بهذا التغيير، مُذكِّرين بتجربة غورباتشوف في الإطاحة بالبناء السلطوي الشمولي للدولة السوفيتية وفي فتح الطريق للتغيير الديمقراطي. وقد رأت أوساط الهيئة أن بقاء الأسد من عدمه ليست مسألة أساسية، المهم هي “الصيغة” التي من شأنها أن تفضي إلى التحول الديمقراطي. (4)

في مقابل الاتجاهات الإصلاحية لقوى المعارضة التقليدية، برزت قوى وفي مقدمتها قادة الثورة الميدانيون والنشطاء وبعض المثقفين، والمعارضة التي أخذت تتجمع في الخارج هربًا من بطش النظام، وتبلورت مواقفها في مؤتمر انطاليا ثم بروكسل. (5) ورأت إلى جانب اعتقادها بأن السلطة لم تقترح برنامجًا جدِّيًا للحوار، أن تستمر في اعتماد العنف في معالجة الأزمة الوطنية. إن التركيبة الاستبدادية البنيوية للنظام تمنعه من التحول “إراديًا” أو عبر آليات الحوار إلى نظام ديمقراطي تعدُّدي، لأن مسألة الانتقال إلى الديمقراطية ليست مسألة قانونية أو حقوقية فحسب بل هي مسألة عملية أساسًا؛ فإذا اكتفى المتحاورون بصياغة أفضل القوانين الديمقراطية، دون أن يعملوا على تفكيك الأجهزة القمعية، وعلاقات التبعية القائمة بين الأجهزة الحزبية والقمعية للنظام وبين مؤسسات الدولة، فلن يغيروا شيئًا في آلية النظام القائم. وهذا لن يحصل بقرار أو إرداة من النظام لأن ذلك يعني أنه يقرر إنهاء نفسه بنفسه، بل يتطلب ذلك تبدلاً جذريًا في موازين القوى لصالح الثورة، وإلا فلن تستطيع قوى المعارضة أن تحصل بالحوار، في أحسن الأحوال، سوى على نمط شبيه بنظام مبارك. الذي سمح بديمقراطية مقيدة، تقتصر على أحزاب صغيرة مهمتها تجميل صورة المشهد السياسي عبر مشاركتها في انتخابات نيابية “تعددية”، إلى جانب حريات عامة منضبطة تحت قبة النظام، أو كما تقول السلطة السورية (تحت سقف الوطن).

من هذا المنطلق تصبح، بالنسبة لهذا التيار في المعارضة، إمكانية التسوية الناتجة عن حوار معدومة؛ فالنظام لا يقبل سوى باستسلام خصومه، وتقديم إصلاحات شكلية لا تمس جوهره ولا تؤثر على موقع الأسد فيه. وعليه، قررت هذه المعارضة المرتبطة بالثورة أن لا تسوية ولا حل مع الأسد، وأن المخرج هو في فك الارتباط بين العائلة والنظام، وبعدها يأتي البحث في شروط الانتقال السلمي إلى الدولة المدنية الديمقراطية. عندها يمكن أن يشارك “أهل النظام ممن لم تتلوث أيديهم بالدم”. (6)

بالإضافة إلى هذين الاتجاهين في المعارضة، برز اتجاه ثالث خرج من رحم الثورة وأخذ يعبّر بشكل متزايد عن قوى ضاغطة في المجتمع السوري أثقلت عليها الأزمة المروعة التي تمر بها البلاد؛ فغدت ميالة للتسوية ولو بأثمان غير مقبولة شعبيًا وذلك كي يتوقف القتل والتدمير. ورأى هذا التيار أن التلكؤ في الشروع بعقد الحوار سيفضي إلى نتائج كارثية، لذلك لابد من الضغط باتجاه الشروع بالتفاوض لوضع حد للعنف؛ الأمر الذي قد يفضي في نهاية المطاف إلى التغيير المنشود، وقد عبّر معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني السابق عن هذا التوجه “الإنساني”. (7)

محاولات في الحوار الوطني

بدأت محاولات الحوار الأولى خلال الأزمة بمؤتمر تشاوري عقده مثقفون سوريون في فندق “سميراميس” في دمشق في 27 يونيو/حزيران 2011 تحت عنوان “سورية للجميع في ظل دولة ديمقراطية مدنية”، دعوا فيه إلى وقف الحل الأمني واعتماد لغة الحوار من أجل مستقبل ديمقراطي لسوريا. (8) ثم  بادرت السلطة من جانبها إلى عقد مؤتمر للحوار الوطني في10 و11 يوليو/تموز 2011؛ وذلك برئاسة فاروق الشرع نائب الرئيس، تحت اسم “مؤتمر الحوار الوطني الشامل”، (9) صدرت عنه توصيات عديدة، أهمها: أن الحوار هو الطريق الوحيد الذي يوصل البلاد إلى إنهاء الأزمة، ضرورة الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي الذين لم يرتكبوا جرائم يعاقب عليها القانون، والتأكيد على أن حق إبداء الرأي غير قابل للانتهاك ومصون تحت سقف الوطن والدستور وأن الحريات العامة حق لكل المواطنين، وأن المعارضة الوطنية جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني السوري، وأن توجه اللقاء هو من أجل إقامة دولة الحق والقانون والعدالة والمواطنة والتعددية والديمقراطية التي تعتمد صناديق الاقتراع أساسًا للتفويض السياسي، وتطبيق مبدأ سيادة القانون وإنفاذه بحق كل من ارتكب جرمًا يعاقب عليه القانون ومحاسبة الجميع دون استثناء. (10)

تجاهلت السلطة مقررات المؤتمر الذي دعت هي إليه أصلاً؛ إذ كان الرئيس السوري يحاول في المرحلة الأولى من الثورة إعطاء الانطباع بأنه منفتحٌ على الحوار والإصلاح، إلى جانب اعتماده المقاربة الأمنية في التعامل مع الاحتجاجات لمنع انتشارها. وفي هذا السياق قام الأسد بإصدار جملة من القوانين مثل قانون الأحزاب وقانون الإعلام وقانون الانتخابات ووضع دستور جديد للبلاد. (11) لكن هذه القوانين لم تمس سطوة الأجهزة الأمنية، ولم تعد باتخاذ إجراءات بحقها أو إعادة هيكلتها. كل ما كانت تهدف إليه هو خلق انطباع بوجود نية للإصلاح، دون أن تمس جوهر النظام الاستبدادي؛ فقد نص قانون الأحزاب الصادر في 5 أغسطس/آب 2011 مثلاً على تشكيل لجنة تأسيس الأحزاب برئاسة وزير الداخلية؛ ما يعني امتلاك السلطة الحق المطلق في منح التراخيص أو منعها. (12) وفي حالة الدستور الجديد والذي نصّ على عدم جواز ترشّح الرئيس لأكثر من ولايتين (اعتبارًا من تاريخ إقراره في فبراير/شباط 2012)؛ فقد أشار ضمنًا إلى إمكانية بقاء الأسد حتى عام 2028 على اعتبار أن مدة الولاية سبع سنوات تبدأ منذ انتهاء ولايته في 2014.

وهكذا، كانت السلطة تحاول دائمًا الالتفاف على العملية الإصلاحية وإفراغها من مضمونها قبل أن تقرر أنها لم تعد بحاجة إلى فعل ذلك أصلاً، وذلك عندما قرر الرئيس الأسد أن ينحاز بشكل مطلق إلى التيار  الاستئصالي في نظامه والمكون من تحالف ضباط الأمن ورجال الأعمال المحيطين به، وليتوارى بعدها منطق الحوار والتيار الذي يدعو إليه من داخل النظام بشكل كامل قبل أن تبلغ الثورة عامها الأول. (13)

دعاة العروبة يرفضون تعريب الحل

تركت الدول العربية فرصة واسعة للنظام كي يبادر إلى حل الأزمة سياسيًا، قبل أن تبدأ محاولاتها في البحث عن تسوية، تحفظ لسورية سيادتها واستقرارها، لاسيما بعد كارثة العراق، وتحول دون تدويل أزمتها، كما حصل في ليبيا، وبما يجعل الحوار الوطني سبيلًا لتحقيق مطالب السوريين تدريجيًا، حتى لا تدخل سوريا في الفوضى. جاءت المبادرة العربية الأولى في 15 سبتمبر/أيلول 2011، وكان أهم بنودها يتعلق بوقف العنف وسحب المظاهر المسلحة من المدن والأحياء السكنية وإطلاق سراح المعتقلين وإعلان الرئيس عن خطوات إصلاحية تشمل إجراء انتخابات رئاسية تعددية عام 2014. (14)

ولضمان تنفيذ الخطة اعتمدت الجامعة آليات طرحتها في اجتماع عقدته في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2011، فشكّلت لجنة وزارية عربية، (15) “مهمتها إجراء اتصال بالقيادة السورية لوقف كافة أعمال العنف والاقتتال، ورفع كل المظاهر المسلحة، والعمل على إجراء الاتصالات اللازمة للبدء في عقد مؤتمر حوار وطني شامل بمقر الجامعة العربية وتحت رعايتها خلال 15 يومًا اعتبارًا من تاريخ صدور هذا القرار من أجل تحقيق التطلعات السياسية التي تلبي طموحات الشعب السوري”. (16) تحفَّظ النظام على الخطة، وأعلن في الوقت نفسه، عن تشكيل لجنة لصياغة الدستور لقطع الطريق على مطالب الجامعة بالإصلاح والتغيير، ودعا لإجراء حوار في الداخل “تحت سقف الوطن”. (17) لكن النظام عاد ووافق على استقبال اللجنة الوزارية العربية للحيلولة دون تجميد عضوية سورية في الجامعة، بيد أن سلوكه على الأرض لم يتغير. (18)

كما لم يغير في الأمر شيء تشكيل الجامعة العربية فريق مراقبة عربي بقيادة الجنرال السوداني محمد الدابي للمساهمة في وقف العنف؛ (19) إذ دخلت طلائع البعثة إلى سورية مطلع يناير/كانون الثاني 2012 لكن أعمالها لم تلبث أن عُلقت خلال أسبوعين بسبب هجمات عليها، (20) قبل أن تقرر الجامعة العربية سحبها نتيجة استمرار العنف وتدهور الأوضاع الإنسانيّة. (21) فأغلق بذلك الطريق أمام التسوية التفاوضية برعاية عربية، وكنتيجة لذلك اجتمع مجلس وزراء الخارجيّة العرب في 22 يناير/ كانون الثاني 2012 وأقروا المبادرة العربية الثانية، والتي استعانت هذه المرة بمجلس الأمن لإضفاء الصيغة الإلزاميّة على دعوتها الأسد إلى تفويض صلاحياته لنائبه. (22)

الإطاحة بخطط الأمم المتحدة للتسوية

توقفت التسوية أيضًا عند أبواب مجلس الأمن بسبب الاستقطاب الشديد وانقسام المجلس إلى معسكرين واستخدام روسيا والصين حق النقض للحيلولة دون إقرار الخطة العربية. وللخروج من حالة انسداد الأفق هذه، اتجهت الجامعة العربية والأمم المتحدة إلى تكليف مبعوث عربي-دولي هو كوفي أنان للبحث عن تسوية تنطلق من المبادرة العربية الثانية التي نصّت على تشكيل حكومة كاملة الصلاحية، وهو ما يعني ضمنيًا عزل الأسد. (23) قدّم أنان خطة من ست نقاط كان أهمها الالتزام بالعمل من أجل عملية سياسية شاملة يقودها السوريون ووقف جميع عمليات القتال، بما في ذلك وقف استخدام الأسلحة الثقيلة، ووقف تحرك القوات باتجاه المناطق المأهولة بالسكان. ولدعم موقف عنان وجهوده لحل الأزمة، عقدت مجموعة العمل حول سورية اجتماعًا في جنيف في 30 يونيو/حزيران 2012، (24) أقرت فيه بنود وثيقة ما أصبح يُعرف بـ”إعلان جنيف1″، والتي نصت على “تأسيس هيئة حكم انتقالي توفر مناخًا محايدًا يتيح التحول السياسي في البلاد، وأن تتمتع بكل الصلاحيات التنفيذية ويمكن أن تضم أفرادًا من الحكومة الحالية والمعارضة وبقية المجموعات بناء على الاتفاق المتبادل”. (25)

وكالعادة لم يغير قبول النظام لخطة عنان من الوقائع على الأرض، فوصلت جهود المبعوث العربي-الدولي إلى طريق مسدود، وقدم استقالته في 2 أغسطس/آب 2012، بعد أن أقرّ بفشله في تحقيق التسوية، وقد اشتكى عنان من “أنه لم يحصل على الدعم المطلوب من المجتمع الدولي، مشيرًا أيضًا إلى أن عدم وجود التوافق بين أعضاء مجلس الأمن الدولي حال دون تنفيذ خطته للسلام”. (26) ولاستكمال مهمة أنان في التوصل إلى تسوية سياسية في سورية، جرى تكليف الأخضر الإبراهيمي، لكن الموفد الجديد وصل إلى النتيجة نفسها، وكاد يستقيل لولا أن عاجله اتفاق لافروف-كيري في السابع من مايو/أيار 2013.

جنيف2: بداية حوار جدي أم وصفة لإطالة أمد الصراع؟

أدت الضربة التي وجهتها إسرائيل لمواقع استراتيجية يمتلكها النظام عند أطراف جبل قاسيون المشرف على دمشق مطلع مايو/أيار 2013، والخوف من توسع رقعة النزاع، وتنامي دور الكتائب الإسلامية المقاتلة في سوريا، واستبداد القلق من استيلائها على ترسانة النظام الضخمة من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، بالوزيرين الأميركي والروسي إلى الاتفاق على دفع المسألة السورية نحو التسوية. لكن، وبالرغم من الاتفاق على عقد مؤتمر جنيف2، إلا أن الخلاف حول تفسير إعلان جنيف1، عرقل انعقاده فترة طويلة، ففيما أصرت المعارضة على أن المؤتمر العتيد يدعو إلى تسليم السلطة وتشكيل هيئة حكم انتقالي لها صلاحيات كاملة على أجهزة الدولة بما فيها الأمن والجيش، رفض النظام هذا التفسير ورأى أن هدف جنيف2 هو تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون مهمتها الأساسية محاربة الإرهاب.

ومع اقتراب انعقاد جنيف2، أخذ موقف النظام يزداد قوة؛ إذ أخذ التركيز الدولي -الأميركي تحديدًا- ينتقل من فكرة التحول الديمقراطي في سورية إلى مواجهة تنامي دور القوى “الجهادية والتكفيرية”، (27) وهو أمر استثمره النظام وأصدقاؤه إلى الحد الأقصى، كما بدا النظام أكثر تماسكًا بعد أن توقفت حركة الانشقاقات من داخله، أما وضعه الميداني فأصبح أفضل أيضًا، مع تحول تركيز فصائل المعارضة المسلحة إلى قتال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).

وعلى الرغم من أن للنظام مخاوفه من انعقاد جنيف2 متصلة خصوصًا باحتمال فرض تسوية عليه من قبل الراعين، تؤدي إلى كسر احتكاره الطويل للسلطة، إلا أنه من جهة أخرى يأمل في تحقيق مكاسب من خلال المشاركة أهمها التحول إلى جزء من الأجندة الدولية لمحاربة “التطرف” ليعزز بذلك ما كان حققه من خلال “صفقة” تسليم الكيماوي، عبر الاعتراف به طرفًا في اتفاقية دولية أقرها مجلس الأمن في قراره رقم 2118. كما يسعى النظام إلى الاستثمار في جنيف2 لتمزيق صفوف المعارضة أكثر مما هي ممزقة، وكشف عدم قدرتها على تمثيل الشارع السوري حتى الثائر منه، وانعدام سيطرتها على الفصائل المسلحة أو إلزامها بأي اتفاق يمكن التوصل إليه. أخيرًا، يهدف النظام من خلال جنيف2 إلى تغيير النظرة إليه من سلطة غاشمة ينبغي عليها الرحيل والخضوع للمحاسبة، إلى فريق أساسي يجب أن يتشارك مع الآخرين في السلطة، وأن تتم التسوية وفقًا لذلك بين أطراف حرب أهلية متساوين في تحمل المسؤولية عن المجازر التي ارتكبت.

أما المعارضة -إذا قررنا تبسيط الأمور والاكتفاء بتناول موقف الائتلاف الوطني من بينها- فلديها مخاوف كبيرة ومشروعة من جنيف، خاصة في ظل موازين القوى القائمة حاليًا على الأرض وفي ظل التراجعات العسكرية الأخيرة نتيجة تقلص إمدادات السلاح وتفشي الخلافات في صفوفها. وتخشى المعارضة من أن يكون جنيف فخًا أميركيًا-روسيًا يجري استدراجها إليه للبدء بعملية تفاوضية دون أفق أو جدول زمني أو إطار واضح أو ضمانات دولية لتنفيذ أية نتيجة يسفر عنها المؤتمر. وهناك مخاوف أيضًا من فرض تسوية لا تقيم وزنًا لرغبات السوريين ولا ترتبط بمصالحهم مثل محاربة قوى إسلامية لا يرتاح الغرب لوجودها في سورية، كما تتخوف المعارضة من رفض الفصائل العسكرية لأي اتفاق يمكن التوصل إليه ما يضعف من شرعيتها التمثيلية ويطرح شكوكًا حول قدرتها على فرض إرادتها على القوى الموجودة على الأرض. وهناك أيضًا تخوفات من إمكانية أن يكون جنيف بداية عملية تفاوضية لا نهاية لها.

مع ذلك، فإن جنيف يمكن أن يوفر من جهة أخرى فرصة لتكريس دور الائتلاف الوطني كطرف سياسي ومحاور رئيس عن المعارضة في مواجهة النظام الذي ظل يرفض الاعتراف به بهذه الصفة؛ إذ بالرغم من حصول الائتلاف على اعتراف دولي وعربي واسع باعتباره ممثلاً للثورة السورية، أو محاورًا رئيسًا في الأزمة السورية في الحد الأدنى وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 262 للعام 2013، ظل النظام يرفض الاعتراف به ممثلًا سياسيًا للثورة وظل يصف المعارضة المسلحة بالعصابات الإرهابية.

إن موافقة النظام على الجلوس مع ممثلي الائتلاف الوطني والمعارضة المسلحة سوف يشكّل مكسبًا مهمًا، لأنه يمثل اعترافًا من النظام جرى انتزاعه بوجود معارضة سياسية وعسكرية ذات شرعية وممثلة لجزء مهم من الشعب السوري. هنا فقط يتحقق الشرط الأول من شروط بدء حوار متوازن بين النظام والمعارضة وهو الاعتراف والندية التي ظلت غائبة طوال فترة الأزمة. مع ذلك، لا يوجد ما يضمن وصول الحوار أو المفاوضات في جنيف2 إلى نتيجة تؤدي إلى تسوية الأزمة.

خاتمة

تبلور خلال السنة الأخيرة من الأزمة السورية ما يشبه الإجماع الإقليمي والدولي على عدم وجود حل عسكري للصراع في سورية، وأن التسوية السياسية عبر الحوار والمفاوضات هي السبيل الوحيد لحل الأزمة لاستحالة قبول أي طرف بالهزيمة من جهة ولأن مصالح الدول الكبرى خاصة واشنطن تمنع بإصرار أي حسم على الأرض من جهة أخرى، على اعتبار أن ذلك سوف يؤدي إلى انهيار كامل لمؤسسات الدولة السورية خاصة الجيش وأجهزة الأمن ما يؤسس لفوضى شاملة ويجعل البديل لنظام الأسد هو جماعات إسلامية متطرفة، وهو ما يتطابق أيضًا مع الرؤية الروسية لديناميات الصراع في سوريا.

من هنا، يبدو الاهتمام الدولي بتحقيق تسوية سياسية للأزمة السورية، لكن الأمر لن يكون رهنًا بإرادة أطراف الأزمة غير السوريين فقط؛ إذ لابد أن يقتنع السوريون بدورهم في بلادهم، التي تحولت إلى حلبة صراع إقليمي ودولي بسبب أنهم ظلوا مصرّين على حل يقوم على الغلبة والإقصاء. لن تحتمل الأزمة السورية مزيدًا من الاقتتال والدمار خاصة وأن نصف السكان أصبحوا مهجّرين وأكثر من نصف البلاد مدمر، وأنه ربما آن الأوان لبدء حوار جدي وحقيقي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

_______________________________

د. مروان قبلان – باحث سوري

المصادر

1- هو حزب ذو توجه ناصري كان من الأحزاب السياسية الكبيرة في سوريا وكان عدد أعضائه يُقدَّر بعشرات الألوف عندما تأسس في الستينيات، لكن تأثيره تقلّص كثيرًا خاصة خلال الثورة جرّاء افتقاره للتجديد في البرامج والرؤى، وضعف موقفه من ممارسات النظام ما أدى إلى حركة تمرد داخلية فيه، فالتحقت غالبية عضويته القاعدية بنشاط الثورة، فيما ظلت قيادته العجوز تراهن على حل سياسي مع النظام. انظر بيان اللجنة المركزية لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، الأحد 15 إبريل/نيسان 2012، موقع: كتّاب عراقيون من أجل الحرية 16 إبريل/نيسان 2012، على الرابط: http://www.iwffo.org/index.php?option=com_content&view=article&id=52864&Itemid=11

2- كان معظم هؤلاء ممن شكّلوا ندوات وتجمعات مدينية تحت اسم “هيئات المجتمع المدني” في بداية عهد الأسد الابن وأُجهضت في حينها.

3- يُعد الحزب الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، وهو حزب مارس العنف في حلب وعفرين ضد نشطاء الثورة من الأكراد، وسلّمه النظام المناطق الكردية التي صار من الصعب عليه الاحتفاظ بها، وافتعل الصدامات مع الجيش الحر والقوى الكردية الديمقراطية بما فيها المجلس الوطني الكردي.

4- حسن عبد العظيم: بقاء الأسد أو استبعاده ليس بيدنا، ونحن لا نطالب باستبعاده، مقابلة مع صحيفة الرأي الكويتية، منشورة في موقع: كلنا شركاء، 13 مايو/أيار 2013، على الرابط: http://all4syria.info/Archive/81932

5- مؤتمر المعارضة السورية يبدأ أعماله في أنطاليا متجاهلاً إعلان الأسد عن عفو عام، AFP، 1 يونيو/حزيران 2011، على الرابط: إضغط هنا.

6- محمد علي الأتاسي، “حوار مع المعارض السوري الأبرز رياض الترك”، 29 يوليو/تموز 2011، http://souriahouria.com/%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%A8%D8%B1%D8%B2-%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%AA/

7- انظر نص مبادرة معاذ الخطيب في موقع المندسة السورية، 23 مايو/أيار 2013، على الرابط: http://the-syrian.com/archives/99049

8- من أبرز المشاركين فيه ميشيل كيلو ومنذر خدام وفايز سارة، ولم يكن منظمو المؤتمر متيقنين مما إذا كانت السلطات ستسمح لهم بعقد مؤتمرهم حتى لحظة انعقاده، الأخبار اللبنانية، “المعارضة تدعم الانتفاضة السلمية، والحوار في 10 تموز”، 28-6-2011، على الرابط: http://www.al-akhbar.com/node/15583

9- أمر الرئيس السوري بتشكيل هيئة للإعداد للمؤتمر في 1 يونيو/حزيران 2011‏، برئاسة نائبه فاروق الشرع، صحيفة الثورة السورية: قرار جمهوري بتأسيس هيئة للحوار الوطني، 2 يونيو/حزيران 2011، على الرابط:

http://thawra.alwehda.gov.sy/_archive.asp?FileName=28095091420110602022009

10- صحيفة الثورة السورية، “البيان الختامي لـ (اللقاء التشاوري): هيبة الدولة جزء من التفويض الوطني.. الحوار لإنهاء الأزمة.. تحرير الجولان هدف وطني”، 13-7-2011، على الرابط:

 http://thawra.alwehda.gov.sy/_archive.asp?FileName=29977938920110713012814

11- أصدر رئيس الوزراء السوري عادل سفر في 5 يونيو/حزيران 2011 قرارًا يقضي بتشكيل لجنة تتولى “مهمة إعداد وصياغة مشروع قانون جديد للأحزاب”. صحيفة الثورة السورية، “لجنة لإعداد وصياغة مشروع قانون للأحزاب خلال شهر”، 6 يونيو/حزيران 2011، على الرابط: http://thawra.alwehda.gov.sy/_archive.asp?FileName=28138739820110606022921 ‏

في 5 أغسطس/آب 2011 صدر المرسوم التشريعي الذي ينظم آلية عمل الأحزاب في سورية. يمكن الاطلاع على قانون الأحزاب السوري لعام 2011 على الموقع الرسمي لوكالة الأنباء السورية سانا على الرابط، http://sana.sy/ara/360/2011/08/06/362169.htm

أما قانون الانتخابات، فقد صدر في 26 يوليو/تموز 2011 ونقل ســــلطة الإشـــــراف على الانتخابات مـــن السلطة الإداريــــة إلــــى السلطة القضائيـــة. يمكن الاطلاع على النص الكامل لقانون الانتخابات لعام 2011 على الموقع الرسمي لوكالة الأنباء السورية سانا على الرابط http://sana.sy/ara/360/2011/08/06/362170.htm

وفيما يتعلق بالدستور الجديد فقد جرى إقراره في 27 فبراير/شباط 2012. صحيفة الثورة السورية، “السـوريـون يقـرّون دســتورهـم الجـديـد”… 28 فبراير/شباط 2012، على الرابط:

 http://thawra.alwehda.gov.sy/_archive.asp?FileName=53574641520120228011722

12- انظر مرسوم قانون الأحزاب، صحيفة الثورة السورية، الرئيس الأسد يصدر مرسومًا خاصًا بقانون الأحزاب (6 اغسطس/آب 2011،

http://thawra.alwehda.gov.sy/_archive.asp?FileName=30404926220110805230406

13- انظر مقابلة فاروق الشرع مع جريدة الأخبار اللبنانية وطالب فيها بتسوية تاريخية بين النظام والمجتمع، 17  ديسمبر/كانون الأول 2012 على الرابط:

 http://www.al-akhbar.com/node/173812 ، كما تم تنحية وزير الدفاع السوري علي حبيب الذي شاع أنه عارض دخول الجيش السوري لحماه (3 أغسطس/آب 2011) وتم تعيين داوود راجحة بدلًا عنه في 8 أغسطس/آب 2011، صحيفة الثورة السورية، العماد داوود راجحة وزيــــرًا للدفــــاع، 9 أغسطس/آب 2011، على الرابط:

http://thawra.alwehda.gov.sy/_archive.asp?FileName=30454662420110809020035

14- انظر نص خطة العمل العربية لحل الأزمة السورية، جامعة الدول العربية، الموقع الإلكتروني 29 ديسمبر/كانون الأول 2011، الرابط: إضغط هنا.

15- تشكّلت اللجنة برئاسة وزير خارجية قطر وعضوية كل من وزراء خارجية الجزائر والسودان وعُمان ومصر والأمين العام للجامعة العربية.

16- الجزيرة نت: العرب يدعون لحوار وسوريا تتحفظ، 17-10-2011، http://www.aljazeera.net/NR/exeres/2764F0E1-5CD0-44BF-A9EF-E188D2EC2055.htm?GoogleStatID=1

17- سورية تتحفظ على قرار الجامعة العربية جملة وتفصيلاً.. السفير أحمد: الأوضاع الأمنية في سورية تنحو نحو الاستقرار بما يوفر مناخًا ملائمًا لتطبيق القوانين والمراسيم لترسيخ الحريات والإصلاحات، 17 أكتوبر/تشرين الأول 2011، الوكالة العربية السورية للأنباء سانا، الرابط: http://www.sana.sy/ara/3/2011/10/17/375987.htm

18- صحيفة الثورة السورية، الاتفاق بين سورية واللجنة الوزارية العربية على خطة العمل… وزراء الخارجية العرب: نقدر حكمة القيادة السورية وعلى المعارضة الاستجابة للجهد العربي… السفير أحمد: الحل والخيار سوريان بدعم عربي مخلص.. وبنود الورقة تنطلق من ثوابتنا 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، على الرابط: http://thawra.alwehda.gov.sy/_archive.asp?FileName=96045087820111103024320

19- وصول وفد طليعة بعثة المراقبين العرب إلى دمشق.. والعربي: وجودهم في سوريا سيوقف القتل، صحيفة الشرق الأوسط، 23 ديسمبر/كانون الأول 2011، الرابط:  http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=655638&issueno=12078#.Ut4qzLRRW70

20- بعد هجوم على مراقبين .. الجامعة العربية تعلق إرسال المزيد إلى سوريا لحين اتضاح الموقف، موقع سيريا نيوز، 11 يناير/كانون الثاني 2012، الرابط: http://syria-news.com/readnews.php?sy_seq=142591

21- “تعليق عمل بعثة المراقبين… واشتباكات متزايدة في ريف دمشق”، جريدة الأخبار اللبنانية، 30 يناير/كانون الثاني 2012، على الرابط: http://www.al-akhbar.com/node/33963

22- صحيفة الثورة السورية، سورية ترفض قرارات المجلس الوزاري العربي خارج إطار خطة العمل العربية والبروتوكول: تجاهل للخطوات الإصلاحية وانتهاك للسيادة وتدخل سافر في الشؤون الداخلية.. البيانات التحريضية تعكس الدور التآمري لأدوات باتت مكشوفة.. الشعب السوري أثبت تمسكه بالوحدة الوطنية والتفافه حول قيادة الرئيس الأسد، 23 يناير/كانون الثاني 2012، على الرابط:

 http://thawra.alwehda.gov.sy/_archive.asp?FileName=44871184620120123034325

23- انظر نص المبادرة العربية الثانية والتي شكّلت الإطار العام لخطة عنان ذات النقاط الست، في عزمي بشارة، سورية: درب الآلام نحو الحرية، محاولة في التاريخ الراهن، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013، ص452-454.

24- ضمت مجموعة العمل الدولية حول سورية الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، إضافة إلى تركيا بوصفها رئيسة منظمة التعاون الإسلامي، وقطر بوصفها رئيسة اللجنة الوزارية العربية، والكويت الذي كان يترأس مجلس وزراء الخارجية العرب وقتها، والعراق رئيس القمة العربيّة عام 2012، ومفوضية الاتحاد الأوربي، والأمم المتحدة.

25- “مجموعة العمل حول سوريا تعقد أول اجتماع لها في جنيف”، مركز أنباء الأمم المتحدة، 30 يونيو/حزيران 2012

http://www.un.org/arabic/news/story.asp?NewsID=16858#.URIuV6Xqle8

26- كوفي عنان يستقيل من منصبه كمبعوث دولي إلى سورية، أخبار الشرق، 2 أغسطس/آب 2012، الرابط: http://www.levantnews.com/archives/15044

27- انظر: “تصريحات وزير الخارجية كيري في اجتماع الدول الإحدى عشرة في لندن حول سوريا”، موقع وزارة الخارجية الأميركية، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2013، على الرابط:  إضغط هنا.

هل سيجلب جنيف الحل للمأساة السورية/ وليد البني

الغاية المعلنة من جنيف٢ والإصرار الأمريكي على عقده وجر المعارضة السورية أو جزء منها اليه بأي ثمن، هو ايجاد حل سياسي، يؤدي في النهاية الى انهاء نظام الأسد وتحقيق الإنتقال السلمي للسلطة في سوريا عبر انشاء هيئة حكم انتقالية بالتشارك بين المعارضة والنظام تكون مهمتها اجراء انتخابات حرة يستطيع الشعب السوري من خلالها انتخاب حكومة تمثله.

للوهلة الأولى يبدو ذلك جذابا ومشجعا، ولكن هل واقع وطبيعة الطرفين المطلوب منهما الوصول الى هكذا حلول تسمح بإنجاز ذلك؟؟

وهل يريد رعاة جنيف ان يقنعونا انه بمجرد الضغط على الطرفين للذهاب الى جنيف وجلوسهما معا فإن القضية ستتحول الى نقاشات جادة وتفاوض منطقي يتوقف نجاحه على براعة المتفاوضين القانونية والديبلوماسية، وطبيعة الشخصيات المتفاوضة وقدراتها.

الحقيقة إن الحل يكمن في مكان أخر تماما، ولدى أشخاص آخرين غير أولئك الموجودون في حنيف اليوم.  من السذاجة الإعتقاد بأن وليد المعلم أو فيصل المقداد أو اي من أعضاء وفد الطاغية، اتى الى جنيف لكي يوافق على انهاء دور بشار الأسد السياسي والتوقيع على اتفاق يسمح بتفكيك نظام امني مافيوي قتل ربع مليون سوري وشرد وعذب الملايين منهم ، بعد ان يتولى وفد الإئتلاف إقناعه بحججه القانونية ومهاراته السياسية بمدى أحقية الشعب السوري بالتمتع بالحرية والديمقراطية كحق انساني نصت علية الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وبالتالي يكتشف وليد المعلم كم كان نظامه مخطأ لأنه لم يطلع على تلك القوانين قبل قتل واعتقال وتشريد كل هؤلاء.

لنكن جديين أكثر، القائمين على النظام السوري وحكام سوريا الحقيقيين غير موجودين في جنيف، كما أن القوى العسكرية المتحكمة بالمناطق المحررة والقادرة على تنفيذ اي اتفاق، هي أيضا غير موجودة في جنيف.

ولا يبدوا حتى الآن إن هناك إرادة دولية بإيقاف المجزرة التي تتعرض لها سوريا وطننا وشعبا، فلو أراد الروس والأمريكيين ذلك لما أصروا على مسرحية جنيف بالشكل الذي تم، أي مفاوضات لتقطيع الوقت وليس لإيجاد حلول، الجميع يعلم أن الطاغية والمافيا المحيطة به غير قادرة على مقاومة قرار دولي تحت الفصل السابع يفرض أي حل في سوريا، فالدعم الروسي الصيني هو من أبقى النظام قائما لحد الآن، كما أن وفد الإئتلاف الموجود في جنيف يعتمد في وجوده وشرعيته على الدعم السياسي والمالي الإقليمي والغربي، فلماذا لا يذهب رعاة جنيف الى مجلس الأمن لفرض مخرجات جنيف١ على الطرفين وبالتالي يوفرون الوقت والدمار والدم على السوريين، وإذا كانوا لا يزالون مختلفين على تفسير بعض بنوده فلماذا لا يجلسون معا ويتفقون على التفسير الذي يريدون ومن ثم يقوم كل طرف بإقناع حليفه أو إجباره على القبول به.

انا آسف أن أعترف بهذه الحقيقة ولكنها هي الواقع المؤلم فقرار الطرفين يكمن لدى داعميهم، وعلى رعاة جنيف أن يتوقفوا عن الإسهتار بعقولنا، فهل يتوقع السيد فورد وإدارته انه يمكن فعلا أن يقبل النظام وعبر التفاوض بتشكيل هيئة حكم انتقالية بدون الطاغية، وهل هو مقتنع فعلا ان هذا النظام قابل للتفكيك التدريجي، وهل يحتاج المرء الى الكثير من الذكاء ليعرف ان النظام وعائلة الأسد وأجهزته الأمنية هي كل لا يتجزء، وأن قطع رأس النظام يعني إنهياره، أم أن الغاية من هذا الجنيف هي إلهاء السوريين والرأي العام الدولي عن المأساة الجارية في سوريا، والتغطية على تقاعس المجتمع الدولي وخاصة ما يسمى بالعالم الحر تجاه مجزرة العصر التي يرتكبها نظام الأسد بحق شعبه.  وأن لهم مصلحة بإستنزاف إيران وحزب الله عسكريا وماليا في معركة مع التطرف القاعدي في الطرف الآخر مجانا، وعلى حساب دماء السوريين ومستقبل أجيالهم.  مما يجعلهم أي هؤلاء الرعاة  غير مستعجلين بإيقاف القتل والتدمير في سوريا.

لابد من رفع الصوت من قبل كل المخلصين والراغبين بتخليص سوريا من مأساتها المتمثلة بإجرام الأسد والمافيا المحيطة به من ناحية، واستشراء التطرف والظلامية من ناحية أخرى. والتوقف عن التلهي بمسلسل جنيف الذي لا ينتهي ، ومطالبة المجتمع الدولي وأصدقاء وأشقاء الشعب السوري بتحمل مسؤولياتهم تجاه ما يجري للسوريين عبر تفاهم إقليمي دولي ينهي هذه المأساة، من خلال  حل يصون وحدة سوريا أرضا وشعبا ويُفرض على الجميع.

وعلى القوى الوطنية والديمقراطية السورية التنادي للإجتماع لوضع تصورات للحلول الممكنة، بعيدا عن التنافس الفارغ والمزاودات المدمرة التي ميزت العلاقة بينها لحد الآن، والتركيز على استقلالية القرار السوري المعارض كطريق وحيد لإنتاج تصورات سورية للحل  بعيدا عن اي نوع من التعصب أو التطرف مع التأكيد على العلاقة الجيدة مع جميع دول الإقليم شريطة توقفها عن التدخل بالشأن الداخلي السوري أو محاولة شرذمة المعارضة للسيطرة على قرارها.

المطلوب ليس من السهولة بمكان، وسيكون امامه الكثير من العوائق والتضحيات، ولكن ومن وجهة نظري على الأقل هو السبيل الوحيد والممكن  لإنقاذ سوريا وشعبها.

كلنا شركاء

ما بعد “جنيف 2″/ هيثم مناع *

كشف مؤتمر جنيف الدولي حول سورية حالة التخبط والفوضى، حتى لا نقول الهشاشة، التي تعيشها القوى الدولية والإقليمية والأطراف السورية. سقطت ورقة التوت عن الكبير والصغير.

بعد عامان من الاغتيال المنهجي للسياسة ومخرجات حل سياسي، اتفق الراعيان الروسي والأميركي ـــ بعد توافقات بينهما على إرجاء انعقاد المؤتمر بدأت منتصف حزيران 2013 وانتهت بعد نحو ستة أشهر ـــ على عقد المؤتمر في 22 كانون الثاني 2014.

عندما يتحدث الراعيان الدوليان عن المأساة الإنسانية في سورية يغيب عنهما ــــ أو لا رغبة لديهما في الاعتراف ــــ أنه بعد 30 حزيران 2012، تاريخ صدور إعلان جنيف الشهير، سقط أكثر من نصف عدد الضحايا ودُمّر 60 في المئة من البنى التحتية وسجّل 65 في المئة من حالات اللجوء والنزوح، وأن وقف إطلاق النار الذي طرحه السيد كوفي عنان في نقاطه الست التي ضمّنها هذا الإعلان كان عملية سهلة تتعلّق بطرفي نزاع أساسيين (الجيش السوري والجيش الحر) وجماعات مسلحة ما زالت في طورها الجنيني.

كنت أحد قلائل تحدثوا في مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية في 2 ــــ 3 تموز 2012 عن «إعلان جنيف». كان الهمّ الرئيس للمعارضة التوصل إلى ميثاق وطني جامع وبرنامج مشترك، وهمّ المجلس الوطني السوري عدم تشكيل أي هيكل في المؤتمر يمكن أن يكون عباءة جامعة أوسع للمعارضة السورية، بل وحتى تشكيل لجنة متابعة لمقررات المؤتمر. في حين كان هاجس السفير الفرنسي إريك شوفالييه انهاء المؤتمر بنتائج يحملها الى اجتماع أصدقاء الشعب السوري الذي عقد في 6 تموز في باريس. أما السفير البريطاني جون ولكس، الذي استقبلني مع وفد هيئة التنسيق الوطنية في بيت السفير البريطاني في باريس منتصف الشهر نفسه، فقد حدثنا عن ضرورة العمل على الخطة ب، لأن مؤتمر جنيف حسب ما قال لا يملك فرصاً كبيرة للانعقاد.

بصراحة ومرارة أقول اليوم انني شعرت، خلال أشهر، بأنني المحامي الوحيد عن قضية خاسرة، ولو أن المكتب التنفيذي لهيئة التنسيق الوطنية كان واضحاً ومؤيداً للخط الذي دافعنا عنه. وتكفي مراجعة المقابلات التي أجراها عبد العزيز الخير ورجاء الناصر (وكلاهما معتقل اليوم) وحسن عبد العظيم ومقابلاتي ومقالاتي المبكرة في الموضوع. ولعلنا أول طرف صاغ ملاحظات نقدية بناءة لمؤتمر «جنيف 1» تطالب، دولياً، بخطوات جادة لعقد المؤتمر الدولي في أسرع وقت، وإقليمياً بضرورة توسيع الأطراف الـ16 المشاركة في المؤتمر الأول لضم السعودية ومصر وإيران، وسورياً بالخروج من منطق «الحانوت الممثل للشعب» من أجل حضور وازن ومقنع للمعارضة السورية.

بعد تشكيل الائتلاف الوطني السوري في الدوحة ضُرب الحل السياسي في الصميم، أولاً عبر اعتبار هذا الائتلاف ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب السوري واعطائه مقعد سورية في الجامعة العربية في قمة الدوحة، وثانياً عبر التأكيد على رفض الحوار والتفاوض قبل رحيل الأسد، أي وضع «إعلان جنيف» في الثلاجة. وليس المجال متسعاً لذكر الاتهامات التي تعرضنا لها لمجرد تمسّكنا بالحل السياسي وإعلان جنيف.

تغيّرت موازين القوى على الأرض، وتقدمت القوى الجهادية على الجيش الحر في الميدان، ودخل حزب الله معركة القصير. فُتحت حدود لتهافت الجهاديين السلفيين من عشرات الدول، وفُتحت حدود أخرى لدخول أكثر من خمسة آلاف مقاتل شيعي الى جانب النظام. وصارت سورية ميدان المواجهة السنية ــــ الشيعية المسلحة الأولى في العالم، وضاع نضال الشعب السوري من أجل الديمقراطية تحت أقدام الغرباء. اجتمع كيري ولافروف في 7 أيار لإعادة الاعتبار لمؤتمر جنيف، لكن المماطلات الدولية وتجارة الوهم والبؤس الإقليمية أجّلت أي خطوة عملية لعقد المؤتمر. إلى أن وقعت معجزة ــــ مأساة الكيميائي. هنا، بدت الأطراف الدولية أكثر وعياً بمآل القضية السورية وضرورة العودة الجدّية إلى حل سياسي. وفي يوم واحد، بدأ مسلسل «صحّ النوم الدولي». اكتشف أوباما أن «الوسائل العسكرية لا تحقق الديمقراطية»، وطلع علينا هولاند بالقول «يجب الإسراع في التوجه إلى جنيف»، وأقر بان كي مون بأن «الانتصار العسكري وهم». أما غول فخرج عن أسطوانة أردوغان بالقول: «يجب وضع حدّ للحرب الأكثر دموية في سورية». واتفقت الدول الثماني في قمتها على ضرورة مكافحة الإرهاب. ولم يبق في الخطاب «الجهادي» سوى بندر بن سلطان وخالد العطية. وكانت آخر ضربة في صدر قيادة أركان الجيش الحر تشكيل «الجبهة الإسلامية» التي كان من أول إنجازاتها ليس فقط الهجوم على مخازن أسلحة للجيش الحر، وإنما التهديد بمحاسبة كل من يشارك في جنيف.

تراجع الصوت السعودي المعارض مع غياب بندر بن سلطان، وطُلب من قطر ما يجري طلبه عادة في أوضاع مماثلة من الطرف الأميركي. وصار الطريق سالكاً أكثر لانعقاد المؤتمر.

عرضت وجهة نظري على الأطراف الراعية الثلاثة. وكم كررت لهم، في ما كتبت وصرخت، بأن الأساس هو إنجاح جنيف وليس مجرد انعقاده، وأن الصورة الرديئة عن مصطلح المفاوضات و«إعلان جنيف» التي سادت خلال عامين ونيّف تتطلب إجراءات عملية تسبق المؤتمر وتعطيه حاضنة شعبية ضرورية لإنجاحه. طالبنا، في هيئة التنسيق، بقرار من مجلس الأمن يضع كل المقاتلين غير السوريين خارج الشرعية الدولية. وقلت لكل من قابلت: «وقف إطلاق النار اليوم عملية معقّدة ومركّبة. فليكن التركيز على وقف جرائم الحرب واحترام قوانينها». وكلّ اللسان من الحديث في «اجراءات بناء الثقة»، وضرورة الإفراج عن نساء وأطفال ومرضى لا علاقة لهم لا بالأمن القومي ولا بتغيير موازين القوى، وإدانة الخطف من أي طرف جاء، والإفراج عما أمكن من المخطوفين. وكذلك رفع العقوبات الغذائية والدوائية عن سورية الخ. ولكن، وكما قال الشاعر: «لقد أسمعت إذ ناديت حيّاً، ولكن لا حياة لمن تنادي».

كان همّ الثلاثي البريطاني ـــــ الفرنسي ــــ الأميركي ممارسة حق الفيتو على كل من ليس تحت السيطرة من المعارضة، وكل من ترفض الدول المشاركة في التمويل والتسليح والتمرير للمسلحين (تركيا، السعودية، قطر) اعتباره معارضة سورية. وأتى السيد روبرت فورد بوفد المعارضة ممن وافقه الرأي على حضور جنيف (58 عضواً من أصل 120 في الائتلاف الوطني نصفهم شكّل الوفد)، في اعتداء صارخ على حق المعارضة السورية في تشكيل وفدها وفق الفقرة العاشرة من إعلان جنيف. وتخلّى السيد بوغدانوف عن التدخل في تشكيل وفد الحكومة، في استقالة تامة من دوره في التنسيق مع الحكومة لتشكيل وفد وازن أيضاً يضم، على الأقل، مختلف الأطراف المشاركة في الحكومة الحالية. الاستقالة الروسية، باسم «احترام القرار السوري»، والوصاية الأميركية، باسم تشكيل وفد معارضة منسجم تحت السيطرة الغربية الخليجية، تشبهان وضع زجاجة مولوتوف في الصالة 16 والسعي المستحيل الى عدم وقوع انفجار يقضي على الأمل المعقود على الحل السياسي. فوفد المعارضة مصاب بمرض الشرعية والتمثيلية حتى داخل الائتلاف، ناهيكم عن ضعف الخبرة التفاوضية. لذا سيرفع سقف المطالب ليثبت بأنه كان محقّاً في الاستجابة لدعوة الدول الـ 11 لحضور المؤتمر رغم الشروخ التي أحدثتها المشاركة في علاقته بمكونات الائتلاف والمجموعات المسلحة وباقي فصائل المعارضة السياسية. ووفد السلطة يحضر ليذكّر الناس بأن حسابات الحقل غير حسابات البيدر، وأن ما يقوله ميشيل كيلو والفريق المفاوض عن وجود 185 ألف مقاتل جيش حر وراء المفاوضين لا علاقة له بالواقع والجغرافيا. والاعتماد على نقاط ضعف وفد الائتلاف للابتعاد عن «إعلان جنيف» والتركيز على مكافحة الإرهاب الخ.

باختصار، قتل المشاركون مؤتمر «جنيف 2»، ولا أحد منهم يجرؤ على دفنه.

عندما اكتملت لديّ الصورة حول سيمياء تحضيرات المؤتمر في 22/12/2013، أخبرت الجانب الروسي بأنني، شخصياً، لم أعد معنياً بما سيجري لأنني أكره الفشل المبرمج. ورغم إصرار هيئة التنسيق الوطنية على أن أشارك وأتابع كل ما يتعلق بالمؤتمر، فقد اعتذرت عن لقاء القاهرة مع أحمد الجربا، ومتابعة الاتصالات مع الأطراف الراعية. وبادرنا، مع لجنة التحضير، إلى لقاء تشاوري وطني للعمل على إنجاح المشروع. وعزّزنا الاتصالات لضمان أكبر قدر من التمثيل السياسي والمدني له، لأن فشل جنيف يعني حالة فراغ كارثية على الصعيد السياسي والإنساني والوطني. ولا بد من عودة الحل السياسي بأسس سليمة وقواعد عقلانية ومنهجية مختلفة، تترك للإنسان السوري الحق في الأمل بأن لهذا النفق المظلم نهاية. وأن المخيلة السورية الخلاقة لم تنضب. وهي قادرة على رسم معالم طريق للخلاص من الحرب والديكتاتورية، خارج الوصاية والتبعية.

* رئيس «هيئة التنسيق الوطنية» في المهجر

الأخبار

أيّة أسس سياسيّة خلف جنيف؟/ سمير العيطة

أطلقت عمليّة التفاوض الحالية الجارية في جنيف آليّات قد تتخطّى كلا الفريقين المفاوضين. الدلالة على ذلك تكمن في تعدّد المبادرات لعقد لقاءات بين أطياف من المعارضة والموالاة هنا وهناك. لكن المشكلة هي في انسداد أفق التفاوض الحالي باعتماده على الشطارة أكثر من السياسة، كأساس لوضع تصوّر حقيقي لإنقاذ سوريا كوطن.

يعمل النظام على تضيّع الوقت في جنيف بينما يقيم مصالحات واتفاقات لوقف إطلاق النار على الأرض. إن هذا يؤسّس لإدارة ذاتية ستغيّر إذا ما تعمّمت القواعد الدستوريّة القائمة ولن يكون دوامها ممكنا من دون غطاء سياسيّ ومؤسّساتي حقيقي.

وفد «الائتلاف» يضيّع أيضا الوقت عبر طرح ورقة رؤية للحكومة الانتقالية أقل ما يمكن أن يقال عنها أنّها تشكّل تراجعاً عن أسس التوافقات الوطنيّة التي تمّت صياغتها في القاهرة في تموز 2012. ذلك أنّ مرجعية هذه الرؤية هي لقرارات مجلس الأمن الدولي وليست لعهد وطني تتوافق عليه الأطراف. كما أنّ الحكومة لا رقابة عليها من قبل جسم تشريعي أو قضائي انتقالي مستقلّ عنها، وتستمرّ في حيازة سلطاتها المطلقة ليس حتّى انتخاب مجلس تأسيسي كما في تونس، وإنّما حتّى انتخاب برلمان على قواعد دستور جديد. فمن قال أنّ الطرفين المفاوضين الحاليين يحقّ لهما الاستفراد طويلاً بالسلطة المركزيّة إن اتفقا من دون رقابة شعبيّة؟ وما معنى هذا الاستفراد في ظلّ انتشار السلاح والإدارة الذاتية بحكم الواقع للبلدات والمناطق؟

الأسوأ من ذلك أنّ طرفي التفاوض الحاليين يتلاعبان في ممارستهما حيال بقيّة أطياف المعارضة السياسيّة كما المدنيّة، من جهة عبر الاعتقالات والضغوط، ومن جهة أخرى عبر محاولات سياسيّة تهدف إلى شرذمة تلك الأطياف تحت غطاء خطابات سياسيّة معسولة، وبدعمٍ من القوى المسمّاة “صديقة” لسوريا. وكأنّما الهدف هو الوصول إلى “اتفاق طائف” لتقاسم السلطة على الطريقة اللبنانيّة، ليس هو بين الطوائف بقدر ما هو بين أمراء الحرب لاقتسام الغنائم. يشمل تعبير أمراء الحرب هنا ليس فقط الذين بإمرتهم كتائب مقاتلة بل بشكلٍ أوسع المستفيدين من هذه الحرب.

يرفض الطرفان العمل على قواعد سياسية للتوصّل إلى رؤية أسس الوطن والمواطنة المستهدفة أو لوضع المرحلة الانتقاليّة على أرضيّة دولة قانون بالحدّ الأدنى بحيث يتم الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، مع توضيح العلاقة بين السلطات المركزيّة والمحليّة. لا شك أنّه يجب التوصّل إلى توافق إقليمي ودولي لإخراج سوريا من الحرب القائمة، ولكن ليس لوضعها تحت الوصاية الدوليّة، وإنّما فقط لضمان التزام الأطراف الخارجيّة بحلٍّ سوريّ. وصحيحٌ أنّه يجب محاربة الإرهاب ولكن ليس من أجل الإبقاء على من تسبّب بالإرهاب. وصحيحٌ أنّه يجب الانخراط في مرحلة انتقالية ولكن ليس فقط من أجل إيصال الإغاثة وإطلاق المعتقلين، وحتى من دون رفع العقوبات الاقتصادية، كما ورد في وثيقة طرف المعارضة في جنيف. وإنّما لإعادة بناء سوريا التي دمّرها أمراء الحرب هؤلاء، موالاة كانوا أم معارضة. إن الحلّ السياسيّ هو بالتحديد من أجل الوطن وأهله لا من أجل الزعامات السياسيّة.

السفير

لماذا طالب أحمد الجربا بفاروق الشرع؟/ فايز ساره

تفاجأ بعضهم بطلب رئيس الائتلاف الوطني احمد الجربا، ان يكون نائب الرئيس السوري فاروق الشرع على رأس وفد النظام في محادثات جنيف2، حيث تتواصل المفاوضات بين النظام المعارضة. واساس المفاجأة، شيوع ان الجربا وغالبية المعارضين السوريين لديهم اعتراض على النظام من رأسه وحتى اسفل قاعدته، وهم يطالبون برحيل النظام ومحاسبة اركانه، وفاروق الشرع احد ابرز هؤلاء، اذ هو نائب لرئيس النظام.

ورغم اني لم اسأل رئيس الائتلاف، فقد سمحت لنفسي ان أُقدر الاساس الذي قامت عليه مطالب الجربا في ان يكون الشرع على رأس وفد النظام في جنيف2، وهو تفسير يقوم على امرين اثنين، اولهما موقع الرجل في النظام البعثي، والثاني هو مواصفاته الشخصية، والامران جعلاً من الرجل في مكانة مميزة.

وفاروق الشرع بين قلة قليلة احتفظ بها بشار الاسد من رجالات عهد ابيه، وقد عمل في عدد من المسؤوليات المهمة قبل ان يستقر في الخارجية السورية اكثر من عقدين (1984-2006) بل هو ورث في ذلك المنصب عن عبد الحليم خدام احد ابرز المقربين من الاسد الاب، وادار بكفاءة عالية الدبلوماسية السورية في اصعب الظروف التي مرت بها في السياسة الاقليمية والدولية، الامر الذي اهله لمتابعة دور في عهد الاسد الابن على امل ان يساعد في دعم السياسة الخارجية للعهد الجديد فبقي في الخارجية ست سنوات قبل ان يتسلم منصب نائب الرئيس في العام 2006.

اما في مواصفاته الشخصية، فان الشرع في الصورة العامة والشائعة عنه، كان بين قلة من مسؤولي النظام الذين لم ترتبط اسماؤهم بشبكات الفساد المالي والاداري التي غرق فيها نظام البعث، وعاش الرجل حياة بسيطة ومتواضعة، ولم يتدخل في الامور الداخلية بشكل عام، فكان بعيداً عن صراعات اخذت طابع الصراعات المافياوية بين اركان وكتل النظام.

ولئن كانت تلك الملامح في شخصية الشرع مغمورة وقليلة الاهمية في فترة ماقبل الثورة السورية، وكانت خارج اهتمام كثير من السوريين وخاصة اولئك المنفصلين سياسياً واجتماعياً وثقافياً عن النظام ورجالاته. فان الصورة اخذت تتغير مع انطلاقة ثورة السوريين في آذار من العام 2011، خاصة بعد ان تقدمت درعا التي ينتمي اليها فاروق الشرع لتصير مهد الثورة، ويصبح اطفال ورجال ثورة السوريين هناك اول ضحايا النظام اعتقالاً وتعذيباً وقتلاً وملاحقة، وهو امر فرض على الشرع وعلى آخرين سعياً من اجل معالجة تداعيات «احداث درعا» وامتداداتها الى بقية المحافظات.

وكان ذلك مدخلاً من الباب العريض لمشاركة الشرع في معالجة الوضع المتفجر، وهكذا ولدت فكرة هيئة الحوار الوطني برئاسة الشرع بصفته نائباً للرئيس، وانخرط الرجل في حوارات مع شخصيات واطراف سياسية في داخل البلاد وخارجها، وكان الابرز في ثمار تلك الحوارات اللقاء التشاوري الذي ترأسه في تموز 2011 بمشاركة نحو 200 شخصية تمثل قوى سياسية ومستقلين وأكاديميين وفنانين.

لقد سعى الشرع لاخذ دور يكاد يكون متوازناً، دور رجل السلطة من جهة ودور الباحث عن حل بخلاف المنطق السائد لدى اغلبية رجال النظام الذي ذهبوا في اتجاه الحل الامني العسكري للازمة، فيما كان الشرع وقلة من امثاله اميل الى فهم طبيعة الازمة واقامة حوار مع المعارضة وشخصياتها واجراء مقاربات بين الواقع والمطلوب، وهو اتجاه لم يكن يحظى برعاية فعلية من قبل رأس النظام، وهو ما انعكس مباشرة على نتائج اللقاء التشاوري لهيئة الحوار الوطني، التي لم ينفذ أي من قراراتها وتوصياتها، بل الامر ذهب الى ابعد، ان شنت حملت خفية من جانب النظام واجهزته ضد الشرع وماقام به من انشطة لمعالجة الازمة، ثم غابت عن المشهد هيئة الحوار الوطني التي كان يرأسها، ثم احيط وضع الرجل بالتقولات، بعضها تحدث عن انشقاقه، واخر عن وفاته، وقد اضطر الى الظهور علنا للرد على الادعاءات.

خلاصة الامر ان فاروق الشرع بداً بين قلة من رجالات النظام لديه رغبة في التعامل مع القضية السورية بالاستناد الى اسبابها وحيثياتها، وليس الى مؤامرة اطرافها عصابات مسلحة وارهابيون وعملاء ومأجورون هدفهم خدمة الخارج في اطار مؤامرة تستهدف النظام وصمود وقيادة وشعب سوريا على نحو ماكانت تؤكد السياسة الرسمية للنظام.

رئيس الائتلاف الوطني عندما طرح اسم الشرع ليكون على رأس وفد النظام مقابل وفد الائتلاف في جنيف2، انما كان يعزز دور دعاة الحل السياسي من داخل النظام، وكان يؤكد وجود اشخاص لم تتلوث ايديهم بدم السوريين، ولم يشاركوا في تدمير البلد، وانهم يمكن ان يساهموا في مرحلة انتقالية لسورية، تلم جراح الشعب السوري ودمار البلاد، وتأخذ السوريين نحو تغيير جذري في الانتقال من الاستبداد الى الديمقراطية الى دولة توفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين بعد كل ماعانوه.

المستقبل

بعد فشل مفاوضات جنيف، الكلمة الآن للمقاتلين الأحرار/ برهان غليون

    إخفاق الاجتماع الثلاثي الذي جمع بين نائبي وزيري خارجية الدولتين الكبرتين والأخضر الابراهمي، الممثل المشترك للجامعة العربية والأمم المتحدة، يعني إنهاء المفاوضات، وعودة القضية من جديد إلى الامم المتحدة ومجلس الامن. ويتوقف موقف الأمم المتحدة المنتظر من الامر على تقرير الأخضر الابراهيمي الذي خبر بأم عينيه تلاعب نظام المافيا ومماطلته ورفضه الدخول في موضوع المفاوضات ورهانه على إفشالها منذ البداية.

    لكن بالنسبة لنا يؤكد هذا الفشل ما كنا نقوله منذ البدء بأن مفاوضات الحل السياسي تحتاج إلى طرفين، وأن الطرف الممثل لمافيا الأسد لا يمكن أن يقبل بأي حل سوى الاستمرار في الحرب حتى آخر قطرة من دم السوريين، مدعوما بايران وروسية الاتحادية وطموحاتهما الاستراتيجية.

    منذ البداية كنا نقول إنه لا توجد لدينا أوهام حول مصير المفاوضات، وإنما كانت مشاركتنا من باب دفع الضرر وعدم السماح للمافيا السورية أن تحقق نصرا سياسيا مجانيا، على حساب دماء الشعب، وبسبب تغيب المعارضة أو مقاطعتها.

    والآن يدرك الجميع أن الطرف الآخر هو بالفعل ممثل لمافيا لا تعنيها مصالح السوريين ولا حياة أبنائهم ولا مستقبل بلدهم ومصيره، ولا ترضي سياساتها التدميرية حتى قاعدة الموالين التي سارت وراءها خوفا من التغيير أو تمسكا بالاستقرار، وإنها لا تعمل إلا لخدمة مصالح نظام ايران التوسعي ونظام روسية المتخوف من انتقال تجربة الثورة ومثالها.

    الكلمة الآن للمقاتلين على الأرض وللدول الداعمة لثورة السوريين وحقوقهم من أجل تمكين الكتائب الحرة من دحر الميليشيات الايرانية اللبنانية الطائفية وزعزعة وجود المافيا الأسدية وأركان نظامها وسلطتها الفاجرة.

المتحدثون باسم النظام في “جنيف 2″/ فايز سارة

انتهت الجولة الثانية من مفاوضات «جنيف 2» بين وفدي النظام والمعارضة في سوريا، دون تحقيق خرق حقيقي في موضوع التفاوض، وهو فتح بوابة للحل السياسي للوضع القائم في سوريا. وهو أمر متوقع ومنتظر نتيجة ما هو معروف من مواقف وسياسات النظام في تعامله مع الوضع السوري منذ انطلاقة الثورة في مارس (آذار) من عام 2011، من حيث اختياره العنف بأقصى درجاته في التعامل مع الثورة مستخدما كل أدواته العسكرية والأمنية القائمة والمتاحة.

غير أن توقع نتيجة جولتي «جنيف 2» ووقوف المفاوضات أمام سد الخيار العسكري الأمني لنظام الأسد، يتوافق عمليا مع طبيعة الوفد الذي أرسله النظام إلى «جنيف 2» للتفاوض مع وفد المعارضة تحت الرعاية الأممية والدولية. فالوفد بعموميته ضعيف في علاقته بمركز القرار داخل النظام، حيث نواته الأساسية عسكرية – أمنية من جهة وعائلية طائفية من جهة أخرى، ويكاد يكون عديم الصلة بالنواة الصلبة للنظام، وهو هامشي الصلة بالمركز في أحسن حالاته، وهذا يجعله دون أي قدرة على اتخاذ أي قرار في موضوع التفاوض بما في ذلك الشكليات، وفي كل الأحوال عليه، أن يرجع، ويراجع مركز القرار في دمشق، وهو أمر كان ظاهرا مع بدء مفاوضات «جنيف 2» وقبلها أيضا، حيث كانت تجري الأحاديث عن مفاوضات النظام مع المعارضة.

ولئن سعى النظام إلى إسباغ طابع دبلوماسي على وفده لمفاوضات «جنيف 2»، بتسمية وزير الخارجية وليد المعلم رئيسا للوفد ومشاركة كبار موظفي الخارجية مثل نائبه فيصل المقداد وآخرين، ثم أضاف إليهم إعلاميين بينهم وزير الإعلام عمران الزعبي والمستشارتان لونا الشبل وبثينة شعبان، فإن الطابع الدبلوماسي للوفد لم يكن حقيقيا، وتم تأكيده منذ الجلسة الافتتاحية، التي تكلم فيها وليد المعلم خارقا القواعد الدبلوماسية في القول والفعل متجاوزا الوقت المخصص له ومطلقا تهديدات لبعض الحضور في مكان يفترض أن الأجواء فيه أجواء توافق هدفها جعل «جنيف 2» قاطرة للحل السياسي في كارثة سوريا، التي صنع النظام معظم مجرياتها وتفاصيلها الدموية والتدميرية.

ولا يحتاج إلى تأكيد، قول إن أعضاء وفد النظام هم جزء من نظام فساد وإفساد مكرس، بل هو مثال للفساد والنهب والرشوة والابتزاز قل نظيره في عالم اليوم، وأعضاء الوفد غارقون في ذلك إلى أعماقه. وثمة كثير من التفاصيل في ملفات السيرة الوظيفية لأعضاء بالوفد لجهة غرقهم في الفساد المالي والإداري أو في رعايته ونهب المال العام والتغطية على جرائم مشهودة ، أو في استغلال وظائفهم في خدمات خاصة وعامة ذات طابع نفعي.

ووسط تلك المواصفات العامة لفريق المتحدثين باسم النظام في «جنيف 2»، لا بد من وقفة سريعة مع صفة عامة، جمعت أغلب المتحدثين المعروفين منهم، وهي الكذب الذي تكرر في «جنيف 2»، تأكيدا لما كان مورس من كذب في السابق، وكان التجسيد الأبرز في ذلك كبار وفد النظام ومنهم وليد المعلم، وبثينة شعبان، ولكل منهما كذبات كبرى، لا تفوقها كذبة أخرى ومنها رواية الوزير المعلم عن حادثة جسر الشغور التي اتهم فيها المعارضة بارتكاب مجازر هناك، وتبين لاحقا أن الصور لا تتصل بسوريا وبالسوريين أصلا، وكذلك كذبة بثينة شعبان الكبرى التي زعمت فيها أن المعارضة خطفت أطفالا من ريف اللاذقية وقصفتهم بالكيماوي في الغوطة في معرض حديث عن مجزرة الكيماوي التي ارتكبها النظام في عام 2013 وفي سياق تبريرها.

ولا شك أن المواصفات الجامعة للمتحدثين باسم النظام في «جنيف 2»، لا يمكن أن تتجاوز مواصفاتهم الشخصية، التي كشف حضورهم في جنيف عنها أمام وسائل الإعلام مباشرة، فنضحت شخصياتهم بروائح الحقد والكراهية والإجرام ضد السوريين وأطفالهم ونسائهم الذين اتهموهم بالإرهاب، وضد وفد المعارضة الذي كانوا يفاوضونه على طاولة واحدة، وفي هذا السياق جاءت تهديدات بشار الجعفري لأعضاء وفد المعارضة بالقتل، وجاءت سلسلة الألفاظ البذيئة التي أطلقها عمران الزعبي ضد معارضي النظام، وكذلك شتائم فيصل المقداد لصحافيي المعارضة ردا على أسئلتهم الصحافية.

المتحدثون باسم النظام في «جنيف 2»، بفعل تاريخهم وبفعل صفاتهم وسلوكياتهم، كان ينبغي أن يكونوا معتقلين خلف القضبان في جنيف، لا مفاوضين في مواجهة وفد المعارضة، ليس فقط لأنهم يدافعون عن نظام قاتل، مارس جرائم ومجازر، لم يرتكب مثلها في التاريخ، إنما لأنهم يكذبون ويضللون الرأي العام، ويسوّقون أكاذيب النظام وسياساته، ولأنهم فوق ما سبق يهددون أشخاصا مسالمين ويشتمونهم ويعتدون عليهم، وهذه كلها جرائم يعاقب عليها القانون السويسري، وكان على الضحايا والمنتمين إلى وفد المعارضة، أن يقدموا بلاغات ضدهم أمام القضاء ليصير أغلب المتحدثين باسم النظام في «جنيف 2»، خلف القضبان في جنيف.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى