صفحات المستقبل

أربعة عشر يوماً على اختفاء نصر الله/ ضحـى حسـن

 

 

 

2008 – شنت إسرائيل هجوماً على قطاع غزة في فلسطين. سقط جراء الغارات والقصف حينها 1328 قتيلاً و5450 جريحاً.

في اليوم التالي على بدء الهجوم الاسرائيلي خرج حسن نصرالله، أمين عام حزب الله، في كلمة أمام حشود كبيرة ليقول: “أطالب العرب، وأطالب المسلمين من حكومات وشعوب بأن يقفوا إلى جانب قطاع غزة المحاصر من كل الجهات، والذي يتعرض للمذبحة وللإبادة الجماعية”.

2014- شنت إسرائيل هجوماً على قطاع غزة في فلسطين، سقط بنتيجته حتى الساعة 577 قتيلاً.

انتظر حسن نصرالله هذه المرة 14 يوماً على بدء الهجوم، ليؤكد في اتصال هاتفي مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل أن “المقاومة اللبنانية إلى جانب انتفاضة ومقاومة الشعب الفلسطيني قلباً وقالباً وإرادةً وأملاً ومصيراً”.

لا يشبه الرد الخجول والمتأخر لحزب الله على اعتداء 2014؛ نصرالله أبداً، لا في تاريخه الخطابي ولا ظهوره الزمني للرد على اسرائيل، ما أحرج مؤيديه الذين حاولوا تغطية هذا التأخير بإطلاق إشاعات حول مرضه، وحول عملية جراحية قيل إنه سيجريها، وتم نفيها لاحقاً.

حماس وحزب الله

تزعزعت العلاقة بين حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وحركة المقاومة الاسلامية “حزب الله”، وذلك بعد إعلان حماس موقفها الواضح ضد النظام السوري وتدخل حزب الله في سوريا. موقف حماس هذا خلع عن حزب الله صفة المقاومة التي نسبها لنفسه في سوريا.

وبما أن حزب الله يعتبر أن من واجبه كحزب مقاوم أن يتدخل في سوريا ، فهذا يعني أنه يعتبر رفض حماس الوقوف إلى جانب النظام السوري خيانة لفلسطين وللمقاومة.

نصرالله: “سوريا هي ظهر المقاومة وهي سند المقاومة، والمقاومة لا تستطيع ان تقف مكتوفة الايدي ويكشف ظهرها او يكسر سندها. إن وجود مقاتلينا ومجاهدينا على الأرض السورية هو… بهدف الدفاع عن لبنان والدفاع عن فلسطين وعن القضية الفلسطينية”.

تداعيات انفصال العلاقة بين الحركتين الاسلاميتين، ظهرت بأخبار وإشاعات أكدت ونفت الاتهامات المتبادلة من الطرفين لبعضهما البعض، كان أحدها الخبر الذي تم نفيه لاحقاً وهو أن حزب الله طلب من حماس أن تغلق مكاتبها في الضاحية الجنوبية.

وليس هذا فقط، بل يبدو أن تداعيات وقوف حماس ضد النظام السوري أغاظ إيران أيضاً الداعمة للنظام وحزب الله. وقد ذهب التحليل في هذا الاتجاه إلى القول إن من قام بخطف المستوطنين الثلاثة وتصفيتهم (الحادثة التي أعطت الذريعة لإسرائيل لشن هجومها الأخير) هو فصيل فلسطيني تابع لإيران، إذ إن استراتيجية حماس لا تقوم على تصفية الأسرى الاسرائيليين بل مبادلتهم، وذلك لجرّ حماس إلى الحرب وحدها عقاباً لها على مواقفها، ولتستخدم هذه الورقة أيضاً في التغطية على مجريات الأحداث في العراق وسوريا.

وسواء كان هذا التحليل صحيحاً أم لا، نشرت الصحف مقالات وأخباراً في ما يتعلق باتصال نصرالله بخالد مشعل، عنونتها بـ “حماس وحزب الله.. تقارب بعد فتور”، و”حماس والتعلم من درس حزب الله”، و”بركة: تواصل حزب الله وحماس لم ينقطع”، و”حرب غزة تعيد الودّ بين حزب الله وحماس”، “حزب الله مستعد “للتعاون” مع حماس”، و”حماس تستعيد علاقتها مع حزب الله”.

الـ”نحن”

نصر الله: “قولوا ما شئتم واقتلونا في كل جبهة وباب كلّ حسينية ومسجد، نحن شيعة علي بن أبي طالب لن نترك فلسطين، ونحن حزب الله من بين هؤلاء نحن الذين تربينا في مشروع المقاومة، كنا صغاراً فتياناً شبيبةً على هذا وعينا وكبرنا وتربينا”.

لم يطرح حزب الله نفسه كحركة مقاومة إسلامية فقط، بل أكد على شيعية الحزب ومقاتليه بخطابات فجة مباشرة، إذن يمكننا القول إن الحزب أقصى مؤيديه من غير الشيعة، وفصل الشيعة المناصرين له عن النسيج الاجتماعي، ليس هذا فقط بل احتكر وصادر تاريخ المقاومة في لبنان ضد اسرائيل بحزبه وجماعته المذهبية فقط، ووضعها في إطار طائفي بحت. وتجلّى هذا بشكل واضح في خطاباته، إذ إنه يطرح الهدف المشترك بين الجميع وهو المقاومة ضد اسرائيل، ومن ثم يصبغه بلونه الخاص، ويعطيه شكلاً محدداً، ليصبح بذلك المقاوم لاسرائيل هو الشيعي الحزبي حصراً.

نصرالله: “ويتصورون عندما يقولون عنا حزب ولاية الفقيه أنهم يهينوننا…أبداً! أنا اليوم أعلن وليس جديداً، أنا أفتخر أن أكون فرداً في حزب ولاية الفقيه”.

إن ترسيخ ربط المقاومة بطائفية دينية خَلْقَ حواجز بينها وبين الطوائف الأخرى، وبعد مرور الوقت وترسيخ الفكرة وممارستها وتصديرها بهذا الشكل، جعلها متماهية مع حزب الله، فمن يهتم لها يكون متوافقاً مع فكر حزب الله ومعتقداته، ومن لا يوافق حزب الله فهو لا يوافق على فكرة المقاومة.

نصرالله: “نحن بقيادة حزب الله لا نوفر أولادنا للمستقبل، نفخر بأولادنا عندما يذهبون إلى الخطوط الأمامية، ونرفع رؤوسنا بأولادنا عندما يسقطون شهداء”.

يعلم نصرالله أن الطريقة الوحيدة لخلق القوة والتبعية له هي فكرة القبيلة المرتبطة بالدم والدين، والتي ساعدته في تشكيلها أيضاً دول وأنظمة سياسية لتكون ذراعاً طائفية لمصالحها. ولذلك جرى دمج الفكر والدين، وألغيت المسافة بين الموضوع والذات، واعتُمِد على سلطة التراث أو النصوص التراثية والسلف، وأُشبعت الحشود بفكرة تمايزها عن الغير، تمهيداً للعزلة الاجتماعية.

هذه العزلة التي أحكمها حزب الله سهّلت عليه قيادة الجماعة، إذ بات وجودهم وقوتهم وتميّزهم يكمن في قائدهم، فيخضعون له بشكل تام، عقلياً ونفسياً، فوجودهم ضمن هذا الحزب يساعدهم في تخطي حالة القلق العام والشخصي عند الأفراد المصابين بحالة العزلة التي تم خلقها، حتى يمتزجون معه، وكأنهم شخص واحد، هناك الرأس وهم الجسد، في ظاهرة تستعيد مقالات إريك فروم في كتابه الخوف من الحرية “الدين والقومية، وكذلك اية عادة وأي معتقد مهما يكن عبثاً، إن كان يربط الفرد بالآخرين فهي ملاجئ مما يخشاه الانسان: كالعزلة”.

القوى السياسة والدينية والاقتصادية وخاصة في دولنا العربية، رسخت حالة القلق عند الشعوب تجاه فكرة الوجود، عن طريق استخدامها وسائل القمع والتسلط والحرمان.. فتنشأ أجيال وتولد أجيال، لا تشعر بالأمان محرومة قلقة متوترة، وضائعة.

لذلك فإن وجود الفرد ضمن جماعة تمده بالقوة وتتطابق مع بعض أفكاره ومعتقداته، تخفض حدة القلق وتزيد من ثقة النفس، والاحساس بالأمان.

حزب الله وسوريا

إذ كانت المقاومة هي النتيجة الحتمية للاعتداء الذي يتعرض له شعب من دولة أخرى أو كيان ما ـ أو نظام ديكتاتوري قمعي، فإن كلمة مقاومة تسقط عن تدخل حزب الله، إذ إن الشعب السوري هو الذي يتعرض للاعتداء، ودمار البنى التحتية هو نتيجة قصف النظام لها بكل أنواع الأسلحة.

أرسل حزب الله مقاتليه إلى سوريا، انضموا إلى صفوف النظام الديكتاتوري، وشاركوه قتل شعبه، كما أنه دخل إلى أرض ليست أرضه، واعتدى على أهلها..

كلّ هذا يعرّي الحزب من صفة المقاومة في سوريا لا بل ويجعله في خانة المحتلين.

استخدم نصرالله ورقة أخرى لتجييش مقاتليه وتبرير قتالهم في سوريا:

الدفاع عن المقامات الدينية سبب كاف لتعبئة أكثر لمقاتليه، وللشيعة كذلك، وإضفاء شرعية مقدسة، فلم يعد أساس التدخل الآن هو المقاومة، بل الدين والدفاع عن المقامات الدينية، كما في السيدة زينب.. كذلك الشعارات التي يحملها مقاتلوه في سوريا ولا سيما في دمشق “ثاراتك يا حسين، لبيك يا حسين”، “يعيش الأسد.. يعيش حزب الله.. تعيش إيران.. يعيش جيش المهدي”.

نصر الله:”المقاومة في لبنان لا تستطيع أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام هذا الزحف لأنه إذا سقطت سوريا في يد أميركا وإسرائيل و”التيار التكفيري” فإن إسرائيل ستدخل إلى لبنان وستدخل المنطقة برمتها في عصر قاس ومؤلم ومظلم.”

لم يكتفِ أمين عام حزب الله بـ حجتي الدفاع عن المقامات والمقاومة، إذ أصبح من واجب الحزب أن يقاتل التكفيريين في سوريا لحماية لبنان وفلسطين منهم. إلا أنه دمر حجته هذه في الخطاب نفسه عندما قال “قبل ان نذهب الى سوريا ألم يكن في لبنان حرب فرضها هؤلاء في الشمال وبعض المخيمات واستهدفوا بسيارات مفخخة مناطق مسيحيين والجيش؟، هذه الامور قبل الاحداث في سوريا”.

نصرالله أمام يوم القدس العالمي

قال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” محمود الزهار أن”حركة حماس أخذت خطوات، وإيران من جانبها أخذت خطوات، وسنشهد تطورًا في المرحلة القادمة”.

يوم الجمعة (غداً) سيظهر نصرالله في يوم القدس العالمي ليخطب كما يفعل كل عام، لكن هذه المرة سيكون عليه إيجاد تبرير لتجاهله غزة، فما قاله العام الماضي “نحن حزب الله، الحزب الإسلامي الشيعي الإمامي الإثني عشري، لن نتخلى عن فلسطين، لن نتخلى عن القدس، ولن نتخلى عن شعب فلسطين، ولن نتخلى عن مقدسات هذه الأمة”، أصبح مجرد كلام في الهواء، فحزب الله بتجاهله الهجوم الاسرائيلي على غزة لأكثر من 14 يوماً سبق الجميع في التخلي عن فلسطين.

موقع لبنان ناو

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى