صفحات العالم

منعطف تركي وإيراني في سورية/ حسن حسن

 

 

قبل بدء الحرب على «داعش» في الرقة في حزيران (يونيو) الماضي، بدا أن تركيا خسرت نفوذها في النزاع السوري. وكانت قوة الأكراد يومها تبرز، في وقت كانت قوة حلفاء أنقرة من الثوار السوريين تنحسر في شطر راجح من بلدهم. ولكن اليوم، الكفة تميل أكثر إلى تركيا وحلفائها. ففي الشهر الماضي، شنت أنقرة عملية عسكرية ترمي إلى طرد ميليشيات «وحدات حماية الشعب»، وهذه الميليشيات هي الجناح المسلح لحزب «الاتحاد الديموقراطي» الكردي، من عفرين في شمال غرب سورية. وترى تركيا أن الحزب هذا وميليشيات «وحدات حماية الشعب»، وثيقا الارتباط بـ «حزب العمال الكردستاني». وطوقت القوات التي تقودها تركيا عفرين. وإلى اليوم، أفلحت في طرد وحدات حماية الشعب من شطر راجح من الأراضي الواقعة على حدودها الجنوبية، فيما خلا مناطق شمال شرق سورية الواقعة تحت حماية أميركا.

وبلغت أنقرة أحد أهداف عمليتها في عفرين: إنشاء حزام أمني على طول الحدود في مقدورها توسيعه إلى داخل الأراضي السورية. ويقضي الهدفان الثانيان بحمل «وحدات حماية الشعب» على تسليم مقاليد عفرين وحمل أميركا، وهي أكبر داعمي هذه الميليشيات الكردية، على تقويض قوة الميليشيات الكردية في شمال شرقي سورية. وعلى رغم أن تركيا لم تبلغ ما تصبو إليه بَعد، إلا أنها تقترب من إحراز النجاح. وتقول مصادر أميركية وسورية أن مسؤولين أميركيين طمأنوا تركيا إلى التزامهم خطوات تقليص هيمنة الأكراد على «قوات سورية الديموقراطية» في شمال شرقي سورية. وتبتعد وزارة الخارجية الاميركية والبيت الأبيض من المساعي الكردية إلى تقويض المصالح التركية في سورية. ولا يستخف بتوجيه روسيا مؤشرات طمأنة إلى تركيا. فمن دون موافقة موسكو لما وسع أنقرة شن عملية عفرين. ومصادر سورية مطلعة على المفاوضات التركية– الروسية، تقول إن موسكو تعاونت مع أنقرة للوصول إلى تفاهم مع «وحدات حماية الشعب». فعلاقات روسيا بهذه الوحدات وثيقة في عفرين، الكانتون الكردي الوحيد خارجة مظلة حماية الائتلاف الذي توجه دفته أميركا. وفي المفاوضات مع «وحدات حماية الشعب»، اقترحت روسيا السماح لقوات الحكومة السورية وضع اليد على عفرين. فيمسك الجيش السوري، وليست الميليشيات الكردية، بمقاليد الأمور على الحدود السورية– التركية. وقالت موسكو إن اقتراحها هذا هو البديل عن اجتياح تركي، وهذا لا ترغب فيه قوات حماية الشعب ولا الحكومة السورية. والاتفاق المقترح يسلّم قوات النظام مفاتيح مدينة استراتيجية، على مقربة من جيوب الثوار، من دون إطلاق رصاصة واحدة.

ولكن سورية وإيران رفضتا الاقتراح الروسي، ويترتب عليه الصدوع بالخطوات التركية على الحدود والإقرار بأنها أمر واقع. ولذا، اختارت طهران ودمشق إبرام اتفاق لا ينزع فتيل العداء بين عفرين، من جهة، وبين تركيا والثوار، من جهة أخرى. واتفقت طهران و «قوات حماية الشعب» ودمشق على دخول ميليشيات شيعية تدعمها إيران إلى عفرين، عوض القوات الحكومية. واحتفت وسائل إعلام سورية وموالية لـ «حزب الله» بالخطوة.

وبعد يومين، أعلن قائد وحدات حماية الشعب في حلب أن أبرز الأحياء الكردية في شمال حلب، وقعت في يد النظام، وعزا هذه الخسارة إلى انشغال قواته بــ «مقاومة القرن» (أبرز حركة مقاومة في القرن الحادي والعشرين)، على قوله، في عفرين.

ولم يتضح بَعد إذا ما كانت سيطرة النظام على منطقة الشيخ مقصود في حلب، حلقة من حلقات اتفاق عفرين. وإذا كانت هذه السيطرة فعلاً من بنات اتفاق عفرين، وسع المراقب فهم لماذا اختار النظام اتفاقاً يلائم مصالحه أقل من الاتفاق الذي سعت اليه موسكو، ويرمي إلى تسليم دمشق مقاليد عفرين.

ويترتب على دخول عفرين ميليشيات إيرانية الولاء، عوض القوات التي ترعاها روسيا، مترتبات تؤثر سلباً في حسابات تركيا وأميركا. فقبل شن عملية عفرين، كانت «وحدات حماية الشعب» مقربة من روسيا، على خلاف حالها اليوم. ويبدو أنها وقعت في أحضان إيران. وإحكام تركيا الطوق على عفرين هو إنجاز كبير يخلف أثره في علاقات أنقرة بالثوار السوريين. فإلى وقت قريب، كانت أنقرة ترى أن الفائدة المرجوة من قتال هؤلاء الثوار الأكراد، قليلة. ولكن مع سلك دمشق منحى أكثر عدائية في عفرين، قد تتغير نظرة تركيا إلى الثوار السوريين، وترى أن لا غنى عنهم في قتال الأكراد.

وكانت القوات التركية تقدمت في جرابلس والباب في 2016، وعزلت الكانتونات الكردية في شمال غربي سورية وشمال شرقها. وكانت أنقرة ترى أن عودة النظام إلى المناطق التي يغلب عليها الكرد تقطع الطريق على سعي «وحدات حماية الشعب» إلى إدارة ذاتية. ولكن التطورات الاخيرة قد تحمل تركيا على الاعتماد على الثوار اعتماداً طويل الأمد لدحر الأكراد. ولا يفاقم النزاع التركي– الكردي المتواصل الفصول توتر علاقات واشنطن بأنقرة فحسب. فهو يفاقم، كذلك، العثرات أمام الاستراتيجية الاميركية الرامية الى مكافحة داعش ودحر النفوذ الإيراني في سورية. والتباين بين أنقرة وواشنطن يُقرّب الأولى من موسكو. وفي وقت تميل «أداة» واشنطن اليتيمة لمكافحة «داعش»، إلى إيران، تتعاظم قدرة الأخيرة على تقويض النفوذ الأميركي في سورية.

* باحث في «تحرير إنستيتيوت فور ميدل إيست بوليسي، عن «سنتر فور غلوبل بوليسي»، 27/2/2018، إعداد منال نحاس

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى