صفحات سورية

8 آذار السوري من يوم الاستقلال الى يوم الانقلاب


محمد م. الأرناؤوط ()

في مطلع القرن العشرين، ومع التحديات الجديدة التي أخذت تهدد المنطقة، شعرت النخبة العربية بضرورة التحرك لنهضة عربية جديدة تعيد للعرب مكانتهم وتحصّنهم من أن يكونوا ضحية التطورات التي كانت تبدو في الأفق. وقد حاولت هذه النخبة أولاً التفاهم مع النخبة التركية الجديدة التي وصلت الى الحكم (جمعية الاتحاد والترقي) وفشلت في ذلك بسبب التزعة المركزية للحكم الجديد في استنبول، فتحولت عبر جمعية “العربية الفتاة” الى تدويل “القضية العربية” بعقد مؤتمر باريس 1912.

وعشية الحرب العالمية الأولى، حين كانت المنافسة على أشدها بين المعسكرين المتنافسين، صدقت النخبة العربية (بعد أن انضم الأمير فيصل بن الحسين الى “العربية الفتاة”) وعود الحلفاء للحسين بن علي بدولة عربية مستقلة (من دون توضيح حدودها) وانطلقت بذلك في حزيران 1916 “النهضة العربية” التي اشتهرت لاحقاً باسم”الثورة العربية”. وكما هو معروف فإنّ الحلفاء قدّموا ما قدّموه من وعود للعرب في الوقت الذي كانوا يتوصلون فيه الى اتفاقية سايكس – بيكو، وفي الوقت الذي كانت تجري فيه المحاولات الصهيونية لانتزاع وعد بلفور، وهي الأمور التي رسمت خريطة جديدة للمنطقة على الورق قبل أن تفضحها لاحقاً الثورة البلشفية وتصل الى الصحف العربية في مطلع 1918.

ومع ذلك فقد بقي العرب يصدّقون ما وعدوا به، ولذلك فقد قام الأمير فيصل بعد دخوله الى دمشق بإعلان “الحكومة العربية” في 5 تشرين 1918 وأخذ يتصرف على هذا الأساس. ولكن الخيبة الأولى جاءت مع عقد مؤتمر الصلح في باريس 1919، الذي نوقشت فيه قضايا العرب بغياب العرب، ثم جاءت الخيبات الأخرى مع إصرار الحلفاء على تطبيق ما اتفقوا عليه من وراء ظهر العرب (اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور).

ومن هنا فقد سارع الأمير فيصل، الذي لم تكن له بعد صفة قانونية دولية، الى مطالبة الشعب في سورية الكبرى الى انتخاب ممثلين لهم للتعبير عن إرادتهم. وهكذا فقد جرت الانتخابات والتأم “المؤتمر السوري” الذي مثل نوابه كافة مناطق بلاد الشام. وفي الاجتماع الأول له في 7 حزيران ضمّن الأمير فيصل في كلمته الافتتاحية مهامه الأولى “سنّ القانون الأساسي ليكون دستور سوريا المستقبل”.

وبالاستناد الى ذلك فقد قام أعضاء “المؤتمر السوري” بوضع مشروع دستور للدولة العربية الجديدة واجتمعوا في 8 آذار 1920 ليعلنوا قرارهم باستقلال سورية الطبيعية وانتخاب الأمير فيصل “ملكاً دستورياً” يحكم بموجب الدستور الجديد الذي شرعوا بسرعة في مناقشة بنوده بحماس في اليوم التالي الى أن دخلت القوات الفرنسية دمشق في 24 تموز وألغت كل ما تحقق من الحلم العربي حتى ذلك الحين.

وكانت قرار الاستقلال قد أعلن في ذلك اليوم من على شرفة مبنى البلدية في قلب دمشق (ساحة المرجة) الذي يجاور مقر الوالي العثماني الأخير (مقر وزارة الداخلية الآن)، وذلك وسط حماس كبير من الحشد الذي تجمع آنذاك. ومع أن الاحتلال الفرنسي ألغى في الواقع كل ما ترتب على هذا الإعلان إلا أن هذا اليوم بقي في ذاكرة أبناء سورية الطبيعية، حيث كانت تقام احتفالات شعبية في كل عام بمناسبة 8 آذار. وقد بقي هذا التقليد قائماً في الأردن حتى 1963.

وكما هو معروف فقد حدث في صباح 8 آذار انقلاب عسكري شارك فيه ضباط بعثيون وناصريون ومستقلون، ثم حدث الصراع بينهم في نيسان 1963 لينتهي الأمر باحتكار حزب البعث للسلطة وتحويل 8 آذار الى “ثورة” خاصة بهم. وابتداء من 1964، التي شهدت قمع المعارضة الأولى في دمشق وحماه، أصبح الاحتفال الرسمي في سوريا الحالية يقتصر على الاحتفال بذكرى “ثورة 8 آذار” ولم يعد أحد يتطرق أو يذكر على الاطلاق 8 آذار 1920!

ومع ذلك فقد بقي السوريون المخضرمون يتذكرون باعتزاز هذا اليوم وهم يمرون أمام المبني التاريخي لبلدية دمشق الذي أعلن من شرفته الاستقلال. ويبدو أن هذا الرمز في حد ذاته قد أصبح مزعجاً، ولذلك جرى في السبعينات تدمير هذا المبنى وسط صمت مثير ليبنى مكانه فندق (الفراديس) يشوه المنطقة لأنه لا علاقة له بالجوار العمراني الذي يعود الى نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.

مع ما جرى في سوريا من آذار 2011 الى آذار 2012 يستدعي إعادة الاعتبار الى 8 آذار 1920 والى دستور 1920، مع مقارنته بدستور 2012، لكي نعرف أين كنا وأين صرنا.

() أكاديمي سوري

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى