صفحات المستقبل

8 آذار في حضرة الأسد

أيمن شروف

هذا الخبر، سبق بساعات زيارة وفد 8 آذار للقاء الرئيس السوري بشار الأسد. لا أحد من أعضاء الوفد، يُصدق مثل هذا الخبر. الصورة دائماً كاذبة. مجسمات في قطر وإخراج سينمائي عالي المستوى، هذا كل ما في الأمر. سوريا بالنسبة لهم، هوليوود بنسخة جديدة، تديرها الإمبريالية العالمية ومن معها من عرب، للتآمر على بلد العروبة، المقاومة، والممانعة.

الصورة من قصر المهاجرين، من دون تأثير. الزمان المتغيّر أفقدها معانيها التي كانت في وقت سابق كثيرة. قبل العام 2005، كان يكفي عاصم قانصوه أو بشارة مرهج وفيصل الداوود وغيرهم، أن يأخذوا صورة مع غازي كنعان، أو خليفته رستم غزالي، هنا في عنجر. الذهاب إلى دمشق كان بالنسبة إليهم حُلم. يحملون صورتهم مع الفريق الدكتور، ليعودوا بها إلى لبنان، ويمارسوا عبرها سياسة الآمر الصغير، يد الحاكم الكبير اليمنى. حتى صورة عنجر لم تكن فعاليتها ببسيطة.

 زيارة وفد 8 آذار إلى سوريا اليوم لم تعد كما في السابق، بدا وكأنهم في رحلة وداع أخيرة، أو كمن يبحث عن صورة، ليُصدق كذبة. الفريق الدكتور أيضاً، مختلف عمّا كانه قبل آذار 2011، حتى في نظر من جلسوا يستمعون إلى محاضرته التي تطول، وأمثلته التي لا تنتهي. في كل حديثه عن لبنان، قال جملة مفيدة، ليس لكل من حضر، فهم لا يُغيّرون بالمعادلة. يُمكن القول أنّه وجّه معظم كلامه إلى  الجالس إلى يساره،  إلى الحاج حسين خليل.

 انتقاد الأسد لسياسة النأي بالنفس التي ينتهجها لبنان، يُفسّر ما يحصل في القصير والسيّدة زينب وريف دمشق وغيرها من مناطق سوريّة. الفريق الدكتور يريد كل لبنان، وتحديداً حكومته، كحزب الله. فكيف لهذا البلد الصغير أن يغادر الجغرافية، إلى أن تنتهي الأزمة السورية. على لبنان أن يدخل إلى سوريا الممانعة مدافعاً عن العائلة، التي بها تُختصر سوريا، ماضياً وحاضراً ومُستقبلاً.

 اللقاء مع الأسد، ساقط إنسانياً. كل التبريرات التي يُمكن أن يقولها من التقى قائد القوات المسلحة السورية التي قتلت ما يزيد عن المئة ألف شخص في العامين الماضيين، مجرد دعابة. أن يقول نبيل نقولا على سبيل المثال أن التيار الوطني الحر أراد بمشاركته التعبير عن “التضامن مع الشعب السوري ككل وليس مع فريق ضد آخر”، هو بحد ذاته انسحاب من قصر المهاجرين، وكأن سليم عون أُجبر على رحلته الدمشقية، والصورة التي بدا فيها مستمتعاً بالإصغاء إلى صاحب السجل الدموي، هي محض خيال.

 والزيارة، الجميل فيها أنها ضمّت قوىً منها من لم يعد موجوداً مذ خرج الجيش السوري من لبنان. ومنها، من لم يدخل الندوة النيابية منذ ذلك الافتراق الذي أضعف قلوبهم، ووجودهم. المشهد الأخير الذي يذكر فيه اللبنانيون عاصم قانصو كان منذ زمن بعيد، حين اعتمر كوفيّته والكلاشينكوف أمام البوريفاج، ودافع عن الوجود السوري من دون أن يقول جملة شبيحة سوريا اليوم: الأسد أو نحرق البلد. المشهد الأخير العالق في ذاكرة اللبنانيين عن ناصر قنديل، بعيداً عن صراخه اليومي، حين أطلّ مع الشهيد جورج حاوي عام 2004  على برنامج كلام الناس. يومها، لم تمض خمسة دقائق من الحلقة حتى كان قنديل في خبر كان، سياسياً.

 والزيارة، سياسياً لا توحي بالكثير. الوافدون إلى قصر المهاجرين، تركوا في بيروت واقعاً غير مُطمئن. في برهة من الزمن خسر حزبهم الكبير إمساكه بالقرار السياسي اللبناني، وهذا القرار لن يعود إليه بالسياسة والديبلوماسية، إلّا إن كان في حساباته طرق بديلة، وهو يُتقنها جيّداً. حتى الحاكم الدمشقي، حين يريد شيئاً من لبنان يعرف من أين تؤكل الكتف، ويعرف أن من التقاهم لا كتف له ولا ذراع. هم، غالبيتهم حاشية. الزيارة كتعويض عن الأيّام الغابرة، جيدة، كيف لا، وشاكر البرجاوي وجد نفسه في حضرة هامة قومية عربية لا مثيل لها في الوجود.

 بعض اللبنانيين، إلى اليوم، غير قادر أن يُكمل حياته السياسية بعيداً عن الحضن السوري. هؤلاء، لن يخرجوا من خسارتهم حتى بعد سقوط نظام الممانعة. الأسد، له أن يستذكر كلّما استقبل منهم وفداً، أيامه الجميلة التي انتهت إلى غير رجعة. نظرة في عيون محبيه من خارج بلاد الموت، تجعله متأكداً أن في وسعه أن يمحو أوروبا عن الخارطة. وجه وئام وهاب يفي بالغرض. للأسف، لم يكن موجوداً.

 إنتهت الزيارة الحلم، لا شيء يوحي أن زوار القصر، قد يصحون يوماً من حلمهم.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى