صفحات المستقبل

السيف لا ينتصر على السيف


يومًا ما ستنتهي الثورة في سوريا، وسيجلس الجيل الذي شارك فيها وصنعها وأطلقها ليحدّث الجيل الذي تلاه عن ثورةٍ لم يراها. أفكّر، ماذا يمكن لشباب الجيش الحر أن يقولوه لأطفالهم، عن الثّورة التّي كانت تنتقم من النظام بطريقة النظام. كأنّ الدم سينبت غير الدم، أو أنّ قطع الرؤوس والقتل ورمي الأجساد عن سطوح المباني عملٌ مشرف تستحقّ الثورة عليه أعظم ميدالية. تحوّلت الثورة في سوريا إلى نظام آخر، يقتصّ من معارضيه إذا ما اشتمّ فيهم فقط رائحة معارضة كما بدأت هي تقتصّ من معاريضها، لم تنجب أملًا جديدًا بغد أفضل، ولا يبدو أنّ ما يمرّ على البلاد مجرد غمامةٍ سوداء ستنقشع حتمًا. يظهر على سوريا أنّها دخلت في نفقٍ مظلم كالح، لا فيه بصيصٌ من نور، ولا نقطة من أمل، حتّى لو رحل الرئيس الآن لن تهدأ الأوضاع، لن يُجمع السلاح الموّزع بعشوائية وكمياتٍ هائلةٍ على كلّ أطراف البلاد، لن يُسكت عن الدم النازف بيد مجهولين لمجهولين آخرين، وستفوح حقًا رائحة الموت التي اعتاد الشعب عليها، سيعرف أنّ من مات منه الكثير، ربّما لن يكونوا كلّهم شهداء، ولم يرحلوا لهدفٍ سامٍ يجعل من صورهم أيقونةً ومن ذكراهم سيرةً تشرّف التاريخ. عندما يكون في البلاد ألف مجرمٍ وألف قاتل ومئات الآلاف من الضحايا الأبرياء عندها لا نعرف من قتل من، وبأيّ ذنبٍ قتلوا، ومن سمح لنفسه بإنزال حكم الموت. عندما تؤمن الثورة أنّ الاقتصاص هو السبيل الوحيد لانتصارها، حتّى ولو كان بطريقةٍ أقل ما يقال فيها أنّها لا إنسانية، عندما تؤمن بصوابية ما تفعله وتوّثّقه لتوزعه فيلمًا مصورًا تفتخر به أعتقد أنّ عليها أن تراجع صحّة روحها وعقلها، وتحاسب نفسها عن السبب الذي جعلها تنحدر لتصبح أسوء من النظام، عن السبب الذي جعلها تنحدر إلى أخلاقيات النظام البائدة، عن السبب الذي جعلها ترسم صورةً قاتمةً بشدّة عن الزمن القادم. أفكّر، ماذا سيقولون غدًا لأطفالهم، ماذا سيقولون عن الثورة الدموية السوداء، عن فقدان قيمة الروح والإنسان، عن غياب أدنى مستويات الرحمة، ماذا سيقولون عن الأطفال المذبوحين في الحولة، وعن الذبح والقتل على الهوية، عن تقسيم البلاد إلى مسلمٍ ومسيحي ودرزي وعلوي، ماذا سيقولون عن صيحات التكبير وهي ترافق صوت ارتطام الأجساد الميتة بالأرض، تنكيلٌ بالجثث زيادةٌ على القتل.

الثورة في مصر لم تفعل ما فعلته الثورة في سوريا، رغم كون الديكتاتورية واحدة، الثورة في مصر كانت جميلة. واجه الشعب فيها ببسالةً النظام بصدورٍ عارية، داست عليه الإبل ولم يطلق رصاصة، أطلقوا عليه النار ولم يحمل سلاح، دهسوه بالسيارات ولم يغرق البلاد بالدم، الثورة في مصر كانت جميلة، كانت ثورة شعبٍ مقهورٍ على نظامٍ ظالم، كنّا نعرف القاتل والشهيد، نعرف أنّ الشعب وحده من يُقتل وأنّ النظام وحده من يَقتل، ويوم انتصرت ملئت الدنيا فرحًا وزهوًا، سقط الرئيس بصبر الشعب، سقط الرئيس بوحدة الشعب، سقط الرئيس برصاصه الذي أطلقه، بخططه العمياء التي لم تسمع لصيحات الشعب، سقط الرئيس لأنّ الشعب وقف سدًا منيعًا أمامه وأمام كلّ مخطاطات الفوضى التي كانت تعد للبلاد.

سوريا هي مصر وهي ليبيا والعراق، والثورة واحدة في كل مكان، متى تحولت إلى صراعٍ دموي غرقت في أتون مستنقعها لا تعرف من سبيل للخروج. الثورة واحدة قد تنقلب لوحشٍ تأكل الشعب والوطن معًا وقد تكون خطوةً جبارةً للارتقاء نحو الأفضل.

الدم لا ينجب غير الدم، والعنف لا ينبت غير العنف، والسيف لم ينتصر يومًا على السيف، لكن في أحيانٍ كثيرة انتصر الدم الطاهر والبريء على السيف.

http://donkeshotat.wordpress.com/2012/08/13/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D9%81-%D9%84%D8%A7-%D9%8A%D9%86%D8%AA%D8%B5%D8%B1-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D9%81/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى