صفحات العالم

ما وراء الفيتو المزدوج الثالث


مأمون كيوان

مرة ثالثة استخدمت موسكو وبكين حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار حول سوريا تحت حجج وذرائع متعددة منها: عدم توازن مشروع القرار وغطرسة الغرب وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. بالرغم من أن استخدام هذا الحق لا يلزم مستخدمه إبداء أسباب قراره. ويشير سجل استخدام حق النقض (الفيتو) إلى أنه منذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945، استخدم الاتحاد السوفيتي ولاحقاً روسيا حق الفيتو (النقض) 122 مرة، والولايات المتحدة 77 مرة وبريطانيا 32 مرة وفرنسا 18 مرة، بينما استخدمته الصين سبع مرات.

وكان استخدام الاتحاد السوفيتي لحق الفيتو واسعا جدا في الفترة بين عامي 1957 و1985، إلى درجة أن وزير خارجيتها آنذاك، أندريه غروميكو، أصبح يعرف بـ “السيد نيت”، أو “السيد لا”.

وخلال السنوات العشر الأوائل من عمر المنظمة الدولية، استخدم الاتحاد السوفيتي حق الفيتو 79 مرة، ومن المفارقات أن كلمة “فيتو” غير موجودة أصلا في ميثاق الأمم المتحدة، الذي ينص على أنه لا يمكن أن يصدر قرار من مجلس الأمن إلا بعد أن تكون هناك تسعة أصوات من بين الأعضاء الخمسة عشر في المجلس، بينهم 5 أعضاء دائمين.

ومن بين مشاريع القرارات الاثنين والثلاثين التي صوتت ضدها بريطانيا، هناك 23 مشروع قرار صوتت إلى جانبها الولايات المتحدة، و14 صوتت ضدها فرنسا أيضا. وكان آخر فيتو استخدمته بريطانيا عام 1989، عندما صوتت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ضد مشروع قرار ينتقد التدخل العسكري الأميركي في بنما. ولم تستخدم بريطانيا حق الفيتو منفردة إلا سبع مرات، كان آخرها عام 1972 وهو قرار يتعلق بجنوبي روديسيا.

ومن مجموع 18 مرة استخدمت فيها فرنسا حق الفيتو، 13 مرة كانت ضد مشاريع قرارات صوتت ضدها كل من بريطانيا والولايات المتحدة أيضا. وصوتت فرنسا إلى جانب بريطانيا مرتين أثناء أزمة السويس عام 1956. وهناك مشروعا قرارين صوتت ضدهما فرنسا فقط، أحدهما عام 1976 حول خلاف بين فرنسا وجزر القمر، والآخر حول إندونيسيا عام 1947. وفي عام 1946 صوت كل من الاتحاد السوفيتي وفرنسا حول الحرب الأهلية الأسبانية.

احتل مقعد الصين في مجلس الأمن وفي الفترة بين عام 1946 و1971، جمهورية الصين (تايوان حاليا) التي استخدمت حق الفيتو لإعاقة عضوية منغوليا في الأمم المتحدة. وقد استخدمت الصين حق الفيتو مرتين عام 1972، الأولى لإعاقة عضوية بنغلادش، ومرة أخرى مع الاتحاد السوفيتي حول الوضع في الشرق الأوسط.

وكانت واشنطن قد استخدمت حق الفيتو لأول مرة عام 1970، إذا صوتت إلى جانب بريطانيا ضد مشروع قرار حول روديسيا التي أصبحت فيما بعد زيمبابوي. كما صوتت الولايات المتحدة ضد 10 قرارات تنتقد جنوب أفريقيا، وثمانية حول ناميبيا، وسبعة حول نيكاراغوا، وخمسة حول فيتنام، وكانت الدولة الوحيدة التي أعاقت صدور 53 قرارا. واستخدمت أميركا الفيتو 36 مرة ضد مشاريع قرارات تدين إسرائيل في حين تدعم الحقوق الفلسطينية.

وثمة أصوات تطالب بتعديل نظام الأمم المتحدة وتوسيع مجلس الأمن، وسمعت بعض الأصوات الداعية إلى إلغاء نظام التصويت بالفيتو نهائياً واعتماد نظام أكثر شفافية وديمقراطية وتوازن.

وإذا ألغي حق الفيتو فإن رأي الأغلبية في المجلس سوف يسود، وقد نرى المزيد من القرارات التي يصدرها المجلس، لوضع الحلول لمشاكل العالم الأمنية والمزيد من فرض العقوبات على بعض الدول وعلى نحو خاص الدول المارقة أو الفاشلة.

ويبدو من استخدامات الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي لحق النقض غياب الحد الأدنى من النزاهة والحرص على المعايير الأساسية للعدالة الدولية، ناهيك عن فشلها الذريع في معالجة الأسباب والعوامل التي تجعل دولة داخل أو خارج مجلس الأمن تهدد حالة السلم والأمن الدوليين.

وفي النموذج الروسي- الصيني لاستخدام حق النقض لا بد من الإشارة إلى أحد العوامل أو الدافع الجوهري غير المُعلن لموقف هذا الثنائي يتمثل في كبح أو ردع أية إمكانية لتدخل المجتمع الدولي لمصلحة ثورات وانتفاضات شعبية تندلع في أي بلد من البلدان. أي أن موسكو وبكين بتاريخهما وسجلهما في قمع شعبيهما في المرحلتين الستالينية والماوية وفي المراحل اللاحقة تدركان حقائق وتحديات الواقعين الروسي والصيني اللذين ينبئان بتوافر أسباب اندلاع ثورات أو احتجاجات جديدة في الأفق المنظور ضد الديمقراطية المافيوزية في روسيا والصين.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى