صفحات المستقبلياسين السويحة

توثيق الانتهاكات في سوريا”.. ولو ضعف الأمل

ياسين سويحة

وسط شلال الدّم الهادر من المَقتلة السوريّة المُستمرّة منذ أكثر من عامين، يعمل ناشطون مستقلون ومجموعات عمل وهيئات حقوقيّة على مُتابعة وتوثيق الكم الهائل من ضحايا القتل واﻻعتقال والخطف والتعذيب. فالتوثيق هو الخطوة الأولى نحو المحاسبة وإحقاق الحق ومُقاومة ضياع تضحيات الناس وخساراتهم في غياهب النسيان. “مركز توثيق اﻻنتهاكات في سوريا” من أقدم هذه الهيئات في سياق الثورة السوريّة، كما أنه من أوسعها انتشاراً وأكثرها حرفيّة ومصداقيّة.

تأسس المركز، كما يُخبرنا بسام الأحمد، المسؤول الإعلامي للمركز، في نيسان 2011، أي خلال الأسابيع الأولى للثورة، إذ رأى ناشطون حقوقيون ضرورةً لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان الحاصلة في البلاد خلال قمع الحراك الثوري الناشئ. وتنامى نشاطه في أرجاء البلاد بالاعتماد على شبكة مراسلين خاصّين بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى التعاون الوثيق مع لجان التنسيق المحلّية والتنسيقيات والمكاتب الإعلاميّة المعروفة وذات المصداقيّة. يتواصل المركز أيضاً مع المشافي الميدانيّة والأطباء المتعاونين، وثمة طبعاً تواصل مباشر مع أهالي الضحايا.

 يحاول مركز توثيق اﻻنتهاكات الوصول إلى سويّة واحدة من العمل في أنحاء سوريا، لكن الانقسام بين مناطق محرّرة وأخرى غير محرّرة، وواقع الحصار والتقطيع المفروض على الأرض يجعل النشاط شديد الصعوبة. ولا يتعاون النظام، بطبيعة الحال، مع جهد التوثيق بل يحاربه ويحاول إسكاته. والكتائب المسلّحة، عموماً، سلبيّة وقليلة التعاون بدورها، كما يخبرنا الأحمد بأسف. مع ذلك، يظل العمل في المناطق المحررة أسهل، ليس فقط لغياب قمع وملاحقة النظام للناشطين، وإنما أيضاً لزوال حاجز الخوف لدى الأهالي في هذه المناطق من تبعات تقديم معلومات عن ذويهم المعتقلين أو الشهداء لنشرها، مقارنةً بأهالي المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، والذين يُعانون تهديدات الأجهزة القمعيّة لمنع انتشار أخبار اﻻنتهاكات. مع ذلك، يقول بسام الأحمد، تراجعت جهود التوثيق مع تقدم مجريات الثورة، مقارنةً بالاهتمام الواضح في الشهور الأولى. ويعود ذلك، في رأيه، إلى ازدياد عدد المجازر وتضاعف أعداد الضحايا، وفقدان الأمل في المجتمع الدولي والهيئات القانونيّة الدوليّة. لمعالجة هذا التراجع، يتعاون المركز مع تجمعات مدنية وشبابيّة في حملة بعنوان “وثّق” للتعريف بالنشاط التوثيقي وإبراز أهميته للجمهور، وقد بدأت هذه الحملة نشاطاتها في الرّقة قبل أسابيع لتنطلق بعدها إلى مناطق سوريّة أخرى.

يُقدم المركز حصيلة جهده، باللغتين العربية واﻻنكليزية، على موقعه، المُصمم بعناية لتسهيل عمليات التصنيف والأرشفة والبحث، بحسب الموقع الجغرافي وطبيعة اﻻنتهاكات أو مسبّبها. يوثّق المركز أيضاً حالات الخطف، والتي ﻻ تنال اهتماماً كبيراً من قبل مجموعات توثيقيّة وإعلاميّة أخرى رغم حجمها الكبير وآثارها الدراماتيكية في المجتمع. لمركز توثيق اﻻنتهاكات صفحات على شبكات التواصل اﻻجتماعي الأهم أيضاً، ويُصدر باستمرار تقارير تحوي خلاصات أعماله لتصل إلى معظم المنظمات القضائية الدوليّة، وعلى رأسها لجنة التحقيق الدولية المستقلّة حول سوريا.

عن الصدى الذي يجده العمل التوثيقي السوري في المحافل والهيئات الحقوقيّة والقضائيّة الدوليّة، تقول رزان زيتونة، الناشطة الحقوقيّة المعروفة والحائزة جائزة ابن رشد للفكر الحر: “مركز توثيق اﻻنتهاكات في سوريا وكلّ المراكز الحقوقيّة السوريّة الأخرى تبذل كلّ الجهد المستطاع للتوثيق، ولو كانت الهيئات الدوليّة مستقلتة عن القرار السياسي الدولي، وعن السياسة بشكل عام، لكان الملف السوري قد أحيل إلى محكمة الجنايات الدوليّة منذ زمنٍ طويل، لكن هذه الهيئات هي جزء من المنظومة الأممية، المعطّلة بالفيتو والمُقيّدة بمصالح الدول وسياساتها، وﻻ تتبع البحث عن الحقيقة والعدالة بنزاهة”.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى