صفحات العالم

العراق وسوريا بين “اللبننة” و”العرقنة”


أسعد حيدر

لم يبدأ الاشتباك الإقليمي والدولي من سوريا وحولها، لكنه قد ينتهي فيها. الاشتباك بدأ في العراق وحوله. بعيداً عن البدايات، فإن صياغة النهايات مشتركة بين العراق وسوريا. الأطراف الإقليمية والدولية هي نفسها في البلدين مع اختلاف ملحوظ في حجم الأدوار والطموحات، رغم أن بغداد ودمشق “توأم” تاريخي، إلا انهما كانا دائماً مختلفين أو متصارعين، كأن اتفاقهما ممنوع فكيف بوحدتهما. جمعهما شعار البعث وفرق بينهما نظام البعث، هذا دون الحديث عن الماضي منذ قيام الدولة الأموية.

حمص تكاد تكون مدينة شهيدة. أيضاً بغداد. تعددت الأسباب والموت واحداً. هذه الشراكة لا تحول دون التعامل مع أصل المشكلة. في قلب الصراع الجاري في دمشق وبغداد، أسئلة عديدة تدور حول هوية السلطة فيهما. هل تكون ديموقراطية ملتزمة بالمداورة أم لا؟ أين ستصطف والى أي محور إقليمي ـ دولي ستنضم؟ الأهم وهما تعبران الى النهاية هل ستغرقان في أتون “اللبننة” و”العرقنة” معاً، أم تسيران على حافتهما تحاذران الانزلاق الى هاويتهما؟

التطورات الحالية تؤشر الى الأسوأ. في العراق عمد رئيس الحكومة، المالكي الى “تسييس القضاء”، فرد عليه الآخرون “بتسييس الأمن”. النتيجة، العراق في خطر. الطرفان المتصارعان يؤكدان أن ما قام كل واحد منه كان عملية دفاع استباقية ضد انقلاب يحضر من كل طرف ضد الآخر. التسييس السريع للأحداث، أعاد العراق الى المربع الأول. مهما جرى تلوين الأفعال وردود الفعل بالألوان السياسية والحزبية واقعياً اللون المذهبي هو الطاغي. يقال اليوم أن نوري المالكي ليس ضد السنّة، وانما ضد كل من يعارضه لأنه يفهم هكذا قيام الدولة. همش كل القيادات الشيعية وأبرزها الدكتور عادل عبد المهدي وابراهيم الجعفري وغيرهما. الآن جاء دور الآخرين وهم من السنّة لأن طارق الهاشمي وأسامة النجيفي هما الأساس وليس أياد علاوي ولو أنه ما زال يتزعم “العراقية”.

انسحاب القوات الأميركية، شجع جميع القوى على الحسم والمسارعة لوضع اليد على السلطة. لن تنجح أياً منهما في استبعاد الطرف الآخر. العراق تعب من صدام حسين، وسيتعب أكثر مع غيره مهما اختلفت المسميات والتسميات. الانسحاب النهائي للأميركيين تم بضغط إيراني واضح. طهران أرادت تسجيل هدف في خانة الأميركيين ونجحت. المشكلة ان العراقيين هم الخاسرون الحقيقيين. الأميركيون خرجوا من “الباب” وقد تصبح عودتهم من “النافذة” غداً مطلوبة من العراقيين، لأن البديل المحتمل “العرقنة” و”اللبننة” معاً. حالياً، الانقسام ليس شيعياً ـ سنياً فقط وانما هو أيضاً شيعي ـ شيعي. لولا المرجعية في النجف، لكان الصدام الشيعي ـ الشيعي قد احتدم.

مشكلة العراقيين، أن إيران هي اللاعب الكبير، لديها مشروع مرسوم في دوائرها بدقة وهي تنفذه دون العودة الى العراقيين بمن فيهم حلفاؤها. الآخرون من اللاعبين الإقليميين وحتى الولايات المتحدة الأميركية ليس لديهم مشروع، ولذلك حركتهم نتاج الفعل. وردود الفعل شاء أم أبى الأفرقاء في العراق، فإنهم حالياً يعيشون “مخلفات الانسحاب الأميركي والفراغ الذي تركه أمام الإيراني المصمم والتركي المتردد والعربي الغائب. أما طهران وهي تتحرك تأخذ في حساباتها تطويق نتائج سقوط النظام الأسدي سواء اليوم أو في المستقبل. لا يمكن تعويض خسارة استراتيجية إلا بتحقيق إنجاز على المستوى الاستراتيجي أيضاً. السؤال هل تقبل واشنطن أن تخسر نهائياً العراق، وكيف سترد هنا وهناك؟.

رغم غرق العراقيين في همومهم العراقية، فإنهم يستذكرون الماضي القريب، وكيف جرى غزوهم مرة من القوات الأميركية ومرة من موجات الانتحاريين القادمين عبر الحدود مع سوريا. العديد من العراقيين الذين تربطهم علاقة مع النظام الأسدي قالوا للرئيس بشار الأسد مباشرة “احفظ كرامة العراق والعراقيين”. لم تنفع النصيحة، لانه كان للنظام مشروع لا يمكنه التراجع عنه. عملية تصدير الموت الى العراق لم تعد على خط واحد. مقابل التصدير يوجد خط الاستيراد. يستطيع النظام الأسدي أن يقول اليوم أن الارهابيين يضربونه. العراقيون يقولون اليوم قبل الآخرين: “بضاعته ردت اليه، وطريق الموت على خطين”.

بعيداً عن عملية تصدير الموت واستيراده، النظام الأسدي يدفع نحو خيارين إما هو أو الغرق في “اللبننة” و”العرقنة” معاً يساعده في ذلك تعمق الاشتباك الإقليمي الدولي. يراهن هذا النظام على تسوية شاملة يكون بقاؤه جائزة ترضية للإيرانيين. لكن كما يبدو فإن الاشتباك هو “معركة كسر عظم”. ما يساهم في ذلك أن النظام نفسه وضع قسماً كبيراً من السوريين أمام خيار الموت أو الموت. أن التراجع والتسليم له بالاستمرار يعني الموت لاحقاً بدل الموت حالياً. هذا دون الحديث عن الكرامة والحرية وما بينهما من شعور بالعنفوان والأمان.

رغم أن الاشتباك طويل سواء في العراق أو سوريا، فإن الأيام القليلة القادمة مهمة جداً. إما يستوعب العراقيون بجميع انتماءاتهم أن العراق لجميع العراقيين المتساوين في الحقوق والواجبات، وإما الخسارة الكاملة للجميع وسط بحر من الدماء. أما في سوريا فإن النظام ليس مستعداً لقلع “أنيابه”. يبقى هل العرب والمجتمع الدولي مستعدين لنزع قيود الخوف والقلق التي قيدوا بها أنفسهم ليخففوا من حجم الخسائر التي تتزايد حجمها يومياً، خوفاً من مفاجآت التغيير. الحسم ضروري في سوريا، لأنها المركز في صياغة مستقبل “قوس الأزمات”، الممتد من أفغانستان إلى تركيا مروراً بإيران والعراق.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى