صفحات العالم

عودة الى “الهلال”


محمد ابرهيم

مع الاشتباك الديبلوماسي التركي – العراقي، والاتهامات المتبادلة بين رئيسي الوزراء، التركي رجب طيب اردوغان والعراقي نوري المالكي، بإذكاء النزاع المذهبي، ومع التنسيق الوثيق بين تركيا والسعودية بشأن سوريا، في مقابل الدعم الايراني غير المحدود للمالكي، اكتملت صورة المواجهة السنية-الشيعية اقليميا.

الخريطة الاقليمية للنزاع هي تلك التي سماها الملك الاردني عبدالله الثاني قبل اعوام “خطر الهلال الشيعي”، الممتد من طهران الى بيروت، والذي يحظى بجيوب في الخليج واليمن، وكان يشمل، قبل “الربيع”، غزة. هذا “الربيع” الذي انطلق من الشمال الافريقي تحت عنوان الخلاص من الاستبداد وارساء الديموقراطية، استقر في المشرق وفق خريطة “الهلال” لا وفق “نسبة” الاستبداد في كياناته.

طبيعة المكونين الشبابي والاسلامي في “الربيع” تفسر هذا الانزياح المشرقي. فالحركة الشبابية هنا اضعف من مثيلتها، “الافريقية”، وتواجه انظمة مغلقة، والمكون الاسلامي ذو مصلحة في انتقاء “الاهداف” بما يخدم استراتيجيته على مستوى المنطقة.

حتى العامل الخارجي الذي كان ذا تأثير وازن في نجاح “الربيع الافريقي”، سرعان ما تكيف مع خريطة المشرق، داعما التغيير في سوريا ومتفهما لاخماده في المواقع الاخرى. وقد دفعت تركيا بهذا الاتجاه الى نهايته، فزاوجت بين موقف جذري تجاه سوريا وتحالف مع الانظمة الخليجية.

ولا تبدو القوى الاقليمية المنخرطة حتى اذنيها في الانقسام السني-الشيعي، قادرة على المناورة، فمن ناحية يعني بقاء النظام السوري، بصيغته القديمة او المعدلة شكلا، هزيمة للحلف الاقليمي السني تشكل خطرا على “قلبه” الخليجي، وحتى على “طرفه” التركي، ومن ناحية ثانية يعني انهيار النظام السوري خطرا مباشرا على الحكم الشيعي في العراق، وتهديدا لإيران نفسها.

وحدها القوى الدولية ما زالت تحتفظ بهامش من حرية التحرك يسمح لها بتفادي اندلاع معمم للنزاع المذهبي. فمن جهة نجد ان واشنطن صاحبة مصلحة في التقاط اي اشارة تصالحية من ايران في ملفها النووي، لما له من انعكاسات على مصالح اميركية كثيرة: اسرائيلية، وعراقية، وافغانية، ونفطية.

ومن جهة ثانية نجد ان موسكو صاحبة مصلحة في ان لا تذهب في دعمها للنظام السوري الى المساهمة في اندلاع النزاع المذهبي المعمم، لانه يجعل المنطقة بؤرة لنوع “النشاط” الاسلامي الذي تخشاه موسكو على نفسها.

المفتاح الاقليمي للأزمة بيد ايران، ومفتاحها الدولي شركة اميركية-روسية. يبقى ان يعقب التفاهم النووي، الذي يبقي ايران على مسافة “آمنة” من امتلاك القنبلة ، تفاهم على مستقبل سوريا تجد فيه المكونات السورية الداخلية، وكذلك “اللاعبين” الاقليميين، ما يطمئن “هواجسهم”.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى