صفحات الرأي

النخبـــة فـــي الشـــارع


عباس بيضون

لم يبدأ الإسلاميون الثورات لكنهم انفردوا بحصادها، الآن يكتسحون الانتخابات في مصر وتونس والمغرب ويسمون رؤساء وزارات فيها، كما انهم الأبرز في ليبيا وفي سوريا. يمكننا القول ان المرحلة لهم، لا نعرف إذا تغيروا ولأي درجة كان هذا التغير، لكن العالم تغير بالنسبة لهم. لقد رضي بهم الملك المغربي والمجلس العسكري المصري والليبراليون الليبيون واليمنيون ورضيت بهم أميركا ورضي بهم الغرب. لقد صاروا فجأة أهون الشرور بالنسبة للجميع وبدا ليبراليو الأمس أشد خطراً منهم. لقد عجنوا السياسة وتحنكوا فيها منذ عقود وعقود وهم الآن مفاوضون ومسايسون ويمكن للملك والعسكر ان يحصلوا على تنازلات منهم، فيما الليبراليون يستثيرون، بمثاليتهم، الحذر. الأنظمة العشوائية، وهذه هي التسمية الأنسب للأنظمة العربية، لا تخاف الآن من الإسلاميين. لقد أقنعوها بأنهم جاهزون للتسويات والتنازلات، هل يعني ذلك التضحية بالشبان الذين يصرون في ميدان التحرير وغيره على مواصلة الثورة؟ هل العمدة على الإسلاميين في إيجاد نهاية لها؟ هل العمدة عليهم في إنقاذ الرؤوس الكبيرة الضالعة في هذه الأنظمة منذ تأسيسها؟ تحتاج الديموقراطية إلى ثورة كاملة إذا كانت الغاية هي فعلاً الشفافية والمواطنية المتساوية وتداول الحكم والدفاع عن حقوق الأقليات. قد يكون الوقوف في منتصف الطريق هو التسليم لعشوائية النظام وإعادة إنتاجها على هذا الأساس.

الإسلاميون اضطهدوا من قبل الأنظمة، لكنهم سايسوها مع ذلك وهم على استعداد لمسايستها أيضاً ولأن يعقدوا معها صفقات فعلية. ليس الشبان على الاستعداد نفسه. لقد توجسوا، عن حق، من انقلاب عسكري جديد، توجسوا من عودة الرؤوس القديمة في تسوية جديدة. انهم يقفون الآن ويواصلون الانتفاض من أجل رحيل العسكر ومن أجل تصفية النظام القديم. انهم يعوضون بجسارتهم وتضحياتهم نسبة القوى المختلة لمصلحة الإسلاميين ومع الوقت سيبدو الإسلاميون كما هم في مسايساتهم وتسوياتهم ومفاوضاتهم مع النظام. في حين لا يستنكف المجلس العسكري عن اللجوء إلى القتل وكشف العذرية نجد الشبان يقاومون بكل طاقتهم ويعودون إلى ميدان التحرير. الإسلاميون عندها يخرجون أو يُخرجون (بضم الياء) من ميدان التحرير. يستمرون في حصاد الانتخابات لكن الانتخابات ليست وحدها المعيار أو الامتحان.

الشبان يقومون بفرز جديد، انه فرز داخل المجتمع الحديث، داخل الطليعة، داخل الشباب المتعلم والجامعي والمتعاطي بأدوات الاتصال الجديدة، أي فرز داخل النخب المصرية التي مهما كانت نسبتها في المجتمع فإنها تملأ بالكامل دورها القيادي. وتقدر رغم ضعف نسبتها إلى المجتمع (العشوائي أيضاً) على ان تبدو في الشارع قوة لا يستهان بها. لقد بدأ الصراع في القاعدة. الإسلاميون من ناحية والشبان من ناحية أخرى. لن يكون هذا الصراع مفيداً للإسلاميين بقدر ما سيخدم الشبان. فهؤلاء الأقلية سيبدون أقوى بكثير من قوتهم الفعلية وسيجرّون الإسلاميين إلى صراع لم يكن في حسبانهم وسيفرضون عليهم أن يخوضوا معركة النظام، معركة العسكر أو يبقوا في الوسط حائرين مترددين، وهذا جميعه ليس في مصلحتهم. ما سيحدث هو ان الشبان تتزايد قوتهم ويتزايد تأثيرهم ويتحولون مع الوقت إلى قوة فعلية. ما سيحدث هو ان الإسلاميين سيحصدون أيضاً كره الجمهور لممارسات العسكر وعنفهم، وإذا بقوا في الوسط فإن ترددهم سيجر عليهم التراجع والانحسار النسبي. الآن هناك القوة الانتخابية مقابل قوة الشارع. لم يكترث الشبان بالانتخابات، لقد اكتشفوا مصدراً آخر للقوة هو الشارع. انهم في احتلالهم الشارع يواجهون النظام القديم بانتخاباته أيضاً. سواء ربحوا أم لم يربحوا فإن مستوى آخر من الصراع يبرز الآن. انها المرة الأولى التي يواجه فيها الإسلاميون قوة في الشارع. المرة الأولى التي يخرج فيها الإسلاميون من الشارع ويغدو الشبان سادته. لقد سحب من الإسلاميين معيار قوة وانفضحت مسايستهم، وهذا يعني ان الشبان، ان النخبة، تحتل لأول مرة، مكاناً في الشارع. انها، لأول مرة، تدخل في امتحان قوة حقيقية. هذا ما قد لا تبدو نتائجه الآن لكن ستكون له نتائج فيما بعد.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى