صفحات الناس

الحدود السورية التركية.. فرار الخائفين وأرزاق المهربين/ ياسر العيسى

 

 

“روحي (اذهبي) أنت طالق”.. قالها محمد لسيدة أقلَّها إلى الخط الفاصل بين تركيا وسوريا لتبادر بشكره على معروفه وتدعو له قائلة: بالتوفيق والتيسير.

وإلى قرية قمر الدين التركية (25 مترا من بوابة تل أبيض) وفي ساعات المساء الأولى تصل عشرات الأسر السورية، بعد سلوكها أراضي زراعية وسط الظلام الدامس.

وعلى الجانب السوري، تعلو صرخات المهربين، مطالبين النساء والأطفال والرجال العابرين بعدم الاكتراث بطلقات الرصاص الصادرة من أسلحة الجنود الأتراك قائلين “كله بالهواء”.

وأدى إغلاق السلطات التركية لمعبري باب السلامة وباب الهوى منذ أسابيع إلى ازدياد حالات هروب السوريين الفارين من لهيب الحرب، وازداد معها استغلال المهربين لبحث الخائفين عن مكان آمن.

وارتفعت تسعيرة تهريب الشخص الواحد بشكل كبير وإن تفاوتت بين مكان وآخر، لكن يبقى التهريب من تل أبيض السورية هو الأعلى أجرا، وفق جابر الذي يعمل في هذا المجال على الجانب السوري من الحدود.

تفرُّغ للتهريب

ويضيف المهرب جابر أنه يقوم باستقبال العشرات يوميا في منزله الواقع على بعد أمتار فقط من قرية “قمر الدين” التركية، بانتظار ساعات المساء.

ويقول إنه ترك مهنته كسائق لإحدى حافلات النقل الجماعي الصغيرة على خط تل أبيض-الرقة، ليتفرغ حاليا للعمل بمجال التهريب، كونه أقل جهدا وأكثر ربحا رغم خطورته أحيانا.

يبدأ جابر عمله من التاسعة صباحا عند بوابة تل أبيض السورية المغلقة منذ سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على المنطقة منذ أكثر من عام، ويقوم خلالها بتجميع الأسر الراغبة بالدخول إلى تركيا، ومن ثم الذهاب بهم إلى بيته.

ويشير إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية يرفض عبور الشباب، إلا في حال كانوا مرافقين لأسرهم.

وفي حديث للجزيرة نت، ذكر جابر ومهرب سمى نفسه “أبو سمير” أن تسعيرة تهريب الشخص الواحد هي خمسة آلاف ليرة سورية (نحو عشرين دولارا).

غير أنهما أكدا أن الكثير من المهربين يأخذون الحالات الإنسانية والواقع المعيشي بعين الاعتبار، وطرحوا في هذا السياق أمثلة عدة، من بينها مراعاة المرضى أو الفقراء الذين لا يملكون المبلغ كاملا.

الجانب الآخر

هل أنت من الدولة الإسلامية، وتريد العبور إلى سوريا؟ سؤال تم توجيهه إلى الشاب ياسر في كل مرة يستفسر فيها من أصحاب المحلات بتل أبيض التركية عن طريق الوصول إلى قرية “قمر الدين” ليبادرهم بالنفي، والتأكيد على أن غايته استقبال أسرته القادمة من دير الزور بشرق سوريا.

وبعد الاطمئنان على نوايا ياسر، تم إخباره بضرورة استئجار سيارة خاصة بحوالي عشرين دولارا لأنه لا توجد آلية نقل جماعي تقله إلى وجهته.

واضطر ياسر لدفع هذا الثمن بعد أن فشلت كل محاولات في البحث عن سيارة تقله بمبلغ أقل.

بعد وصوله إلى القرية، استقبله عدد من الشباب السوريين العاملين بالتهريب والذين كانوا يراقبون الجنود وآليات الجيش التركي على طول الحدود، وعرضوا عليه خدماتهم ومن بينها تهريب البضائع والأمتعة الشخصية أيا كان نوعها وحجمها.

ويقول ياسر للجزيرة نت إن الشك راوده حول استحالة عبور أسرته جراء التشديد الأمني، لكن كل من قابلهم من المهربين طمأنوه بأن خشيته هذه لا مبرر لها وأن ساعات المساء ستحل المشكلة.

الليل والرزق

ويشير إلى أن الكثير من المهربين أكدوا أن عملهم هو تهريب الحيوانات من أغنام وأبقار، وأنهم ينتظرون ساعات الليل من أجل العبور إلى الأراضي السورية، لأن “رزقهم” ينتظرهم هناك.

قبل دقائق فقط من حلول الليل، كانت العشرات من آليات النقل الجماعي المعروفة في تركيا بـ”الدلمش” تقف على بعد أمتار من الحدود.

أحد السوريين الذي جاء بسيارته لاقى اعتراضا من قبل المهربين والسائقين، وهددوه بتحطيم سيارته إن لم يغادر، مدعين أن هذا “رزقهم” ولن يسمحوا لأحد بالمشاركة به.

بعد وقت قصير من حلول الليل، امتلأت المنطقة بأصوات الرصاص الذي يطلقه الجنود الأتراك، وفي ذات الوقت الذي سلكت عشرات الأسر الطرق الزراعية، رفقة المئات من الأغنام والأبقار.

حصل ذلك في أقل من ساعة، ليأخذ كل مكانه بالآليات التركية التي تنتظرهم، ومنها يكون الطريق إلى مدينة أورفا ثم إلى تل أبيض التركية، والأجرة مضاعفة بالطبع عن المعتاد، لكن الجميع يضطر للدفع لأنه لا بديل أمامهم.

في إحدى هذه الآليات، جلس ومازح سيدة تركب إلى جانبه بالقول “روحي أنت طالق” للتعبير عن انتهاء مهمته المتمثلة في الادعاء أنه زوجها، كي تتمكن من تجاوز حواجز تنظيم الدولة التي تمنع سفر المرأة دون محرم.

الجزيرة نت

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى