صفحات العالم

مقالات تناولت العلاقات الاميركية الايرانية

تقية» إيران الثنائية في ملفها النووي… ودورها في المنطقة/ محمد مشموشي

على أهمية «الحوار» المستجد، بعد توقف لفترة طويلة، بين ايران والدول الخمس ذات العـــــضوية الدائمة في مجلس الأمن + ألمانيا حول ملف طهران النووي، فالأمران الجديدان في سياقه واللذان من شأنهما أن يلقيا بعض الضوء عليه وعلى امكانات نجاحه أو فشله هما: أولاً، اسقاط طهران أحد البنود الذي دأبت على طرحه في جولات الحوار السابقة، أي دورها الاقليمي ومساومة الطرف الآخر على الاعتراف به، وثانياً، اصرارها على إبقاء المحادثات سرية وبعيدة عن التداول الاعلامي من جهة، وأن تتم ضمن جدول زمني محدد وقصير الأمد من جهة ثانية.

في الأمر الأول، يبدو أن ايران تريد ابلاغ الدول الست التي تتفاوض معها، ومن خلالها العالم كله، أنها لم تعد في حاجة للبحث مع أحد في دورها في المنطقة، وتالياً في العالم، لأنها أخذته فعلاً. بل أكثر، إبلاغ هذه الدول أن دورها الاقليمي هذا وملفها النووي يشكلان معاً ومنذ الآن رصيدها في المحادثات، بعد أن كان الملف النووي وحده هو الطريق الى الدور واعتراف الخارج به.

تحاول ايران، في هذا السياق، أن تقول انها تملك اليد الطولى في ثلاث ساحات اقليمية ساخنة جداً (العراق وسورية ولبنان) وفي ثلاث أخرى يمكن أن تسخن في أية لحظة (البحرين واليمن والسودان)، وأنها ستكون قادرة على التدخل ايجاباً أو سلباً فيها كلها اذا نجحت، أو فشلت، مفاوضاتها مع الدول الست حول ملفها النووي.

ولأن دول المنطقة ودول العالم الكبرى، فضلاً عن الأمم المتحدة، معنية كلها بالسلم والاستقرار في هذه الساحات التي تهددها حروب أهلية مفتوحة على احتمالات تقسيمها الى دويلات طائفية ومذهبية وإثنية متحاربة (بصرف النظر عن الأسباب وعمن يدفع بـاتـجاهها)، فإن يد ايران الطولى يمكن أن تساعد في الاتجاهين معاً: الحروب والتقسيم، أو الأمن والسلام والاستقرار.

لا يهم هنا، من وجهة نظر ايران الامبراطورية، كل ما يقال عن دور نظامها المذهبي على مدى الأعوام الـ34 الماضية في التدخل في شؤون كل بلد من بلدان المنطقة تعيش فيه أقلية شيعية، ولا حتى في اشعال الحروب الطائفية والمذهبية في المنطقة كلها، ما دام هذا العمل أكسبها الدور الاقليمي الذي كانت تسعى اليه منذ البدء. كما لا يهم أيضاً أن تكون الدول الست المعنية بملفها النووي تدرك هذه الحقيقة جيداً… ففي السياسة، تقول وجهة النظر هذه، لا مكان للأخلاق ولا حتى للمساءلة في الأساليب التي انتهجتها طهران للوصول الى هذا الدور!

في الأمر الثاني، تبدو ايران كمن يسعى إلى «صفقة» مع الدول الست، ومع الولايات المتحدة تحديداً، لكنها لا تريد في الوقت ذاته أن تخسر ما تعتبره مدخلها الى أي من بيئتها الشيعية التي حوّلتها الى أحزاب وما يشبه «ميليشيات» في الدول التي تعيش فيها، أو في المجتمعات العربية والاسلامية المعادية بطبعها للولايات المتحدة ولدول الغرب عموماً بسبب موقفها الداعم لاسرائيل على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، أو حتى للشعوب وبعض الأنظمة في العالم التي صدقت كلامها حول «الاستكبار العالمي» و»الشيطان الأكبر» ووقفت الى جانبها خلال الفترة الماضية.

والأهم في هذا السياق، أن من شأن فقدانها أياً من هذه البيئات، بخاصة في العراق وسورية ولبنان، أن ينعكس سلباً على أي دور تعد به أو تحاول أن تلعبه، من ضمن «الصفقة» المفترضة، لوقف مسار التدهور الذي يضرب تلك الدول وشعوبها منذ سنوات وفي المرحلة الراهنة خصوصاً.

هل يعني تفويض المرشد الأعلى الايراني علي خامنئي رئيس جمهوريته حسن روحاني ابداء «نوايا حسنة» تجاه الولايات المتحدة وبدء التفاوض معها حول برنامج بلاده النووي، ثم انتقاده علناً بعد الاتصال الهاتفي مع رئيسها باراك أوباما لدى عودته من نيويورك، أو كذلك حديثه عما سمّاه «المرونة البطولية» في عملية التفاوض هذه، غير هذا المعنى… معنى «التقية» بكل أبعادها؟

غني عن القول إن أولويات النظام الايراني تبدأ من الغاء، أو حتى تخفيف، العقوبات الدولية التي أنهكت اقتصاد إيران وجعلتها عاجزة، ليس فقط عن الوفاء بمتطلبات شعبها، انما أيضاً عن استكمال هجمتها العدوانية على شعوب دول المنطقة الأخرى. الا أنها لم تغمض عينها أبداً، ولا حتى في ظروفها الحالية، عن الدور الاقليمي الذي سعت اليه منذ اللحظة الأولى لنشوء النظام في 1979.

ويخطئ من يظن أن سياسات رئيسها السابق محمود أحمدي نجاد، التي قامت على التدخلات الوقحة في المنطقة من جهة ومقولتي «ازالة اسرائيل من الوجود» و «قرب ظهور الإمام المهدي» من جهة ثانية، كانت ظرفية أو استثناء في تاريخ ايران الحديث. فهذه الوقاحة كانت في صلب الاستراتيجية الامبراطورية لهذا النظام، ولن يكون بعيداً اليوم الذي يقول فيه الايرانيون علناً إن دور ايران الاقليمي والدولي الذي يحاول خامنئي وروحاني أن يلعباه الآن قد تجسد واقعاً على الأرض في ظل هذه السياسات ونتيجة لها.

ولكن، هل تنجح هذه «التقية» الثنائية في ايصال ايران الى «الصفقة» التي تريدها مع الولايات المتحدة والغرب عموماً هذه المرة؟

يجدر القول انه، رغم سهولة كشف «التقية» الثنائية هذه، فمن الصعب تقديم جواب قاطع عن السؤال في المرحلة الراهنة… بخاصة في ظل ادارة أوباما التي يبدو أنها مستعدة لكل شيء يطمئن اسرائيل الى وحدانية امتلاكها السلاح النووي في المنطقة.

مع ذلك، فـ «التقية» الإيرانية كفيلة بإفشال اللعبة في نهاية المطاف. ذلك أن أربعة وثلاثين عاماً كاملة من محاولة بناء الامبراطورية الفارسية على حساب المنطقة وشعوبها لن يمكن أن يدمرها النظام الشمولي في طهران من دون «ثمن» مجز… لن تستطيع أية ادارة أميركية أن تدفعه في نهاية المطاف.

الحياة

التقارب الإيراني–الأميركي وأمن الخليج: التداعيات المحتملة والخيارات المتاحة/ محمد بدري عيد

ملخص

تشهد العلاقات الإيرانية الأميركية في اللحظة التاريخية الراهنة انفراجًا تاريخيًا غير مسبوق، من شأنه أن يلقي بتداعياته الاستراتيجية على الأمن في منطقة الخليج ومنطقة الشرق الأوسط برمتها.

ويشير الموقف الرسمي الخليجي إلى أن دول مجلس التعاون تنظر للتقارب بين طهران وواشنطن على أنه خطوة نحو الاستقرار والأمن في المنطقة، أكثر منه تهديداً.

ومع ذلك، لا تخفي أوساط دول الخليج غير الرسمية خشيتها من أن يسفر هذا التقارب بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران عن “صفقة مصالح” تمنح تسهيلات إقليمية للثانية في المنطقة بموافقة الأولى ضمنيًا. وهو الأمر الذي من شأنه أن يقلّص هامش المناورة السياسية لدول الخليج لصالح إيران، التي ستبرز كقوة إقليمية مهيمنة ومسيطرة في المنطقة.

وثمة عدة خيارات متاحة أمام دول مجلس التعاون الخليجي للتعامل مع التداعيات المحتملة للتقارب بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، بما يحفظ أمن واستقرار المنطقة، ويعزز المصالح العليا لدول المجلس، فرادى ومجتمعة، ويتمثل أهمها في تكريس القوة الذاتية من خلال تسريع خطوات إنشاء الاتحاد الخليجي، وتعزيز المظلّة العربية للأمن، والتمهيد لبناء شراكات مع قوى دولية كبرى كروسيا والصين والهند على الصعيدين الأمني والعسكري، بحيث تكون هذه الشراكات أو التحالفات رديفًا، على الأقل في المدى المنظور، لعلاقات التحالف القائمة حاليًا بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية.

مقدمة

يسود الترقب والحذر الأوساط السياسية الخليجية في الوقت الراهن رصدًا لما تشهده العلاقات الإيرانية-الأميركية من زخم غير مسبوق وتطورات نوعية متسارعة تُنبئ بانفراجة بين واشنطن وطهران في المدى المنظور بعد قطيعة دامت أكثر من ثلاثة عقود.

ويبدو أن هذا التقارب لن يقف عند حدود الأزمة السورية والبرنامج النووي الإيراني، بل سيشمل مجمل القضايا السياسية والترتيبات الإقليمية الأمنية في الخليج والشرق الأوسط برمته؛ إذ إن الفرصة متاحة والأرضية ممهدة لانطلاق ما يمكن وصفه بـ”التسوية الكبرى” في المنطقة خصوصًا مع استبعاد الضربة العسكرية الأميركية للنظام السوري في الأجل المنظور.

وبناء عليه، يتطلب ذلك قراءة دقيقة من جانب دول مجلس التعاون الخليجي للواقع الجديد الآخذ في التشكل في ظل التوازن الدولي الراهن، والتبدل الواضح لجهة إعادة صياغة أدوار بعض القوى الإقليمية، وذلك تحسبًا لكافة السيناريوهات والاحتمالات التي يمكن أن يرتبها التقارب الإيراني-الأميركي على أمن واستقرار النظام الإقليمي الخليجي بوجه خاص، وعلى بُعديه العربي، والشرق الأوسطي.

يسلط هذا التقرير بعض الضوء على هذا التطور الاستراتيجي الجديد في المنطقة، من زاوية التحولات الاستراتيجية الجذرية التي قد تطرأ على البيئة الأمنية في النظام الإقليمي الخليجي نتيجة هذا التقارب الذي يأتي بعد قطيعة، وتلمس مدى تشكيل هذا التطور تهديدًا حقيقيًا لأمن الخليج، ومحاولة البحث عن احتمالات وإمكانية أن يمثّل -على العكس مما هو متوقع- فرصةً للأمن والاستقرار من المنظور الخليجي، وصولاً إلى استشراف الخيارات المتاحة أمام دول الخليج للتعامل مع التداعيات المحتملة للمسار الجديد الذي تتجه له علاقات واشنطن وطهران.

قضايا التقارب الإيراني-الأميركي

تشهد العلاقات الإيرانية-الأميركية في اللحظة التاريخية الراهنة انفراجًا تاريخيًا غير مسبوق، بدأ بتبادل الطرفين إشارات التصالح، ولم ينته باتصالات على أعلى المستويات كان أبرزها الاتصال الهاتفي بين الرئيسين حسن روحاني وباراك أوباما.

 وبلغ مسار التقارب الإيراني-الأميركي ذروته في اللقاء الذي جمع بين وزيري خارجية البلدين، ظريف وكيري، ثم تبعه الاتصال الهاتفي بين روحاني وأوباما. وجاء هذا التقارب انطلاقًا من دوافع معينة لدى كلا الجانبين: الإيراني والأميركي.

على الصعيد الإيراني، طرح الرئيس حسن روحاني، في مقاله بصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، مقاربة “الانخراط البنّاء” في علاقة بلاده مع الغرب وتحديدًا الولايات المتحد الأميركية، وهو ما يتوافق مع مصطلح “المرونة البطولية” الذي أطلقه المرشد الأعلى للثورة الإسلامية على خامنئي، والتي تحقق لطهران مصالح أساسية، هي:

– تأمين حق إيران في امتلاك القدرات النووية بما في ذلك تخصيب اليورانيوم في مفاعلاتها النووية، باعتبار ذلك أمرًا “غير قابل للتفاوض”.

– تأمين نفوذها في المناطق المتوترة الحيوية بالنسبة لها مثل العراق وأفغانستان.

– ضمان لعب دور إقليمي لإيران في منطقة الشرق الأوسط خاصة فيما يتعلق بالملف السوري، وعدم تقليم أظافر حزب الله في لبنان؛ ولذا طرح روحاني إمكانية وساطة إيرانية في سورية.

وتصب هذه الأهداف مجتمعةً في المصلحة القومية العليا لإيران ألا وهي الاعتراف بها كقوة إقليمية في المنطقة تمتلك نفوذًا يوازي النفوذ الأميركي فيها، باعتبارها موازنًا ندًا لا يمكن تنحيته عند مناقشة أية ترتيبات خاصة بما تعتبره مجال النفوذ المباشر لسياستها الخارجية وأمنها القومي وخاصة في منطقة الخليج. (1)

وفي المقابل، تشير تصريحات كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية إلى أن واشنطن تريد من هذا التقارب، إيران “غير نووية”، لا تضر بالمصالح الأميركية في المنطقة، ولا تسعى إلى قلب موازين القوى في الخليج والشرق الأوسط على نحو يخرج عن قدرة الولايات المتحدة الأميركية على السيطرة.

ومن ثم، تقوم استراتيجية إدارة الرئيس أوباما على التعايش مع إيران، والاعتراف بها كقوة إقليمية طالما أزالت الغموض عن برنامجها النووي، ولم تتجاوز الخط الأحمر أميركيًا بحيازة السلاح النووي.

واستنادًا لهذه الاستراتيجية، فإن خيار “الصفقة الشاملة” هو المفضل لدى إدارة أوباما خلال التعامل مع إيران، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الاستراتيجية لم تكن وليدة التطورات الأخيرة أو أنها جاءت نتيجة عرضية لانتخاب إيران، رئيسًا جديدًا محسوبًا على معسكر المعتدلين، بل طرح أوباما استراتيجيته في التعامل مع طهران منذ ولايته الأولى عام 2009.(2)

وبناء على ذلك، فإن الصفقة المتوقعة بين الجانبين تشمل ثلاثة ملفات رئيسة، هي: البرنامج النووي الإيراني، وعملية السلام في الشرق الأوسط، والدور الإقليمي لإيران.

الموقف الخليجي من التقارب الإيراني-الأميركي

يمكن التمييز في هذا السياق بين الموقف الرسمي لدول مجلس التعاون الخليجي، والموقف غير الرسمي ممثلاً في الرأي العام والنخبة الخليجية.

فعلى الصعيد الرسمي، رحبت دول الخليج بالانفراجة المرتقبة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، وأعربت عن أملها في أن تقرن طهران أقوالها بالأفعال لما يقود ذلك لتدعيم الاستقرار في المنطقة، فيما لم نرصد إشارات سلبية أو انتقادات خليجية رسمية في هذا الصدد، اللهم إلا التشديد على ضرورة ألا تكون هذه الانفراجة على حساب دول المنطقة.

فقد أعرب وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل عن الترحيب بالرغبة الإيرانية في تحسين العلاقات مع دول الجوار، مؤكدًا أن العبرة في الأثر العملي لهذا التوجه فإذا تُرجم القول إلى عمل فستتطور الأمور إلى الأفضل.”(3)

وفي السياق ذاته، قال وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة: إن الولايات المتحدة الأميركية أبلغت دول مجلس التعاون الخليجي، في إشارة إلى العلاقة مع إيران، بأنها “لن تخطو خطوة” تتناول منطقة الخليج “قبل التشاور مع أصدقائها في المنطقة.”

وأضاف: إن “وزير الخارجية الأميركي جون كيري أبلغ نظراءه الخليجيين، خلال اجتماعه

على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن التركيز الأميركي مع إيران سيكون على الملف النووي”، وأن الأميركيين يريدون التوصل إلى انفراجة، ويسعون إلى أن تغير إيران سياستها تجاه مختلف القضايا.” واعتبر وزير خارجية البحرين أن التقدم في العلاقة الإيرانية-الأميركية إذا أدى إلى الاستقرار “فهذا شيء يفرحنا.”(4)

كما أكد وكيل وزارة الخارجية الكويتية خالد الجار الله أن “التحركات التي يشهدها الملف الإيراني مع المجتمع الدولي يمكن أن تحقق نتائج إيجابية للطرفين”، نافيًا أي قلق كويتي أو خليجي من تنازل أميركي لإيران على حساب المنطقة.(5)

يتبين من ذلك، أن دول مجلس التعاون الخليجي تنظر للتقارب بين طهران وواشنطن على أنه خطوة -أكثر منه تهديدًا- نحو الاستقرار والأمن في المنطقة، خاصة وأن روحاني شدّد في تصريحاته منذ انتخابه في يونيو/حزيران الماضي 2013 على أهمية تطوير العلاقات مع دول مجلس التعاومن الخليجي لا سيما السعودية التي اعتبرها دولة فاعلة ومؤثرة في العالم الإسلامي بأسره، وبدورها رحبت دول الخليج بتلك التصريحات.

إذن، فليس لدى دول مجلس التعاون الخليجي رسميًا أي اعتراض على أي جهد يرمي إلى تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران؛ فالسلام والاستقرار في منطقة الخليج هو مطلب عربي ويصب في استقرار المنطقة، لكنها تعترض على احتمال تقديم الولايات المتحدة تنازلات كبيرة وخطيرة لإيران في إطار صفقة من أجل الوصول لاتفاق ثنائي ما يؤثر بشكل جذري على أمن دول الخليج العربية وحقوقها، خصوصًا أن لبعض دول مجلس التعاون الخليجي ملفات إشاكلية مع إيران تعود أسبابها إلى عوامل الجوار الجغرافي، أو التنافس الاستراتيجي، أو الاختلاف المذهبي، أو غيرها، لذلك فإن أي قرار أميركي للتوصل إلى إبرام أي اتفاق مع طهران يجب ألاَّ يكون على حساب الحقوق والمصالح الخليجية.

ومع ذلك، لا تخفي دول الخليج -على الأقل على الصعيد غير الرسمي- خشيتها من أن يسفر التقارب بين واشنطن وطهران عن “صفقة مصالح” تمنح تسهيلات إقليمية للثانية في المنطقة بموافقة أميركية ضمنية؛ وهو الأمر الذي من شأنه أن يقلص هامش المناورة السياسية لدول الخليج العربية لصالح إيران، التي ستبرز كقوة إقليمية مهيمنة ومسيطرة في المنطقة.

ووفقًا لهذه الرؤية، فإن هذا التقارب سيطرح تحديات استراتيجية فيما يخص أمن الخليج تحديدًا بما سيترتب عليه من انفراد إيراني بالمنطقة، في ظل غياب موازن إقليمي آخر؛ حيث إن الولايات المتحدة تقوم بهذا الدور منذ الحرب على العراق عام 2003.

ومن هنا، فإن مبعث القلق الخليجي يتمثل فيما يمكن اعتباره اندفاعًا أميركيًا نحو إيران من منطلق المصالح الأميركية الخاصة، دون مراعاة هواجس دول الخليج المشروعة، وإغفال إدخالها في صلب عملية إعادة صياغة الخريطة المستقبلية للمنطقة.

كما يخشى الخليجيون -وفق هذا المنظور- أن تكرر واشنطن مع طهران ما فعلته مع موسكو عندما اتفقتا على تسوية الملف الكيماوي في سورية وأهملتا كافة عناصر ومكونات الأزمة السورية الأخرى، ومن هنا  تبدو الخشية الخليجية من أن تختصر واشنطن الأزمة مع طهران في الملف النووي والانسحاب من أفغانستان، وإهمال قضايا تعاظم نفوذ إيران في الخليج والتسليم لها بذلك دون ضمانات لأمن دول مجلس التعاون الخليجي.

وقد ادعى البعض أنَّ دول الخليج أصيبت بـ”هلع” من وقع التقارب الإيراني الأميركي أو المصالحة المحتملة بينهما.(6)

وبوجه عام، ثمة وجهتا نظر في هذا الصدد:

 فهناك فريق من النخبة الخليجية يرى أن التقارب الإيراني-الأميركي من شأنه أن يعزز الأمن والاستقرار في المنطقة بعد عقود من التوترات والحروب التي شهدتها خلال العقود الماضية. وحسب هذا الفريق، فإن استجابة إيران للمطالبات الدولية بإخضاع برنامجها النووي للمراقبة والتفتيش يزيل أحد أكبر بواعث القلق المتأتية من إيران التي تمتلك واحدة من أكبر الترسانات العسكرية في المنطقة، كما أن رفع العقوبات الاقتصادية الدولية عن إيران سيعزز من التعاون الاقتصادي مع دول الخليج في كافة المجالات؛ مما سيعود بالنفع على الجميع.

ويرى المتفائلون من التقارب الإيراني-الأميركي أن الولايات المتحدة لن تتخلى في إطار تفاهماتها الجديدة مع إيران عن حلفائها الخليجيين الاستراتيجيين.

وفي المقابل، يبدي فريق آخر قلقه وانزعاجه من التقارب الإيراني-الأميركي الذي لابد وأن يتم من خلال صفقة تحصل فيها إيران على نفوذ واسع في منطقة الخليج مقابل إخضاع برنامجها النووي للمراقبة الدولية.

ويشير هؤلاء إلى أن التفاهمات الإيرانية-الأميركية تركزت -حتى الآن فقط- على الملف النووي وأمن إسرائيل، دون الالتفات إلى ملف أمن الدول الخليجية واحتمالات التدخلات الإيرانية مستقبلًا حيث من الممكن أن تخلو لها الساحة بعد انحسار النفوذ الأميركي في المنطقة.

ومبعث القلق عند هذا الفريق يتأتى من أن إيران استطاعت أن تبسط نفوذها المباشر وبقوة في المنطقة امتدادًا من أفغانستان شرقًا إلى سورية غربًا خلال السنوات العشر الماضية في أوج أزمتها مع عدوها الولايات المتحدة الأميركية، فكيف سيكون عليه الأمر بالنسبة لطموحات إيران في الهيمنة والتوسع إذا ما فرضت التفاهمات الجديدة بين فرقاء الأمس قواعد جديدة من العلاقات تنتزع منها إيران مكاسب كبرى وبرعاية أميركية هذه المرَّة؟

وواقع الحال، أن ثمة عوامل موضوعية تعزز -وتفسر في الوقت ذاته- القلق الخليجي من هذا التقارب، أهمها:

– عدم قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على الاعتماد -لأجل غير مسمى- على الدور الأميركي الموازن لإيران في أمن الخليج، لاسيما في ضوء عدّة حسابات، منها تراجع أولوية الخليج والشرق الأوسط عمومًا في الاستراتيجية الأميركية لصالح المحيط الباسيفيكي كما كشفت عن ذلك وثيقة الأمن القومي الأميركي للعام 2012.(7)

كما تعزز ذلك بالنهج الحالي لإدارة الرئيس الأميركي أوباما بشأن السلاح الكيماوي في الأزمة السورية، ومن قبله موقف واشنطن من النظم الحليفة لها إبان ثورات الربيع العربي.

بالإضافة إلى احتمالات تراجع مكانة النفط الخليجي -وإن على المدى الطويل- بالنظر لثورة النفط والغاز الصخريين في الولايات المتحدة الأميركية.(8)

غياب الموازن الإقليمي التقليدي لإيران، ونعني بذلك العراق، سواء على صعيد القدرات التقليدية أو فوق التقليدية أو النووية؛ حيث صادقت بغداد مؤخرًا على معاهدة الحظر الكامل للتجارب النووية؛ ما يعني انفراد نووي إيراني في الخليج، واستقطاب ثنائي في الشرق الأوسط مع إسرائيل. (9)

وهو ما يعني أيضًا عدم وجود أي موازن نووي عربي في المنطقة بما يمثل انكشافًا بالغ الخطورة للأمن القومي العربي، وبالضرورة للأمن الفردي والجماعي لدول مجلس التعاون الخليجي.

وهذا مؤشر على احتمالات تقديم تنازلات أميركية على حساب المنطقة، لاسيما وأن التسوية التي تنعقد بين متعاديين متصارعين لا تتم أو تستقر إلا حين يتوفر لها قدر معقول من التنازلات المتبادلة القائمة على توازن مماثل من القوى؛ ما يدل على أن هذه التسوية حال تمت ستكون في صالح إيران وانفرادها بالنفوذ في المنطقة.

خيارات دول الخليج الأمنية في ضوء التقارب الإيراني-الأميركي

ثمة خيارات عدّة متاحة أمام دول مجلس التعاون الخليجي للتعامل مع التداعيات المحتملة للتقارب بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، بما يحفظ أمن واستقرار المنطقة، ويعزز المصالح العليا لدول المجلس، فرادى ومجتمعة، وتتمثل هذه الخيارات في الآتي:

– تكريس القوة الذاتية من خلال تسريع خطوات إنشاء الاتحاد الخليجي بكافة مستوياته السياسية والعسكرية والأمنية.

– تعزيز المظلة العربية للأمن الخليجي؛ وذلك نظرًا للارتباط العضوي بين أمن الخليج والأمن العربي من جهة، وأمن الشرق الأوسط من جهة أخرى، حيث سيكون من المتوقع أن تتشاور الولايات المتحدة الأميركية مع القوى الإقليمية المؤثرة في المنطقة قبل أية ترتيبات أمنية مستقبلية في منطقة الخليج، وذلك لاستشفاف رؤى هذه القوى عند صياغة نظام أمني جديد مع إشراكها لهذه القوى بدرجات متفاوتة في هذا النظام الوليد، ويأتي في مقدمة هذه القوى: مصر، بالإضافة إلى تركيا، وإسرائيل.

وفي تقديرنا أن مصر لم تُصدر أية ردود أفعال -حتى الآن- بشأن التقارب الأميركي-الإيراني، ليس انشغالاً بأوضاعها الداخلية فحسب -رغم أهمية هذا الأمر- بل تريثًا لتلمس ملامح هذا التقارب الذي ما زال في مرحلة المحادثات وبناء الثقة والذي لم ينتقل بعد إلى مرحلة المفاوضات ووضع الملفات الخلافية العالقة على طاولة النقاش، وفي مقدمة هذه الملفات مسألة مستقبل الأمن في الخليج.

– كما يجدر بدول الخليج التمهيد لبناء شراكات -إن لم تكن تحالفات- مع قوى دولية كبرى كروسيا والصين وربما الهند لاسيما على الصعيدين الأمني والعسكري، بحيث تكون هذه الشراكات أو التحالفات رديفًا، على الأقل في المدى المنظور، لعلاقات التحالف القائمة حاليًا بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية؛ إذ يمكن استثمار هذه الشراكات الرديفة كأداة ضغط -عند الضرورة- على الحليف الاستراتيجي الرئيس لضمان المصالح الحيوية والدفاع عنها.

وتقدم تركيا أنموذجًا ذا دلالة في هذا الإطار؛ حيث أعلنت مؤخرًا عن تدشين صفقة عسكرية لوجستية مع الصين لتصنيع الطائرات بدون طيار؛ وذلك على الرغم من علاقاتها الاستراتيجية والأمنية القوية مع واشنطن، وكونها عضوًا رئيسًا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية.(10)

وفي كل الأحوال، يتعين أن يكون التعامل الخليجي مع إيران وفق منظور “السياسة الواقعية” الذي يميز بين قضايا الخلاف وتقاطع المصالح؛ ومن ثم ينظر لطهران على أنها “حليف استراتيجي ضمن شروط موضوعية.”

خاتمة

في ضوء ما سبق يمكن أن نخلص إلى الآتي:

إن الآثار السلبية للتقارب الإيراني-الأميركي ليست مطلقة، وذلك بالنظر إلى عدة اعتبارات:

كون العلاقات الخليجية- الأميركية تظل استراتيجية وعميقة، ولعدم استعداد الولايات المتحدة الأميركية السماح لإيران بالانفراد بأمن المنطقة بسبب وجود مصالح حيوية ثابتة لواشنطن في المنطقة.

ومن ثم، ربما يكون الأوفق استنتاج سعي الاستراتيجية الأميركية الجديدة تجاه إيران إلى الانتقال من الصدام إلى التقارب المتوازن، والوصول إلى مواقف متقاربة معها بشأن الملفات الإقليمية التي لا تزال عالقة ومتداخلة حتى الآن، مع عدم التفريط في أمن الحلفاء الاستراتيجيين لواشنطن في المنطقة، وبخاصة صون الأمن الإقليمي للخليج وضمان عدم زعزعة استقراره.

– يبدو في ضوء المعطيات والمؤشرات الراهنة أن المصالحة الإيرانية-الأميركية المتوقعة لن تكون آنية ولن تتم  بين عشية وضحاها؛ فالعجلة تحركت فقط وتحتاج لوقت ليس بالقصير لكي تدور.

كما أن هذه المصالحة المتوقعة في الأجل الطويل ستكون رهنًا بعدة محددات، أبرزها: الضغوط الإسرائيلية، وضغوط الداخل الإيراني والأميركي على حد سواء.

– يتعين النظر لهذا التقارب مليًا من منظور حساب الفوائد والخسائر الاستراتيجية، بل يمكن استثماره في تعزيز العلاقات الإيجابية مع طهران.

وبالتالي، تقتضي مقاربة السياسة الواقعية من دول الخليج النظر إلى أن المصالحة مع إيران هي مصلحة للجميع، وأن التقارب مع الغرب يأتي في إطار نهج جديد وليس صفقات.

فإذا أسفر التقارب عن توفير ظروف مواتية لسياسة إيرانية لا تصطدم مع دول مجلس التعاون، سيقود ذلك إلى خطوات إيجابية لسلوك إيراني جديد في الخليج والشرق الأوسط يرضي دول الخليج وقد يؤدي إلى حل الصراع في الشرق الأوسط.

وهنا لابد من رسم “خارطة طريق لسلام إقليمي بمشاركة ثلاثية تشمل: دول الخليج وإيران والولايات المتحدة.”

___________________________________

* محمد بدري عيد، باحث مختص بالشأن الخليجي.

الهوامش

1. إيمان رجب: “هل يُنهي الانخراط البنّاء القطيعة بين طهران وواشنطن؟”، المركز الإقليمي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية، القاهرة، 25 سبتمبر/أيلول 2013.

2. انظر في ذلك خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما أمام البرلمان التركي في 6 إبريل/نيسان 2009، صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية، 7 إبريل/نيسان 2009.

3. انظر تصريحات الوزير السعودي خلال مؤتمر صحفي مع وزيرة الخارجية الإيطالية إيما بونينو عقب ندوة العلاقات السعودية-الإيطالية في الرياض، صحيفة “عكاظ” السعودية، 3 أكتوبر/تشرين الأول 2013.

4. صحيفة “الحياة” اللندنية، 1 أكتوبر/تشرين الأول 2013.

5. صحيفة “الرأي” الكويتية، 1 أكتوبر/تشرين الأول 2013.

6. جمال خاشقجي: “الشقيقة إيران والرئيس اللطيف روحاني”، صحيفة “الحياة” اللندنية، 29 سبتمبر/أيلول 2013.

7. Muath Al Wari, “The GCC and Iran: What kind of a deal?”, Gulf News, August 17, 2013.

http://gulfnews.com/opinions/columnists/the-gcc-and-iran-what-kind-of-a-deal-1.1221374

8. انظر في ذلك: د.جمال عبد الله: “ثورة الغاز الصخري وآثارها على اقتصادات دول الخليج”، (الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات، 3 أكتوبر/تشرين الأول 2013)، http://studies.aljazeera.net/reports/2013/10/2013104121342439871.htm

9. وكالة الأنباء الفرنسية “أ.ف.ب”، 27 سبتمبر/أيلول 2013.

10. لتفاصيل هذه الصفقة وبيان حيثيات الموقف التركي منها، انظر: وكالة الأنباء الفرنسية “أ.ف.ب”، 2 أكتوبر/تشرين الأول 2013، ووكالة الأنباء الألمانية “د.ب.أ”، 3 و4 أكتوبر/تشرين الأول 2013.

موازين متحركة: مضامين التقارب الإيراني-الغربي

 مركز الجزيرة للدراسات

ملخص:

تشهد علاقات إيران بالدول الغربية، سيما الولايات المتحدة، بوادر تحولات جوهرية؛ فخلال شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول، بدأت إيران جولات جديدة للتفاوض حول ملفها النووي، اعتبرها مسؤولون إيرانيون وغربيون الأكثر جدية ومدعاة للتفاؤل منذ 2002. ثمة أسباب اقتصادية ومالية، وصعوبات تقنية تكتنف البرنامج النووي، دفعت إيران إلى إبداء الاستعداد لقبول الشروط الدولية. كما أن الولايات المتحدة تسعى إلى تجنب اللجوء لحل عسكري يمنع إيران من امتلاك القدرة النووية. ولا يُستبعد، في حال توصل الطرفين إلى حل نهائي ودائم لأزمة الملف النووي، أن ينعكس التحسن في العلاقات الإيرانية-الغربية على خارطة التوازنات الإقليمية، سيما في ظل الخلافات الإقليمية حول مصر، وتفاقم الأزمة السورية.

بين بداية الأسبوع الأخير من سبتمبر/أيلول  وبداية الأسبوع الثالث من أكتوبر/تشرين الأول من 2013، بدا كأن علاقات إيران بالعالم الغربي تشهد متغيرات دراماتيكية متلاحقة. في 16 أكتوبر/تشرين الأول، خرجت المسؤولة الأوروبية عن السياسة الخارجية، كاترين آشتون، لتشيد بيومين من المباحثات في مدينة جنيف بين مندوبي الدول الأعضاء الخمس الدائمة بمجلس الأمن، إضافة لألمانيا، مع وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، واصفة إياها بـ “الجوهرية والمحفزة للتقدم”. ظريف، من جهته، قال: إن المباحثات “تفتح أفقًا جديدًا للعلاقات بين إيران والدول الغربية”. وبالرغم من أن آشتون وظريف تحدثا بصورة منفردة، ولم يعقدا مؤتمرًا صحافيًا مشتركًا، فإن اللغة التي استخدماها غير مسبوقة في تاريخ الملف النووي الإيراني، منذ وضعه على جدول الأعمال الدولية في 2002.

بيد أن البداية لم تكن في جنيف، بل في نيويورك، مقر الأمم المتحدة؛ حيث ألقى كل من الرئيس الأميركي باراك أوباما، والرئيس الإيراني حسن روحاني، خطابًا أمام الاجتماع السنوي للأمم المتحدة في 24 سبتمبر/أيلول. كان خطاب روحاني بداية لجدول مزدحم من اللقاءات الرسمية والإعلامية، مطلقًا حملة تصالحية مع الغرب، والولايات المتحدة بصورة خاصة. وبالرغم من أن خطاب أوباما تقاسمه الحذر والتفاؤل بخصوص حل للملف النووي الإيراني، إلا أن الجانب الأميركي لم يُخفِ سعيه لإظهار مقاربة جديدة للتعامل مع إيران. وبعد أن فشلت ترتيبات المصافحة بين الرئيسين في كواليس الأمم المتحدة، هاتف أوباما روحاني في خطوة غير مسبوقة في علاقات البلدين منذ 1979.

فهل يمضي الملف النووي الإيراني نحو حل تفاوضي سريع هذه المرة؟ وإلى أي حد سيؤثر حل هذا الملف على توازن القوى الإقليمي في المشرق؟

الملف النووي: شروط التسوية

لم يكن خافيًا عند فوز روحاني في انتخابات الرئاسة أن إيران تحتاج شخصية مثله رئيسًا في هذه المرحلة؛ حيث كانت إيران تسعى إلى بداية جديدة في علاقاتها الدولية، سيما بعد تضرر اقتصادها ضررًا بالغًا نتيجة سلسلة العقوبات الأممية، والأورو-أميركية. خلال العام الماضي، انخفض إنتاج النفط الإيراني بمقدار النصف، وانكمش اقتصاد البلاد بأكثر من خمسة بالمائة. وبالرغم من قوة النظام، وقدرته الأمنية الفائقة على مواجهة أي تحرك معارض داخلي، فإن مزيدًا من التدهور الاقتصادي ينذر بالتحاق شرائح اجتماعية جديدة إلى معسكر المعارضة.

من جهة أخرى، ثمة تقارير متضافرة تشير إلى أن البرنامج النووي الإيراني يواجه صعوبات جدية، لاسيما فيما يتعلق ببلوغ عتبة القدرة على صناعة قنبلة نووية. لكن في المقابل، تفسر عدة تحليلات اختيار إيران هذه اللحظة لقبول التقارب مع الغرب بحصولها على مكاسب صلبة في المشروع النووي تجعلها قادرة مؤقتا على أخذ ما يشبه “استراحة محارب”، ومن ثمَّ الإلتفات إلى وضع اقتصادي محفوف بالمخاطر، بحيث بات يشكل خطرا على تماسك النظام وشرعيته الداخلية.

هذا ما فرض على إيران تبني سياسة تفاوضية جديدة مع القوى الغربية للتوصل إلى حل للملف النووي، وإلى رفع للعقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة عليها.

ولكن إيران لم تكن وحدها من يريد الصفقة التفاوضية. الولايات المتحدة، من ناحيتها، تحاول تخليص نفسها من الشرق الأوسط، بصورة تحفظ مصالحها، ومصالح حلفائها، الضرورية. فنظرًا لتغيير أولوياتها العالمية، تعمل إدارة أوباما على تجنب أي تورط كبير في الشرق الأوسط، بما في ذلك نزاع مسلح مع إيران. تقوم السياسة الأميركية أصلاً على منع أية قوة إقليمية منفردة من السيطرة على الشرق الأوسط؛ وضمن هذا التصور، ليس من مصلحة واشنطن أن تتعرض إيران لانهيار اقتصادي، أو أن تتعرض لضربة عسكرية شاملة، تصيبها بالشلل. ولكن إدارة أوباما لا تستطيع التسامح مع طموحات إيران النووية في الوقت نفسه؛ ليس لأن مقدرات إيران النووية يمكن أن تهدد أمن أميركا أو مصالحها، بل لما ستؤدي إليه إيران نووية من فوضى نووية في الشرق الأوسط. بكلمة أخرى، تتلخص السياسة الأميركية تجاه إيران في ضرورة وضع حد لبرنامجها النووي، مقابل تطبيع سياسي واقتصادي، ضمن توازن قوى تعددي في الشرق الأوسط.

التقاء الرغبة الإيرانية في بداية جديدة من أجل الإنعاش الاقتصادي، والرغبة الأميركية في تجنب خيار الحرب، هو ما صنع المناخ التفاؤلي الذي أخذ يحيط مسألة الملف النووي منذ سبتمبر/أيلول 2013؛ وهذا ما جعل خطاب أوباما في الجمعية العامة حذرًا وترحيبيًا معًا. أشاد الرئيس الأميركي بالإشارات الإيجابية الصادرة من إيران، ولكنه طالب بأن تصاحب الأفعال الأقوال، مبديًا بعض الشك في جدية الإشارات الإيرانية. وفي حديثه لما يراه سياسة ناجعة، ذكّر أوباما مستمعيه بأن صفقة نزع السلاح الكيماوي السوري لم تكن ممكنة بدون التهديد الفعلي باستخدام القوة.

تجنب روحاني في 24 سبتمبر/أيلول مشهد مصافحة أوباما، الذي يمكن أن يصيبه بمتاعب في إيران، أكثر مما يجلب من مصالح. ولكن المؤكد أنه سرعان ما حصل على موافقة المرشد الأعلى، آية الله خامنئي، على التحدث تليفونيًا، بعد أيام قليلة، مع الرئيس الأميركي. وفي الأيام القليلة التي قضاها في نيويورك، أجرى الرئيس الإيراني كل ما تطلبته حملة علاقات عامة لتقديم إيران في صورة جذابة، ليس فقط عن الصورة التي ارتبطت بسلفه أحمدي نجاد، بل أيضًا عن الصورة النمطية للجمهورية الإسلامية. أدان روحاني الهولوكوست، تحدث عن مكانة أميركا في قلب الشعب الإيراني، وتعهد بعدم امتلاك إيران للسلاح النووي. ولكن الأهم، كانت الاتصالات غير المعلنة بين الجانبين الأميركي والإيراني، التي جرت على هامش اجتماع الجمعية العامة، والتي أكدها وزير الخارجية الأميركي.

من وجهة النظر الغربية، فإن مباحثات جنيف، هي الامتحان الحقيقي للسلطة الإيرانية الجديدة لمعرفة إن كانت ستتخذ موقفًا مختلفًا عن جلسات المفاوضات السابقة، التي أجريت خلال السنوات القليلة الماضية. ولكن ما رشح من المفاوضات كان قليلاً، بالرغم من التصريحات الباعثة على التفاؤل من الجانبين. ضمن ما سُرّب من الجلسات المغلقة، أن المفاوضات بدأت بكلمة لوزير الخارجية الإيراني تحت عنوان “إغلاق أزمة غير ضرورية: فتح آفاق جديدة”. وطبقًا لمسؤولين غربيين، فإن كلمة ظريف تضمنت تصورًا للحل، يشمل إجراءات بناء ثقة، تُنجَز من الطرفين، خلال ستة شهور، تنتهي باتفاق شامل، يؤكد على حق إيران في مواصلة برنامج نووي لأهداف سلمية، في مقابل سماح إيران لنظام مراقبة دولي صارم، وإقرارها بما يُعرف بـ “البروتوكول الإضافي”، الذي يمنح المراقبين حق زيارة أية مواقع يشتبه بوجود نشاطات نووية فيها، وليس فقط تلك التي تعلن عنها إيران.

في نهاية جولة التفاوض، اتفق الطرفان على أن تُعقد الجولة التالية في 7 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل 2013، على أن تجري لقاءات على مستوى الخبراء، سواء خبراء النشاط النووي أو خبراء العقوبات، قبل ذلك.

لم يحدث من قبل أن تحدث مسؤولون إيرانيون وغربيون بهذه الدرجة من التفاؤل؛ ولكن النتائج ليست مضمونة. ما تقوله أوساط أميركية أن المطلوب من إيران يشمل السماح بتخصيب اليورانيوم عند 5 بالمائة فقط، والقبول برقابة دولية طبقًا للبروتوكول الإضافي، وإغلاق مركز فوردو، الذي يعتبر عماد التطوير في البرنامج الإيراني، والتخلي نهائيًا عن جهود فصل البلاتينيوم. في المقابل، ستبادر الدول الغربية إلى رفع حثيث، وتدريجي للعقوبات. هل يمكن أن تقبل إيران بهذه الصفقة؟ ليس من السهل الإجابة، ولكن المؤكد أنه سواء داخل إيران، أو في الولايات المتحدة، أو في الإقليم المشرقي ككل، هناك قوى مؤثرة لا تريد تسوية تفاوضية للملف النووي الإيراني.

آثار جيو-سياسية محتملة

طوال السنوات الماضية، حاولت إيران الربط بين المفاوضات على البرنامج النووي ومصالحها والوضع الإقليمي، أو ما سُمي بالصفقة الكبرى. وما يقال حتى الآن أن إدارة أوباما رفضت الربط بين النووي والإقليمي. ولكن لا يمكن استبعاد أن يترك اتفاق على البرنامج النووي أثرًا مباشرًا على الوضع الإقليمي؛ ليس فقط لأن إيران جزء لا يتجزأ من عدد واسع من مسائل الجوار المشرقي، ولكن أيضًا لرغبة إدارة أوباما في تحقيق إنجازات تفاوضية في المنطقة، بما في ذلك أفغانستان، سورية، لبنان، ومسار التفاوض الفلسطيني-الإسرائيلي. بيد أن ما لا ينبغي تجاهله أن المشرق العربي-الإسلامي أخذ يشهد بالفعل تفاعلات جيو-سياسية أولية، ولَّدتها أجواء التفاؤل المحيطة بالملف النووي، ويبدو أن السعودية والأردن والإمارات ستكون أول من يتأثر بها.

تشكّل السعودية والإمارات والأردن كتلة سياسية فعالة في المشرق العربي-الإسلامي. قبل سنوات قليلة، لم تكن الدول الثلاث مرشحة لتشكيل مثل هذه الكتلة؛ ولكن التحولات المصاحبة لحركة الثورة العربية في 2011 صنعت تقاربًا بين الدول الثلاث، ولَّدته المخاوف من موجة التغيير التي اجتاحت عددًا من الدول العربية، بما في ذلك الأردن والمغرب، وصعود التيار الإسلامي السياسي في الدول التي مرت بعملية التغيير. وتجمع الدول الثلاثة بين الوفرة المالية والخبرة الأمنية والنفوذ السياسي، وقد تعاونت معًا في مجريات الثورة الليبية وتعقيداتها التالية على سقوط نظام القذافي، وكادت أن تنجح في إيصال مرشحها المفضل لرئاسة الحكومة الليبية. كما عملت، بدرجات متفاوتة، مع قطر وتركيا على دعم الثوار السوريين، بعد أن وصلت في ربيع 2012 إلى قناعة بضرورة إسقاط نظام الأسد. خلال الشهور القليلة الماضية، ساندت الدول الثلاث بعملية إسقاط الرئيس محمد مرسي في مصر، وأعلن مسؤول كبير في الإمارات عن العمل لتغيير النظام في تونس.

عندما اندلعت حركة الثورة العربية في 2011، لم تكن الدول الثلاث جميعها في وضع سياسي أو جيو-سياسي سيء. الأردن وحده شهد حركة مطلبية شعبية للإصلاح، كما أن حركات التغيير والثورة العربية، من تونس وليبيا إلى مصر واليمن، لم تحمل أي عداء خاص نحو أي من الدول العربية الأخرى، سيما دول الخليج، ولكن ذلك لم يحرر الدول الثلاث من الخوف من فكرة التغيير، الخوف من الفكرة الديمقراطية، والخوف من التيار الإسلامي السياسي، فاندفعت الدول الثلاث إلى التقارب، ومن ثم إلى تشكيل محور سياسي، نشط وفعال. توحي النظرة السريعة للخارطة العربية السياسية بأن الكتلة الثلاثية حققت عددًا من الانتصارات المتتالية، وأنها تعمل على رسم هذه الخارطة على صورتها، ولكن المقاربة الأميركية الجديدة للشرق الأوسط، والخلافات الإقليمية حول مصر، ومحاولة إيران الخروج من براثن الحصار الدولي، توشك أن تعيد رسم الخارطة من جديد.

بنت الدول الثلاث مقاربتها للمسألة السورية على أساس من مشاركة قطرية-تركية وثيقة، وتصاعد الانخراط الغربي، والأميركي، بصورة خاصة. وقد أوشك الانخراط الغربي-الأميركي أن يتحقق بالفعل عندما تورط النظام السوري في استخدام السلاح الكيماوي في ريف دمشق في أغسطس/آب الماضي، فأعلنت بريطانيا وفرنسا، ومن ثم الولايات المتحدة، عزمها معاقبة النظام. للحظة، بدا أن دول الكتلة الثلاثية، بنفوذها القوي في مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين، والمساندة الإسرائيلية المعلنة، باتت قاب قوسين أو أدنى من إحداث تغير كبير في موازين القوى على الأرض السورية بقوة الضربة الأميركية المرتقبة.

قللت دول الكتلة الثلاثية من أهمية الانسحاب الأميركي الملموس من المشرق، والمستمر بلا تردد منذ بداية ولاية أوباما الأولى، ولا استماتة واشنطن في تجنب التورط في الأزمة السورية منذ أيامها الأولى، ولا توكيد واشنطن على أن الضربة المخططة للنظام السوري، إن وقعت، ستكون محدودة وقصيرة إلى حد كبير. ولذا، ما إن قررت إدارة أوباما الذهاب للخيار التفاوضي، على أساس من تجريد نظام دمشق من ترسانة سلاحه الكيماوي، حتى أصيبت دول الكتلة الثلاثية بخيبة أمل كبيرة. المشكلة كانت في تصور دول الكتلة الثلاثية المبالغ فيه لطبيعة علاقتها بالولايات المتحدة، وإمكانية الضغط عليها، أو استخدامها لخدمة مصالحها الإقليمية، حتى عندما لا ترى واشنطن أن ثمة مصلحة لها.

تمامًا، كما أن دول الكتلة الثلاثية، إضافة إلى الدولة العبرية، قللت من سعي إدارة أوباما الحثيث إلى تجنب خوض حرب مع إيران، وبحثها الدائم عن تسوية تفاوضية للملف النووي الإيراني. منذ بداية العقد الأول لهذا القرن، اعتبرت دول الكتلة الثلاثية إيران مصدر التهديد الرئيس، بعد أن أفادت إيران من فراغ القوة الذي أحدثته سياسة الحرب قصيرة النظر التي تبنتها إدارة بوش الابن. وحتى قبل تفاقم الأزمة اللبنانية الداخلية، واندلاع الثورة السورية، وتحولها إلى أزمة إقليمية ودولية، كان النفوذ الإيراني المتزايد في العراق يشكّل مصدر قلق كبيرًا لدول الخليج العربية، سيما السعودية. فنفوذ إيراني متصل، من البصرة إلى ساحل المتوسط، سيتيح لطهران التحكم في كل الحزام الشمالي للجزيرة العربية.

لم تزل المفاوضات الإيرانية-الغربية في بدايتها، بالطبع، ولكن انتهاء هذه المفاوضات إلى تسوية دائمة، يعني نهاية آمال خصوم إيران الإقليميين في ضربة أميركية تضعفها عسكريًا وسياسيًا. كما ستؤكد تسوية الملف النووي على أن لا إسرائيل بنيامين نتنياهو، ولا دول الكتلة الثلاثية، وهي الجهات التي ترفض نهج إدارة أوباما التفاوضي، تستطيع لعب دور معطل فعلي في هذا المسار، بل إن افتراق مصالح دول الكتلة الثلاثية والولايات المتحدة في الموقف من إيران، ليس مرتبطًا بتوصل واشنطن وطهران إلى اتفاق؛ إذ أصبح من الواضح أن أي فشل في التوصل إلى حل تفاوضي، يتعلق فقط بعجز إحداهما، أو كلتيهما، عن التضحية ببعض شروطهما المسبقة.

من جهة أخرى تشكل توجه عربي خليجي خلال السنوات القليلة الماضية للتقارب مع تركيا، وإفساح المجال لتوازن قوى إقليمي جديد، تلعب تركيا فيه دور الموازن الاقليمي لإيران. اليوم، وبعد أن تسببت سياسة دول الكتلة الثلاثية في دول الثورة العربية في خلق فجوة ثقة عميقة مع أنقرة، تبدو تركيا أقرب إلى إعادة النظر في سياستها الإقليمية، منها إلى الاستجابة لمتطلبات العلاقة مع دول الكتلة الثلاثية. إن وقع تقارب تركي-إيراني، فستقف دول الخليج منفردة في مواجهة الضغوط الإيرانية، وتعقيدات العراق وسورية ولبنان، وقد فاقمتها سياسات أوباما.

نتائج

تمر أزمة الملف النووي الإيراني بلحظة حاسمة يمكن أن تنتهي فعلاً إلى اتفاق تفاوضي، تقبل إيران على أساسه بعدد من الإجراءات التي تمنعها من تخصيب اليورانيوم بدرجة 20 بالمائة أو أعلى، وتفتح مؤسساتها النووية لرقابة دولية صارمة. إن لم تستطع إيران القبول بالشروط التي تطلبها مجموعة الدول الغربية، وطرحت تصورًا للحل لا يصل إلى ما تطالب به الدول الغربية، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، ستقف الأزمة من جديد أمام عدد من الاحتمالات السيئة، بما في ذلك التصعيد العسكري. ولكن التوصل إلى اتفاق نهائي، سيكون مقدمة لتحسن تدريجي في علاقات إيران الغربية.

ليس ثمة مؤشر حتى الآن إلى أن الولايات المتحدة قبلت بالتفاوض حول “صفقة كبرى”، أي التفاوض حول الملف النووي ومجمل الوضع الإقليمي في الخليج والشرق الأوسط؛ وهو الأمر الذي كانت إيران تطرحه منذ بدأت أزمة الملف النووي قبل سنوات. ولكن حل أزمة الملف النووي، يعني بالضرورة أن تتحرك إيران والولايات المتحدة للحديث حول عدد من الملفات الأخرى، بما في ذلك العراق، ولبنان، وسورية، وفلسطين، والخليج. مثل هذا الاحتمال يثير قلقًا بالغًا في دول الجوار، خصوصًا السعودية وحليفاتها العربيات؛ لاسيما أن هذا التطور يواكب إخفاق المراهنة على توجيه ضربة أميركية لنظام الأسد، وتفاقم الخلافات الإقليمية حول الوضع المصري، واحتمال تفكك التحالفات الإقليمية في سورية، وتباين مواقف القوى الإقليمية من إيران.

أوروبيون قلقون يطمئنون دولاً إقليمية التقارب الأميركي – الإيراني سابق لأوانه؟/ روزانا بومنصف

تفيد معلومات ديبلوماسية ان الدول الغربية حاولت طمأنة الدول الاقليمية قبيل اجتماع اصدقاء سوريا في لندن يوم الثلثاء الماضي الى عدم وجوب ان يتملكها الذعر تبعا للاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا حول نزع الاسلحة الكيميائية لدى النظام السوري كما خلال الاجتماع وفي البيان الختامي وترك الازمة السورية مستمرة . وبحسب هذه المعلومات فان الدول الغربية المعنية ابلغت الدول الاقليمية انها تدرك جيدا المخاوف التي تساور هذه الدول من اتفاق مجتزأ مماثل يتم على الملف النووي الايراني دون سواه من الملفات المقلقة لدول المنطقة من محاولات التوسع الايراني كما ابلغتها ادراكها ان ايران قد تكون تسعى الى المناورة من اجل رفع العقوبات وانها متيقظة لاحتمالات المراوغة الايرانية على رغم ان ما نقل عن اجتماع الدول الخمس الكبرى مع ايران في جنيف قبل اسبوعين افاد ان هناك جدية غير مسبوقة من جانب ايران . الا ان السؤال الاساسي بالنسبة الى مصادر ديبلوماسية معنية يكمن في ما اذا كان الكلام الغربي ساهم او يساهم في طمأنة دول المنطقة او انه لن يتعدى اطار الطمأنة اللفظية نظرا الى ان الاولويات التي اختلفت بين الادارة الاميركية ودول المنطقة والتي قد يكون صعبا على ادارة الرئيس باراك اوباما اظهار قدرتها على متابعة اولوياتها ومراعاة اولويات حلفائها في المنطقة بعدما ادت مسارعة هذه الادارة الى تنفيذ نزع الاسلحة الكيميائية لدى النظام السوري بعدما كانت تهدد اسرائيل بخربطة كل الاوراق كما بخربطة جدول الاعمال المشترك بينها وبين دول المنطقة . اذ ان هذه الطمأنة تشوبها ثغر اساسية من بينها تولي الدول الاوروبية في شكل اساسي هذا الدور وتفهمها لهواجس الدول العربية في الوقت الذي قد تكون الدول الاوروبية نفسها تحتاج الى طمأنة في المقابل بعد اهمالها في الاتفاق الاميركي الروسي . كما قد يكون من بين هذه الثغر ان ما يوكل الى وزير الخارجية جون كيري قد لا يعبر كليا او يترجم توجهات الادارة تماما لجهة تقديم عوامل الاطمئنان المناسبة علما ان العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والدول العربية ولا سيما المملكة السعودية عميقة جدا وقديمة . لكن المقاربة الاميركية يجب ان تكون مختلفة في ظل اهتزاز الثقة في ضوء الخطوة الاميركية من نزع السلاح الكيميائي لدى النظام السوري من جهة وعدم بروز عوامل طمأنة كافية لجهة الجدية في ايجاد حل سياسي في سوريا الى جانب الخربطة الاميركية في موضوع مصر التي اعلنت الادارة الاميركية تعليق المساعدات العسكرية لها على نحو مفاجىء بعد خطاب الرئيس الاميركي امام الجمعية العمومية للامم المتحدة الذي اظهر قبولا اميركيا بما جرى في مصر . ومع ان معنيين يضعون الخطوة الاميركية في اطار الصراع الداخلي بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي وحشرة اوباما في الداخل الاميركي اضافة الى الضغوط من مؤيديه في شأن المبادىء التي يقول انه يدافع عنها اضافة الى ان الخطوة غير مؤثرة فعلا على طبيعة المساعدات ، فانها تبقى خطوة سياسية رمزية تضع هذه الادارة على نقيض من حلفاء اساسيين لها في المنطقة كان لها معهم لبضعة اشهر خلت الاهداف نفسها والتطلعات نفسها في شأن الكثير مما يجري في المنطقة من سوريا الى ايران فمصر وسواهما ثم تغيرت الامور فجأة تبعا لتقديم الولايات المتحدة اولوياتها على كل الاولويات الاخرى .

و تخشى المصادر المعنية ان تكون اولويات الرئيس الاميركي تتركز في الملف الايراني على ما يماثل ما تم التوصل اليه في شأن الاسلحة الكيميائية للنظام السوري باعتبار ان اسرائيل تخشى من قدرة ايران على صنع قنبلة نووية ولا يتوقع ان يأتي الاتفاق النووي بين الدول الكبرى وايران في حال تم التوصل اليه بما لا يتوافق وطموحات اسرائيل وما يريحها تماما على ما حصل بالنسبة الى نزع الاسلحة الكيميائية السورية التي كانت تقلقها ليس من احتمال استخدامها من النظام بل لاحتمال وقوعها في ايدي تنظيمات اصولية ايضا في حين ان الوضع بات مريحا لها باعتبار ان النظام السوري لا يقلقها او يقض مضجعها .ولذلك ينبغي الالتفات الى ما ترغب فيه اسرائيل ايضا من ايران وما اذا كان ذلك يتعدى ملفها النووي فحسب نظرا الى قدرتها على التأثير في واشنطن فيما تعتبر اسرائيل ايران عدوها الاول راهنا .

وترى المصادر المعنية ان العودة الى جدول اعمال الرئيس الاميركي منذ بداية ولايته الاولى تفيد بانه يطمح الى انهاء ولايته الثانية بسحب القوات الاميركية من العراق وافغانستان وفق ما اعلن مع الوصول الى نزع الاسلحة الكيميائية لدى النظام السوري وايجاد حل للملف النووي الايراني . وهذه الملفات الخارجية مع بعض الانجازات الداخلية الاميركية ستكون ابرز ما يود ان يختم به اوباما عهده وفق ما بات مراقبون كثر يرون جنبا الى جنب مع المصادر الديبلوماسية المعنية . لكن في المقابل تقول هذه المصادر فان القول ان تقاربا اميركيا ايرانيا بات في حكم المفروغ منه سابق لاوانه واعطاه الاعلام بعدا استباقيا ليس دقيقا حتى الان . اذ ان المرحلة لا تزال لرصد النيات واختبارها ولم تتعد هذا الاطار على رغم الاجواء الايجابية بحيث لا يمكن الجزم فعلا بما اذا كانت المفاوضات التي انطلقت مجددا مع ايران ستنتهي الى نتائج ايجابية ام لا في مسار قد لا يكون سريعا بالمقدار الذي تم الايحاء به حتى الان .

النهار

سقوط “الخطوط الحُمْر” خطوة.. خطوة/ أسعد حيدر

“خط أحمر” ايراني واضح وثابت في الملف النووي الايراني، هو اعتراف مجموعة الخمسة زائد واحد بحقها بالتخصيب النووي. طبعاً، الولايات المتحدة الأميركية هي الأساس، لأنها هي “ملكة” العقوبات، وهي التي تملك “مفتاح” فك الأسر والإفقار. باقي الخطوط الحمراء، قابلة للتفاوض. سياسة الخطوة خطوة بدأت. لن تأخذ وقتاً طويلاً للتوصل الى اتفاق أو انفصال. طهران وواشنطن بحاجة للحل الذي ينتج بناء جسور الثقة. بعد ذلك مسار طويل. التطبيع الشامل مسألة تتعلق بالاستراتيجيات. واشنطن يهمها أن تصل الى هذه النتيجة، لأنها تساعدها في توضيح خطوط “خريطة الطريق” التي ستنفذها في العقدين القادمين على صعيد النظام الدولي وموقعها منه، في ظل الهيمنة الواسعة بهدف مشاركتها في القرار وليس إزاحتها في لعبة الشطرنج الأميركية الايرانية، لم يعد مطلوباً أن تنتهي المباراة “شاه مات”، وفوز أحد الفريقين. التعادل، أصبح هو النتيجة التي يسعى إليها الطرفان ضمناً. كل “الحركات” التي تلعبها كلٌّ من طهران وواشنطن تصب في هذه النتيجة. استبعاد واشنطن للحل العسكري، وخوف إيران منه، أنتج هذا المسار.

تشديد المفاوض الايراني، على أن نقل اليورانيوم المخصب الى خارج ايران، “خط أحمر”، هو في “المفاوضات بالنار” موقف لاستدراج عروض. لم يحدد المفاوض الايراني درجة الأورانيوم المخصب هل هو 3,5% وهو الحق الشرعي والمشروع بحسب الاتفاقات الدولية أم 20% أو أكثر. الباب مفتوح للتفاوض. عراقجي نائب وزير الخارجية قال “يمكننا مناقشة شكل وكمية ومستوى تخصيب الأورانيوم”. العرض واضح أيضاً.

طهران لم تعد مهتمة بالحصول على السلاح النووي ويبدو أن واشنطن أصبحت مقتنعة ضمناً بذلك. السبب ان إيران التفت على التخصيب عبر رفع عدد أجهزة الطرد المركزي الى 18 ألف جهاز منها ألف جهاز متطور جداً. هذا العدد يسمح لها بإنتاج كمية الأورانيوم المخصب بنسبة 90 في المئة الضرورية لإنتاج سلاح نووي في أقل من أربعة أسابيع.

إيران امتلكت المعرفة والقدرة على إنتاج السلاح النووي. لم يعد الحصول عليه ضرورياً خصوصاً وان تصنيعه وتخزينه مكلف جداً. كما ان امتلاكه كما يقول الخبراء الايرانيون، يعرض الأمن القومي الايراني للخلل. اسرائيل متقدمة في المخزون وفي وسائل القصف الحربية من طائرات وصواريخ. هذا عدا الولايات المتحدة الأميركية وجبروتها النووي.

المعادلة أصبحت واضحة أيضاً لدى الطرفين الأميركي والايراني وهي “ان أعينهم ستكون مفتوحة”، علماً أن “النافذة الديبلوماسية فتحت وهي كما يقول جون كيري تزداد انفتاحاً”. اللقاء الثاني الرسمي بين كيري وظريف لن يكون لقاء روتينيا. الخبراء سيبحثون، وهما سيرسمان وجهة المسار الجديد. الخبراء وهم على درجة عالية من الأهمية والتخصص في الوفد الأميركي أبرز الخبراء بالعقوبات موجود وهو يشكل “رسالة” دبلوماسية أميركية للايرانيين أن كل شيء قابل للبحث والتفاهم. طبعاً طهران تريد أن تكون البداية من ملف العقوبات، لأن واشنطن وضعت “السكين” على “وريدها” الاقتصادي وقالت لها “تفضلوا”. طهران بدورها تريد أن تكون المفاوضات شاملة حول “سلة” متكاملة تبدأ من أفغانستان وتنتهي في سوريا مروراً بالعراق. هذا البحث يعطي ايران ورقة ضغط تخفف عنها ضغوط العقوبات الاقتصادية. طهران ترى أنها في موقع قوة في أفغانستان التي تستعجل واشنطن الانسحاب منها وفي العراق وسوريا ولبنان وحتى في البحرين واليمن. في الاجتماع الثنائي كيري ظريف سيكون البحث في الملفات السياسية هو الأساس.

اسرائيل تبدو وكأنها قبلت عملية المفاوضات. كل التصريحات عن الضربة العسكرية لم تعد أكثر من صدى صوتي لحرب غير ممكنة أو رغبات وأمنيات لحرب غير مستحيلة. مجرد أن يقول بنيامين نتنياهو “يجب متابعة سياسة العقوبات لأنها أثبتت فعاليتها”، قبل 24 ساعة من اجتماع فيينا، يعني دعوة الى تشدد أميركي في هذا المجال. نجاح سياسة الخطوة خطوة، ينزع “اليد عن الزناد”، ويفتح الباب للتفاهمات الدولية.

واشنطن تملك معرفة عميقة بسياسة خطوة خطوة منذ تعاملت مع “التنين الأحمر”. مجرد أن قال دينغ همسياوينغ “ليس المهم أن يكون لون الهر أحمر أو أسود المهم أن يصطاد الفئران”، أصبح كل شيء واضحاً. في الوقت نفسه لكل انفتاح مساره الخاص والطويل. واشنطن لم تطلب لأنها لا تستطيع أن تحصل أصلاً على تخلي بكين عن الحزب الشيوعي وهي الآن لن تطلب من طهران التخلي عن الجمهورية الاسلامية.

النجاح يولد الانفتاح والتطور. مجرد أن قال المرشد “بالليونة البطولية”، أصبح مفهوماً، أن طهران قادرة على تطوير موقفها، خصوصاً ان الخطوة الأولى كانت في اسقاط “خط أحمر” من الخطوط الكبيرة للثورة وهو صفة “الشيطان الأكبر” عن الولايات المتحدة الأميركية.

في مفاوضات استراتيجية وحساسة ودقيقة مثل الأميركية الايرانية، لن يحصل كل طرف على كل ما يريده، ولن يتنازل كلٌ منهما عن أكثر مما يمكنه. في نهاية المسار الجمهورية الاسلامية في إيران لن تتحالف مع الولايات المتحدة الأميركية، تماماً كما بكين الشيوعية وواشنطن، لكن أبواب التفاهمات عديدة وممكن أن تفتح على آفاق واسعة وعريضة خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط.

حتى تنتهي المفاوضات ويتم التوقيع، ستنتقل بؤر التفجير من مكان الى مكان، إما لتوجيه “رسائل” ميدانية أو لتثبيت “خطوط التماس” والتفاوض معها. سوريا، ستدفع المزيد من الخسائر والضحايا.

نهاية الحرب على الثورة في سوريا لم تكتب بعد.

المستقبل

هل تخاطر أميركا بحلفائها بتقاربها مع إيران؟/ رندة حيدر

هل يتخذ التقارب الأميركي مع ايران حجماً اوسع واشمل من تسوية الخلاف على المشروع النووي الإيراني ليشمل مواضيع اساسية اخرى في المنطقة؟ هذا هو السؤال الذي بدأ يُطرح في الاوساط الإسرائيلية الرسمية والعامة، مع تصاعد الحديث عن ان هذا التقارب قد يكون مقدمة لعودة الدور الإقليمي لإيران في المنطقة بدءاً من العراق وسوريا ولبنان.

شكّل الانفتاح الأميركي على طهران تحدياً أساسياً لنتنياهو الذي منذ توليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية للمرة الاولى عام 2009 لم يتوقف عن التحذير من خطورة حصول دول يحكمها رجال الدين على قدرات عسكرية نووية. ولطالما استغل المواقف المتشددة للرئيس الإيراني السابق محمود احمدي نجاد لاتهام النظام الإيراني بالعداء للسامية، والتحذير من ان حصول إيران على القنبلة النووية يشكل خطراً وجودياً على إسرائيل شبيهاً بخطر المحرقة النازية. وبالفعل نجح من خلال سياسة التهويل والتهديد في تجنيد المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة لفرض عقوبات اقتصادية على إيران، مع الاستمرار في التلويح بالهجوم العسكري على المنشآت النووية الإيرانية اذا لم توقف إيران مشروعها النووي.

اليوم يرى نتنياهو أن كل الجهود التي بذلها في السنوات السابقة على وشك ان تتبخر. فبعد تراجع خيار الهجوم العسكري على إيران، بات هدفه الاساسي اليوم اقناع الأميركيين بخطورة تخفيف العقوبات عن إيران قبل التوصل الى اتفاق نهائي معها. وفي رأيه إنه اذا استطاعت إيران التخلص من العقوبات من غير أن تتخلى عن مشروعها النووي، فان هذا يعني ان على إسرائيل الاستعداد منذ الآن للتعايش مع إيران نووية.

لكن المخاوف التي يوقظها التقارب الأميركي مع إيران لا تقتصر على الإسرائيليين بل تشمل عدداً من الدول العربية في المنطقة التي تخاف أن تأتي الصفقة مع إيران على حسابها. وهكذا وضع انفتاح إدارة أوباما على طهران العلاقات التاريخية الاستراتيجية للولايات المتحدة مع حلفائها في المنطقة على المحك. فالى اي حد هذه المخاوف محقة؟

ثمة مصلحة إسرائيلية في المبالغة في تصوير مخاطر التقارب الأميركي مع طهران على التحالفات الاستراتيجية للولايات المتحدة مع دول المنطقة وفي مقدمها إسرائيل. ومن المبكر الاستنتاج ان هذا التقارب يهدد التحالفات الاستراتيجية للولايات مع دول المنطقة والتي تعود الى سنوات طويلة وتستند الى مصالح عميقة الجذور. لكن المصلحة الأميركية في المحافظة على علاقاتها الجيدة مع حلفائها التقليديين في المنطقة لا تمنعها من التحاور مع خصومها التقليديين. اما اعتبار التقارب مع طهران يعزز دورها الاقليمي، فهو في حاجة الى وقت لاختبار مدى صحته.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى