صفحات الناس

مقالات تناولت “داعش”

 

 

حلب: قتال “داعش” مؤجّل حتى حسم النظام والمعارضة المعركة/ رامي سويد

تمكّنت قوات المعارضة السوريّة في حلب، من تحقيق تقدّم هام على جبهات القتال، شمال المدينة، حيث كانت قوات النظام تضع كل ثقلها في الأشهر الثلاثة الماضية بهدف التقدّم وفرض حصار على مناطق سيطرة المعارضة في مدينة حلب. ويأتي تقدم المعارضة الأخير، بعد إعلان أكبر فصائلها في حلب، اتحادها تحت اسم “الجبهة الشامية”.

وحشدت قوات النظام خلال الفترة الماضية، إمكانيات كبيرة بهدف تطبيق سيناريو حصار قوات المعارضة في أحياء مدينة حلب الشمالية والشرقية والجنوبية، حيث بسطت قوات المعارضة سيطرتها عليها منذ ما يناهز السنتين والنصف، وتحصنت فيها لتصدّ جميع محاولات قوات النظام الهادفة للسيطرة عليها خلال السنتين الماضيتين.

على هذا الأساس، لم تتوقّف قوات النظام في الأشهر الأخيرة، بعد فشل محاولاتها الرامية لاقتحام مناطق سيطرة قوات المعارضة السورية في مدينة حلب، عن الالتفاف على مناطق سيطرة المعارضة من خلال السيطرة على محيط مدينة حلب من الجهة الشرقية والشمالية، وصولاً إلى منطقة جمعية الزهراء، غربي مدينة حلب، والتي تُعدّ المنطقة الأكثر تحصيناً لقوات النظام السوري في حلب، بهدف فرض حصار على أحياء المدينة التي تسيطر عليها المعارضة.

ولم تتأخّر قوات النظام السوري في استغلال انشغال قوات المعارضة بقتال تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، لتحقيق التقدّم الذي أحرزته في محيط مدينة حلب، مدعومة بقصف جوي غير مسبوق منذ انطلاق المواجهات العسكرية في مدينة حلب، بهدف تكريس واقع ميداني تكون فيه جميع مناطق سيطرة قوات المعارضة في مدينة حلب تحت حصار قوات النظام. الأمر الذي ربّما يمهد بعد فترة إلى انسحاب قوات المعارضة من مدينة حلب واستعادة قوات النظام سيطرتها، في سيناريو مشابه لما جرى في مدينة حمص، منتصف العام الماضي، بعد اضطرار قوات المعارضة إلى توقيع اتفاق انسحاب من وسط مدينة حمص إثر حصار قوات النظام لها لما يقارب العامين.

لكن احتمالات تمكن قوات النظام من فرض حصار على مناطق سيطرة المعارضة السورية في حلب، باتت تتراجع في الأيام الأخيرة، في ظلّ تقدّم ميداني واضح، حققته قوات المعارضة السورية على جبهتي القتال في حندرات والملّاح شمالي مدينة حلب. وأجبرت قوات المعارضة، بعد هجوم معاكس شنّته في الأيام الأخيرة، قوات النظام السوري على الانسحاب من معظم المناطق الاستراتيجيّة، شمالي حلب، والتي تشكل خطراً على خطوط إمداد قوات المعارضة إلى المدينة، ويُرجح ذلك استعادة قوات المعارضة السورية لوضعها الميداني الممتاز في مدينة حلب وفي محيطها، في حال استمرت في التقدّم شمالي المدينة وتمكنت من إفشال مخططات قوات النظام الهادفة إلى حصار مناطق سيطرة المعارضة في حلب بشكل نهائي.

في غضون ذلك، لا تزال قوات تنظيم “داعش”، الذي يسيطر على معظم مناطق ريف حلب الشرقي وأجزاء من ريف حلب الشمالي، منشغلة بقتال قوات حماية الشعب الكرديّة في مدينة عين العرب، في ريف حلب الشرقي وفي قتال قوات النظام السوري في دير الزور وريف حمص الشرقي. ويضعف ذلك احتمالات قيام التنظيم بهجوم كبير في الأيام المقبلة على مناطق سيطرة النظام السوري في مدينة السفيرة ومطار كويرس العسكري ومعامل وزارة الدفاع في ريف حلب الشرقي، ما يعني أنّ قوات النظام السوري في حلب، ستواصل قتال فصائل المعارضة، من دون أن يشغلها أمر الدفاع عن مناطق سيطرتها، التي تقع على تماس مع مناطق سيطرة داعش في ريف حلب الشرقي.

ولا يبدو أنّ لـ “داعش” مصلحة في مهاجمة مناطق سيطرة قوات النظام في ريف حلب الشرقي في الفترة المقبلة، خصوصاً مع تصاعد الصدام المسلح بين قوات المعارضة وقوات النظام شمال حلب. ويعني ذلك بلا شكّ استنزاف الطرفين بشكل كبير، أو أحدهما على الأقل، الأمر الذي سيصب في مصلحة التنظيم بلا شك.

من ناحية أخرى، يبدو أن “داعش” سيكتفي بمواصلة المناوشات وعمليات القصف المتقطعة، التي يشنّها بين الحين والآخر على مناطق سيطرة المعارضة في ريف حلب الشمالي، من دون أن يتورّط في هجوم كبير على مناطق سيطرة المعارضة هناك، لأن ذلك سيؤدي بلا شكّ إلى خسائر كبيرة للتنظيم على المستوى العسكري في ظلّ الاستنفار الكبير لقوات المعارضة في هذه الفترة في حلب. كما سيؤدي إلى خسائر كبيرة للتنظيم على مستوى شعبيّته في الأوساط الجهاديّة في سورية، وخصوصاً إذا ما اعتبرت ان “داعش” يساعد النظام في الضغط على الفصائل الاسلامية الأخرى التي تقاتل قواته. ويُرجح ذلك كلّه مواصلة “داعش” حياده النسبي في حلب، إلى أن يحسم أحد طرفي النزاع المعركة لصالحه، ولو بشكل نسبي، في محيط مدينة حلب، علماً أنّ هذا الحياد، عند حسم الصراع، قد ينقلب ضدّه، إذ سيتفرّغ الطرف المنتصر لمواجهة “داعش” في مناطق سيطرته في ريف حلب الشرقي.

وفي حال تمكّنت قوات النظام من حصار فصائل المعارضة في حلب وأجبرتها بعد فترة على الاستسلام أو توقيع اتفاق انسحاب، فهي لن تتردد في مهاجمة مناطق سيطرة تنظيم “داعش” في ريف حلب الشرقي لأن التنظيم سيشكل في حال سيطرة قوات النظام على مدينة حلب خطراً على المدينة، الأمر الذي ستسعى قوات النظام لتلافيه بلا شك.

على الجانب الآخر، ستكون قوات المعارضة، هي الأخرى، مضطرة إلى مهاجمة مناطق سيطرة تنظيم “داعش” في ريف حلب الشرقي، في حال تمكّنت من اجبار قوات النظام على الانسحاب من سجن حلب المركزي والمدينة الصناعية، شمالي مدينة حلب، لحاجتها إلى السيطرة على مدينة الباب وريفها الجنوبي والشرقي، وهي مناطق خاضعة لسيطرة التنظيم حالياً. وتسعى قوات المعارضة للوصول إلى منطقة السفيرة، حيث تتمتع بتفوق ميداني، يخولها على غرار العام الماضي، مهاجمة خط إمداد قوات النظام الرئيسي إلى حلب، والذي يمر من منطقة معامل الدفاع قرب السفيرة. ويعني ذلك في حال تحققه، استعادة قوات المعارضة كل ما خسرته أمام قوات النظام السوري وقوات تنظيم “داعش” في العام الأخير.

ويبدو أن قوات المعارضة في مدينة حلب، باتت تخطط بشكل جدي لتحقيق ذلك، خصوصاً بعد اتحادها أخيراً لخوض معركة حندرات، أول من أمس، بمستوى تنسيق عال لم تتمتع به قوات المعارضة منذ وقت طويل، ومكّنها من استعادة السيطرة على مناطق استراتيجيّة وهامة شمالي حلب.

 

 

 

قصة داعشي وقع في حب “ميلاني” التي أوهمَته أنها ستنضم إلى صفوفهم

هو تحقيقٌ صادمٌ أجرَتْه الصحافية المستقلة آنا إيريل بعدما تخفّت في زيّ الحجاب لمدّة شهر وأعلنت رغبتها بالمشاركة في “الجهاد”. ورغم أنها مهدّدة حالياً من “الدولة الإسلامية”، فقد قرّرت أن تسرد تحقيقَها تحت اسمٍ مستعار في كتابٍ تنشره اليوم الخميس 8 كانون الثاني الجاري، عنوانه Dans la Peau d’une Djihadiste.

تخفّت لمدّة شهر بزيّ الحجاب، وعرّفت عن نفسها عبر الإنترنت، باسم “ميلاني” البالغة من العمر 20 عامًا (هي بالفعل في عقدها الثالث من العمر). أظهرَت نفسها فتاةً شبهَ جاهلة، وأعلنت رغبتها بالمشاركة في “الجهاد”.

بعد بحثها عبر الإنترنت عن “الداعشيين”، تواصلت في موقع Facebook مع أحد مقاتلي “الدولة الإسلامية” الذي يُعتبَر في مرتبة عالية من هيكليتها. كان ذلك في نيسان 2014، حين راسلها أبو بلال البالغ من العمر 38 سنة والمتمركز في مدينة الرقة السورية الخاضعة لسيطرة “الدولة الإسلامية”.

في الأسطر الأولى التي تبادلاها، سألها أبو بلال إن كانت مسلمة، ودعاها للانضمام إليه في “داعش”. وتُخبر الصحافية باشمئزاز أن طريقة حديثه كانت أشبه بالتسويق الإعلاني، وكتبت أيضاً: “بالنسبة إليه، لم تشكّل ميلاني إلا صورةً نمطية، فهو لا يعرف عمرها ولا لون عينيها ولا وضعها العائلي، وكأن هذه الأمور لا تهمه”. وتضيف آنا أن أبا بلال شرح لها، بالأحرى شرح لشخصيتها المزيّفة ميلاني، أنّ الإسلام “دينٌ نقيّ، وأنّ عليها أن تغادر بلادها وتشارك في الجهاد”.

استمرّت العلاقة التواصلية حتى انتقلت إلى Skype للنقل والحديث المباشر عبر الكاميرا الإلكترونية، وأتقنت آنا خدعتها فلبست الحجاب واستعملت تعابير عربية وأعادت الشباب لصوتها. فأخبرت الصحيفة الفرنسية اليومية “لو فيغارو” أنها تكلّمت بالعامّية واستخدمت العربية، وتقصّدت أحياناً الأخطاء فيها، لكنه لم يشكّ في أي شيء”.

تطورت الثقة في العلاقة بين الشابة ميلاني والإرهابي أبي بلال تدريجياً. “ساعدني الوقت لربح الثقة، إذ لم يكن بإمكاني أن أطرح عليه الأسئلة الحساسة منذ البداية، وإلا كان شكّ فيّ وقطع تواصله معي” تقول الصحافية.

أبو بلال هو اليد اليمنى لزعيم “الدولة الإسلامية” أبي بكر البغدادي، أوكلَت إليه ثلاث مهمات: تجنيد المقاتلين للانضمام إلى “داعش”، تجميع الضرائب، وتنظيم كتائب المقاتلين. لكنه من وقتٍ إلى آخر، يشارك في القتال ما دفعه للقتل أكثر من مرّة. وأخبر أبو بلال الصحافية آنا، مغشوشاً بهويتها ميلاني، أنه يعشق قطع الرؤوس، وتعذيب المعتقلين ثم قتلهم بالضربة القاضية. وهي لفتت إلى أنه عرض إليها صوراً من هاتفه الذكي تبيّن رؤوساً مقطوعة.

ومع مرور الوقت، علمت ميلاني أن أبا بلال جزائري الأصل ويُدعى رشيد، وعاش في روبيه في شمال فرنسا. ترك دراسته بسرعة وارتكب العديد من الجرائم. مال إلى التطرف الإسلامي مع بداية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين وغادر فرنسا للقتال في العراق ضد الغزو الأميركي عام 2003. ثم انتقل الجهادي إلى أفغانستان لتحسين تقنياته العسكرية، ثم إلى باكستان فليبيا، وبعد سقوط الرئيس الراحل عمر القذّافي، انتقل أبو بلال إلى تركيا.

وخلال حديثه مع ميلاني (الصحافية آنا)، مارس الضغط عليها لتتوجه إلى الشام بهدف “خدمة إرادة الله”، كما تكتب. وشعرت أن كل أحاديثه أصبحت بهدف إقناعها بالتوجّه إلى سوريا، حتّى إنه قال لها: “ميلاني، أشعر أن لديك روحاً جميلة، وإذا بقيتِ بين هؤلاء الكفّار، ستهلكين في جهنّم”. ولطالما أعاد لها مزايا “الدولة الإسلامية” الإيجابية، واتّخذت الأمور منحى شخصياً حين عرض عليها الزواج.

وبهدف الحصول على معلوماتٍ أكثر، دخلت ميلاني اللعبة، فأصبح يحادثها صباحاً وظهراً ومساءً، وتكتب الصحافية آنا: “في البداية، لم يكن فعلاً مكترثاً لميلاني، لكن في النهاية، تطورت مشاعره تجاهها”، وتُخبر أنها شعرَت أنها تمتهن الكوميدية، كلما تحدّثت مع الجهادي العاشق ولعبت دور المتجاوِبة التي قد تنضم إليه قريباً في سوريا.

ووصف أبو بلال لها مهماتها فور وصولها إلى سوريا، مؤكداً لها أنها تتعلم اللغة العربية صباحاً، ثم تتدرب على إطلاق النار بعد الظهر. وأخبرها أنها بعد أسبوعَين تصبح جاهزة للتوجه إلى الجبهة، أو يمكنها أن تختار التخصص في التجنيد أو في مكافحة التجسس، مضيفاً أن هناك “مهمّات نبيلة” يمكنها أن تقوم بها مِثل “زيارة الجهاديين الجرحى في المستشفيات، وتسليم الأدوية لمحتاجيها”.

تصف آنا كل ما حصلت عليه من معلومات بأنها “أكثر التحقيقات حماسة وتميّزاً في مسيرتي المهنية، إذ كان مذهلاً أن أتمكن من الحصول على معطيات مباشرة من المشهد في الرقة”. لكن بعد انقضاء مدة الشهر، وحصولها على معلوماتٍ كثيرة وكافية لإنهاء تحقيقها، كان على ميلاني أن تكسر جسور التواصل مع أبي بلال، وتنشر تحقيقها مع بداية شهر أيار.

“منذ ذلك الوقت، فهموا أني لستُ ميلاني، وبدأت التهديدات بالقَتل تُرسَل إليّ”، تسرد الصحافية آنا، وتلفت إلى أنهم أصدروا فتوى ضدّها، إذ وجدت فيديو في الإنترنت يُظهر وجهها وإلى جانبه نصٌّ بالعربية يتضمّن العبارة التالية: “إخواني في مختلف أنحاء العالم، إذا رأيتموها، اقتلوها!”

فانتقلت آنا للعيش بين والدَيها وأصدقائها. واليوم بعد مرور تسعة أشهر، تؤكد أنها لا تعيش في الخوف ولكنها في حالة تأهّب. وللحفاظ على حياتها، نصحها الصحافيون المقرّبون منها ألا تنشر تحقيقها، بل أن تسرده في كتابٍ تحت اسمٍ مستعار، وهو الكتاب الصادر في تاريخ اليوم.

النهار

 

 

 

الشباب السوري حائر بين «داعش» والنظام/ رامز أنطاكي

منذ دخول «جبهة النصرة» وتنظيم «الدولة الإسلامية» إلى ساحة الأحداث الجارية في سورية انقسمت الآراء حولهما وحول دورهما لدى الشباب السوريين المعارضين لنظام بشار الأسد. وتعمق هذا الانقسام في الآراء مع تطور دور هذين التنظيمين في الساحة السورية، وانتقلت الآراء المختلفة مع الشباب السوريين إلى البلدان التي قصدوها لاجئين كلبنان وتركيا والأردن وغيرها.

ما بدا مطلع الثورة السورية للبعض توجهاً غالباً نحو الدولة المدنية والأفكار العلمانية لم يعد كذلك مع مرور الوقت وازدياد حدة القمع وارتفاع معدلات الطائفية، وصارت تصرفات وتجاوزات «جبهة النصرة» وقبلها تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) محل نقاش وأخذ ورد لدى الشباب السوري المعارض بعد أن كان الرفض موقفاً غالباً تجاه هذه التصرفات، ومع انقضاء الأيام أصبح، حتى الشباب السوري المعارض والعلماني في مأزق فكري -إن صح التعبير- تجاه ما يجري في سورية، فهو الذي يرفض فكر هذين التنظيمين وأعمالهما يتردد في التعامل مع الأخبار التي تفيد بسقوط مراكز عسكرية مهمة للنظام أمام هذين التنظيمين، مثلما جرى من سقوط لمقر الفرقة 17 في الرقة ومطار الطبقة العسكري أمام هجمات «داعش» قبل أسابيع، وسيطرة «جبهة النصرة» على معسكري وادي الضيف والحامدية في إدلب أخيراً.

حمم القذائف والبراميل المتفجرة التي كانت تنطلق عبر المدافع والطائرات من هذه الثكنات لتنصب موتاً ودماراً على المدنيين المقيمين في المناطق المجاورة، بالإضافة إلى التنكيل والإهانة التي يتعرض لها من تضطرهم الظروف إلى سلوك طرقات تقطعها حواجز تحيط بهذه المعسكرات في بعض الحالات، كلها أمور جعلت من الصعب على الشباب السوري المعارض أن لا يفرح بالنتيجة الإيجابية الناتجة من هذا الحدث، على رغم حدوثه بواسطة تنظيمات لا يتفق معها لا فكرياً ولا عملياً.

ثائر الحسين الآتي من مدينة الرقة إلى لبنان هرباً من ملاحقة أجهزة أمن نظام الأسد له جراء نشاطه المعارض قبل سيطرة «داعش» على المدينة لا ينكر سعادته بسقوط مقر الفرقة 17 ومطار الطبقة على رغم أن «داعش» قتلت أقرباء له في الرقة، ويقول: «كيف لي ألا أكون سعيداً والناس ارتاحت من خوف القصف والموت؟؟»، مؤكداً في الوقت نفسه كراهيته الشديدة لـ «داعش»، وأن الباقين من أقربائه وأصدقائه في الرقة وجوارها يعرفون كيف يتقون شرها ويتعايشوا مع وجودها ولو موقتاً، بينما يستحيل البقاء والاستمرار مع ما كان من قصف قوات النظام برأيه.

الشاب الذي يتابع دراسة الأدب العربي في الجامعة اللبنانية لا ينفك يذكر في معرض حديثه بأن «اللي ايدو بالمي مو متل اللي ايدو بالنار»، معتبراً أن عليه وأمثاله ممن خرجوا من سورية أن يقدروا ظروف أهلهم في الداخل ويتفهموا مدى صعوبة حياتهم مع محاولات النظام اليومية لتحويل حياتهم إلى جحيم.

هناك من يتوقف عند أمر آخر من الأمور المتعلقة بحدث سقوط مراكز النظام العسكرية على يد هذين التنظيمين، مثل سالم بيرقدار الذي يبلغ السادسة والعشرين من عمره والمقيم في طرابلس بعد خروجه من سورية هرباً من الخدمة العسكرية الإلزامية في صفوف جيش النظام السوري، إذ يتأسف على «الطريقة الوحشية والدعائية» التي تعامل فيها تنظيم «داعش» مع من أسرهم في الموقعين المذكورين، فهو وإن كان يرفض الخدمة العسكرية في سورية والأعمال التي يقوم بها الجيش بحق المدنيين ويصفها بالجرائم إلا أن لحياة الأسير والمستسلم حرمة لا يجوز أن تنتهك، «فلا القانون الدولي ولا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولا الشريعة الإسلامية تبيح قتل الأسير على هذا النحو»، مؤكداً في السياق عينه أنه لا يمكن الحديث في الوقت الحالي عن أي محاكمات صحيحة وعادلة من أي طرف في سورية، وهو وضع يؤسف له، خاتماً كلامه بوصف موقفه من سقوط معسكرات النظام في يد تنظيمات مشابه «بموقف المنفصم» فهو لا يمكن أن يستاء من توقف القصف على المدنيين من قبل جيش النظام، ولا يمكن أن يسر بقتل الجنود الأسرى «على هذا النحو الهمجي». الحروب، خاصة الأهلية منها تضع المعنيين بها في مواقف تتطلب أحكاماً ومواقف أخلاقية دقيقة وصعبة قد تقارب المستحيل أحياناً، هذا هو رأي سيرين طبال الشابة السورية التي تحترف الرقص التعبيري في بيروت، وهي تعبر عن نفسها بالقول: «لا موقف لي صراحة من الأمر، لم أتجرأ على اتخاذ موقف حتى داخلي غير معلن»، وتفضل ألا تفكر في الأمر كثيراً نظراً إلى تعقيده وشدة صعوبته، معتبرة أن الاعتراف بالعجز عن اتخاذ موقف الاستسلام أفضل لديها من موقف غير مناسب. وتتمنى أن تؤول كل الأمور الحاصلة والتي ستحصل إلى خير الشعب السوري، متخوفةً في الوقت عينه من تحول الشعب من ديكتاتورية نظام الأسد إلى ديكتاتورية أنظمة ثيوقراطية بدائية.

 

بين النظام وقواته التي تقصف وتقتل وتعتقل وتنكل من جهة، والتنظيمات المتطرفة كـ «داعش» و«جبهة النصرة» وفصائل مسلحة أخرى تحارب النظام وتذبح وتصلب وتفرض بالقوة فكراً شديد التطرف، يقف الشباب السوري المعارض بوعي يبدو كافياً بمساوئ الطرفين، يسر بالإيجابيات العرضية لما يحدث من دون أن يفقد حذره من التطرف ورفضه للتنظيمات التكفيرية، آملاً بفسحة تتيح له المشاركة يوماً في بناء سورية التي يحلم بها حيث هناك مكان لجميع مكونات الشعب السوري.

 

“داعش”: دورات الشرعية وصكوك الغفران..على طريقة البعث/ جلال زين الدين

داعش: دورات الشرعية وصكوك الغفران..على طريقة البعث يمنح كل ناجح فيها شهادة تخوّله التقدم لوظائف التنظيم، تعتبر بمثابة صك براءة من الشرك والبدع

يسعى تنظيم الدولة الإسلامية إلى تطبيق شعار “الدولة باقية وتتمدد”، وتعتبر الدورات الشرعية أبرز خطوات التنظيم في هذا المجال، بعد الأعمال العسكرية. والدورات الشرعية سمة بارزة للتنظيم، فالمنتسبون له يخضعون لها قبل الدورات العسكرية. ولا يقتصر الأمر على منتسبي التنظيم بغرض القتال، لا بل أنه يسعى إلى إخضاع المواطنين جميعاً، حشد المجتمع، لهذه الدورات، بطريقة منظمة.

يقول الأستاذ فيصل من ريف حلب الشرقي: “استطاع التنظيم اختراع طرق كثيرة لإلزام المواطنين حضور دوراته الشرعية، وقد باتت أكثر تنظيماً من السابق”، فكل دورة تجمع فئة أو شريحة معينة، متقاربة فكرياً. يتابع فيصل: “حتى تكون الفائدة المرجوة منها أكثر تحققاً، فكل فئة تحتاج خطاباً يناسبها”.

ومدة معظم الدورات الشرعية ثلاثة أسابيع، لعدة ساعات يومياً، وهناك دورات شرعية مدتها ثلاثة شهور. وتتضمن الدورة أساسيات في العقيدة والفقه وأحكام الجهاد، يقول الشرعي في تنظيم الدولة أبو محمود الأنصاري: “الدورات الشرعية عبارة عن برنامج مكثف بأساسيات لا ينبغي للمسلم أن يجهلها”. ومادة العقيدة أبرز ما يدرّس في الدورة، يتابع أبو محمود: “يجب على المسلم معرفة التوحيد وشروطه ونواقضه حتى يسلم من الوقوع بها”. كما يشتمل منهج الفقه على “تعليم المسلمين، أو تذكيرهم بفقه الطهارة التي تتوقف عليها كثير من العبادات، ناهيك عن الصلاة من حيث الشروط والأركان والسنن”، كما يضيف أبو محمود. الدورات الشرعية لا تغفل أحكام الجهاد، التي يخصص لها حيز جيد من الوقت والجهد.

وتركز الدورات على نواقض الإسلام؛ ولا سيما الولاء والبراء. يقول معلم المدرسة، فضل، من ريف حلب الشرقي: “يحاول التنظيم من خلال الولاء والبراء قسم الناس لفسطاطين؛ فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان، وبالتالي كل من ليس مع التنظيم يعد كافراً لانحيازه وموالاته لفسطاط الكفر”، فلا مكان وسطاً عند التنظيم.

بدأت الدورات الشرعية مؤخراً تأخذ منحى أكثر تنظيماً وشمولاً، ويبدو أنّ هناك خطة لإخضاع جميع شرائح المجتمع، بدءاً بالشرائح الأعرض والأكثر تأثيراً في المجتمع، كالمدرسين وأئمة المساجد ومدرّسي القرآن. وهناك دورات للصيادلة والأطباء، وأصحاب محلات الإنترنت وغيرهم. يقول الأستاذ فضل: “حتى يضمن التنظيم حضور الجميع للدورات الشرعية، يصدر أمراً بمنع مزاولة المهنة المستهدفة، إذا لم يخضع ممارسها للدورة الشرعية”. ويسري البرنامج على كل من يرتكب مخالفات لأوامر التنظيم وتعليماته.

ويشترط التنظيم على كل من يتقدم لشغل وظيفة لديه، حتى لو كانت خدميّة غير عسكرية، شهادة حضور للدورة الشرعية. يقول أبو وائل من مدينة منبج: “هناك نية لإخضاع كل المواطنين للدورات الشرعية، وليس فقط العاملين، فأية معاملة في المحاكم أو لدى الشرطة، قد تستلزم حضور الدورة الشرعية”.

والجديد اليوم هو افتتاح دورات شرعية للتائبين، ممن كان لهم نشاط عسكري أو ثوري وأعلنوا التوبة. التنظيم كان يقبل استتابتهم سابقاً دون إخضاعهم لمناهجه، أما الآن فيلزمهم بدورة شرعية مدتها ثلاثة أشهر. يقول النقيب أبو محمد: “تعتبر هذه أخطر شريحة يخشاها التنظيم، وهو لا يأمن جانبهم، ولا سيما الذين رفضوا الانخراط في صفوفه. فالتنظيم يرى برفضهم دليلاً على نواياهم السيئة تجاهه”. هذه الفئة تحمل بذور التمرد، باعتبارها ثارت سابقاً على النظام، يتابع أبو محمد: “التنظيم يبذل جهداً مكثفاً معهم لتطهير أدمغتهم، وإقناعهم بنهج التنظيم”. وقد نجح التنظيم بهذا في جذب كثير من التائبين إلى صفوفه. كما أن التنظيم ألغى الدورات الشرعية السابقة التي أجراها للمدرّسين والمعلمين، وألزمهم الخضوع لدورة استتابة، إذا رغب أحدهم بالتدريس في مدارس التنظيم، إضافة لدورات تأهيلية تطويرية.

وتعد الدورة الشرعية بمثابة بطاقة خضراء داخل مناطق سيطرة التنظيم، ويمنح كل ناجح فيها شهادة تخوّله التقدم لكافة وظائف التنظيم. كما أنها تعتبر بمثابة صك براءة من الشرك والبدع. يقول المحامي عبد الرحمن من ريف حلب الشرقي: “الدورة الشرعية أسلم طريقة للتخلص من الملاحقات والتقارير الكيدية، فمجرد حضورها دليل على أنك لا تحمل عداء للتنظيم، وأغلب الحاضرين تحت هذا البند، أو بند تسيير مصالحهم اليومية”. فالدورة الشرعية باتت ضرورة.

ويهدف التنظيم من هذه الدورات إلى تحقيق هدفين رئيسيين؛ الأول تغيير المنظومة الفكرية للمجتمع، وبناء نواة شعبية تتبنى فكره، وتنظر له بعين الرضا والاحترام. يقول المحامي عبد الرحمن: “صحيح أنَّ أغلب الخاضعين للدورات غير مؤمنين بفكر التنظيم، لكن التنظيم استطاع غسل كثير من الأدمغة، فالناس ليسوا على سوية واحدة من الحصانة الفكرية”.

والهدف الثاني يتمثل برفد التنظيم بمقاتلين جدد، حيث أزاحت الدورات الشرعية حاجز الخوف، وجعلت كثيراً من الناس ولا سيما الشباب يقبلون على الانتساب لصفوفه. فالدورات الشرعية أشبه بمكاتب انتساب ودعاية للتنظيم، يقول المربي حسن من مدينة الباب: “فعلت هذه الدورات فعل السحر في الشباب، ولا سيما في الأرياف حيث البطالة والحرمان، فلا تنتهي دورة إلا وينخرط عدد من الحضور في صفوف التنظيم”. كما أن التنظيم يغذي الجانب العقائدي، بدعم مادي، ما يجعل حضور الدورات مصدر إغراء.

والمشرفون والمدرسون في هذه الدورات، يتحلون بكثير من اللطافة وحسن الخلق، على عكس صورة التنظيم في الإعلام. يقول المربي حسن: “يتعمد التنظيم وضع مشايخ لطفاء كي يستميل القلوب، ويقنع الناس بخطابه. ويحرص الشيخ على تصوير أخطاء التنظيم على أنها أخطاء فردية لا يقرها التنظيم”.

ويُشبّه المواطنون هذه الدورات، بدورات حزب البعث العربي الإشتراكي، التي كان يقيمها النظام السوري بغرض التقدم للوظائف والترقيات والحصول على الامتيازات. يقول المحامي عبد الرحمن :”الدورات الشرعية أشبه بدورات التثقيف الحزبي التي كان يقيمها النظام البعثي من الناحية السياسية بهدف حشد المجتمع عقائدياً، وكما فشل نظام البعث في حشده بدليل الثورة، سيفشل التنظيم بدليل الاحتقان الشعبي ضده”. يضيف عبد الرحمن “المجتمع السوري لا يقبل إلا الإسلام الوسطي المعتدل”.

المدن

 

 

 

 

بلجيكا تحارب الدعاية المتشددة.. بتطبيق تجربة النظام السوري/ نذير رضا

التصريح المنقول عن مسؤول مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي جيل كيرشوف، بأن بلجيكا ستبث مقابلات مع “جهاديين محبطين عائدين من سوريا”، ضمن برنامجها لمحاربة الحملات الدعائية للتنظيمات المتشددة في أوروبا، يماثل هجوماً دعائياً غير ذي جدوى، قدمه النظام السوري خلال السنوات الماضية. وجه الشبه بين المخططين، كبير، كذلك التوقعات بنتائجه. فدحض شائعة، من طريق إعلان الندم، مهمة غير مكفولة النتائج، بل سترتد على نحو معاكس، وتحيل الجهود الى آلة دعائية استخدمها النظام، وانهارت بفعل التشكيك بمصداقيتها.

والجهود الأوروبية لتقويض تجنيد المتشددين لشبان أوروبيين بهدف القتال في سوريا، تبدأ من المحاصرة الأمنية والتدابير في المطارات والمعابر الجوية، وتتسع لمراقبة مواقع التواصل الإجتماعي والرقابة الإلكترونية. الفعل الأخير، اثبت جدواه في بريطانيا خلال الأشهر الستة الماضية، ما دفع بروكسل لتحذو حذو لندن. حصلت، بحسب كيرشوف، على تأييد من الإتحاد الأوروبي، ودعم مالي يقارب المليون يورو، يُنفق على 5 أو6 خبراء يعملون في وزارة الداخلية البلجيكية، يتم التعاقد معهم لتنفيذ المشروع على مدى 18 شهراً.

لا لُبس في تلك الجهود، ونتائجها المرجوة.. لكن الخطة تشمل أيضاً “بث مقابلات لجهاديين محبطين عائدين من سوريا وإدراكهم لأسباب المعارك الطاحنة هناك، وأن الأمر لم يعد يتعلق بالإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد بل بصراع مجموعات متمردة متنافسة”، بحسب ما نُقل عن كيرشوف.

هذه الخطة، تتشابه الى حد كبير مع خطط النظام السوري التي توقف عن تنفيذها منذ ما يزيد عن عام. درج التلفزيون السوري الرسمي على بثّ مقابلات مع سجناء، قال أنهم كانوا ينتمون الى جماعات إرهابية. لكن تلك المقابلات، لم تقوّض حركة المعارضة العسكرية ضد النظام السوري، بل زادتها شدة. كما لم تحاصر تمدد الجماعات المتشددة. ففي الحالة الأولى، ساهم التشكيك في مصداقية المقابلات بإفشال مهمة النظام، ما دفعه الى ايقاف تلك الاستراتيجية. أما في حالة المتشددين، فإنها انعكست ازدياداً في عديدهم، لأن معايير الإنضمام الى جماعات جهادية، لا تتوقف على شخص يعلن توبته. هي مرتبطة بمنظومة كاملة من التجييش العقائدي والمال والسلاح وظروف الأمر الواقع.

النتائج نفسها، ستترتب على الجهود الأوروبية في ما يتعلق بالمقابلات التلفزيونية. ستكون مواقع التواصل الإجتماعي التي يديرها متشددون، ساحة سخرية من الجهود الأوروبية. سينالون من التوابين العائدين، وسيشككون فيهم.. وذلك في حال رؤيتهم لتلك المقابلات، في ظل انتشار هائل لمواقع سرية، كشف عنها اليوم عبر تسريب بالخطأ من أحد المنتسبين الى “داعش”.

ويعتزم الاتحاد إنشاء خلية مستشارين في بلجيكا لمساعدة الدول الأعضاء في محاربة الحملات الدعائية للمتطرفين من أجل الحد من طرق التجنيد، بعدما أعلن الاتحاد الأوروبي، الذي يسعى جاهداً لمحاربة ظاهرة التطرف وتجنيد المقاتلين، عن أحدث مساعيه في هذا الشأن، وهي خلية مستشارين في بلجيكا يمكن للحكومات الأعضاء استشارتها في مجال مكافحة دعاية التطرف.

وأوضح المسؤول عن مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي أن فكرة المشروع تتمثل في تكوين خلية من الخبراء لمساعدة الدول الأوروبية في مواجهة المتشددين الجهاديين، تمنح الحكومات الأوروبية إمكانية الاستشارة بشأن قضية الجهاد. وأضاف كيرشوف أن المشروع سيطرح حلولاً للتصدي للحملات الدعائية التي يقوم بها تنظيم “الدولة الإسلامية” ومجموعات جهادية أخرى لتجنيد واستقطاب المجاهدين خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي أضحت وسيلة مهمة في عملية التجنيد، كما يتم استخدامها لبث شرائط فيديو تظهر عمليات الإعدام.

ورصدت أجهزة الاستخبارات الغربية 3 آلاف مقاتل أوروبي يقاتلون في صفوف “داعش” في العراق وسوريا، بعدما جندت مواقع التواصل العائدة للجهاديين 15 ألف مقاتل، بحسب تقديرات أميركية.

وأطلقت مثل هذه التجربة في بريطانيا في وقت سابق، واعتمدت برنامج بقوم على تشكيل خلية من خبراء يعملون على تطويق المواقع التي تبث خطابا متطرفا وتروج لفكرة “الجهاد” في سوريا، ويقومون ببث رسائل مضادة تساهم في ردع الشباب عن سلوك مثل هذا الطريق. ويرى المراقبون أن البرنامج البريطاني قد أثبت نجاحه ومن الممكن تعميمه وتوسيعه ليشمل الكثير من دول أوروبا.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى