صفحات العالم

عـودة صالـح وحـقـوق المــرأة


فواز طرابلسي

لا يحتاج الأمر الى تفكّر كثير ولا الى تحليل عميق لتبيان حقيقة ما جرى في اليمن في الايام الاخيرة. أجازت العربية السعودية عودة الرئيس علي عبدالله صالح الى صنعاء بعد فترة من العلاج والنقاهة استغرقت ثلاثة اشهر من محاولة الاغتيال التي تعرّض لها. تعلن العودة ان الرئيس اليمني قد اعيد تأهيله سياسيا، وليس فقط طبيا، لمواصلة عمله على رأس السلطة في بلاده.

وانها لصدفة معبّرة ان تؤكد العربية السعودية إمساكها بمقدرات الامور في اليمن الى هذا الحد، في اسبوع يحوي مناسبتين بالغتي الدلالة للعلاقة بين البلدين. الاولى هي الذكرى التاسعة والاربعون لاعلان الجمهورية اليمنية في ٢٦ ايلول/سبتمبر ١٩٦٢، وهي الجمهورية التي تدخلت العربية السعودية للقضاء عليها حين تأسيسها، وكررت المحاولات مرارا وتكرارا، الى ان استقر لها الوضع مع تولي علي عبدالله صالح الحكم بعد اغتيال الرئيس ابراهيم الحمدي، صاحب المشروع الطموح لاستقلال اليمن ووحدته وتحديثه وبناء الدولة فيه. والمناسبة الثانية هي الذكرى الحادية والاربعون لوفاة الرئيس جمال عبد الناصر في ٢٨ ايلول/سبتمبر ١٩٧٠، وهو القائد العربي الذي غامر بقواته المسلحة، بل بمستقبل نظامه، من اجل انقاذ الجمهورية اليمنية الفتية في وجه قوى الردة الملكية والمرتزقة الاوروبيين ممن جندتهم اجهزة المخابرات الاميركية والبريطانية وتولت خزينة النفط السعودية تسليحهم والتمويل.

لم يكن تطبيق «المبادرة الخليجية» يقتضي عودة علي عبدالله صالح الى اليمن وهو الذي رفض التوقيع عليها اصلا. ولو ان القيادة السعودية ومن ورائها الولايات المتحدة الاميركية والى جانبها مجلس التعاون الخليجي أرادوا حقا تطبيق بنود المبادرة، لأمكن للرياض وواشنطن التي وراءها وابوظبي التي الى جانبها ان تستصدر من الرئيس اليمني بيانا يلتزم فيه بتنفيذ بنودها المعروفة والواضحة رغم كل شيء: نقل صلاحيات الرئيس الى نائبه وقيام حكومة اتحاد وطني تشارك فيها المعارضة، واستقالة الرئيس بعد شهر من اعلان الحكومة، في مقابل منح الرئيس حصانة عدم محاسبته على مدة ولايته على ان يلي ذلك تنظيم انتخابات نيابية خلال شهرين.

أما وقد عاد صالح الى اليمن، فإجازة عودته هي اقرب الى إجازة اعطيت للاجهاز على المبادرة الخليجية من صنعاء بدلا من ان يُجهز عليها من الرياض. اما الموقف الاميركي فذروة جديدة في مدرسة النفاق السياسي والدبلوماسي. فقبل ايام من دعوة ناطق باسم الخارجية الاميركية الرئيس العائد الى التنحي و«الانتقال باليمن الى نظام ديمقراطي على الفور»، كان زميل له يشيد بالحاجة الى نظام علي عبد الله صالح في الحرب الدائرة ضد تنظيم «القاعدة» في المحافظات الجنوبية.

عشية وصول صالح المفاجئ، صدر عن وزارة الداخلية اليمنية بيان هو ايضا مفاجئ يتهم نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي بالتخطيط للانقلاب على الرئيس. نفت الوزارة الخبر. ولكن مفعول النفي التحذيري ظل جاثما على نائب الرئيس. في اليوم التالي قصفت القوات الموالية لصالح الجماهير المحتشدة في ساحة التغيير في صنعاء والمتظاهرين في تعز بالاسلحة الثقيلة والمتوسطة واوقعت عشرات القتلى بينهم ومئات الجرحى. وخطب صالح في ذكرى ٢٦ سبتمبر. وبدلا من ان يعلن نقل صلاحياته لنائبه، كلّف نائبه «رسميا» التفاوض مع المعارضة وتوقيع المبادرة الخليجية ثم أعلن تأجيل عملية انتقال السلطة الى ما بعد اجراء انتخابات رئاسية مبكرة. والادهى ان الرجل الذي سجّل الرقم القياسي العالمي من حيث «عبقرية» الحفاظ على السلطة بأدهى الالاعيب والحيل والجرائم، يوما بعد يوم، خلال ثلاث وثلاثين سنة، اتهم معارضيه بـ«الركض وراء السلطة» وابدى أسفه لأن شباب الثورة ضحية سياسيي المعارضة الذين يتلاعبون بهم.

بإيجاز، عاد علي عبد الله صالح ليؤمّن استمرار سلطته برئاسته على الاقل لاشهر معدودة الى نهاية ولايته اقلا يتم خلالها تأمين الخلافة واعادة انتاج النظام بوجود صالح على رأسه او بتواريه وراء الكواليس.

تنبئ كل هذه المؤشرات بأن اليمن يدخل مرحلة جديدة من انتفاضته ومن ازمته، مرحلة تتجه وجهة إدارة علي عبدالله صالح لنزاعات مسلحة هذه المرة بين انصاره وقوى الانتفاضة، يسعى لأن يلعب فيها دور الخصم والحكم، ويحقق إغراق التظاهرات والاعتصامات السلمية للجماهير المليونية، التي عجز عن احتوائها او قمعها، بواسطة نزف الدماء، على امل إخراجها من الشوارع والساحات والفعل والتأثير. وهي لعبة يمكن ان يقال فيها: «قديمة!». جرّبها القذافي وفشل. ويجرّبها النظام السوري الآن ويفشل.

بانتظار ان تتكشف الايام الآتية على ما يزيد في وضوح صورة المسارات المقبلة للانتفاضة اليمنية ولردود الفعل السلطوية عليها، وجب القول ان الحدث اللافت هذا الاسبوع في جزيرة النفط والدماء لم يكن وقوع العشرات من ابناء اليمن قتلى يوميا ولا انتقال قوات النظام اليمني الى «الاستخدام المفرط للعنف» الذي عادة ما يزعج بالغي الحساسية من رجالات الامم المتحدة. فقد لوّح صالح للامم المتحدة بغصن الزيتون، وهي على اهبة نقاش موضوع الازمة اليمنية، وأمر طيرانه بقصف القبائل والقوات المسلحة الداعمة للانتفاضة شمالي صنعاء.

على ان الحدث الذي يثير انتباه السلطات واجهزة الاعلام الغربية في هذه الايام، هو قرار الملك عبدالله بن عبد العزيز منح السعوديات حق المشاركة في مجلس الشورى والترشح والتصويت في انتخابات المجالس البلدية. اقل ما قاله وزراء اوربيون وناطقون رسميون في باريس ولندن وواشنطن وسائر عواصم المعمورة، وصف القرار بأنه «تاريخي». ومحليا، افتى المفتي رشيد قباني بأن القرار تطبيق للشريعة. مع انه لم يبلغنا لماذا تأخر تطبيق هذا البند من الشريعة منذ العام ١٩٣٤ في الدولة التي لا دستور لها الا الشريعة!

ولكن بانتظار ان تكرّ سبّحة التهليل والتبجيل وقبل البحث في موقع القرار من اوضاع المرأة السعودية، وفي إمكانات تطبيقه مع استمرار حرمانها من الحق في قيادة سيارتها بنفسها او إلزامها بـ«ولي امر» يرافقها لاتمام ابسط معاملاتها خارج البيت، يجدر التذكير بأن هذا القرار «التاريخي» بمشاركة المرأة في الانتخابات البلدية هو قرار تاريخي بالفعل، لأنه لن يطبّق الا في الدورة الثالثة للانتخابات البلدية العام ٢٠١٥ !

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى