صفحات العالم

“STS” أو المحكمة الخاصة بسوريا


يوسف معوّض

لنسمِّها  “STS” أي المحكمة الخاصة بسوريا Special Tribunal for Syria ولو لم تُشكل بعد او لم يُتّخذ قرار باستحداثها! نطلق عليها هذا الاسم وان كانت حظوظ إنشائها ضئيلة حتى تاريخه، وذلك بنتيجة الموقفين الروسي والصيني.

ما برح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يُصّرح أن مجلس الأمن: “لن يصادق أبداً على أي تدخل عسكري في سوريا” ويتعهد أنه يضمن ذلك. والموقف السلبي نفسه والممانع نتوقعه من قبل موسكو في حال اللجوء إلى محاولة مقاضاة النظام السوري دولياً.

انما أجواء اليوم  ليست أجواء الانكفاء الدولي التي سادت مجازر مدينة حماة في 1982، فالنزاع الدموي المستشري منذ شهر آذار 2011 لا بدّ أن يستدعي تدخلاً انسانياً ما، عسكرياً كان أم قضائياً. ألم يصرخ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في وجه الدكتور بشار: “أقول للأسد أوقف العنف وقتل شعبك فطريق القمع مسدود؟” ألم يقترح أمير قطر”إرسال قوات عربية إلى سوريا لوقف إراقة الدماء هناك والتي حصدت أرواح الآلاف خلال الشهور العشرة الماضية”؟ ألم تعترف السلطات البعثية بالمعارضة المسلحة، وإن بشكل غير مباشر، عندما وافقت قواته “النظامية” على وقف نار في هضاب ومرتفعات الزبداني؟

محاكم تستدرك المجازر؟!

عادة ما تشكل المحاكم الخاصة بعد المجازر والتطهير العرقي (روندا، يوغوسلافيا). فَلِمَ لا نقوم بعملية استباقية قبل تفاقم الأوضاع ونستحدث محكمة خاصة بسوريا، أو بالأحرى لماذا لا نلجأ إلى المحكمة الجنائية الدولية؟

وسؤالنا، قبل البحث في شرعية أي محكمة، سؤالنا هو هل ان الأفعال التي يرتكبها النظام السوري بحق شعبه (أو تلك التي قد يرتكبها المتمردون الأحرار في تمردهم) تشكل جرائم ملاحقة دولياً؟ سؤالنا هو: هل هي جرائم حرب أم جرائم ضد الإنسانية؟ جرائم من اختصاص المحاكم السورية أم من صلاحية  المحاكم الدولية؟

ألا يكفي إلاستناد الى تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، هذه اللجنة التي شكلها مجلس حقوق الانسان (الأمم المتحدة) في آب الماضي، والتي لم تسمح لها السلطات السورية بزيارة البلاد، على الرغم من طلباتها المتعددة. لقد جاء في تقريرها: “حددنا انماطاً من انتهاكات حقوق الإنسان من قبل القوات المسلحة والأمنية السورية، من بينها الاستخدام المفرط للقوة ضد المظاهرات السلمية، واستخدام الذخيرة الحية لتفريق حشود المدنيين، واللجوء إلى القناصة لإطلاق النار بغرض القتل. ولم تبد قوات الدولة أي اعتراف، أو أبدت القليل من الاعتراف بحقوق الأطفال في الإجراءات المتخذة للقمع. وقد أشارت مصادر موثوقة إلى مقتل مئتين وستة وخمسين طفلاً على يد قوات الدولة حتى التاسع من تشرين الثاني”.

ومن بين الانتهاكات الأخرى التي أشار إليها رئيس لجنة التحقيق هذه، التعذيب والعنف الجنسي وسوء معاملة المدنيين المشتبه في تعاطفهم مع الاحتجاجات، بغض النظر عن جنسهم أو سنّهم. وقد أضاف رئيس اللجنة أن بشاعة التعذيب الذي مارسته قوات الأمن قد أدّى في العديد من الحالات الى الوفاة. أما النتيجة التي خلص إليها تقرير اللجنة المذكورة، فهي أن أعضاء الجيش السوري والقوى الأمنية قد ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية في قمع المدنيين الذين خرجوا في حركة احتجاجات سلمية. وتتضمن هذه الجرائم، القتل والتعذيب والاغتصاب وصوراً أخرى من العنف الجنسي، والسجن وغيره من صور الحرمان من الحرية التي ارتكبت في العديد من المواقع، ومن بينها دمشق ودرعا ودوما وحماة وحمص وإدلب وعلى طول الحدود مع لبنان وتركيا والأردن. كما توصلت لجنة التحقيق أيضاً إلى نتيجة أن الانتهاكات الواسعة الانتشار والمنهجية لحقوق الإنسان في سوريا ما كان يمكن أن تحدث بدون موافقة أعلى المسؤولين في الهرم السلطوي. هذا التقرير يعود الى 28 تشرين الثاني 2011 وأُعلن عنه في جنيف في حينه، وما ادراكم ما حصل منذ ذلك التاريخ وتحديداً منذ مطلع هذه السنة  حيث الوتيرة تجاوزت أحياناً الخمسين قتيلاً يومياً، ناهيكم عن عدد الجرحى والدمار الهائل. وما هذا سوى غيض من  فيض! وللمزيد حول تعداد الجرائم وتوصيفها الجنائي لا بد من مراجعة تقارير منظمة العفو الدولية  وميدل إيست واتش  Watch  Middle East ، والآتي أعظم!

حلاّن، أحلاهما مرُّ!

إذا كان التدخل العسكري لأسباب إنسانية موضع ترحيب، فكيف لا نرحب بالتدخل القضائي، وإن إستباقياً؟ وبالتالي أنطالب بمحكمة خاصة ad hoc  لسوريا أم نلجأ الى المحكمة الجنائية الدولية؟ أيّ الحلّين أسلم أو أضمن لحقوق الضحايا؟ ليتنا نعترف مجدداً ان لا سبيل الى مقاضاة النظام طالما ان اطرافاً دولية تقف حاجزاً في وجه آلية قد تضع حداً لإراقة الدماء. فكيف بالالتفاف حول هذه الحواجز التي تمليها مصالح الدول؟

-1 هل بإستحداث محكمة خاصة لسوريا؟ هذه المحكمة تُشكّل حصراً للنظر في القضية السورية على غرار المحاكم التي شكلت للنظر في قضايا رواندا ويوغسلافيا وغيرها. إلا أن محاكم كهذه لا تشكل إلا بقرار من مجلس الأمن حيث يقف الفيتو الروسي أوالصيني له بالمرصاد! في هذه الحالة لا خيار سوى التحلّي بالصبر وانتظار سقوط النظام البعثي.

-2 هل باللجوء للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة في لاهاي، سيّما ان الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب من اختصاصها عملاً بأحكام المواد الخامسة والسابعة والثامنة من نظام روما الأساسي لسنة 1998؟ ولكم اعتقدنا ان المادة (1 ) 15 من النظام المذكور قد تساعد على تجاوز الفيتو في مجلس الأمن إذ انها تجيز للمدعي العام “ان يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه proprio motu على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة”. إلا أن هذا الاحتمال غير وارد لأن سوريا لم تصادق على نظام روما بالرغم من انها وقّعت عليه! يبقى بصيص أمل  في ملاحقة بعض الشخصيات المتورطة أمام المحكمة الجنائية الدولية في حال كانوا يحملون جنسيتين واحدة سورية وأخرى تعود لبلد طرف في نظام روما كالجنسية البريطانية مثلاً. فالمادة (ب) 12 (2) تنص صراحة انه “يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إذا كانت واحدة أو أكثر من الدول التالية … كالدولة التي يكون الشخص المتهم بالجريمة أحد رعاياها”.

بين الشرعية والإعلان

نحن نشهد اليوم نزاعاً على المستوى الدولي بين وثيقتين أساسيتين وضعتا بعد الحرب العالمية الثانية. نزاع ما بين شرعة الأمم المتحدة (1945) من جهة والاعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) من جهة أخرى. تكّرس الوثيقة الأولى سيادة كل دولة على أرضها وتحظر تدخل الدول الأخرى في شؤونها الداخلية تلافياً للنزاعات المسلحة. في المقابل وضعت الوثيقة الثانية للحفاظ على حياة الفرد وصون كرامته غير عابئة بسيادة الدولة المفروض أن تكون راعية لمواطنيها. لم يكن أحد يتوقع في أربعينات القرن الماضي أننا سنصل الى هذا التضارب الذي تجسّد في أكثر من حالة في افريقيا وأميركا اللاتينية وحتى في أوروبا (اندلاع الحوادث في البلقان)، والآن في سوريا. هل نرجح سيادة النظام القمعي على”أرض الوطن” باسم السيادة، أم ندعو إلى تدخل عربي أو دولي لحماية المواطنين من ظلم ذوي القربى؟ منذ بضعة عقود وفي أجواء مماثلة، نشأت فكرة التدخل العسكري لأسباب إنسانية، هذا التدخل الذي لا يكترث لقرار من مجلس الأمن ولا يستند إليه، وعلى سبيل المثال نذكر تدخل قوات “الناتو” العسكرية في يوغوسلافيا لوضع حد للمجازر. ذاك التدخل السافر لم يحظَ بشرعية قرار من مجلس الأمن لأن روسيا كانت على موقفها الممانع. إنما ما من صاحب ضمير شجب مبدأ التدخل هذا وإن وجهت اعتراضات جمّة عند التنفيذ على أرض الواقع الأليم!

محكمة أم محكمة ضمير؟

الممانعة، دائماً وأبداً! فهل من طريقة للالتفاف عليها وعلى الحواجز التي تمليها مصالح الدول العظمى ومنها استعمال حق النقض؟ كيف بتخطي النصوص وتشكيل هيئة عدلية؟

لا حلّ لنا سوى إقامة محكمة على الشكل الذي أقامه برتراند راسل  وغيره من أهل الفكر والضمير لمقاضاة الولايات المتحدة حين كانت تصب جام غضبها وقنابلها على فيتنام الشمالية. كانت هذه “محكمة رأي”. وكان لها على غرابتها أثر عظيم في الأذهان. فقد حرّكت الوجدان العالمي وزعزعت اقتناعات الشباب الأميركي الذي بدأ يصرخ في الجامعات “أعطوا للسلام فرصة”. وتمثلت غرابة هذه المحكمة بانتفاء وجود هيئة قضاة، إذ اكتفت بهيئة محلّفين مُشكلة من مثقفين كجان بول سارتر وسيمون دي بوفوار وجيزال حليمي إلخ…، محلفون يصغون للشهادات الحيّة وينشرون المحاضر على الملأ. هذا ما ندعو إليه! ألم يحن الوقت لكي تتشكل محكمة  قوامها المثقفون والأنقياء من أبناء هذه الأمة؟

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى