صفحات العالم

الأسد ربح إيران وخسر شبكة الأمان العربية

 

أسعد حيدر

عسكرة الثورة في سوريا، لم تكن خياراً شعبياً. الرئيس بشار الأسد، دفع الشعب السوري نحو هذا الحل المأسوي. طوال ستة أشهر أطلق النظام الأسدي النار على المتظاهرين السلميين، فوضعهم أمام الخيار الأسوأ. الموت في التظاهرات السلمية، وخسارة كل الطموحات بالتغيير أو اللجوء إلى السلاح للدفاع عن أنفسهم وعائلاتهم وآمالهم وطموحاتهم بالحرّية والكرامة.

بعد عشرين شهراً على الثورة، الحل العسكري يتقدّم. قبل ستة أشهر فقط، كان النظام ينجح في استعادة أي موقع يستولي عليه الثوار. انتهت تلك المرحلة. الثوار لا يتراجعون رغم الخسائر التي تكون أحياناً فادحة، بعد أن أصبح الطيران سلاحاً حتى داخل دمشق نفسها.

عسكرة الثورة، كانت حدثاً سلبياً، لأنّ عشرات الآلاف من السوريين سقطوا ومئات الآلاف من المباني دُمِّرت. خسر الشعب السوري الكثير من الأرواح والأملاك وللأسف موقع سوريا في لعبة الشرق الأوسط. سوريا تحوّلت على يد بشار الأسد من لاعب إلى ملعب. لم يكن هذا التحوُّل نتيجة للثورة فقط. عندما غيّر بشار الأسد قواعد اللعبة التي رسمها والده لها، انزلق نحو هذه النهاية السوداء. الرئيس الراحل حافظ الأسد، عرف كيف يحافظ على موقع سوريا جسراً بين إيران والعرب وحصد من هذا الموقع الكثير من الفوائد. جعل من هذا الدور “منشاراً” يثمر كلما عبر “الجسر” على الخطّين. أما الاسد الابن، فإنّه رمى نفسه في أحضان إيران كلياً من دون الالتفات إلى الحضن العربي الذي كان يحصّن النظام ويمدّه بأسباب القوّة والمال والدعم السياسي. مما دفع العرب إلى إسقاط شبكة الأمان عنه. سقوط بشار الأسد، يشبه تدريجياً سقوط صدام حسين. في هذا السقوط يكمن “انتحار” حزب البعث. من الصعب جداً أن يقوم “البعث” من تحت الركام العراقي والسوري، خصوصاً وأنّ حمامات من الدم وقعت في الساحتين، وأنّ العراق رزح تحت الاحتلال الأميركي، في حين أنّ مصير سوريا معلّق على التطوّرات الميدانية والمواقف الاقليمية والدولية.

الإيجابي في العسكرة، أنّ امتدادها نتيجة لصمود الشعب السوري، أيقظ أخيراً المجتمع الدولي، حتى روسيا – بوتين، التي تعاملت مع سوريا كقضية داخلية وكأنّها الشيشان، بدأت تدرك وجوب البحث عن حل بعيداً عن إمكان انتصار الأسد ونظامه الأسدي. طبعاً، تستطيع موسكو أن تكرّر كل يوم أنّها منذ البداية أرادت الحل السياسي في سوريا. لكن ميدانياً بذلت جهوداً لا تُحصى، آخرها في معركة مطار دمشق حيث تدخّلت بكل ما تملك من إمكانات لوجستية ومعلوماتية لإلحاق الهزيمة بالثوار، لكي ينتصر الأسد فتبقى معه في سوريا إلى الأبد.

التوجّه نحو جنيف-2، هو نتيجة لشعور موسكو استحالة بقاء الأسد، وأنّ تأخير سقوطه نتيجته “توسيع مساحة النزاع المسلح”. لأوّل مرة يقول ناطق باسم الخارجية الروسية وجوب “إجراء إصلاحات جذرية في المنظومة السياسية لسوريا”. ولأوّل مرّة تدعو إلى “حوار مباشر” يناقش خلاله ممثلو الحكومة السورية والمعارضة مؤشرات المرحلة الانتقالية والاتفاق عليه، لم تحدّد موسكو بعد حجم الإصلاحات الجذرية ولا مَن هم ممثلي الحكومة والمعارضة. الأمر متروك للمفاوضات الطويلة والصعبة. رغم كل النفي عن البحث في “مستقبل الأسد”، لم يذكر بيان الخارجية الأسد. من المؤكد أنّ مستقبل الأسد خروج من اللعبة. الروس ومعهم الإيرانيون، يريدون تأخير خروجه، لأنّه يبقى رمزاً لوجودهم ودورهم في سوريا. سقوطه يشكّل إشارة لخسارتهم.

واشنطن كما يبدو فهمت التوجّه الروسي وهي تريد مراعاته ضمن “سلة” مشتركة بينهما، لذلك إذا كانت موسكو قد تقدّمت باتجاه الحل السياسي خطوة، فإنّ واشنطن ستتراجع خطوة في الحل العسكري، الذي تركت إدارته أصلاً لفرنسا وبريطانيا.

الحل وراء الأبواب الموصدة على المتحاورين لكن لأنّ موازين القوى على الأرض مهمّة جداً في بلورة الشروط والشروط المضادّة، فإنّ سوريا ستشهد مزيداً من عسكرة الثورة، ومزيداً من الخسائر إلى أن يقتنع بشار الأسد أنّه كلما عجّل في مغادرة السلطة كلّما خفف حجم المآسي على الشعب السوري، كذلك ينقذ نفسه من نهاية خارجة من المشهد الأخير للقبض على معمر القذافي.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى