صفحات العالم

لماذا تستمر روسيا في دعم الأسد؟

أندري تسيغانكوف

تستند المقاربة الروسية للشرق الأوسط إلى نظرة عالمية تختلف جوهرياً عن النظرة التي يتشاطرها الغرب. فالخطاب الطاغي حالياً في روسيا يعكس ثقافة تجمع بين التأثيرات الغربية والشرقية على السواء مع الحفاظ على تميُّزها. فيما يصرّ مؤيّدو ما يُعرَف بالمقاربة الحضارية على حماية القيم الروسية المتميّزة، يوضَع النقاش حول السياسة الخارجية أكثر فأكثر في أطر ثقافية.

حدّد الكرملين تهديدَين كبيرَين لرؤيته عن روسيا كحضارة عند تقاطع العالمَين الغربي والإسلامي. الأول هو الإسلام الراديكالي والقتالي.

وللخوف الروسي من الإسلام القتالي جذور محلّية. فالتأثير المتنامي للأيديولوجيات الإسلامية، والهجرة المتصاعدة من الجمهوريات السوفياتية السابقة ذات الغالبية المسلمة، والدمار في شمال القوقاز ولّدت بيئة خطرة.

التهديد الثاني للنظرة الثقافية الروسية نابع من نزعة راديكالية متمحورة حول الإثنية داخل الحضارة الغربية. تسعى هذه المدرسة الفكرية إلى تصوير القيم الغربية بأنها متفوّقة على قيم باقي العالم، وإلى تبرير شرعية الأعمال العسكرية تجاه الآخرين ومحاولات الهيمنة عليهم.

من وجهة النظر الروسية، ما بدأ كعملية لمكافحة الإرهاب في أفغانستان مع دعم دولي واسع نسبياً تحوّل “حرب حضارات”، أو حملة صليبية أميركية ضد المسلمين. فبدلاً من إشراك المسلمين المعتدلين، نزعت السياسات الأميركية نحو عزلهم، مما صبّ في مصلحة الأصوليين الإسلاميين. نتيجةً لذلك، تصادمت النزعتان الغربوية والإسلاموية، وانتشر العنف وعدم الاستقرار في مختلف أنحاء العالم، الأمر الذي يشرح الخوف الروسي من تغيير الأنظمة في الشرق الأوسط، والذي يعتبر الكرملين أنه يؤدّي إلى اتّجاه الإسلام العالمي نحو الراديكالية والتشدّد.

في محاولة للجم النزعة الغربوية، رفض الكرملين التدخّل العسكري في سوريا، ودعا إلى مفاوضات بين الرئيس السوري بشار الأسد والقوات الثورية في البلاد. بعد الميل الذي أظهره الغرب للاعتماد على القوّة من يوغوسلافيا إلى ليبيا، يرى الكرملين أن النزعة الغربوية تطغى في عواصم الغرب.

حاولت روسيا في تعاملها مع الإسلاموية القتالية، تعزيز من اعتبرت أنهم يشكّلون قوى سياسية معتدلة في الشرق الأوسط. وكان الاستعداد الروسي للانخراط مع إيران و”حماس” وسوريا محاولة للتعويض عن الأخطاء الغربية مثل الدعوات لمقاطعة الانتخابات في إيران أو محاولات الضغط على الناخبين الفلسطينيين أو دعم الثوّار السوريين.

لم يسفر التركيز الروسي على المفاوضات عن تسوية سلمية في يوغوسلافيا أو مصر أو ليبيا. وربما ذهبت الحرب الأهلية في سوريا أيضاً بعيداً جداً إلى درجة لم يعد ممكناً معها التوصّل إلى حل سلمي فاعل. لكن على الرغم من الصعوبات والمخاطر، ليس هناك فعلياً بديل من الحوار والمفاوضات. فتغيير النظام لا يحقّق السلام، كما نستخلص من الدرسَين العراقي والليبي. وفي حالات كثيرة، لا يؤدّي سوى إلى اشتداد العنف وعدم الاستقرار. ويتبيّن أن المحاولات الهادفة إلى إطاحة نظام الأسد تعود بنتائج عكس المتوخّاة.

إذا استمرّت القوى الخارجية في دعمها الفئوي للأطراف المتناحرة، سوف تتحوّل الأزمة السورية حرباً بالوكالة بين القوى الكبرى. وعندئذٍ ستصبح سوريا أولى ضحايا النظام العالمي الجديد المتعدّد القطب، وقد تتبعها بلدان أخرى.

    “موسكو تايمز” ترجمة نسرين ناضر

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى