صفحات العالم

لمصلحة من قتل وتوريط الفلسطينيين في سوريا؟


د. فايز رشيد

ستة عشرة شهيداً فلسطينياً من مجنّدي جيش التحرير الفلسطيني قتلوا بالرصاص الموجه إلى صدروهم ورؤوسهم وذبحوا بدم بارد بالسكاكين والبلطات، وذلك أثناء عودتهم في إجازاتهم من المعسكر وهم في طريقهم إلى بيوتهم وذويهم، بالقرب من مدينة حماة. هؤلاء الشهداء ليسوا الأولين من الفلسطينيين في سوريا ولن يكونوا الأخيرين فمجموع من استشهدوا من فلسطينيي سوريا يزيد عن الثلاثمائة شخص بين من اختطف وقتل وبين من اغتيل، منهم ذوي رتب عالية في جيش التحرير الفلسطيني. قبيل تشييعهم افتعل منظمو هذه الجريمة النكراء اشتباكات عنيفة في مخيم اليرموك، إذ جاء مسلحون ملثمون وبدأوا بإطلاق الرصاص في شارع فلسطين في المخيم وهاجموا مكاتب بعض الفصائل الفلسطينية واقتحموها، وجاءت قوات الأمن السورية وحصل الاشتباك وجرى إطلاق الرصاص. والضحية عشرات الفلسطينيين من ساكني المخيم بين قتيل وجريح.المسلحون الغازون للمخيم كتبوا على جدران بيوته عبارات تستفز الفلسطينيين وتحقّر من منزلتهم،بالطبع أثناء تشييع قسم من الشهداء في مخيم اليرموك صبيحة اليوم التالي علت الهتافات المستنكرة لهذه المذبحة. الأجواء في المخيمات الفلسطينية متوترة كثيراوأهالى مخيم درعا هجروه.

باختصار شديد: يريدون زّج الفلسطينيين في أحداث سوريا،هذا في الوقت الذي حرص فيه الفلسطينيون هناك ومنذ بداية الأحداث على النأي بأنفسهم عمّا يجري، فقامت الفصائل الفلسطينية ووجهاء المخيمات بإصدار بيانات عديدة، توضح بما لا يقبل مجالاً للشك: بأن الفلسطينيين في سوريا مع الشعب السوري في مطالبه العادلة في الديموقراطية والإصلاح. ومع سوريا المستهدفة من قبل أطراف عديدة، واعتبروا الأزمة شاناً سوريا داخلياً ليس لهم دخل به، وأنهم في حقيقة موقعهم ضيوف على الأرض السورية بانتظار العودة المظّفرة إلى بلدهم فلسطين. في نفس السياق يأتي موقف جيش التحرير الفلسطيني الذي حرص ومنذ تشكيله على الأيحاء بأن وجهته القدس وعدوه الأساسي هو إسرائيل.لقد شارك جيش التحرير الفلسطيني في مواقع كثيرة للدفاع عن الثورة الفلسطينية كما حصل أثناء العدوان الصهيوني على لبنان في عام 1982، وشارك في المعارك دفاعاً عن الأرض العربية ضد إسرائيل. هذا هو تاريخ جيش التحرير الفلسطيني وواقعه، والذي قتل وذبح مؤخراً ستة عشرة مجنداً من أبنائه وجرى ذبحهم بدم بارد.

عشنا مرحلةً بعد انطلاق الثورة الفلسطينية وبدء عملياتها الموجعة للإسرائيليين وما بعد ذلك،كان أحد عناوينها: أن أيّ عمل تخريبي في العالم حتى لوجرى في سيبيريا، فرأساً توجه الأنظار والاتهامات إلى الفلسطينيين واتهامهم بارتكابه أو كانوا يقولون مثلاُ: أن المشتبه به أو بهم يحمل أو يحملون ملامح شرق أوسطية، وما إن تتبين جنسية المتهم أو المتهمين بأنهم غير فلسطينيين، حتى يتنفس الفلسطينيون الصعداء بملء صدروهم حامدين ربهم أن مرتكب /مرتكبي الحادثة ليس/ليسوا فلسطينيين.

هذا المشهد انسحب أيضاً على بعض الدول العربية، فما أن يجري حدث سلبي ما في هذه الدول، حتى تتجه أصابع الاتهام إلى الفلسطينيين، ويتبين فيما بعد أن الفلسطينيين يقفون خارج الصورة وخارج هذه الدائرة من الاتهامات، الفلسطينيون مثلهم مثل باقي شعوب الأمة العربية عروبيون (بل من أشد الشعوب العربية عروبة) في انتمائهم، بحكم الظروف التي تعرضوا إليها، والقضية الفلسطينية كانت دوماً وستظل القضية الأولى للأمة العربية من محيطها إلى خليجها. منذ بداية الأزمة السورية حاولت أطراف سورية عديدة جرّ الفلسطينيين إلى مواقعها لكنهم ومنذ اللحظات الأولى للأزمة،حرصوا أن يكونوا حياديين فيها، لأنه لو حصل لا سمح الله وأن انضّم الفلسطينيون إلى طرف من الأطراف لجرى وصف الأزمة: بأنها صراع بين الفلسطينيين والطرف المقابل، ولتم نسيان الصراع الداخلي تماماً. ما نقوله ليس تصورات وإنما هو حقيقة بالفعل، فكم مرّة جرى الزّج باسم الفلسطينيين ليتبين فيما بعد خطأ تلك التقييمات.

لقد حرصت الفصائل الفلسطينية ومنذ انطلاقة الثورة المعاصرة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية بلا استثناء، فالحركة الوطنية الفلسطينية ليست بديلاً لهذا الشعب العربي أو ذاك، فمهمة التغيير في البلدان العربية هي مهمة شعوبها بالدرجة الأولى والأساسية، كما حرصت الثورة الفلسطينية على عدم تصدير الثورات إلى أي بلد عربي أو أجنبي، بالعكس، الآخرون هم الذين افتعلوا المعارك معها، ومعظم حروبها كانت دفاعاً عن النفس، على طريق مجابهة العدو الصهيوني ومقاومته من خلال الكفاح المسلح. لقد حرصــــت الثورة الفلسطينية أيضاً على عدم التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية وعلى القرار الوطني الفلسطيني المستقل. هذه القضية الواقعية فهمها البعض الفلسطيني بطريقة خاطئة فأسقط عليها تنازلاته وتقصيراته، لكن ذلك لا يلغي صحة الشعار. هذه المعادلة هي التي حكمت العلاقة بين الحركة الوطنية الفلسطينية وبين الدول العربية بلا استثناء.

الفلسطينيون في العراق ذاقوا الأمرين لما جرى في هذا البلد العربي، وعوقبوا بعد الاحتلال الأمريكي له، وكأنهم كانوا الساعد الأيمن لصدّام حسين، طرودا من بيوتهم وجرى تهجيرهم إلى الحدود السورية والأردنية مع العراق، يعيشون ظروفاً قاسية في غاية الصعوبة والقسوة، يعيشون في الصحراء وبلا مساعدات، وغالبية الدول العربية المجاورة رفضت دخولهم إليها،إلى أن تم حل مشكلة البعض منهم باللجوء إلى بعض الدول الأوروبية والأخرى في أمريكا اللاتينية.

الفلسطينيون في لبنان ممنوعون من العمل (حتى اللحظة) في أكثر من 72 مهنة، وممنوعون من حق التملك وتوريث الأبناء وباقي أفراد العائلة، والدخول إلى المخيمات بحاجة إلى تصاريح من الجيش اللبناني مثل مخيم نهر البارد، وحواجز الجيش تقف على أبواب الدخول والخروج من المخيم. وهم متهمون من قوى عديدة بأنهم سبب القتال بين الأطراف اللبنانية.

الفلسطينيون في ليبيا إبّان حقبة القذافي جرى طرودهم من أعمالهم وبيوتهم، وهجّروا إلى الصحراء على الحدود الليبية-المصرية ولم يكن باستطاعة العديدين منهم، العودة إلى الضفة الغربية أو إلى قطاع غزة، عاشوا ظروفاً قاسية، وبعد الحراك الجماهيري وقتل القذافي تم التعامل معهم على أنهم كانوا من أكبر مؤيدي نظام القذافي. عاشوا في ظروف في منتهى البؤس والحرمان.

الذين يقومون بقتل وذبح الفلسطينيين في سوريا ليسوا بشراً وليس لهم علاقة بالعمل الوطني، إنهم يمتهنون البلطجة ليس إلاّ، وإلا ما معنى التشويه بالجثث من خلال الذبح بالسكاكين والبلطات؟ كثيرون باسم الثورية يرتكبون المذابح، وباسم الوطنية يقترفون المآسي. يريدون عقاب الفلسطينيين على ماذا؟ على النأي بأنفسهم عن أزمة سورية داخلية! كل هذه العذابات والقتل عاناها الفلسطينيون وما يزالون وسيظلون رغم حيادية موقفهم، فماذا سيكون شكل العقاب من الطرف الآخر فيما لو وقفوا بجانب طرف في الصراع الدائر؟ الفلسطينيون في سوريا يزيدون عن 600 ألف وموقفهم كما وضعهم في غاية الحساسية، ورغم كل ذلك يريدون الزّج بهم في أتون الأزمة. قتل الفلسطينيين فقط يصب في مصلحة العدو الصهيوني، كذلك هي عملية توريطهم في الشأن الداخلي السوري . سيظل العار يلاحق قتلة الفلسطينيين.

‘ كاتب فلسطيني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى