صفحات العالم

سوريا الجديدة… أي دور لأميركا؟


دانيل بليتكا

بعد أشهر من إراقة الدماء، مازال البعض في واشنطن يقول إن القتال في سوريا ليست لديه أي علاقة بالولايات المتحدة، لكنهم مخطئون. ذلك أنه علاوة على المبدأ، فالأكيد أن لدينا مصالح في ضمان استقرار بلد محوري في الشرق الأوسط، وليس فقط لأن نظام الأسد يمتلك برامج أسلحة نووية وكيماوية. فكيف يمكن للولايات المتحدة أن تحدث تأثيراً، رغم شلل المجتمع الدولي وتردد إدارة أوباما في دعم المعارضة السورية؟

أولا، على واشنطن أن تكف عن تفويض سياسة سوريا للأتراك والسعوديين والقطريين. إنهم بالطبع جزء من الجهد المناوئ للأسد، لكن أميركا لا يمكنها أن تتحمل تحول سوريا إلى دولة وكيلة لقوة إقليمية أخرى من جديد. وإذا كانت لدينا مصلحة ما، فإنها تكمن في المساعدة على قيادة سوريا نحو مستقبل مستقر، غير رهين بأي دولة. والواقع أنه على مدى عقود شكلت دمشق محور استراتيجية إيران الشرق أوسطية: فسوريا هي بمثابة القناة التي تسلح عبرها إيران “حزب الله”، وميدان تدريب بالنسبة للحرس الثوري الإيراني، ومحطة بالنسبة للإرهابيين الراغبين في زعزعة استقرر العراق. لكن الأسد ووالده كانت لهما أيضاً أولوياتهما الخاصة؛ مثل الهيمنة على لبنان، ودعم مجموعات إرهابية تعادي إسرائيل.

وإذا كان مصير الأسد هو الرحيل في الأخير، فإنه لا يوجد شخص مرشح لخلافته. وسوريا لن تكرر النماذج التونسية أو اليمنية أو الليبية أو المصرية: فحتى الآن ليس ثمة ملجأ يمكن لحكومة انتقالية أن تشرع في العمل منه؛ وإذا كانت ثمة انشقاقات درامية، فإن القليل من المنشقين يرون في أنفسهم الأهلية للترشح لمنصب الرئيس. كما أن الأحزاب السياسية المنظمة قليلة؛ وهي منقسمة بين الداخل والخارج.

والواقع أنه من المغري احتضان “المجلس الوطني السوري”، وذلك باعتبار أن لديه برنامجاً سياسياً ديمقراطياً، كما أنه يقوم بإعداد مخططات انتقالية لمستقبل سوريا. لكن الكثيرين يعتقدون أن “المجلس” غدا صنيعة أنقرة.

ثم إن هناك على الأقل ثلاث مجموعات سنية في معظمها؛ “المجلس الأعلى للثورة السورية”، و”لجان التنسيق المحلية”، و”الهيئة العامة للثورة السورية”، وجميعها تعمل مع فروع لـ”الجيش السوري الحر” على المستوى المحلي، وتقول إنها تمثل جزءاً من سوريا محررة.

كما توجد مجموعتان كرديتان تمثلان الأقلية الكردية في سوريا البالغ تعدادها 2٫5 مليون نسمة. وأخيراً، هناك الطائفة العلوية التي تشكل نحو 12 في المئة ومنها رموز النظام.

غير أن مجموعات المتمردين ليست بمفردها؛ ذلك أن للكثير منهم علاقة خاصة برعاة خارجيين: “المجلس الوطني السوري” مع تركيا؛ و”الهيئة العامة للثورة السورية” مع قطر والسعودية، و”المجلس الأعلى للثورة السورية” مع متشددين إسلاميين آخرين. وكل واحدة من هذه المجموعات تتلقى أسلحة ودعماً من أطراف خارجية، كما أن كل واحدة منها تصنف في مكان ما على الطيف، من الديمقراطيين إلى الإسلاميين السلفيين. مع العلم أن المجموعات المرتبطة بـ”القاعدة” ليست لديها مصلحة في رؤية سوريا ديمقراطية علمانية. وكذلك الحال بالنسبة لإيران و”حزب الله” الداعمين للأسد.

وبالنظر إلى تقدم المعارضة ميدانيا، وآلية اتخاذ القرارات المتصلبة في واشنطن، ربما يكون الأوان قد فات كي تشرع الولايات المتحدة في تسليح المعارضة. غير أنه لم يفت الأوان للتدخل مع حلفاء راغبين مثل الأتراك، طالما أننا نتعاون بدون التخلي عن السيطرة. هذا لا يعني بالضرورة جنوداً على الأرض، ولكن ثمة الكثير مما يمكن كسبه من خلال منطقة آمنة للسكان وممرات آمنة تتم مراقبتها جواً. فهذه الخطوات قد تساهم في استعادة الولايات المتحدة مصداقيتها في الشرق الأوسط.

أما سياسياً، فحان الوقت للكف عن القول إن المعارضة ليست “قابلة للنمو والحياة”. فمن الواضح أن العكس صحيح.

ثانياً، يتعين على إدارة أوباما أن تشجع كل الأطراف على إيجاد رؤية شاملة ومشتركة من النوع الذي وضحه “المجلس الوطني السوري”، لكن من دون وضع كل البيض في سلة “المجلس”. ولهذا الغرض، يتعين على واشنطن العمل بسرعة مع حلفائها الأوروبيين من أجل بناء الثقة في زعيم وطني ملتزم بالحكم الديمقراطي. كما يتعين عليها وضع قوتها الدبلوماسية وراء أطراف ذات مصداقية ولديها مخططات سياسية واقتصادية جادة.

ثالثاً، يتعين على الولايات المتحدة أن تدعم تشكيل حكومات انتقالية على المستويات المحلية أو حكومة وطنية انتقالية في المناطق التي يبسط عليها الثوار سيطرتهم.

وأخيراً، علينا أن نفتح آفاق شراكة؛ فقد شاهد الشعب السوري روسيا ودول أخرى تدعم آل الأسد على مدى عقود. لذلك، فإن واشنطن في حال أفضل، إن لم تكن مثالية. ومن خلال تعاونها وعملها مع حكومة صاعدة، لديها فرصة لخدمة المبادئ والمصالح معاً، في وعد لجميع السوريين بمستقبل أفضل.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة “واشنطن بوست وبلومبورج نيوز سيرفس”

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى