صفحات الثقافة

رسالة إلى الشعبين السوري واللبناني/ عقل العويط

عشية الحرب الأميركية على العراق، 11 آذار 2003، كتبتُ على الصفحة الأولى في “النهار”، مقالاً عنوانه “رسالة إلى الله”، قامت القيامة عليَّ وعليه ولم تقعد، بسبب ما انطوى عليه من مخاطبة ظاهرية “وقحة” للعزّة الإلهية. المختصر المفيد للمقال، أن السياسة الأميركية شرٌّ كلّها، ولا رجاء فيها. فبذريعة القضاء على الأسلحة الكيميائية في بلاد ما بين النهرين، أتت بجيشها وحلفائها، لا من أجل “تحرير” الشعب العراقي من الكابوس الصدّامي البعثي، بل من أجل تحقيق مصالحها وتطبيق أفكارها الاستراتيجية “الخلاّقة”.

سمّيتُها يومذاك، “الشيطان الأكبر”، وهذا تعبيرٌ يستخدمه الملالي الإيرانيون عادةً في وصف السياسة الأميركية، القائمة على الانتهازية والماركنتيلية والولاء المطلق للمغتصب الصهيوني والعداء لتوق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى إلى العدالة والحرية. لم يكن عندي لدى استخدام هذا التعبير أيّ رغبة في التماهي مع الإيرانيين، ولا، بالطبع، أيّ “أسى” حيال مصير الديكتاتورية البعثية، في شقّيها الصدّامي العراقي والسوري الأسدي. بل اخترته يومذاك، وأجدّد اختياري له الآن، لاعتقادي أنه الأكثر دقةً في وصف حقيقة هذه السياسة.

نحن اليوم، عشية ضربة عسكرية محتملة يوجّهها الأميركيون وحلفاؤهم الغربيون، لا لإراحة الشعب السوري من ديكتاتورية هي من أعتى الديكتاتوريات في العالم، بل “تأديباً” محدوداً للنظام السوري القاتل، بسبب الهجوم بالأسلحة الكيميائية على الغوطة.

رسالتي في هذه المناسبة إلى الشعبين السوري واللبناني، أني لا أثق البتة بهذه الخطوة العسكرية. فهدفها تعميق الخراب، وشرذمة الأرض شعبياً وعسكرياً وأمنياً، تبعاً لمواقع الطوائف والمذاهب والجماعات المسلّحة. فإذا لم يكن ثمة أخلاق ولا قيم في السياسة عموماً ومطلقاً، فكيف يكون الأمر إذا تعلّق حصراً بالسياسة الأميركية؟!

إلى الشعب السوري كلّه، وخصوصاً إلى جماعاته الثورية، المتحررة من كل تبعية، أطائفيةً كانت أم مذهبية أم سياسية، إقليمية أم دولية، تذكيره بتاريخ السياسة الأميركية، وبالمآسي والكوارث المترتبة على كلّ من يضع ثقته فيها. ليس لي أن أعظ. حاشا. لي فقط أن أشهد.

أما رسالتي إلى اللبنانيين، فأن يدرأوا، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، عبر فتح الأفق السياسي المسدود، وتحصين الوحدة الداخلية المريضة، الخطر الكياني الأكيد والمحتوم، الذي سينجم مباشرةً، وفوراً، عن هذا الهجوم، والذي تنذر تباشيره السياسية والأمنية، شمالاً وجنوباً، عاصمةً وجبلاً وبقاعاً، بما لا يمكن تصوّر مآلاته واستشراف حرائقه الكيانية.

هذه رسالة إلى الشعبين السوري واللبناني، وليست رسالة إلى الله، لكي تقوم القيامة ولا تقعد بسببها. أكتبها برهبة وتواضع. فلتُقرأ بعناية.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى