صفحات العالم

زيـف الجمـاعـة


ساطع نور الدين

عندما تعلن جماعة الاخوان المسلمين أنها قررت ترشيح نائب مرشدها خيرت الشاطر لانتخابات الرئاسة، من اجل ان تتصدى لما وصفته بأنه «تهديد حقيقي للثورة والديموقراطية»، تغترب اللغة عن لسانها، وتخطئ الكلمات معناها، ويصبح البيان تلاعباً غريباً بمصطلحات لا تحتمل التأويل.

والواقع انه لم يكن ولن يكون من السهل يوماً ان تجتمع الجماعة المؤسسة لمختلف التيارات الاسلامية في جملة واحدة تضم الثورة والديموقراطية. فالإسلام السياسي، وهو المرادف للاخوان، لم ينتج ثواراً بالمعنى الدقيق للكلمة، بل أثمر جماعات التكفير والهجرة التي انتهت الى إرهاب لا ينكره إلاسلاميون انفسهم، وأسفر عن بعث فكرة الشورى التي لا تعترف بالمرأة ولا تقبل طبعاً بغير المسلم.

لعل التاريخ ظلم الاسلاميين بعض الشيء عندما سجل ان جميع دولهم وثوراتهم قامت على التواطؤ مع الأجنبي ثم اختلفت معه فانقلبت عليه واشتبكت معه، فكان هذا المسار المتعرج الذي يشي بالكثير من التخفي والتلون، والذي يشهد في هذه المرحلة واحداً من اهم اختباراته السياسية جراء الثورة الديموقراطية التي تنتشر في مختلف انحاء العالم العربي، وتسهم في نقل ذلك التيار الاسلامي بسرعة فائقة من السر الى السلطة.

بشكل عفوي مثير، يتحدث إخوان مصر، مثلهم مثل اخوان مختلف الدول العربية، عن حماية الثورة باعتبارها ثورتهم وملكهم وإرثهم، وهم الذين وقفوا ضدها منذ اللحظات الاولى، ثم انضموا بتردد الى صفوفها المفتوحة للجميع، من دون ان يقطعوا شعرة معاوية مع النظام ثم مع ورثته، وتوصلوا معهم الى تفاهم كاد يطيح بالثورة والثوار، وكاد يؤدي الى إعلان الخلافة وحكم الشريعة، لولا بعض الحرج والحذر.. ولولا بعض التروي من قبل العسكر.

مثلما لا يمكن الربط بين تقديم مرشح للرئاسة وبين الحاجة الى الدفاع عن الثورة والديموقراطية، كذلك لا يمكن اختزال هذه الخطوة بالصراع مع العسكر. فالحساب للجماعة من الآن فصاعداً هو لنقضها العهود التي قطعتها على نفسها وعلى أعضائها وجمهورها الذي منحها غالبية في مجلس الشعب الجديد. وهو يتخطى فكرة ان الجماعة تمارس السياسة مثل أي حزب سياسي يضطر بين الحين والآخر الى التخلي عن أفكاره ومبادئه وقيمه وشعاراته، لكنها تعمل من أجل الوصول إلى السلطة عبر الخداع والنفاق حتى على نفسها.

وهو بهذا المعنى اختبار مفيد، لأنه يعرّي الجماعة ويكشف زيفها، الذي سيؤدي حتماً الى تشقق صفوفها، وإثارة المزيد من الشكوك حول مصداقيتها، وهو ما لن يستفيد منه خصومهم السلفيون، بقدر ما سيعيد الثورة والديموقراطية الى سياقها الطبيعي الذي حرفه الإسلاميون عندما تسرّعوا في طلب حصر الإرث الذي لم يكن لهم نصيب فيه، ولن يكون.

حق الجماعة أن يكون لها مرشح رسمي للرئاسة، وواجب الآخرين ان يضــعوا حداً لذلك الزعـم القائل بأن الربيع العربي صار إسلامياً.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى