صفحات العالم

مقالات تناولت خطاب أوباما الأخير عن الازمة السورية

 

 

سوريا: ماذا يريد حقا الرئيس؟/ فريدريك سي هوف

جاء خطاب الرئيس باراك أوباما في حفل تخرج الأكاديمية العسكرية في ويست بوينت West Point ليشير – وإن كان بصورة غامضة – إلى مظاهر اتجاه جديد في سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا، أحد هذه المظاهر هي أن «الرئيس سوف يسعى إلى الحصول على دعم الكونغرس من أجل تسليح وتدريب المتمردين السوريين وتزويدهم بالعتاد المطلوب». ولكن دعونا لا نتسرع في هذا الأمر، ففي إيفاد تال على هذا الخطاب قام به أحد أعضاء الإدارة الأميركية البارزين، قال فيه إن ما كان يدور في خلد الرئيس هو «مناقشة مع الكونغرس حول احتمالية أن يكون هناك دور عسكري للولايات المتحدة» في تقديم المساعدة للمعارضة المسلحة. وأضاف المتحدث البارز أن الرئيس يريد «أن يأخذ في الاعتبار ما إذا كان اقترابا يتضمن دورا عسكريا من جانب الولايات المتحدة يمكن أن يضيف شيئا إلى قدرة الولايات المتحدة على زيادة الدعم للمعارضة، ولكن حينما نأتي إلى هذا الأمر، فيجب أن يكون جزءا لا يتجزأ من الاستراتيجية الأكبر التي تضم الشركاء والحلفاء».

وجد الصحافيون أنه من الصعب تجاوز شكوكهم، «هل قامت الإدارة باتخاذ القرار باقتراح هذا الأمر أم ليس بعد؟»، هل ما تقولون لهم عن هذه الفكرة الكبيرة المتعلقة بالتنسيق والحوار هو عبارة عن مجرد تأخير؟.. هل هناك أي شعور بالمسؤولية العاجلة هنا؟

 

من الجلي تماما أنه ليس هناك أي شعور بالمسؤولية العاجلة، فطبقا لهذا المسؤول فإن «المناقشة والحوار مع الكونغرس سوف تكون مسألة مستمرة بالنسبة لنا ونحن ندخل فصل الصيف». فهناك – طبقا لهذا المسؤول – ببساطة سؤال منفصل متعلق بالمسؤوليات الإضافية التي يمكن أن تكون ضرورية لقيام القوات المسلحة الأميركية بالمشاركة في جهودنا، وهذا السؤال سوف يناقَش في الأسابيع المقبلة.

هل من المعقول أن يكون صحيحا أنه على مدار عامين من التحول العميق للأزمة السورية إلى الطبيعة المسلحة لا تزال إدارة أوباما ينقصها المعرفة الضرورية المتعلقة بالصلاحيات القانونية ذات الصلة، والتي تحكم دور وزارة الدفاع في تسليح وتدريب مجموعات مختارة من المعارضة السورية وتقديم العتاد لهم؟ هل من الممكن ألا يكون لدى الإدارة الأميركية رؤية محددة تجاه هذا الأمر – خصوصا في هذا الوقت المتأخر – فيما يتعلق بما إذا كان مثل هذا الدور بمثابة إضافة قوة حقيقية إلى جهود المساعدات الأميركية.

في المقابلة التي أجراها الرئيس أوباما مع محطة الإذاعة العامة الوطنية بعد خطابه في الأكاديمية العسكرية، سعى الرئيس الأميركي إلى توضيح الأمور بعض الشيء، حيث قال: «إن الأمر في سوريا هو دائما كيف نبذل أقصى ما في وسعنا من أجل دعم المعارضة المعتدلة ومساندتها، آخذين في الاعتبار أنه سوف تكون هناك قيود على مدى سرعة قيامنا بدعم قدرات المعارضة، وأن ما لا نريده هو عدم وضع هؤلاء في مسار فاشل. نحن لا نريد أن نقطع وعودا على أنفسنا ولا نستطيع الوفاء بها».

إلا أنه بالنظر إلى الأمر الذي طرحه أوباما، كيف يكون رئيس الولايات المتحدة ليس لديه بعد – في شهر مايو (أيار) من عام 2014 – رؤية متماسكة يمكن طرحها بلغة واضحة فيما يتعلق بالأزمة السورية؟ لماذا يبدو – بعد أكثر من ثلاث سنوات منذ اندلاع الصراع السوري – أن الدور المحتمل لوزارة الدفاع في دعم المعارضة السورية وكأنه سؤال ألقاه أحد الأشخاص في صندوق البريد الخاص بالرئيس مؤخرا؟

هناك افتراض يسود الآن في واشنطن حول أن الرئيس كان حقا جاهزا من أجل أن يقول – بصورة صريحة جدا – إنه سوف يطلب من الكونغرس إعطاءه السلطات من أجل توظيف وزارة الدفاع في برنامج تسليح وتدريب المعارضة السورية وتزويدها بالمعدات، إلا أن التسريبات التي قامت بها وسائل الإعلام قبيل إلقائه خطابه في الأكاديمية العسكرية أغضبت الرئيس ومساعديه، الأمر الذي دعاهم إلى تغيير نص الخطاب، ونأمل ألا يكون الأمر كذلك، فالحكم بصورة فعالة لا يتضمن محاولة إجادة الرسالة والحفاظ على انضباطها الداخلي، ولكنه هو أمر أكثر من ذلك، فهذا الأمر يبدأ من أن يعرف الشخص ماذا يريد، ثم يبدأ في بناء الدعم المطلوب من أجل تحقيق خطة محكمة وعميقة، فهذا يرتكز على عمل الأشياء على أرض الواقع وليس مجرد الحديث بكلمات.

إن هناك الكثير من الحجج التي يمكن أن تساق في إطار تفضيل أو رفض الأمر المتعلق بها إن تسلم القوميون السوريون دعما حقيقيا يمكن أن يحسن من مستوى المساعدات الأميركية، وما الجهة التي يمكن أن تقوم بهذا الأمر على أكمل وجه؟ إن الشيء غير المقبول هنا – في سياق الوضع المريع في سوريا – هو أن تقوم السلطة التنفيذية في الحكومة الأميركية بالاقتراب من هذا الأمر الآن في وقت الصيف، الذي يعتبر وقتا للاستمتاع والترفيه. وفي إشارته إلى «المعارضة المعتدلة» قال الرئيس أوباما لراديو «إن بي آر» NPR إن خلق قدرة المعارضة على الثبات على الأرض من أجل أن تكون قادرة على رد الهجمات بصورة فعالة، وأيضا القدرة على التعرف على بعضهم بعضا من أجل تحقيق قدر من التماسك، هذه الأمور – لسوء الحظ – سوف تأخذ وقتا أكثر مما يعتقد كثير من الناس أو يحبون.

وإذا تركنا على الهامش حقيقة أنه قد تمت إضاعة وقت كبير بصورة غير معقولة في مناقشة أسئلة مرتبطة بمصالح الولايات المتحدة وأهدافها وخياراتها الاستراتيجية، والتي لم تتم الإجابة عنها بعد، ويجب أن نضع في الحسبان الاختلاف بين التفكير في مساعدة شخص ما من أجل الثبات على الأرض، في الوقت الذي يهدف فيه الخصوم إلى التحرك من أجل مساعدة نظام متوحش وإجرامي من أجل تحقيق نصر عسكري، تجاهل المحاولات المتكررة من أجل بناء رجال من القش: «أنا لم أفكر آنذاك وما زلت لا أعتقد أن التحركات العسكرية الأميركية يمكن أن تحل الحرب الأهلية الطائفية التي تزيد وتيرتها بسرعة شديدة»، وإذا وضعنا كل هذه الأمور على جانب فيمكن أن نتساءل هل يعتبر من الكثير جدا مطالبة الإدارة الأميركية أن تضع أمام الشعب الأميركي والكونغرس خطة عمل محددة ومصوغة بصورة جيدة ويمكن تنفيذها على الأرض – بالتعاون مع الحلفاء والأصدقاء – من أجل بناء قوة عسكرية قادرة على الدفاع عن السوريين وتكون قادرة على الانتشار في نهاية الأمر؟ إذا كان هذا فعلا ما يريده الرئيس أوباما من أجل سوريا، فإن طرح هذا السؤال ليس كثيرا الآن حتى في هذا التاريخ المتأخر.

*سفير سابق وباحث مقيم في مركز

رفيق الحريري للشرق الأوسط

التابع للمجلس الأطلسي في واشنطن

الشرق الأوسط

 

 

 

 

لا خيارات حقيقية معروضة على السوريين خطوة أوباما لا تشكّل حافزاً عشية “الانتخابات”/ روزانا بومنصف

لم يقدم الرئيس الاميركي باراك اوباما في خطابه الاخير امام خريجي الاكاديمية العسكرية خيارا قويا بديلا للسوريين يجعلهم يبتعدون عن خيار التسليم ببقاء الرئيس بشار الاسد ولاية ثالثة سواء انتخبه مليون او اثنين او اكثر بقليل ما دام وحده المرشح المخول الوصول الى الرئاسة. ففي خطاب واسع عن سياسته الخارجية تردد انه اعاد فيه صياغة اولويات ادارته وصادف إلقاءه في اليوم نفسه لبدء النظام انتخاباته في بعض السفارات التي سمحت دول بإجرائها، وعد اوباما بزيادة الدعم الاميركي للمعارضين الذين يقاتلون نظام الاسد ومساعدتهم في مواجهة خصومهم من المتطرفين مستبعدا اي حل عسكري في وقت قريب معلنا نيته العمل مع الكونغرس من اجل ذلك فيما بدت خريطة الطريق التي يرسمها طويلة الامد. لم يكن ما اعلنه اوباما، في حال شكل خطوة متقدمة عن مواقفه السابقة خلال الازمة السورية باعتبار ان كثرا لا يرونها كذلك، كافيا لاعطاء السوريين حوافز مختلفة على ابواب انتخابات ينظمها النظام من اجل ضمان استمراره. فلا خيارات عمليا سوى الخيارات المعروضة عليهم وهي لا خيارات فعلية.

في المقابل فان روسيا لم تقل كلمة في الوضع السوري قياسا بمواقف المسؤولين الروس ازاء التطورات في اوكرانيا في الاشهر الاخيرة على رغم ان روسيا كانت ستوفر مأساة الحرب في سوريا لو فعلت. فوزارة الخارجية الروسية كررت تحذيرها لكييف مرارا من ان “الزج بالجيش ضد الشعب هو جريمة وسيجر اوكرانيا الى الكارثة” الامر الذي بررته للنظام في سوريا كما طالبت بفتح ممرات انسانية للسماح للسكان المدنيين في شرق اوكرانيا بالخروج الامر الذي لا تزال ترفضه لسوريا لجهة فتح ممرات انسانية لايصال المساعدات. كما انتقد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كييف التي تسعى الى تحقيق الانتصار كما قال في الحرب الاهلية قبل ان تبدأ الحوار مع الاقليم فيما يغض النظر عن حرب يتابعها النظام من دون هوادة رافضا الحوار.

لن يكون غريبا ازاء ذلك مسارعة القادة الايرانيين الى استباق الفوز المرتقب للرئيس السوري في مناطق سيطرته بالتشديد على ان هذه الانتخابات تعزز شرعيته فيما تسجل طهران مكسبا في خانتها من دون ابداء اي تأثر او ايلاء اي قيمة للتقرير الاقتصادي الاخير الذي اصدرته الامم المتحدة عن سوريا والذي ورد فيه تحول الشعب السوري الى شعب فقير بنسبة 54,3 في المئة لا تستطيع ان تؤمن متطلبات العيش الاساسية وان 20 في المئة يواجهون الجوع وسوء التغذية اضافة الى هجرة اكثر من نصف الشعب السوري اماكن سكنهم الاصلية وهجرة 1,5 مليون سوري ولجوء اكثر من 2,35 الى الدول المجاورة. يضاف الى ذلك انهيار النظام الصحي حيث 61 من اصل 91 مستشفى عام غدوا غير عاملين واكثر من 45 في المئة خارج الخدمة كما انهيار النظام التربوي بوجود اكثر من 51,8 من ابناء سوريا خارج المدارس وتدمير اكثر من 4000 مدرسة فيما يقدر وفاة او اصابة او تشويه اكثر من 520 الف سوري.

لن يأبه النظام يقول متصلون به لاقتصار الاعتراف المحتمل بانتخاباته سوى على ايران وروسيا والصين. اذ ان خطته للسنة ونصف السنة المقبلة هي السيطرة على المدن السورية بما فيها حلب التي ستشهد كما يقول هؤلاء مصيرا مشابها لحمص على ان يعني ذلك بالنسبة اليه في المرحلة التالية عودة المجتمع الدولي الى الاعتراف به ومفاوضته!

النهار

 

 

أوباما وخيار الاستنزاف/ غسان شربل

أميركا لن تكون شرطي العالم. لن تضحي بأبنائها لاقتلاع مستبد. لن ترسل جيشها لزرع الديموقراطية قسراً في هذه الدولة أو تلك. لن تتحمل وحدها عبء إدارة العالم ومعالجة مشكلاته. الاعتماد على القوة العسكرية وحدها «ساذج وغير مستديم».

هذا ما يمكن استخلاصه من الخطاب الأخير لباراك أوباما. انتهت المرحلة التي أطلقها جورج بوش رداً على «غزوتي نيويورك وواشنطن». استخدام الآلة العسكرية الأكثر تطوراً في التاريخ لم يعد بالنتائج المرجوة. لم يسفر عن قيام عالم أقل خطورة.

دفعت أميركا باهظاً ثمن غرور القوة. تستطيع القوة الأميركية تدمير أي نظام معاد لكنها لا تستطيع بناء نظام صديق على أنقاضه. أوقعت حروب جورج بوش بلاده في استنزاف قلص قدراتها وهيبتها. لا يكفي أن يكون الجيش قوياً وقادراً على سحق خصومه. لا بد له من الاستناد إلى منطق مقنع يبرر تحركاته. وإلى اقتصاد قوي يشكل ضمانة للمجتمع والدولة والجيش.

كلام أوباما يوحي أن أميركا تريد التقاط أنفاسها. وإعادة تحديد مصالحها بشكل أوضح. وإعادة تحديد دورها وحدوده. لا تريد أن تكون اللاعب الوحيد في العالم. دور اللاعب الوحيد يرتب أثقالاً منهكة. تريد بالتأكيد أن تكون اللاعب الأول. وأن تبحث عن شركاء في هذه المنطقة أو تلك. تريد قيادة ائتلافات وتحالفات. إشراك آخرين في المسؤولية والأعباء.

لنترك جانباً أوهام الانتصار على أميركا خصوصاً حين تراود دولاً تئن تحت ركامها. يعتقد صوماليون أنهم مرغوا أنف أميركا في التراب لكن أين الصومال الآن؟ وتعتقد المقاومة العراقية أنها أذلت الإمبراطورية الأميركية لكن أين العراق الآن؟ يعتقد أهالي الفلوجة أنهم أثخنوا الجيش الأميركي لكن أين الفلوجة الآن؟ يسخر مؤيدون للنظام السوري من الخط الأحمر الذي تحدث عنه أوباما لكن أين سورية الآن؟ يرقص الرئيس عمر حسن البشير ساخراً من أميركا والمحكمة الجنائية الدولية لكن أين السودان الآن؟ يجدر بكثيرين تذكر أن فيتنام مرغت رأس أميركا في الوحل وتبذل الآن جهدها لاجتذاب المستثمرين والسياح الأميركيين.

أميركا قوة عظمى هائلة الإمكانات والأخطاء. من أبرز نقاط قوتها قدرتها على التوقف والمراجعة. ما تحدث عنه أوباما في خطابه الأخير قد يتحول نهجاً يستمر سنوات وبغض النظر عن اسم الرئيس. إنه قراءة للوضع الدولي ومشكلاته وموازين القوى وموقع أميركا في هذا العالم والصيغة الأفضل لدور يخدم مصالحها ويضمن موقعها.

في سياق هذا الفهم لدور أميركا الجديد يتعامل أوباما مع الملف السوري. لم يرسل الجيش لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد حتى حين اعتبر كثيرون أن الأسباب متوافرة والفرصة متاحة بعد اتهام النظام باستخدام السلاح الكيماوي. لن يزج القوات الأميركية «في حرب أهلية تزداد مذهبية». لكن ذلك لا يعني أن أميركا غسلت يديها من الوضع القائم في سورية.

في هذا الإطار يمكن قراءة ما أعلن عنه أوباما من مساعدات لدول الجوار السوري لتمكينها من تحمل أعباء مشكلة اللاجئين ومواجهة الإرهاب العابر للحدود. وكذلك حديثه عن دعم المعارضة المعتدلة بالتدريب والسلاح لتوفير بديل ينقذ سورية «من الإرهابيين والنظام الديكتاتوري».

ما شهدته بعض الاجتماعات المعلنة وغير المعلنة المتعلقة بالملف السوري يوحي بأن إدارة أوباما اعتمدت خيار الاستنزاف في سورية لقناعتها بعدم وجود حل عسكري «يمكن أن ينهي المعاناة الرهيبة في وقت قريب». الحديث عن دعم عسكري مدروس ومتدرج ومضبوط للمعارضة المعتدلة لإحداث تعديل في ميزان القوى في غضون عامين يرغم النظام على قبول حل سلمي يرسم ملامح سياسة الاستنزاف هذه. إنه استنزاف لإيران التي ألقت بكامل ثقلها لإنقاذ النظام في سورية وتدفع فاتورة استمراره. واستنزاف لروسيا وفق تصور يستخلص دروس الحرب الباردة والوضع الدولي الجديد الذي كشفته الأزمة الأوكرانية. والاستنزاف يعني التدريب والتسليح والدعم السياسي والمالي وترتيب ائتلاف يساهم في عملية الاستنزاف الطويلة.

في بداية الأحداث الدامية في سورية اتخذت طهران وموسكو قراراً يقضي بمنع المعارضة السورية من الانتصار. يبدو أننا عشية قرار مقابل اليوم. توحي اجتماعات عقدت حديثاً أن أميركا اتخذت قراراً بمنع النظام السوري من الانتصار. لهذا تبدو سورية مرشحة لاستنزاف طويل كما كانت فيتنام ذات يوم وأفغانستان في يوم آخر.

الحياة

 

 

خطاب أوباما وسياسة التبرير/ بشير هلال

بدل ان يرد على التساؤلات المفتوحة حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة في عهده، بدا خطاب الرئيس اوباما في أكاديمية «وست بوينت» العسكرية وما تمثله رمزياً، على مقدار عالٍ من التبريرية والشعور بالرضا، وهذا على رغم محاولة الإدارة الترويج قبل إلقائه بأنه سيكون خطاباً مفصلياً يتضمّن إعادة تعريف أهداف السياسة الخارجية وإطلاق مواقف «جديدة» من القضية السورية.

والحال أن الخطاب تضمن تبنياً لمفهومين ليسا جديدين في سياسته:

الأول، أن ليس «لكل مشكلة حل عسكري» مستشهداً لتأكيد ذلك بقول الجنرال الرئيس ايزنهاور بأن الحرب هي «الجنون الاكثر مأسوية والاكثر غباء في الطبيعة الانسانية» وبأن «بعض أخطائنا الأكثر كلفة منذ الحرب العالمية الثانية ليست ناتجة من امتناعنا، بل من إرادتنا المشاركة في مغامرات عسكرية من دون التفكير بنتائجها».

الثاني، أن الولايات المتحدة «لم تكن نسبياً أقوى مما هي عليه الآن»، وأن «مَن يعتبرون أن قوتها تتراجع يزيّفون التاريخ»، وأنها بهذه الصفة عليها «ان تقود الساحة الدولية، وإذا لم تفعل ذلك فلا احد سيفعله».

«التجديد» الوحيد الذي قدَّمه الرئيس أوباما جاء في مجال التحديد بالنفي لمحتوى العلاقة بروسيا البوتينية وتأكيده أن أحداث أوكرانيا ليست «حرباً باردة»، لكنه في المقابل تجنّب الإشارة إلى دلالات السياسة البوتينية في الملفيْن السوري والأوكراني بحيث بدا قوله «تمكّنا من عزل روسيا فوراً» وتجاهله أحداث شرق اوكرانيا كتبريرٍ ضمني لموقفه الموصوف بالضعف من خبراء وساسة اميركيين وأجانب، وكشرعنة لتقديره بأنه ما زال هناك «نظام دولي» فاعل. وهو ما أكده مستشاره بن رودس قبل يومين من الخطاب وتمهيداً له بأن قيادة الولايات المتحدة للعالم «يجب أن تكون في خدمة النظام الدولي»، على رغم أن الأخير موضع نزاع على توصيفه ومحتواه وأطرافه.

فهل هو نظام القطبية الأحادية الذي يمكن أن يوحي به تأكيد الخطاب بأن «لا غنى عن الولايات المتحدة على رأس القيادة الدولية، والسؤال ليس إذا كانت ستقود بل كيف ستفعل ذلك»، وأن الولايات المتحدة ستتابع استخدام القوة العسكرية بشكل أحادي «عندما تستدعي ذلك مصالحنا الجوهرية، ولدى تعرّض شعبنا لتهديد، وعندما يصبح رزقنا في خطر أو حين يتعرّض أمن حلفائنا لخطر». أو نظام القطبية الثنائية مع روسيا كما في عهد الحرب الباردة التي «لم تعُد»؟ او التعددية القطبية التي تضم دول البريكس وربما ايران أيضاً؟

ومثلما انه لا يُحدِّد صفة هذا النظام، فهو لا يحدد طبيعة قواه، وهل إن بعضها صالحٌ فعلاً بشروط وجودها وأساليب عملها لإقامة «نظام» ما، كالقوة التعطيلية الروسية مثلاً أو النظامين الصيني والإيراني؟ وما سيكونه «النظام» في هذه الحالة؟

الإشكال الآخر أن الخطاب أضاف قرينة جديدة على عودة مواربة ومتدرجة إلى مصطلح «الحرب على الإرهاب» الذي كان أعلن شطبه قبل اربعة أعوام، حتى لو تضمنَّت العودة المذكورة تقليصاً لأدوات ممارسته وتخفيضاً لمحتواه الأيديولوجي البوشي. وإلا فما معنى قوله إن «الإرهاب هو التهديد الأبرز للولايات المتحدة في المستقبل القريب» وإن واقع تحوُّله من مركزية تنظيم «القاعدة» إلى فصائل تابعة له يوجب فقط «على الردّ الأميركي أن يتغيّر أيضاً». وضمن هذا السياق أتت دعوته للشراكة مع دول تبحث تنظيمات إرهابية عن موطئ قدم فيها وتأسيس صندوق شراكة مقداره 5 بلايين دولار لـ «مكافحة الإرهاب» في أفغانستان والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

والحال أن «التغيير» الذي أعلنه الخطاب والمعلومات المسرَّبة قبله وبعده في القضية السورية بدا محصوراً بخطة متدرجة لتدريب «قوى المعارضة المعتدلة» وتزويدها بأسلحة نوعية مع شروط ضبطٍ وإشرافٍ صارمة. وإذا كان ذلك غير سيئ بذاته، إلا أنه يستدعي ملاحظات عدة:

– إنه يأتي بعد ثلاث سنوات قاسية اقتصر خلالها دعم واشنطن على تقديم «المساعدات غير الفتَّاكة» والامتناع الطوعي عن استخدام وسائل الضغط التي يفهمها النظام وحلفاؤه كما أثبتت تجربة الكيماوي.

– إنه يُقدَّم كبديلٍ لإرسال قوات عسكرية ولأي تحرك خارج مجلس الأمن لتأمين منطقة حظر جوي أو سواها من تدابير حماية المدنيين والمناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام.

– إنه أتى منعاً لـ «تصدير الأزمة إلى بلدان الجوار».

– إنه مشروطٌ بالتكامل مع الحرب على إرهاب «القاعدة» وفصائلها، على رغم إقرار أوباما بأن الشعب السوري يناضل «ضد ديكتاتور يقصف شعبه ويجوّعه»، وبأن فشل أميركا «في التحرّك لمواجهة الوحشية في سورية أو التحريض الروسي في أوكرانيا لا ينتهك فقط ضميرنا، بل يجرّ إلى تصعيد أكبر مستقبلاً»… وعلى رغم أن الادارة الاوبامية مسؤولة جزئياً على الأقل عبر سلبيتها وصمتها عن التدخلين الروسي والإيراني وعن مسالك بعض حلفائها الإقليميين، في انتشار نفوذ المجموعات الجهادية المتطرفة.

لا تعني هذه الملاحظات انه لم يكن على الثورة السورية التصدي السياسي والعملي للمجموعات المتطرفة التي همّشت الجيش الحر وأفسدت صورتها وأساءت إلى علاقتها بحواضنها الشعبية، وأن هيئاتها القيادية مسؤولة نسبياً لأنه كان ممكناً لها التنبه للأمر في وقتٍ أبكر، ولكنها تعني ان الأفق السياسي لما يمكن ان تريده إدارة أوباما للثورة السورية وتشرطها به لن يكون بالضرورة التغيير الجذري للنظام الأسدي بل إسقاط رؤوسه وتهجينه بشكليات ديموقراطية في تسوية «توافقية» تضمن نجاح مواجهة «التطرف» والاندراج في نظامٍ إقليمي يُعاد تأسيسه بشروطٍ وبقوى مختلفة. وهذه الأخيرة قد يسفر عنها التفاوض الأميركي- الإيراني الذي يعطيه أوباما أولوية إقليمية واضحة.

اذا كانت الأوصاف التي أسبغها اوباما على القوة الأميركية صحيحة، وهي كذلك على الأرجح، فإن استخدامها للتشديد على صحة مواقفه في الملفين السوري والاوكراني بوجه الانتقادات الموجهة اليه في اميركا نفسها، يبدو غير منطقي ولا يتعدى حدود التمديد لمراوحة واشنطن الغالبة بين تطرفين: الانعزالية والتدخلية الجامحة، بما لذلك من دلالات على اختلال في آليات تشكل القرار السياسي الأميركي وليس في «النظام» الدولي وحسب.

* كاتب لبناني

الحياة

 

 

 

 

عقيدة أوباما» مع الإصرار والتعمّد/ عبد الوهاب بدرخان

لا تدخلٌ أميركياً، ولامغامرات عسكرية في الخارج.. هكذا تكلمّ باراك أوباما عمّا بات يُعرف بأنه «انسحاب» أميركي، وهذا أمر عظيم يحقق أمنية عالمية مزمنة. على الفور تأتي «ولكن»، ولكن ماذا عن بضع عشرات النزاعات والمعضلات التي خلّفتها التدخلات القديمة والحديثة حتى الآن؟ كيف يمكن عدم التدخل إذا عادت الأوضاع هنا وهناك إلى ما كانت عليه عندما استوجبت التدخل؟ وكيف يمكن عدم التدخل إذا كان «النظام العالمي» لا يزال على حاله منذ بنته الولايات المتحدة على أساس أنها مستعدة وراغبة في التدخل، ودائماً بذريعة حماية مصالحها أو أمن حلفائها. وأخيراً كيف يمكن الانسحاب مع ترك قوى أخرى، دولية أو إقليمية، وقد شرعت في التدخل، غير آبهة بأي ردع ومحاسبة، ومتغوّلة إلى حد إغلاق مجلس الأمن الدولي وتعطيله.

في منتصف ولايته الثانية، ورغم الانتقادات القاسية التي تعرّضت لها سياسته الخارجية في الداخل وحول العالم، خصص أوباما خطابه في الأكاديمية الحربية في «وست بوينت» للمصادقة مجدداً على «عقيدته» والإصرار عليها. واقعياً، لم ينس أوباما شعار حملته الرئاسية الأولى «نعم نستطيع التغيير»، وأصبح مؤكداً أنه يريد مغادرة الأبيض باعتباره الرئيس الذي لم يأخذ أميركا إلى أي حرب جديدة، وهو على عكس أسلافه لا يخشى وصمه بأنه «ليس محارباً». أما التغيير الذي يطرحه ويمارسه، بل نال عليه «نوبل للسلام» كجائزة مسبقة، فيتناول مفهوم الزعامة/ القيادة الأميركية للعالم ونمط مزاولتها («ليس السؤال عما إذا كانت أميركا ستقود بل كيف»)، ويتناول أيضاً وسائل انتزاع المصالح وحمايتها، فضلاً عن تبديل شبه جذري في نظرة مؤسسة الحكم الأميركية إلى وظيفتها الكونية وتبديد النزعة العسكرية التي غلبت عليها لعقود طويلة.

ولا بدّ أن يعني هذا التغيير سعياً إلى اجتراح قيم جديدة مستمدة من فائض القوة والهيمنة، لكنها قيم ستبقى لفترة غير قصيرة تحت الاختبار. وطالما أنه لا يمكن الجزم بأن أي رئيس مقبل سيعتنق هذه القيم ويحافظ عليها، فإن الإرباك الحالي الذي تتسبب به سياسة أوباما سيتحوّل إلى صداع دولي آخر للتأقلم مع «مبادئ» مَن يخلفه، فيصدق عندئذ القول إن السياسات الأميركية قد تنتقل من نقيض إلى نقيض كل أربع سنين.

هذه سياسة كانت لتبدو أكثر نجاعةً وحكمةً، لمصالح أميركا وضحاياها معاً، لو أنها تتم في بيئة دولية غير ملغّمة بهذا الكمّ من التوترات والتعصّبات والتطرفات.

لكن أوباما يبدو في «عقيدته» كمَن يفكّر وينظّر متناسياً أولاً أن التدخل مسؤولية دولية وليس امتيازاً، بل متناسياً أيضاً المسؤولية المباشرة وغير المباشرة، التي تحتكرها أميركا وتصرّ عليها، سواء في إشعال النزاعات وإدارتها أو في إدارة التفاوض لحلّها من دون أن تكون لديها إرادة حقيقية لحلّها، لأن أميركا اعتادت وعوّدت الآخرين على أن مصالحها لا تُصان إلا في ظلّ نزاعات مستمرة ومتفاعلة ومستدامة. وكمثال فحسب، لا يمكن لأميركا مغادرة الشرق الأوسط قبل أن تحل الصراع العربي – الإسرائيلي بكل جوانبه، خصوصاً أن العرب أبدوا تعاوناً وقدّموا تنازلات ما لبثت أن انعكست على مجتمعاتهم.

ولا يمكن الانسحاب من المنطقة قبل أن يوضع حدّ لمغامرات إيران التي وضعت الشعوب على شفير حروب طائفية ومذهبية، وربما كان فصل المفاوضات النووية عن سواها قراراً صائباً، لكن خوض المفاوضات السياسية سراً لا بدّ أن يشعل الشكوك في «صفقات» بين أميركا وإيران.

لا شك أن أوباما استند في بناء عقيدته إلى فلسفة خاصة وشخصية، وقد تكون سياسة العقوبات التي رسمتها واشنطن هي التي شجعته على التمسّك بـ «عقيدته». فالتجربتان الأكثر أهمية تتفاعل إحداهما منذ سنوات ضد إيران، أما الثانية، فلا تزال قيد التبلور ضد روسيا وتدخلها في أوكرانيا ولم تكتمل بعد. وإذا كان بالإمكان ادعاء نجاح ما لهذه السياسة كبديل من التدخل العسكري والحروب، فإن العقوبات الأكثر قسوة على سوريا وقبلها على ليبيا والعراق لم تجدِ نفعاً طالما أن الحكام لا يبالون بتدمير بلدانهمِ. وإذ تلفت «عقيدة أوباما» الأميركيين إلى أن التدخلات «مكلفة» فإنها تنطوي على بعد «لا إنساني» مثير للاشمئزاز، كونها تقترح علناً ومسبقاً عدم الاكتراث بالخسائر البشرية وبالأكلاف الهائلة للشعوب اقتصادياً وسياسياً. والأكثر فظاعة أنها تساهم عمداً في إطالة الأزمات، ويمكن أن تسفر عن انتصار طاغية على شعبه.

الاتحاد

 

 

 

بعد “حماس” و “طالبان” متى دور سوريا؟/ سميح صعب

لا تغير الاوصاف التي أطلقتها المعارضة السورية والدول الداعمة لها على الانتخابات الرئاسية السورية التي فاز فيها الرئيس بشار الاسد بولاية جديدة، في الواقع السياسي الذي فرضته الانتخابات والواقع العسكري الذي فرضه تقدم الجيش النظامي على أكثر من جبهة منذ أكثر من سنة.

ولن تساهم المساعدات العسكرية الفتاكة منها وغير الفتاكة التي يعتزم الغرب تقديمها الى المعارضة السورية المصنفة في خانة الاعتدال، سوى في تعميق المأساة السورية وإطالة أمد حرب بدأت شظاياها تطاول الغرب نفسه الذي يحشد قواه من أجل مواجهة جهادييه “العائدين من سوريا”.

حتى الآن لا تسلك واشنطن طريق الواقعية السياسية سبيلاً الى حل الازمة السورية عكس ما تفعله في أزمات اخرى. فالولايات المتحدة تمردت على الموقف الاسرائيلي وقررت التعامل مع حكومة التوافق الفلسطينية التي هي ثمرة المصالحة بين حركتي “فتح” و”حماس” . كما ان واشنطن لا تجد مشكلة في تنفيذ عملية لتبادل الاسرى مع حركة “طالبان” الافغانية تمهيداً لفتح حوار مباشر مع الحركة التي كانت توفر الملاذ الآمن لـ”القاعدة” عندما هاجم التنظيم الاصولي نيويورك وواشنطن في 11 أيلول 2001.

وفي حالتي “حماس” و”طالبان” تسلك الولايات المتحدة طريق الواقعية السياسية سبيلاً للبحث عن حلول. أما في ما يتعلق بسوريا، فالموقف الغربي عموماً والاميركي خصوصاً لا يزال أسير مواقف اطلقت بعيد الاحداث في سوريا في اذار 2011. والاشارة الوحيدة التي صدرت في اتجاه موقف أكثر عقلانية كانت عدول الرئيس الاميركي باراك أوباما عن توجيه ضربة عسكرية الى سوريا العام الماضي، فيما لم يعرف ما اذا كان كلام وزير الخارجية الاميركي جون كيري في بيروت قبل أيام عن مناشدته روسيا وايران و”حزب الله” ايجاد حل للأزمة السورية يصبّ في هذا الاتجاه.

لذلك تقتضي الواقعية السياسية من الولايات المتحدة تغييراً في الخطاب والسلوك بعدما تحولت الاحداث في سوريا الى تهديد ليس للمنطقة فحسب وانما بدأت تنذر بتقمص دور أفغانستان في انتاج جيل جديد من “القاعدة”. ولم يكن “أبو هريرة الاميركي” و مهدي نموش سوى طليعة هذا الجيل.

وعلى رغم تغير طابع النزاع في سوريا، لا تزال الدول الداعمة للمعارضة تفكر في حلول غير عملية. وحتى لو حصلت المعارضة المعتدلة على صواريخ أرض – جو محمولة على الكتف وهو ما يلحّ عليه الائتلاف الوطني السوري، فإن ذلك لن يكون وصفة سحرية لحسم حرب بهذه الضراوة.

وعليه ربما كان الافضل للغرب اليوم سلوك الواقعية السياسية عوض التمسك بسياسة ثبت فشلها في السنوات الثلاث الاخيرة، ولم تجلب على سوريا والمنطقة الا الويل والمآسي.

النهار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى