صفحات المستقبل

قصّة “كتاب” لن يرى الحبر/ زينب ترحيني

حرفيّاً، يدور الشاب بأبطاله. من بريده الالكتروني إلى المكاتب المغلقة، وصولاً إلى بعض الأيدي لأخذ رأي أصحابها. لا نتيجة. مصير هؤلاء، الذين هلك في خلقهم وتربيتهم وإدخالهم في دوّامة علاقات لا تنتهي، غير معروف. لن يخرجوا إلى الحياة، ولن يعرف أحد عنهم شيئاً. قد يجفّ طلاء أظافر سعاد، ويترك حسام بلاده نحو بلد جديد أكثر أماناً وراحة، وتموت الجدّة وهي تنتظر ولادة حفيد جديد، وهذا كلّه يجري في الخفاء. في ما بينهم وحدهم، وبين خالقهم.

بحثاً عن السبب، نتيجة واحدة تطفو على السطح: الأب مغمور.

– مغمور، وإلى أن يخرج من هذه الدائرة ألف فرج.

– حسناً. وكيف يخرج من هذه الدائرة؟

– لا فكرة لدينا. فليعمل وليجهد، ولينحت اسمه.

– شو يعني نحت.

– يعني نحت.

– آه، ممتاز.

المقطع السابق حوار متخيّل. لكنه حوار يتكرر على الدوام، بين ناشر وكاتب شاب قرّر الانطلاق بتجربة جديدة: النشر.

مجموعة قصص قصيرة، رواية، مجموعة شعرية… كلّه وارد. ما يتردّد على مسمعهم كثير: تحفيز وحثّ على الكتابة والنشر وخطو أولى الخطوات، على سكّة طويلة. يباشر الشاب. ينتهي العمل، يحمله على كفّه ويدور به، فيبقى في النهاية على كفّه.

قلّة من يجدون باباً. لهذا تتكدّس كثيرٌ من الأعمال في حضن كتّابها. لا دراية لهم بسوئها أو سويّتها العالية أو المتوسّطة.

هو بريد الكتروني، تُرسل عبره عملك وتنتظر. يوم، اثنان. شهر، شهران، سنة… ليضرب الملل من بعدها. مع السنة جديدة، تُعيد الكرّة. من جديد، تفتح صفحة في بريدك وتكتب إلى دور النشر ذاتها.

وأيضاً من جديد، لا ردّ من أحد. بريدك الالكتروني خالٍ. أنت كاتب مغمور، وستبقى يا عزيزي.

ما ورد هي قصّة كتاب مات.

على الضفّة الأخرى، تحيا كتبٌ كثيرة. أعمال أولى لشباب يطمحون ببدء الطريق. إذاً، فلنفتح الباب على تعنّت لدى دور النشر، وتنازلات بالجملة لدى الشباب.

بريد الكتروني يحوي العمل الجديد. اتّصالات متكرّرة على دار النشر. طلبٌ بالحصول على ردّ، أقلّه لمعرفة نوعيّة خطوتك التالية. هل تنتظر أم تراسل دور نشر أخرى؟ دور النشر كثيرة والعناوين الالكترونية متوفّرة، كذلك أرقام الهواتف، ويمكنك المراسلة والاتصال. لكنّ كلّه بالدور.

اتصال ثانٍ: ترحاب ووعد بمتابعة ملفّك المرسل. انتهى الاتصال.

تصل إلى بريدك رسالة مُفرحة، تقول في مضمونها أنّ عملك ستتمّ إحالته إلى لجنة تحكيم مختصّة. والقرار لها. مصيرك في يدهم. أبطالك في يد خمسة مجهولين بالنسبة لك، وأنت بدورك مجهول بالنسبة لهم.

لكن قبل إتمام القصّة. في حال كان في نيّتك إصدار بعض القصائد، فلتتجهّز لإجابة واحدة: عفواً عيني، لا نطبع شعرا، فهو لا يبيع.

لا دار نشر ستتولاك. ستترنّح إلى جانب كتابك لسنوات. تعرض قصائدك على أبرز الشعراء، يتغنّون بها وبك ويصولون ويجولون إشادةً بإنتاجك. في النهاية، يقدّمون النصيحة: “اطبع على حسابك ووزّع”.

لا مطابع ولا حبر ولا قرّاء، يعني لا مردود ماديّ. ما يعني: لاّ تتعب نفسك بحلم النشر على حساب أحد.

حال واحد وجواب واحد في وجه الشعر والقصص القصيرة، إلاّ إن تكلفت أنت بالطباعة. 2000 دولار تقريبا لطباعة ألف نسخة. ادفع لدار النشر وهي ستتولى الطباعة والنشر والتوزيع. بعدها يمكن النقاش في نسب الأرباح المتبادلة. طبعاً ليس بالتساوي، بل بحدود الـ25 في المئة للكاتب.

للعمل الروائي قصّة أخرى. الحصول على ردّ بإحالتها إلى لجنة التحكيم هي خطوة ايجابية. وطبعاً، كلّه قبل الدخول في معمعة نقاش لجان التحكيم والمعايير وخلافه…

اتصال: وافقت اللجنة على نشر روايتك.

بدأت رحلة جديدة. ليس منطقيّاً أن تتخيّل، ككاتب جديد تحصيل الأرباح. لا عزيزي. فلتُسقط الخيرات فوق رأس الدار بسبب موافقتهم. أصلاً، لا وجود لسوق: ردّ دائم أبديّ سرمديّ. عليك اعتياده.

في الاتفاق، كثيرٌ من البنود. أغلب الأحيان تفرض الدور الأفق الزمني لعقدها. لا علاقة للكاتب بالتوزيع. قد يعدونك بأفضل عملية، لتجد نفسك نهايةً أمام عمل محصور في شارع الحمراء. عند المطالبة حجج كثيرة:

– الجنس لا يدخل إلى الخليج.

– الكتاب لا يبيع، ليست سوقه تلك البلاد.

– الحبكة لا تليق بمصر.

– أرسلناه إلى المعارض ولا ذنب لنا هنا.

– سقط الكتاب سهواً.

– ابحث عنه جيّداً ستجده.

يصدر الكتاب:

ككاتب، عليك الالتزام بشراء 500 نسخة.

إذا أردت حفل توقيع، عليك تصريف 400 نسخة مثلا وإلاّ ستتكفّل شخصيّاً بثمنها.

صيغة أخرى: لك من أرباح كل كتاب عشرة في المئة أو خمس عشرة في المئة. هذا طبعاً بعد اقتطاع كلفة الطباعة من كل نسخة. وهذا يختلف بحسب اختلاف الدار. لكن، على الكاتب التجهّز لغياب أي شكل محاسبة مالية منطقيّة. لن تعرف شيئاً عن أرقام المبيعات. اللهم إلاّ في ما ندر.

في النهاية، لن تأكل خبزاً عزيزي الكاتب المغمور. جد عملاً ثانياً. اكتب في الشقّ الأول من وقت فراغك وابحث عن ناشر في الشقّ الثاني.

وهكذا ستمرّ الأيام، علّها لا تطحنك مع عملك قبل رؤيتكما الضوء وأخذ النفس الأول.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى