صفحات العالم

الانتفاضة الشاملة الوسيلة الوحيدة لإطاحة الأسد


ادريان هاميلتون ()

لا توجد “نقطة لا عودة” في سوريا. أو أنه وجدت لغاية الآن واحدة قبل عدة أشهر، عندما أطلق النظام العنان لقواته لسحق المراكز الرئيسية للمعارضة وفشل في قمعها، كما فعل والد الرئيس السوري بشار (الرئيس الراحل) حافظ الأسد في حماه.

والفكرة بأن تشكل مجزرة الحولة نقطة حاسمة شبيهة لاعتداء (الرئيس الليبي الراحل معمر) القذافي على بنغازي، أو المذبحة التي نفذها (الرئيس العراقي الراحل صدام) حسين ضد الأتراك، ما أتاح التدخل الغربي، تبقى لغاية الآن مرغوبة أكثر منها توقعاً محتملاً.

هذا الاحتمال لن يقع. ليس لأن أفعال الرئيس الأسد ليست وحشية بما يكفي، فهي على العكس كذلك. لكن ظروف نجاح تدخل عسكري من الخارج ليست متوفرة. في حالة الأكراد العراقيين، والثوار الليبيين وحتى مسلمي البوسنة، كان بإمكان الغرب فرض سيطرة جوية مطلقة وتغيير ميزان القوى.

لكن سوريا ليست كذلك. الصراع فيها أشمل لكنه أكثر انتشاراً، مسار انتفاضات فردية تغذيها المشاعر المحلية، وقودها رجال فروا من الخدمة العسكرية ومسلحون حتى الآن بكميات محدودة من الأسلحة الخفيفة والذخيرة تمكنوا من الاستيلاء عليها.

وبطريقة معينة، كان ذلك لصالح الثوار. فالقوات الأمنية الحكومية تملك التسليح الكافي لردع التهديدات، لكنها لا تملك الوسائل التي تسمح لها باجتثات المعارضين الذين يقاتلون في المجتمعات المدنية. ولذلك، لجأت دمشق إلى محاولة سحق مراكز المعارضة من خلال المدفعية والاقتحامات العسكرية، ولذلك أيضاً استخدمت ميليشياتها الطائفية لدخول الشوارع والأزقة وارتكاب المجازر بالوحشية التي شاهدناها في الحولة.

الكلفة على المدنيين هائلة. لكن وطالما أن المعارك انتشرت عبر جميع أنحاء البلاد، فإن دمشق تجد صعوبة في إلحاق الضربة القاضية بمدينة معينة، كما تمكنت من فعل ذلك بحماه في العام 1982، أو كما فعل الألمان مع انتفاضة وارسو في العام 1944 عندما وقف الروس موقف المتفرج (تماما كما يفعلون اليوم) وسمحوا بحدوثها.

لكن من الخطأ تشويه سمعة الروس في هذه المسألة كما فعلت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أمس. من الجيد تقديم اقتراحات إلى مجلس الأمن الدولي لإصدار قرارات بالنظام السوري وشجب موقف روسيا والصين لعدم انضمامها إلى هذه الاقتراحات. لكن ماذا لو قررت روسيا الامتناع عن التصويت عليها عوضاً عن استعمال حق النقض، ماذا يحدث حينها؟

لا يستطيع العالم الخارجي إنهاء الصراع السوري من خلال التفوق الجوي فقط. أما إرسال القوات الخارجية فلن يزيد من الأمر إلا سوءاً على الأرض، من خلال توريط القوات الأجنبية في صراع طائفي كما شهدنا ذلك في العراق.

وفي هذا الوضع، تبدو روسيا أمام خيارات مستحيلة تماما كما هو الموضوع بالنسبة للغرب. فموسكو ليست لديها أي مصلحة في نجاة الأسد ونظامه، ليس في ظل هذه الظروف، غير أنها تجد صعوبة في معرفة كيفية إنهاء الصراع بطريقة يمكن السيطرة عليها.

وفي هذا المنطق، تبدو موسكو على حق حين تقول إن تسليح المعارضة سوف يجر الوضع إلى خسائر مدنية كثيرة. لكن ما هو البديل؟ القول للمعارضة بالاستسلام وترك الساحة للرئيس الأسد وعائلته التي فقدت مصداقيتها؟ الأمر أصبح أبعد من ذلك بكثير.

وإذا كان هناك من حل سريع للصراع، فذلك لن يكون إلا من خلال انتصار واضح لفريق على آخر. وإذا كان الفريق المنتصر غير الأسد، فذلك يعني أن تكون المعارضة المسلحة والمنظمة بشكل جيد قادرة على التغلب على القوات الأمنية. على السوريين أن يخافوا من القتال المحصور المستمر أكثر مما يخافوا من حرب شاملة يغذيها ويمولها الخارج.

غير أن الأمل الوحيد هو أن يتزايد، نتيجة قمع الأسد الوحشي، الشعور الشعبي بأن لا مستقب لبلادهم في ظل هذا النظام، ما يولد انتفاضة عارمة تؤدي إلى اطاحته. هذا رهان كبير، لكن إذا كانت مجزرة الحولة تساعد على توليد هذا الشعور، فإنها تكون فد شكلت ما يمكن اعتباره نقطة اللاعودة.

ترجمة :صلاح تقي الدين

() “الاندبندنت “1/6/2012

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى