صفحات العالم

أما آن لهذا الجحيم ان يترجل؟


خالد غزال *

عشرون شهراً انقضت على جحيم يحيا الشعب السوري في قلبه، حاملاً الدمار والموت في كل مكان. عند بدء الانتفاضة، كان تعداد الضحايا بالعشرات يومياً، واليوم قفز الرقم الى المئات، وليس بعيداً ان تدور الأرقام على الآلاف يومياً. ما يزيد الأمر صعوبة ان هذا النفق لا يؤشر الى بصيص نور حول نهايته، بل انه لا قعر مرئياً له.

لم يتزحزح النظام عن المعادلة التي قال بها منذ انطلاق الانتفاضة والقائلة : إن مصير سورية رهن ببقاء النظام، وهي معادلة نجح نجاحاً باهراً في ترجمتها على الأرض عبر تدمير سورية، مجتمعاً وبشراً وحجراً وتراثاً وتاريخاً.. ولن يتوقف. خارج مسلسل القتل، تدور محاولات تهدف الى تسوية سياسية، ما يظهر منها لا يتجاوز الفقاقيع، ولا يؤشر الى أي جدوى.

يبدو المسعى الذي يقوم به المندوب الدولي-العربي الأخضر الابراهيمي هو الأبرز. انتقل الابراهيمي من تفاؤل حذر في بداية مهمته، ليصل الى تحذير بأن الأزمة السورية تبدو الأكثر استعصاء في العالم. تطرح على لسانه اقتراحات من قبيل إرسال قوة من ثلاثة آلاف رجل لحفظ الأمن في سورية، ثم لا يلبث ان ينفيه. يتنقل بين الأقطار العربية والإقليمية باحثاً سبلَ الحل، فتبدو حركته أشبه بتقطيع الوقت. حتى الآن يرفض الإقرار باستحالة نجاح مهمته، وأن ما اصاب كوفي انان هو نفسه ما يعاني منه. يدرك جيداً ان الاستعصاء ناجم عن رفض النظام السوري ورئيسه تقديم أي تنازل، بل يعرف ان قرار الرئيس الأسد استمرار القمع الدموي للانتفاضة مهما كلف سورية من ثمن، على امل النجاح في إنهائها.

مبادرة ثانية أطلقتها القيادة الإيرانية تقوم على حل لمرحلة انتقالية فيها انتخابات نيابية ورئاسية، تجري بقيادة الرئيـس الأسـد نفـسه. تـخوض ايـران ومعـها حزب الله في لبنان معركة مصيرية لبقاء الرئيـس السـوري، بما يـمكن القـول انهـا معـركة حـياة او موت. تتدخل إيران وحليفها اللبناني بشكل فاضح في الأحداث السورية، عسكرياً ولوجستياً ومالياً.. ولا تخفي القيادة الإيرانية هذا التدخل. تبدو مبادرتها أشبه بمهزلة سخيفة، من نظام هو جزء من المعركة يطرح حلولاً تهدف الى شيء واحد هو إنهاء الانتفاضة وتكريس النظام القائم من دون أي تعديلات.

لا يبدو الموقف الروسي قادراً على استيعاب مدى التحولات التي أصابت سورية منذ الانتفاضة، وحجم ما تكبده النظام من خسائر على الصعيد الجغرافي، فهو يتصرف على أساس أن شيئاً لم يحصل بعد، ويصر يومياً على أن الرئيس الأسد باق، وان هناك استحالة لسقوط النظام.

يحار المراقبون في تفسير هذا الموقف، هل باتت مصالح روسيا في العالم العربي متقلصة الى درجة لا تجد فيها سوى النظام السوري المتهاوي حارساً وضامناً لها؟ ام ان روسيا تريد ثمناً غالياً للتخلي عن الأسد على الولايات المتحدة الاميركية والغرب ان تقدمه لروسيا للتوقف عن استخدام الفيتو؟ في كل الأحوال، كما ان إيران مسؤولة عن الدم السوري المتدفق مباشرة، فان روسيا تبدو أيضا مسؤولة عن هذا الدم ولو كان بشكل غير مباشر.

لا تزال المراوغة السمة المركزية لمسلك الولايات المتحدة والغرب تجاه الانتفاضة السورية ومصير الشعب السوري. على رغم الادعاءات الغربية التي لم يجف حبرها حتى الآن عن الدفاع عن حقوق الإنسان، فإن هذا الشعار يبدو ممتنعاً عن التطبيق في سورية اليوم. رفض الغرب حتى الآن إنشاء منطقة حظر جوي في المناطق الواسعة التي حررتها الانتفاضة.

لم يطلب أحد من الجيوش الاجنبية التدخل، لكن مطلب المعارضة السورية هو الوفاء بوعود سالت في المراحل الأولى من الانتفاضة بضرورة قيام منطقة حظر جوي. تبخرت الوعود بالدعم المادي واللوجستي، وبدا ان الغرب يرفض دعم معارضة قد تقلب ميزان القوى العسكري لصالح الانتفاضة. وآخر تقليعة طلع بها الغرب هو الامتناع عن تسليح المعارضة خوفاً من وصول السلاح الى القوى المتطرفة. وهو عذر لا معنى له سوى الهروب من مسؤولية الوقوف مع الشعب السوري. لا يبدو ان الغرب قد تخلى حتى الآن عن نظرية ضرورة وصول الصراع الى أعلى ذراه، بما ينهي سورية وقوتها ودورها ويحولها أشلاء.

تبقى كلمة حول المعارضة السورية. عندما انطلقت الانتفاضة كان واضحاً ان أحد مآزقها الاساسية انتفاء وجود معارضة سياسية متكونة قادرة على توظيف الأحداث السورية في مشروع سياسي بديل. فالنظام السوري على يد حافظ الأسد وابنه سجل نجاحاً باهراً في إفناء المعارضة السورية طوال عقود. كان من الواضح ان من الصعوبة بمكان تركيب «معارضة على عجل»، فهذا التكوّن والتبلور له قوانينه وزمنه، لذا كان من الظلم توجيه النقد للمعارضة على الفوضى التي تعيشها وعلى تشتتها. أما اليوم، وبعد عشرين شهراً على الانتفاضة، فمن حق داعمي الشعب السوري ان يتساءلوا عن سبب هذا الارتباك في تنظيم المعارضة السورية وأدائها، والعجز عن بلورة مشروع سياسي موحد، وعن وضع حد لخلافاتها قبل ان تصل الى السلطة.

لا تلوح في الأفق نهاية لتلك الجلجلة الطويلة التي فرضت على الشعب السوري، لكن الأمل يظل قوياً في ان الشعب الذي أطلق انتفاضة واستمر بها ودفع هذه الكلفة الهائلة من الدماء والدمار، سيكون بإمكانه، مهما طال الزمن، الوصول بسورية الى عهد جديد بعد إطاحة نظام القمع والاستبداد.

* كاتب لبناني.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى